الأردن كيان قلق. بحكم موقعه. وبحكم تركيبته. وقدر ملك الأردن ان يتحرك دائماً لتبديد القلق وجبه الأخطار أو استباقها. وقيل ايضاً، ومنذ عقود، ان قدرة الملك على تبديد القلق مرهونة بعاملين: علاقة حميمة بالناس بفعل فهم عميق للتركيبة السكانية والاجتماعية وشبكة أمان من العلاقات العربية والدولية، لا تتجاهل التغييرات التي تصيب موازين القوى. على مدى عقود اعتمد العاهل الأردني الراحل الملك حسين هذه القاعدة الذهبية. ولم تكن المهمة سهلة دائماً. مملكة محدودة الموارد وإقليم مضطرب ونزاع عربي – إسرائيلي لا يمكن إلا أن يتردد صداه داخل العائلة الأردنية – الفلسطينية المحكومة بتعايش يحتاج الى صيانة دائمة، لإبقاء حلم الفلسطينيين بدولتهم قائماً، وإبقاء استقرار الأردن مضموناً. وكان على الملك ان يلتفت باستمرار الى مراكز القرار في العالم، خصوصاً في واشنطن ولندن. وأن يلتفت دائماً الى ما يجري في بغداد ودمشق وبينهما، وكذلك الى القاهرة والرياض. وكان على الملك ان يقرأ مبكراً اتجاهات العواصف والرياح، خصوصاً ان الحلم الإسرائيلي بشطب الشعب الفلسطيني هويةً وأرضاً يثير الخوف من البدائل.
في بدايات شباط (فبراير) 1999 كان على الملك حسين ان يغالب وطأة المرض القاتل، وأن يفكر في مستقبل المملكة التي أمضت عقوداً في ظله، وإلى جانبه ولي عهده شقيقه الأمير حسن. وفي النهاية اختار إحداث نقلة في الأجيال والأسلوب، ربما لإعطاء الأردن فرصة لفتح صفحة جديدة في الداخل والخارج. وها هو الملك عبدالله الثاني يروي لـ «الحياة» انه لم يبلغ ابداً انه سيكون الملك المقبل. ويقول ان والده استدعاه قبل أيام من رحيله وقال له: «تعرف أنني مريض جداً وعليّ العودة الى مايو كلينيك خلال 24 ساعة الى 48 ساعة وأن فرص نجاتي من العملية التي سأُجريها محدودة جداً (...). إنني أسميك ولياً للعهد، لكنني قد لا أعيش طويلاً».
وتحت وطأة الصدمة والمشاعر أدرك أكبر أنجال الملك حسين ان القدر استدعاه للقيام بمهمات تتجاوز ولاية العهد. وفي 7 شباط سيؤدي اليمين الدستورية بعد ساعات على رحيل والده.
حمل الملك الشاب معه برنامجاً للإصلاح والتحديث، مدشناً علاقة مباشرة بالناس، ومستمعاً الى توقعاتهم وحاجاتهم. لكن ظروف العقد العاصف لم تسهل المهمة. كانت هناك هجمات 11 أيلول (سبتمبر). والحرب الأميركية في العراق. وانتكاس تطلعات السلام على الجبهة الفلسطينية – الإسرائيلية. واستهداف الإرهاب عمان في 2005. والانقسامات في العالم العربي وتبدل أحجام الأدوار في الإقليم. وكان على الملك ان يبحر في هذا الجو المضطرب متسلحاً بالقاعدة الذهبية نفسها: علاقة متينة مع الشعب في الداخل، وشبكة أمان في الخارج مع قراءة دائمة للمتغيرات. ولعل أكبر إنجاز حققه الأردن في العقد العاصف هو الحفاظ على استقراره، في وقت شهدت بلدان عربية عدة تمزقات بالغة الخطورة.
ولد عبدالله الثاني في الثلاثين من كانون الثاني (يناير) 1962، وهو الابن الأكبر للملك حسين والأميرة منى. تلقى علومه الابتدائية في الكلية العلمية الإسلامية في عمان، ثم تابع دراسته في بريطانيا وأميركا. وفي إطار تدريبه في القوات المسلحة الأردنية التحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا عام 1980. وفي 1982 التحق بجامعة اوكسفورد لمدة سنة وتابع دراسات في شؤون الشرق الأوسط. عمل في سلاح الدبابات في الجيش الأردني وفي جناح الطائرات العمودية المضادة للدبابات، وتأهل كمظلي وفي القفز الحر، وكطيار مقاتل على طائرات الكوبرا العمودية. وفي 1987 التحق بكلية الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون وأنهى دراسات في الشؤون الدولية. تولى مسؤوليات في الجيش ورقي الى رتبة لواء عام 1998.
سألت «الحياة» الملك عن ظروف توليه العرش كما سألته عن الملك وعائلته واهتماماته، وهنا نص الحلقة الثالثة والأخيرة من الحوار:
> شهد عهدكم تغيير سبعة رؤساء حكومات. هل يعتبر هذا التغيير الدائم أسلوباً في امتصاص الأزمات؟
- لا ليس لامتصاص الأزمات بقدر ما هو للتعامل مع متطلبات المرحلة وأولوياتها. فهناك أهداف وبرامج لكل حكومة من أجل تنفيذها وترجمتها إلى واقع ينعكس في شكل إيجابي على المواطن، وعلى تحقيق أهداف البلد في التنمية والتطوير، بالتالي يكون التغيير من أجل التعامل مع هذه المتطلبات. أحياناً يكون هناك تباطؤ أو تلكؤ أو يثبت عدم القدرة على تنفيذ هذه السياسات والبرامج، وأحياناً يكون هدف التغيير إدخال دم جديد أو آلية جديدة للتعامل مع المرحلة ومتطلباتها. التغيير ليس هدفاً بحد ذاته ونقوم به عندما نرتإي أنه يساهم في تصحيح الأخطاء والوصول إلى الأهداف التي نريدها لمصلحة الأردن.
> هل يمكن القول إن العلاقات الإقليمية والدولية شرط لاستقرار الأردن، ومنع أي حلول على حسابه؟
- يتمتع الأردن بعلاقات قوية مع الأشقاء العرب والدول الإسلامية، ولنا أيضاً علاقات دولية متينة ومتطورة. هذه العلاقات تعكس احترام المجتمع الدولي للأردن وسياساته ودوره، ونحن نوظف هذه العلاقات من أجل مصلحة الأردن ونحاول الاستفادة منها لفتح الآفاق أمام اقتصادنا وأمام شبابنا. ونوظفها أيضاً من أجل خدمة قضايانا العربية والإسلامية، تحديداً القضية الفلسطينية التي تشكل أولوية بالنسبة إلينا. فللمجتمع الدولي دور كبير في الجهود المستهدِفة إنصاف الشعب الفلسطيني وتحقيق طموحاته، وفي كل تحركاتنا الدولية وعبر كل علاقاتنا نعمل لحشد الدعم المطلوب لقضايانا العربية.
والحمد لله الأردن يحظى بصدقية كبيرة في المجتمع الدولي، وهذا إرث والدي رحمه الله، ونحن فخورون بأننا استطعنا الحفاظ على هذا الإرث والبناء عليه لمصلحة وطننا وقضايانا.
> هل يمكن فصل علاقاتكم بـ «حماس» وما شهدته من اختبارات عن علاقتكم بالإسلاميين داخل الأردن؟
- نعم، فحماس ليست حزباً أردنياً، وسياستنا هي ألا نسمح لأي تنظيم أو حزب غير أردني بالعمل في الأردن. أما بالنسبة الى الحركة الإسلامية، فهي جزء من النسيج الوطني والحراك السياسي، ونحن نشجع أن تنخرط كل التيارات السياسية والأحزاب في الأردن في مسيرة البناء وفي خدمة المصالح الوطنية وفقاً للقانون. وما نريده في شكل عام هو تطوير الحياة السياسية في الأردن، بحيث يساهم الجميع في مسيرتنا. ومعيارنا في التعامل مع الجميع هو الالتزام بالقانون والعمل لخدمة المصلحة الوطنية.
دور المؤسسة الأمنية
> هل يلعب الملك دائماً دور الضابط لصراع الإصلاحيين والمحافظين؟ وهل صحيح أن الدور السياسي للمؤسسة الأمنية تراجع أخيراً؟
- الصحيح أنني أحب أن أبتعد عن هذه المصطلحات. فأنا أرحب بالاختلاف في وجهات النظر، إذا كان هذا الاختلاف حول كيفية خدمة مصلحة وطننا، ولكن إذا كان منطلقاً من أهداف وأجندات شخصية ولخدمة مصالح ضيقة، فهذا ما نرفضه لأنه في النهاية يعطّل مسيرة الأردن.
أولويتي هي الأردن وتحقيق مصالح شعبي. وأنا منفتح على كل وجهات النظر وكل الآراء التي تضع المصلحة الوطنية في مقدمة أولوياتها. ولطالما دعوت إلى تطوير أحزاب وآليات عمل جماعية تعتمد على العمل البرامجي، وتتفق وتختلف في ظل القانون. وأتطلع إلى اليوم الذي يكون فيه التنافس في الانتخابات النيابية بين أحزاب، وعلى أساس البرامج وبين الأفكار لأن ذلك يثري مسيرتنا ويوفر التعددية التي يحتاجها أي مجتمع، ويؤدي إلى تطوير كل آليات العمل في البرلمان والحكومة. للأسف لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، وأملي أن تشهد المرحلة المقبلة تطوراً في هذا الاتجاه.
أما بالنسبة الى المؤسسة الأمنية، فهي تقوم بدورها على أكمل وجه بحسب الواجبات المحددة لها، وليس هناك أي تراجع في دور هذه المؤسسة. على العكس هناك تطور مستمر، وأعتقد أن جميع الأردنيين يقدّرون الدور المهم الذي تقوم به هذه المؤسسة في حماية الأردن وأمنه واستقراره.
> في 7 شباط (فبراير) 1999، أعلنت وفاة المغفور له الملك الحسين، وبعد ساعات أقسمتم اليمين ملكاً للأردن. ماذا كان شعوركم وأنتم تتولون مسؤولية بهذا الحجم وتخلفون شخصية استثنائية؟
- حزن لا يوصف، إحساس ثقيل بالخسارة... مهما قلت لن أستطيع أن أصف لك مشاعري وحزني وألمي في ذلك اليوم. فقد فقدت أبي وفقدت ملكي وبحكم تربيتي وقيمي، أنا الذي أمضيت سنوات طويلة في الجيش، لم يكن وقع فقدان ملك الأردن أقل من وقع خسارة الأب... مثل جميع الأردنيين فقدت ملكي وقائداً عز نظيره. كان يوماً صعباً وكما تعلم كان هناك شعور جامح بالحزن عند جميع الأردنيين، وشعور بالخوف في البلد. كان هاجسي أن أكون بحجم المسؤولية الضخمة التي حمّلني إياها، أن أستطيع ملء الفراغ الكبير الذي تركه، أن أواجه التحديات وأكمل مسيرة البناء التي بدأها... كنت مصمماً على أن لا أخيّب ظنه، وأن لا أخذل شعبي.
وصية الملك حسين
> هل ترك لكم الملك الحسين وصية خطية أو شفوية؟
- لا، لم يترك وصية مكتوبة... إرثه هو وصيتي. ترك لي وصية شفهية، جلسنا مرات عديدة من قبل، وفي الأيام العصيبة الأخيرة من حياته، جلسنا وتحدثنا عن رؤيته وأهدافه لمستقبل الأردن.
> متى أبلغتم أنكم ستكونون الملك المقبل؟
- لم أبلغ أبداً بأنني سأكون الملك المقبل. دعاني والدي، رحمه الله، للحديث معه وأبلغني أنه سيسميني ولياً للعهد قبل يومين من تسلمي هذه المسؤولية. قال لي: «تعرف أنني مريض جداً وعليّ العودة إلى مايو كلينيك ، خلال 24 إلى 48 ساعة، وفرص نجاتي من العملية التي سأجريها محدودة جداً». وخلال هذا الحديث المشحون بالعواطف، أدركت أن القضية ليست فقط تحمل مسؤولية ولاية العهد، فقد كان يقول لي في شكل أساسي: «إنني أسميك ولياً للعهد لكنني قد لا أعيش طويلاً». وكانت الصدمة عندما واجهت حقيقة أنني سوف أخسر والدي وملكنا وأعظم الرجال، في وقت قريب.
> اعتبر والدكم أن مهنة ملك الأردن صعبة، فهل وصلتم إلى هذا الاستنتاج بعد عشر سنوات من الممارسة، وما هو الشق الأصعب فيها؟
- نعم، هي صعبة لأنها مسؤولية كبيرة. فكما قلت في اليوم الأول، كانت لي أسرة من أربعة أشخاص والآن لديّ أسرة من أربعة ملايين، وهذه مسؤولية ضخمة لأنها تشمل الجميع: النساء والأطفال وكل أبناء أسرتي الكبيرة.
لي رؤيتي حول الأردن ومستقبله، ولا أقبل له أقل من الأفضل. لا أقتنع ولا أرضى بأداء أقل من الأفضل. فأنا أعرف شعبي، وأعرف أنه قادر على تحقيق أعلى المستويات والقدرات من أجل البلد.
والتحدي الأكبر مرتبط بالتركيبة الشخصية والثقافية عند كثيرين، ويعرف الأردنيون ما أعني، هي السلبية عند العمل على التغيير أو إنجاز أهداف كبيرة فتسمع منهم «لا، مش راح يصير، مش راح يزبط». التحدي هو النظر إلى الكأس على أنها نصف ممتلئة وليست نصف فارغة، والاستمرار في تحقيق المزيد، في مواجهة هذه السلبية. نحن باستمرار نقسو على أنفسنا ودائماً هناك الكثير من التشكيك، هناك دائماً الكثير من السلبية، وهذا شيء مضرّ. التحدي هو الحفاظ على معنويات عالية لأن من السهل أن يؤثر بعض مراكز القوى والدوائر على المعنويات ويضعفها. لذلك عندما أذهب لزيارة الجيش والناس وأرى مدى فخرهم وأرى الابتسامات على وجوههم، أقول لهم لم آتِ هنا لرفع معنوياتكم بل أتيت كي ترفعوا من معنوياتي.
> بماذا يشبه أسلوبكم في الحكم أسلوب والدكم، وبماذا يختلف عنه؟
- لكل مرحلة ظروفها. وفي عهد والدي رحمه الله، فرضت القضايا السياسية نفسها بوصفها الأولوية والشغل الشاغل، وكانت هناك تحديات مختلفة، خصوصاً في بعض الأمور الداخلية والخارجية. وأنا لا أزال أعطي القضايا السياسية ما يلزم من أولوية واهتمام، لكن الظروف الآن مختلفة والأوضاع الاقتصادية في مرحلتنا فرضت نفسها بقوة، والمستقبل مرتبط بالاقتصاد والازدهار الاقتصادي، هذا ما يرفع من شأن الدول أو يخرّبها.
لذا، من الممكن أن تكون النظرة مختلفة قليلاً. جلالة الملك الراحل كانت لديه دولة عدد سكانها أقل، لذا كانت العلاقات أكثر أبوية، وهي مسألة أصعب مع شعب بات يتكون من حوالى 6 ملايين. وربما يمكن القول إنني أدخل أكثر في التفاصيل وفي شكل مباشر بسبب المتغيرات واختلاف طبيعة التحديات، ولعل هذا أيضاً بسبب خلفيتي العسكرية، حيث يتم قياس كيفية الانتقال من النقطة «أ» الى النقطة «ب» بمعايير أداء وفترة زمنية محددة. هذه هي طريقة تنشئتي.
الملكة رانيا وصورة العرب
> كيف تنظرون إلى الدور الذي تضطلع به جلالة الملكة رانيا؟
- نعمل بروح الفريق الواحد. والدور الذي تقوم به رانيا كبير، خصوصاً في ما يتعلق بصورة الأردن في الخارج، وتغيير الصورة النمطية للعرب والمسلمين، ومتابعة قضايا مهمة في الأردن مثل التعليم وحقوق الطفل وغيرها. وأنا أشجع كل ما من شأنه إعطاء الصورة الإيجابية الحقيقية للأردن، والمساهمة في تطوير الوطن. نحن بحاجة الى جهود جميع الأردنيين لخدمة وطننا وإعطاء الصورة الإيجابية عنه.
وفي ما يتعلق بدور المرأة في شكل عام، أعتقد شخصياً أننا كدولة صغيرة لا يمكننا أن نتجاهل نصف القوى العاملة، فحتى الدول الكبيرة لا تستطيع تحمّل هذا، والأردن تحديداً لا يستطيع ذلك.
لذا فدور المرأة في الأردن في غاية الأهمية، وهناك أمثلة على نساء رائدات في مجالات متعددة. وأنا في شكل شخصي داعم للنساء لأنهن يساهمن في شكل كبير في المجتمع. وأستطيع القول على سبيل المثال، ولأنني أرعى العديد من الطلاب في الجامعات، إن أعلى معدلات التوجيهي تسجلها الفتيات. لذا ليس مقبولاً أن يستثمر بهن في التعليم المدرسي ويتم تجاهلهن بالكامل في المجتمع في ما بعد.
لا شكوى ولا تذمر
> إلى من يسرّ الملك بمشاعره حين يحزن أو يغضب؟
- في أغلب الأوقات، لا أسرّ إلى أحد. فواجبي هو حماية شعبي وعائلتي من القلق والتحديات والصعوبات. لذلك أبقي الأمور لنفسي في معظم الأحيان، فأنا أتعامل مع أمور صعبة ومزعجة وأحياناً مقلقة. الكثير من القضايا، مثل الأمن وأشخاص يريدون إيذاء الأردن. لذا فإن مهمتي وعملي ينطويان على الكثير من الوحدة، لأنك تحتفظ بالأمور لنفسك لحماية شعبك وأسرتك من القلق.
وفي القضايا الخاصة وبعض الأمور، أسرّ لأسرتي. لكن الموضوع في الغالب يكون حساساً، وأبقيه في داخلي. بكلمات أخرى، عملي لا يحتمل الشكوى أو التذمر... أنا صريح مع أبناء شعبي، أتحدث إليهم عن رؤيتي وبرامجي وخططي وأحاورهم حول التحديات وأستمع إلى آرائهم، وأسعى دائماً إلى زيادة مشاركتهم في صناعة القرار، لكنني أحمي الناس من القلق أو الإحباط.
> هل تترك لكم مشاغل الحكم وقتاً للاهتمام بالعائلة، فالملك أب وزوج أيضاً؟
- أحاول قدر الإمكان أن أجد وقتاً للأسرة. وهذا يشكل تحدياً دائماً، أن تكون موجوداً مع أولادك وأسرتك. أحاول بقدر ما أستطيع أن أقوم وزوجتي بوضع أطفالي في السرير حتى يغفوا، وأن أتناول العشاء مع الأسرة. أبذل جهدي كي أمضي الوقت الكافي مع الأسرة، ولكن، كما تعلم المسؤوليات كبيرة.
> هل يتاح لملك الأردن أن يمارس هواياته وما هي؟
- أحياناً. أحاول أن أمارس هواياتي خلال عطل نهاية الأسبوع، وأحرص على ممارسة الرياضة، لذلك أذهب في بعض الأوقات في جولات على الدراجة النارية، وأمارس الرماية. وكذلك أعمل على تصاميم نماذج عربات ودراسة أنظمة أسلحة ليتم إدخالها للجيش. أقضي كثيراً من الوقت في دراسة أفكار حول هذا الموضوع، وهذه هواية تطورت لتصبح مؤسسة، عبر «مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير» الذي أصبح مؤسسة رائدة في الصناعات الدفاعية، تساهم في رفد الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات جيشنا العربي.
> وهل يحنّ الملك إلى الثياب العسكرية؟ وكيف يصف علاقته بالجيش؟
- بالتأكيد. الحياة كانت أكثر بساطةً عندما كنت في الجيش. افتقد رفقة جنودي، لأن الناس في الجيش أكثر صراحة ومباشرة، وهذه ليست حال السياسة للأسف. وافتقد عامل المخاطرة الذي كان دوري يتطلبه كمظلي. وهذا شيء يفهمه الرجال الذين عملوا في القوات المسلحة. وفي موقعي من خلف المكتب أتوق دائماً لأسلوب الحياة العسكري.
سألتني كيف أصف علاقتي بالجيش، الجيش عائلتي. أمضيت 20 سنة معهم ومازلت على اتصال بهم ولا حدّ لمشاعر افتخاري واعتزازي بهم.
> كيف يمضي الملك يومه؟
- بالعمل، هناك الكثير من المسؤوليات المتشعبة التي تفرض برامج مختلفة، فكل يوم يختلف عن الآخر بحسب الأوضاع والأولويات. وربما الثابت هو أنه ليست هناك ساعات كافية في النهار لإنجاز كل ما يجب انجازه. هناك لقاءات مع مسؤولين يزورون الأردن، هناك متابعة لبرامج مختلفة: اقتصادية واجتماعية وسياسية، هناك بحث ونقاش مع مسؤولين لتطوير البرامج وإنجاز العمل. هناك تواصل مستمر مع المواطنين وتفكير دائم في كيفية تمكينهم من الحصول على أفضل حياة ممكنة.
التحديات أصعب
> التقيتكم قبل 10 سنين، تغيّر العالم خلال هذه السنوات، هل تغير الملك؟
- إن شاء الله لا. طبعاً كانت هناك تغيرات كثيرة وتجارب تعلمنا منها، وأستطيع القول إن التحديات اليوم أصعب في بعض النواحي مما كانت عليه قبل 10 سنين.
> تقصد حين توليت العرش؟
- كان هناك هدوء.
> وكان صدام حسين رئيس العراق؟
- ولكن كان هناك هدوء.
> ما هو اللون الذي تحبه؟
- الأحمر.
> الأحمر، هل هناك سبب معين؟
- الأحمر هو لون راية الأسرة الهاشمية، ولون القلب، والأردنيون ينبع إحساسهم بالكرامة من قلوبهم. وهو لون الكوفية الأردنية، وهو أيضاً يعني خطاً أحمر بمعنى التحذير، ونحن الأردنيين نتحمل الضغط لكننا نعمل كفريق ونواجه التحديات، عندما تصل الأمور إلى الخط الأحمر.
> متى يحزن الملك؟
- مع كل ما نراه حولنا، أحزن يومياً. لكن هذا يظل في داخلي، فأنا كمسؤول تعلمت منذ رأيت والدي رحمه الله ينزل من على سلم الطائرة بعد عودته من مايو كلينيك، حيث كان الجميع ينظر إليّ، أن إذا ظهر عليّ الضيق، فسوف أؤثر على معنويات الناس. فالقائد إذا كان لديه تخوف من أية مشاكل يجب أن يبقي ذلك داخله.
> هناك معلومات تفيد بأنه قبل سنوات كانت هناك محاولة للاعتداء عليك وأنت خارج الأردن؟
- كنا في إجازة في دولة أوروبية، وكنا في قارب صديق. وفي اليوم الثاني جاءتنا معلومات (فحواها) أن القاعدة تعمل لوضع كمين في إحدى الجزر، وبعد ذلك عدنا إلى الأردن.
> ما هي الكتب التي تثير اهتمامكم؟
- عادة اقرأ كتب التاريخ، والأعمال الروائية وغير الروائية
في بدايات شباط (فبراير) 1999 كان على الملك حسين ان يغالب وطأة المرض القاتل، وأن يفكر في مستقبل المملكة التي أمضت عقوداً في ظله، وإلى جانبه ولي عهده شقيقه الأمير حسن. وفي النهاية اختار إحداث نقلة في الأجيال والأسلوب، ربما لإعطاء الأردن فرصة لفتح صفحة جديدة في الداخل والخارج. وها هو الملك عبدالله الثاني يروي لـ «الحياة» انه لم يبلغ ابداً انه سيكون الملك المقبل. ويقول ان والده استدعاه قبل أيام من رحيله وقال له: «تعرف أنني مريض جداً وعليّ العودة الى مايو كلينيك خلال 24 ساعة الى 48 ساعة وأن فرص نجاتي من العملية التي سأُجريها محدودة جداً (...). إنني أسميك ولياً للعهد، لكنني قد لا أعيش طويلاً».
وتحت وطأة الصدمة والمشاعر أدرك أكبر أنجال الملك حسين ان القدر استدعاه للقيام بمهمات تتجاوز ولاية العهد. وفي 7 شباط سيؤدي اليمين الدستورية بعد ساعات على رحيل والده.
حمل الملك الشاب معه برنامجاً للإصلاح والتحديث، مدشناً علاقة مباشرة بالناس، ومستمعاً الى توقعاتهم وحاجاتهم. لكن ظروف العقد العاصف لم تسهل المهمة. كانت هناك هجمات 11 أيلول (سبتمبر). والحرب الأميركية في العراق. وانتكاس تطلعات السلام على الجبهة الفلسطينية – الإسرائيلية. واستهداف الإرهاب عمان في 2005. والانقسامات في العالم العربي وتبدل أحجام الأدوار في الإقليم. وكان على الملك ان يبحر في هذا الجو المضطرب متسلحاً بالقاعدة الذهبية نفسها: علاقة متينة مع الشعب في الداخل، وشبكة أمان في الخارج مع قراءة دائمة للمتغيرات. ولعل أكبر إنجاز حققه الأردن في العقد العاصف هو الحفاظ على استقراره، في وقت شهدت بلدان عربية عدة تمزقات بالغة الخطورة.
ولد عبدالله الثاني في الثلاثين من كانون الثاني (يناير) 1962، وهو الابن الأكبر للملك حسين والأميرة منى. تلقى علومه الابتدائية في الكلية العلمية الإسلامية في عمان، ثم تابع دراسته في بريطانيا وأميركا. وفي إطار تدريبه في القوات المسلحة الأردنية التحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا عام 1980. وفي 1982 التحق بجامعة اوكسفورد لمدة سنة وتابع دراسات في شؤون الشرق الأوسط. عمل في سلاح الدبابات في الجيش الأردني وفي جناح الطائرات العمودية المضادة للدبابات، وتأهل كمظلي وفي القفز الحر، وكطيار مقاتل على طائرات الكوبرا العمودية. وفي 1987 التحق بكلية الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون وأنهى دراسات في الشؤون الدولية. تولى مسؤوليات في الجيش ورقي الى رتبة لواء عام 1998.
سألت «الحياة» الملك عن ظروف توليه العرش كما سألته عن الملك وعائلته واهتماماته، وهنا نص الحلقة الثالثة والأخيرة من الحوار:
> شهد عهدكم تغيير سبعة رؤساء حكومات. هل يعتبر هذا التغيير الدائم أسلوباً في امتصاص الأزمات؟
- لا ليس لامتصاص الأزمات بقدر ما هو للتعامل مع متطلبات المرحلة وأولوياتها. فهناك أهداف وبرامج لكل حكومة من أجل تنفيذها وترجمتها إلى واقع ينعكس في شكل إيجابي على المواطن، وعلى تحقيق أهداف البلد في التنمية والتطوير، بالتالي يكون التغيير من أجل التعامل مع هذه المتطلبات. أحياناً يكون هناك تباطؤ أو تلكؤ أو يثبت عدم القدرة على تنفيذ هذه السياسات والبرامج، وأحياناً يكون هدف التغيير إدخال دم جديد أو آلية جديدة للتعامل مع المرحلة ومتطلباتها. التغيير ليس هدفاً بحد ذاته ونقوم به عندما نرتإي أنه يساهم في تصحيح الأخطاء والوصول إلى الأهداف التي نريدها لمصلحة الأردن.
> هل يمكن القول إن العلاقات الإقليمية والدولية شرط لاستقرار الأردن، ومنع أي حلول على حسابه؟
- يتمتع الأردن بعلاقات قوية مع الأشقاء العرب والدول الإسلامية، ولنا أيضاً علاقات دولية متينة ومتطورة. هذه العلاقات تعكس احترام المجتمع الدولي للأردن وسياساته ودوره، ونحن نوظف هذه العلاقات من أجل مصلحة الأردن ونحاول الاستفادة منها لفتح الآفاق أمام اقتصادنا وأمام شبابنا. ونوظفها أيضاً من أجل خدمة قضايانا العربية والإسلامية، تحديداً القضية الفلسطينية التي تشكل أولوية بالنسبة إلينا. فللمجتمع الدولي دور كبير في الجهود المستهدِفة إنصاف الشعب الفلسطيني وتحقيق طموحاته، وفي كل تحركاتنا الدولية وعبر كل علاقاتنا نعمل لحشد الدعم المطلوب لقضايانا العربية.
والحمد لله الأردن يحظى بصدقية كبيرة في المجتمع الدولي، وهذا إرث والدي رحمه الله، ونحن فخورون بأننا استطعنا الحفاظ على هذا الإرث والبناء عليه لمصلحة وطننا وقضايانا.
> هل يمكن فصل علاقاتكم بـ «حماس» وما شهدته من اختبارات عن علاقتكم بالإسلاميين داخل الأردن؟
- نعم، فحماس ليست حزباً أردنياً، وسياستنا هي ألا نسمح لأي تنظيم أو حزب غير أردني بالعمل في الأردن. أما بالنسبة الى الحركة الإسلامية، فهي جزء من النسيج الوطني والحراك السياسي، ونحن نشجع أن تنخرط كل التيارات السياسية والأحزاب في الأردن في مسيرة البناء وفي خدمة المصالح الوطنية وفقاً للقانون. وما نريده في شكل عام هو تطوير الحياة السياسية في الأردن، بحيث يساهم الجميع في مسيرتنا. ومعيارنا في التعامل مع الجميع هو الالتزام بالقانون والعمل لخدمة المصلحة الوطنية.
دور المؤسسة الأمنية
> هل يلعب الملك دائماً دور الضابط لصراع الإصلاحيين والمحافظين؟ وهل صحيح أن الدور السياسي للمؤسسة الأمنية تراجع أخيراً؟
- الصحيح أنني أحب أن أبتعد عن هذه المصطلحات. فأنا أرحب بالاختلاف في وجهات النظر، إذا كان هذا الاختلاف حول كيفية خدمة مصلحة وطننا، ولكن إذا كان منطلقاً من أهداف وأجندات شخصية ولخدمة مصالح ضيقة، فهذا ما نرفضه لأنه في النهاية يعطّل مسيرة الأردن.
أولويتي هي الأردن وتحقيق مصالح شعبي. وأنا منفتح على كل وجهات النظر وكل الآراء التي تضع المصلحة الوطنية في مقدمة أولوياتها. ولطالما دعوت إلى تطوير أحزاب وآليات عمل جماعية تعتمد على العمل البرامجي، وتتفق وتختلف في ظل القانون. وأتطلع إلى اليوم الذي يكون فيه التنافس في الانتخابات النيابية بين أحزاب، وعلى أساس البرامج وبين الأفكار لأن ذلك يثري مسيرتنا ويوفر التعددية التي يحتاجها أي مجتمع، ويؤدي إلى تطوير كل آليات العمل في البرلمان والحكومة. للأسف لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، وأملي أن تشهد المرحلة المقبلة تطوراً في هذا الاتجاه.
أما بالنسبة الى المؤسسة الأمنية، فهي تقوم بدورها على أكمل وجه بحسب الواجبات المحددة لها، وليس هناك أي تراجع في دور هذه المؤسسة. على العكس هناك تطور مستمر، وأعتقد أن جميع الأردنيين يقدّرون الدور المهم الذي تقوم به هذه المؤسسة في حماية الأردن وأمنه واستقراره.
> في 7 شباط (فبراير) 1999، أعلنت وفاة المغفور له الملك الحسين، وبعد ساعات أقسمتم اليمين ملكاً للأردن. ماذا كان شعوركم وأنتم تتولون مسؤولية بهذا الحجم وتخلفون شخصية استثنائية؟
- حزن لا يوصف، إحساس ثقيل بالخسارة... مهما قلت لن أستطيع أن أصف لك مشاعري وحزني وألمي في ذلك اليوم. فقد فقدت أبي وفقدت ملكي وبحكم تربيتي وقيمي، أنا الذي أمضيت سنوات طويلة في الجيش، لم يكن وقع فقدان ملك الأردن أقل من وقع خسارة الأب... مثل جميع الأردنيين فقدت ملكي وقائداً عز نظيره. كان يوماً صعباً وكما تعلم كان هناك شعور جامح بالحزن عند جميع الأردنيين، وشعور بالخوف في البلد. كان هاجسي أن أكون بحجم المسؤولية الضخمة التي حمّلني إياها، أن أستطيع ملء الفراغ الكبير الذي تركه، أن أواجه التحديات وأكمل مسيرة البناء التي بدأها... كنت مصمماً على أن لا أخيّب ظنه، وأن لا أخذل شعبي.
وصية الملك حسين
> هل ترك لكم الملك الحسين وصية خطية أو شفوية؟
- لا، لم يترك وصية مكتوبة... إرثه هو وصيتي. ترك لي وصية شفهية، جلسنا مرات عديدة من قبل، وفي الأيام العصيبة الأخيرة من حياته، جلسنا وتحدثنا عن رؤيته وأهدافه لمستقبل الأردن.
> متى أبلغتم أنكم ستكونون الملك المقبل؟
- لم أبلغ أبداً بأنني سأكون الملك المقبل. دعاني والدي، رحمه الله، للحديث معه وأبلغني أنه سيسميني ولياً للعهد قبل يومين من تسلمي هذه المسؤولية. قال لي: «تعرف أنني مريض جداً وعليّ العودة إلى مايو كلينيك ، خلال 24 إلى 48 ساعة، وفرص نجاتي من العملية التي سأجريها محدودة جداً». وخلال هذا الحديث المشحون بالعواطف، أدركت أن القضية ليست فقط تحمل مسؤولية ولاية العهد، فقد كان يقول لي في شكل أساسي: «إنني أسميك ولياً للعهد لكنني قد لا أعيش طويلاً». وكانت الصدمة عندما واجهت حقيقة أنني سوف أخسر والدي وملكنا وأعظم الرجال، في وقت قريب.
> اعتبر والدكم أن مهنة ملك الأردن صعبة، فهل وصلتم إلى هذا الاستنتاج بعد عشر سنوات من الممارسة، وما هو الشق الأصعب فيها؟
- نعم، هي صعبة لأنها مسؤولية كبيرة. فكما قلت في اليوم الأول، كانت لي أسرة من أربعة أشخاص والآن لديّ أسرة من أربعة ملايين، وهذه مسؤولية ضخمة لأنها تشمل الجميع: النساء والأطفال وكل أبناء أسرتي الكبيرة.
لي رؤيتي حول الأردن ومستقبله، ولا أقبل له أقل من الأفضل. لا أقتنع ولا أرضى بأداء أقل من الأفضل. فأنا أعرف شعبي، وأعرف أنه قادر على تحقيق أعلى المستويات والقدرات من أجل البلد.
والتحدي الأكبر مرتبط بالتركيبة الشخصية والثقافية عند كثيرين، ويعرف الأردنيون ما أعني، هي السلبية عند العمل على التغيير أو إنجاز أهداف كبيرة فتسمع منهم «لا، مش راح يصير، مش راح يزبط». التحدي هو النظر إلى الكأس على أنها نصف ممتلئة وليست نصف فارغة، والاستمرار في تحقيق المزيد، في مواجهة هذه السلبية. نحن باستمرار نقسو على أنفسنا ودائماً هناك الكثير من التشكيك، هناك دائماً الكثير من السلبية، وهذا شيء مضرّ. التحدي هو الحفاظ على معنويات عالية لأن من السهل أن يؤثر بعض مراكز القوى والدوائر على المعنويات ويضعفها. لذلك عندما أذهب لزيارة الجيش والناس وأرى مدى فخرهم وأرى الابتسامات على وجوههم، أقول لهم لم آتِ هنا لرفع معنوياتكم بل أتيت كي ترفعوا من معنوياتي.
> بماذا يشبه أسلوبكم في الحكم أسلوب والدكم، وبماذا يختلف عنه؟
- لكل مرحلة ظروفها. وفي عهد والدي رحمه الله، فرضت القضايا السياسية نفسها بوصفها الأولوية والشغل الشاغل، وكانت هناك تحديات مختلفة، خصوصاً في بعض الأمور الداخلية والخارجية. وأنا لا أزال أعطي القضايا السياسية ما يلزم من أولوية واهتمام، لكن الظروف الآن مختلفة والأوضاع الاقتصادية في مرحلتنا فرضت نفسها بقوة، والمستقبل مرتبط بالاقتصاد والازدهار الاقتصادي، هذا ما يرفع من شأن الدول أو يخرّبها.
لذا، من الممكن أن تكون النظرة مختلفة قليلاً. جلالة الملك الراحل كانت لديه دولة عدد سكانها أقل، لذا كانت العلاقات أكثر أبوية، وهي مسألة أصعب مع شعب بات يتكون من حوالى 6 ملايين. وربما يمكن القول إنني أدخل أكثر في التفاصيل وفي شكل مباشر بسبب المتغيرات واختلاف طبيعة التحديات، ولعل هذا أيضاً بسبب خلفيتي العسكرية، حيث يتم قياس كيفية الانتقال من النقطة «أ» الى النقطة «ب» بمعايير أداء وفترة زمنية محددة. هذه هي طريقة تنشئتي.
الملكة رانيا وصورة العرب
> كيف تنظرون إلى الدور الذي تضطلع به جلالة الملكة رانيا؟
- نعمل بروح الفريق الواحد. والدور الذي تقوم به رانيا كبير، خصوصاً في ما يتعلق بصورة الأردن في الخارج، وتغيير الصورة النمطية للعرب والمسلمين، ومتابعة قضايا مهمة في الأردن مثل التعليم وحقوق الطفل وغيرها. وأنا أشجع كل ما من شأنه إعطاء الصورة الإيجابية الحقيقية للأردن، والمساهمة في تطوير الوطن. نحن بحاجة الى جهود جميع الأردنيين لخدمة وطننا وإعطاء الصورة الإيجابية عنه.
وفي ما يتعلق بدور المرأة في شكل عام، أعتقد شخصياً أننا كدولة صغيرة لا يمكننا أن نتجاهل نصف القوى العاملة، فحتى الدول الكبيرة لا تستطيع تحمّل هذا، والأردن تحديداً لا يستطيع ذلك.
لذا فدور المرأة في الأردن في غاية الأهمية، وهناك أمثلة على نساء رائدات في مجالات متعددة. وأنا في شكل شخصي داعم للنساء لأنهن يساهمن في شكل كبير في المجتمع. وأستطيع القول على سبيل المثال، ولأنني أرعى العديد من الطلاب في الجامعات، إن أعلى معدلات التوجيهي تسجلها الفتيات. لذا ليس مقبولاً أن يستثمر بهن في التعليم المدرسي ويتم تجاهلهن بالكامل في المجتمع في ما بعد.
لا شكوى ولا تذمر
> إلى من يسرّ الملك بمشاعره حين يحزن أو يغضب؟
- في أغلب الأوقات، لا أسرّ إلى أحد. فواجبي هو حماية شعبي وعائلتي من القلق والتحديات والصعوبات. لذلك أبقي الأمور لنفسي في معظم الأحيان، فأنا أتعامل مع أمور صعبة ومزعجة وأحياناً مقلقة. الكثير من القضايا، مثل الأمن وأشخاص يريدون إيذاء الأردن. لذا فإن مهمتي وعملي ينطويان على الكثير من الوحدة، لأنك تحتفظ بالأمور لنفسك لحماية شعبك وأسرتك من القلق.
وفي القضايا الخاصة وبعض الأمور، أسرّ لأسرتي. لكن الموضوع في الغالب يكون حساساً، وأبقيه في داخلي. بكلمات أخرى، عملي لا يحتمل الشكوى أو التذمر... أنا صريح مع أبناء شعبي، أتحدث إليهم عن رؤيتي وبرامجي وخططي وأحاورهم حول التحديات وأستمع إلى آرائهم، وأسعى دائماً إلى زيادة مشاركتهم في صناعة القرار، لكنني أحمي الناس من القلق أو الإحباط.
> هل تترك لكم مشاغل الحكم وقتاً للاهتمام بالعائلة، فالملك أب وزوج أيضاً؟
- أحاول قدر الإمكان أن أجد وقتاً للأسرة. وهذا يشكل تحدياً دائماً، أن تكون موجوداً مع أولادك وأسرتك. أحاول بقدر ما أستطيع أن أقوم وزوجتي بوضع أطفالي في السرير حتى يغفوا، وأن أتناول العشاء مع الأسرة. أبذل جهدي كي أمضي الوقت الكافي مع الأسرة، ولكن، كما تعلم المسؤوليات كبيرة.
> هل يتاح لملك الأردن أن يمارس هواياته وما هي؟
- أحياناً. أحاول أن أمارس هواياتي خلال عطل نهاية الأسبوع، وأحرص على ممارسة الرياضة، لذلك أذهب في بعض الأوقات في جولات على الدراجة النارية، وأمارس الرماية. وكذلك أعمل على تصاميم نماذج عربات ودراسة أنظمة أسلحة ليتم إدخالها للجيش. أقضي كثيراً من الوقت في دراسة أفكار حول هذا الموضوع، وهذه هواية تطورت لتصبح مؤسسة، عبر «مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير» الذي أصبح مؤسسة رائدة في الصناعات الدفاعية، تساهم في رفد الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات جيشنا العربي.
> وهل يحنّ الملك إلى الثياب العسكرية؟ وكيف يصف علاقته بالجيش؟
- بالتأكيد. الحياة كانت أكثر بساطةً عندما كنت في الجيش. افتقد رفقة جنودي، لأن الناس في الجيش أكثر صراحة ومباشرة، وهذه ليست حال السياسة للأسف. وافتقد عامل المخاطرة الذي كان دوري يتطلبه كمظلي. وهذا شيء يفهمه الرجال الذين عملوا في القوات المسلحة. وفي موقعي من خلف المكتب أتوق دائماً لأسلوب الحياة العسكري.
سألتني كيف أصف علاقتي بالجيش، الجيش عائلتي. أمضيت 20 سنة معهم ومازلت على اتصال بهم ولا حدّ لمشاعر افتخاري واعتزازي بهم.
> كيف يمضي الملك يومه؟
- بالعمل، هناك الكثير من المسؤوليات المتشعبة التي تفرض برامج مختلفة، فكل يوم يختلف عن الآخر بحسب الأوضاع والأولويات. وربما الثابت هو أنه ليست هناك ساعات كافية في النهار لإنجاز كل ما يجب انجازه. هناك لقاءات مع مسؤولين يزورون الأردن، هناك متابعة لبرامج مختلفة: اقتصادية واجتماعية وسياسية، هناك بحث ونقاش مع مسؤولين لتطوير البرامج وإنجاز العمل. هناك تواصل مستمر مع المواطنين وتفكير دائم في كيفية تمكينهم من الحصول على أفضل حياة ممكنة.
التحديات أصعب
> التقيتكم قبل 10 سنين، تغيّر العالم خلال هذه السنوات، هل تغير الملك؟
- إن شاء الله لا. طبعاً كانت هناك تغيرات كثيرة وتجارب تعلمنا منها، وأستطيع القول إن التحديات اليوم أصعب في بعض النواحي مما كانت عليه قبل 10 سنين.
> تقصد حين توليت العرش؟
- كان هناك هدوء.
> وكان صدام حسين رئيس العراق؟
- ولكن كان هناك هدوء.
> ما هو اللون الذي تحبه؟
- الأحمر.
> الأحمر، هل هناك سبب معين؟
- الأحمر هو لون راية الأسرة الهاشمية، ولون القلب، والأردنيون ينبع إحساسهم بالكرامة من قلوبهم. وهو لون الكوفية الأردنية، وهو أيضاً يعني خطاً أحمر بمعنى التحذير، ونحن الأردنيين نتحمل الضغط لكننا نعمل كفريق ونواجه التحديات، عندما تصل الأمور إلى الخط الأحمر.
> متى يحزن الملك؟
- مع كل ما نراه حولنا، أحزن يومياً. لكن هذا يظل في داخلي، فأنا كمسؤول تعلمت منذ رأيت والدي رحمه الله ينزل من على سلم الطائرة بعد عودته من مايو كلينيك، حيث كان الجميع ينظر إليّ، أن إذا ظهر عليّ الضيق، فسوف أؤثر على معنويات الناس. فالقائد إذا كان لديه تخوف من أية مشاكل يجب أن يبقي ذلك داخله.
> هناك معلومات تفيد بأنه قبل سنوات كانت هناك محاولة للاعتداء عليك وأنت خارج الأردن؟
- كنا في إجازة في دولة أوروبية، وكنا في قارب صديق. وفي اليوم الثاني جاءتنا معلومات (فحواها) أن القاعدة تعمل لوضع كمين في إحدى الجزر، وبعد ذلك عدنا إلى الأردن.
> ما هي الكتب التي تثير اهتمامكم؟
- عادة اقرأ كتب التاريخ، والأعمال الروائية وغير الروائية