- يصادف اليوم الاربعاء الذكرى الثامنة والثلاثون لوفاة جلالة المغفور له الملك طلال بن عبدالله طيب الله ثراه.
ففي السابع من تموز من عام 1972 رحل جلالته بعد ان سجل انجازات نوعية من ابرزها الدستور الاردني وتطوير الحياة السياسية في الاردن.
ومنذ ان اعتلى جلالة الملك الراحل العرش في السادس من ايلول عام 1951 بعد استشهاد جلالة المغفور له الملك عبدالله بن الحسين على عتبات المسجد الاقصى كان يتطلع الى ترسيخ وتجذير نهج ومبادئ الثورة العربية الكبرى التي قادها الحسين بن علي طيب الله ثراه من اجل وحدة العرب وحريتهم واستقلالهم والحياة الفضلى لهم في مسيرة الدولة الاردنية.
لقد اهتم جلالته الذي كان تلقى علومه العسكرية بكلية ساند هيرست باجراء الاصلاحات الدستورية التي تعزز دعائم المجتمع القائم على الحرية السياسية والاقتصادية المسؤولة امام القانون ومن ابرزها الدستور الاردني الذي صدر في الثامن من كانون الثاني عام 1952 الذي كفل للشعب الاردني حقوقه ويعتبر من احدث الدساتير في العالم واكثرها ديمقراطية وشورى وانفتاحا.
وقد تضمن الدستور المضامين الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك حق كل مواطن في العمل والتعليم والرفاه الاجتماعي كما انه جعل الحكومة مسؤولة امام مجلس النواب الذي اصبح يملك سلطة منح الثقة او حجبها عن اي حكومة بموجب احكام المادة 54 من الدستور الامر الذي رفع من مستوى الحياة البرلمانية في المملكة الى المرتبة التي تليق بها اسوة بالدول الديمقراطية الاخرى، مثلما تضمن الدستور بنودا مفصلة لضمان حقوق المواطن وحرياته الاساسية وبنودا اخرى لحماية العمال وشروط عملهم وفق دساتير العالم المتطورة.
ولقد جاء هذا الدستور الذي يعد اول دستور وحدوي عربي حيث نص على اعلان ارتباط الاردن عضويا بالامة العربية وتجسيد الفكر القومي للثورة العربية الكبرى، ملبيا لامال وتطلعات الشعب الاردني كونه جاء منسجما مع التطورات الهامة التي كان يشهدها الاردن خاصة بعد وحدة الضفتين عام 1950 وتنامي الشعور الوطني والوعي القومي في كل ارجاء الوطن العربي.
وجلالة المغفور له الذي وقف مجاهدا في صفوف المقاتلين من الجيش العربي دفاعا عن فلسطين بذل جهودا متميزة لتوثيق عرى التعاون والتنسيق لما فيه مصلحة الامة والوطن العربي الكبير الذي كان خرج لتوه من نكبة فلسطين عام 1948.
وفي عهد جلالته اتخذ الاردن قرارا يقضي بجعل التعليم الزاميا ومجانيا حيث يعتبر هذا القرار الاول من نوعه في الاردن والوطن العربي وكان له الاثر الكبير في النهضة التعليمية التي شهدتها البلاد فيما بعد، كما صدر في عهد جلالته قانون خط السكة الحديدية وذلك في شهر اذار عام 1952 الذي ينص على اعتبار هذا الخط وقفا اسلاميا.
وقد نشأ جلالة المغفور له الملك طلال في كنف والده المغفور له الملك عبدالله بن الحسين وكنف جده شريف مكة الحسين بن علي مفجر الثورة العربية الكبرى التي اعلنت الثورة على الظلم والطغيان والجهاد في سبيل العروبة واستقلال الاوطان.
وكان جلالته يتصف باللطف والتهذيب ودماثة الخلق لا يهاود في الراي ولا تاخذه في الحق لومة لائم كما كان له في سمو اخلاق والده وعلو همته وعظيم مبادئه اكبر نصيب في الحياة حيث غدا شابا نبيلا يحمل قلبا كبيرا يختزن الكثير من العواطف ويتحسس امال شعبه وتطلعاته فبادله شعبه حبا بحب ووفاء بوفاء.
وجلالته رحمه الله كان محبا للحياة العسكرية متاثرا بالروح العسكرية لوالده الذي كان احد قادة ثورة العرب الاحرار حيث كان جلالته اول ضابط اردني يتخرج من كلية ساند هيرست العسكرية في بريطانيا وبعد تخرجه من هذه الكلية عام 1929 رافق جده الحسين بن علي الذي كان منفيا في قبرص بعد ان تصدى للمشاريع الاستعمارية التي استهدفت تقسيم البلاد العربية.
والتحق جلالة المغفور له الملك طلال الذي كان يعشق الجندية بالجيش العربي الاردني ووصل الى رتبة مقدم عام 1934 وفي عام 1942 التحق بكتيبة المشاة الثانية كتيبة الحسين الثانية التي عرفت بتاريخها البطولي والمعارك التي خاضتها في القدس وفلسطين فيما بعد.
وقد ساهم جلالته في تدريبها كما بذل جهدا كبيرا في تطوير لواء السيارات المسلحة الذي تالف من الكتائب الاولى والثانية والثالثة كما شارك في غالبية المناورات والتمارين العسكرية التي قامت بها وحدات اللواء.
وشارك جلالة المغفور له في الحرب العربية الاسرائيلية وخاض مع الجيش العربي الاردني معارك بطولية ضد الاحتلال الاسرائيلي وكان لوجود جلالته بين الجنود وحضهم على القتال والصمود في وجه العدو الاثر الكبير في الهاب مشاعر الحماس واذكاء روح التضحية والفداء لديهم ما مكنهم من تحقيق العديد من الانتصارات وانقاذ القدس والضفة الغربية.
ومن المعارك التي اشترك بها جلالته معركة غيشر عند جسر المجامع حيث كان جلالته اول من حضر الى ميدان المعركة وجاهد فيها جهاد الابطال من اجل فلسطين التي عمل بكل جوارحه وقلبه وسلاحه لخدمة قضيتها مما زاد من محبة الجيش العربي الاردني واعجابه بجلالته وببسالته وبشجاعته.
ولقد انتقل جلالته الى القدس ومنها الى رام الله حيث اتخذ موقعا اماميا بين جنود المدفعية وبقي هناك حتى الهدنة الاولى وشارك جلالته وقبيل الهدنة الثانية في معارك مرتفعات النبي صموئيل والرادار وبيت سوريك وبيت اكسا حيث كان يتنقل بين موقع واخر تحت القصف الشديد.
وكان لاشتراك جلالته بالقتال الاثر الكبير على وحدات الجيش العربي الاردني التي حاربت في القدس واستبسلت في القتال وصد الهجمات المعادية فأنقذت الضفة الغربية بما فيها القدس وليس ادل على ذلك من الهجوم الذي قامت به كتيبة المشاة الثانية للسيطرة على المزيد من الاهداف والمواقع داخل مدينة القدس من منطقة الشيخ جراح الى منطقة باب العامود والوصول الى تلة الرادار والتقدم والقتال الذي جرى قرب المستعمرات الاسرائيلية.
ورغم قصر عهده الا ان جلالة المغفور له الملك طلال بن عبدالله طيب الله ثراه بقي يتواصل مع ابناء شعبه يتحسس الامهم وامالهم وقدم لوطنه الكثير واسهم في التأسيس لكثير من الانجازات على طريق البناء والتقدم نحو المستقبل المشرق والمستقبل الواعد.
والاسرة الاردنية الواحدة اذ تحيي ذكرى وفاة المغفور له الملك طلال بن عبدالله بقلوب مفعمة بالايمان، لتستذكر مسيرة الانجاز الهاشمي التي تعلو مع كل راية هاشمية وتفخر بوطن التميز والتقدم في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظة الله ورعاه الذي يسير على خطى الاول في سبيل الاعمار والانجاز وبناء الدولة الاردنية العصرية التي تواكب المستجدات وتنفذ التنمية الشاملة لجعل الاردن اردن الرخاء والرفاه والمستقبل.