احمد الصرايره
عضو جديد
-
- إنضم
- 15 ديسمبر 2009
-
- المشاركات
- 4,723
-
- مستوى التفاعل
- 23
-
- النقاط
- 0
-
- العمر
- 42
جاء في كتاب دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام -عرض ونقد- للدكتور عبد الله الغصن بعض الخصائص التي يتميز بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبره عن غيره من آحاد المسلمين أو الصالحين، وذلك باستعراض ما كتبه شيخ الإسلام في هذا المجال من فتاوى، أو مباحث ومؤلفات:
الأولى : أن قبره صلّى الله عليه وسلّم لايوصل إليه، بل هو داخل حجرته، ويسلم عليه الزائر لمسجده من بعد، فلا يستطاع الوصول إلى قبره الشريف، ولهذا قيل في أحد تخريجات كراهة مالك (ت - 179هـ) قول بعض الناس: زرت قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الزيارة الحقيقية التي يقف الزائر فيها على قبر المزور غير متحققة في قبر نبينا صلّى الله عليه وسلّم ويوضح ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى بقوله: (ومما يوضح هذا أن الشخص الذي يقصد اتباعه زيارة قبره يجعلون قبره بحيث يمكن زيارته، فيكون له باب يدخل منه إلى القبر، ويجعل عند القبر مكان للزائر إذا دخل بحيث يتمكن من القعود فيه، بل يوسع المكان ليسع الزائرين، ومن اتخذه مسجداً جعل عنده صورة محراب، أو قريباً منه، وإذا كان الباب مغلقاً جعل له شباكاً على الطريق ليراه الناس فيه فيدعونه.
وقبره صلّى الله عليه وسلّم بخلاف هذا كله: لم يجعل للزوار طريق إليه بوجه من الوجوه، ولا قبر في مكان كبير يسع الزوار، ولا جعل للمكان شباك يرى منه القبر، بل منع الناس من الوصول إليه والمشاهدة له).
وقال في كلام له نفيس: (لا تمكن زيارة قبره، فإنه دفن في بيته، وحجب قبره عن الناس، وحيل بين الزائر وبين قبره، فلا يستطيع أحد أن يزور قبره كما تزار سائر القبور... ولهذا لم ينقل عن أحد من السلف أنه تكلم بزيارة قبره فإن ذلك غير ممكن، ولهذا كرهها من كرهها؛ لأن مسماها باطل....).
مع أن الصلاة والسلام على الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند قبره حسنٌ، لكن لو تمكن الناس منها لاتخذوها عيداً، ولأدت إلى الشرك، ولهذا نهي عن القرب من قبره، ودخول حجرته صلّى الله عليه وسلّم.
الثانية : أن الأنبياء لا يبلون، فلا تأكل الأرض أجسادهم، ولذلك فإن تراب قبورهم طاهر، ودليل ذلك ما رواه أوس بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أكثروا عليّ من الصلاة فيه - أي يوم الجمعة -، فإن صلاتكم معروضة علي» ، قال رجل: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - يعني بليت - قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء». يقول ابن تيمية رحمه الله: (مقابر الأنبياء لا تنتن، بل الأنبياء لا يبلون، وتراب قبورهم طاهر).
الثالثة : أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، وقد دفن نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم في مكانه الذي مات فيه، في بيته، في حجرة عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها. ويروى في هذا حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لن يقبر نبي إلا حيث يموت».
الرابعة: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يدعى له من بعد ومن قرب، ويسلم عليه - أيضاً - من بعد ومن قرب، بخلاف غيره، فإنه لا يسلم عليه إلا عند قبره، وسلامنا على الرسول صلّى الله عليه وسلّم من بُعد أو قرب يبلغه صلّى الله عليه وسلّم ويعرض عليه، وهذا ما دلت عليه النصوص: كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله عزّ وجل ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام».
وعن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم». قال ابن تيمية رحمه الله: (وقد أمرنا الله أن نصلي عليه، وشرع لنا ذلك في كل صلاة أن نثني على الله بالتحيات، ثم نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وهذا السلام يصل إليه من مشارق الأرض ومغاربها، وكذلك إذا صلينا عليه فقلنا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد...). فالرسول صلّى الله عليه وسلّم يشعر بالسلام عليه، ويبلغ به من قبل الملائكة.
قال رحمه الله: (وأما كون النبي صلّى الله عليه وسلّم يشعر بالسلام عليه، فهذا حق، وهو يقتضي أن حاله بعد موته أكمل من حاله قبل مولده). وقال - أيضاً -: (فهذه الأحاديث تدل على أن الصلاة والسلام يعرضان عليه، وأن ذلك يصل حيثما كنا).
لكن هل يسمع صلاة وسلام البعيد أم يعرضان عليه، وتبلغه بهما الملائكة؟.
الصواب الذي عليه عامة أهل العلم، وهو مقتضى الأحاديث الصحيحة: أنه يبلغ ذلك ويعرض عليه. وأما قول القائل: إنه يسمع الصلاة من البعيد فممتنع. فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه فهذه مكابرة. وإن أراد أنه هو يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من بعيد فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم، قال تعالى: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [الزخرف: 80] ، وقال: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ } [المجادلة: 7] ، وليس لأحد من البشر بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد كلهم.
وأما سلام القريب: فإن الذي يسلم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنه عليه الصلاة والسلام يسمعه بخلاف البعيد، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (لكن إذا صلى وسلم عليه من بعيد بلغ ذلك، وإذا سلم عليه من قريب سمع هو سلام المسلم عليه).
وقال رحمه الله عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: (إنه يسمع سلام القريب، ويبلغ سلام البعيد وصلاته).
لكن السلام على الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي تعبدنا الله به في الصلاة أفضل من السلام عليه صلّى الله عليه وسلّم عند قبره. وهذا مما يدل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة أن السلام الذي لا يوجب الرد كما في الصلاة، أفضل من السلام الذي يوجب الرد.
والسلام الذي لا يوجب الرد هو الذي يسلم الله على العبد بكل مرة عشراً، وأما السلام الموجب للرد فإنه صلّى الله عليه وسلّم يرد على المسلم، كما كان يرد السلام على من سلم عليه في حياته؛ ولأن السلام الذي لا يوجب الرد مأمور به في الصلاة، وفي كل صلاة، وأما السلام الذي يوجب الرد فهو في مكان مخصوص، وفي زمن مخصوص لا يحصل إلا في بعض الأوقات، فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يكن أحدهم يأتي إلى القبر ويسلم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم كلما دخل المسجد النبوي؛ لأنه غير مأمور به شرعاً.
ولأن السلام الذي يوجب الرد هو حق المسلم عموماً فيشرك الرسول صلّى الله عليه وسلّم غيره في هذا السلام، كما قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ولهذا كان الصحابة والتابعون يعلمون أن السلام والصلاة غير الموجبة للرد أفضل من الذي يرد جوابه.
ومن وجهة أخرى: فإن رد الرسول صلّى الله عليه وسلّم السلام على من سلم عليه لا يوجب الدعاء له بالسلامة من عذاب الدنيا والآخرة، وهذا معلوم بالضرورة، فقد كان المنافقون يسلمون عليه صلّى الله عليه وسلّم ويرد عليهم، ويرد على المسلمين أصحاب الذنوب وغيرهم، ولكن السلام فيه أمان.
الخامسة: أن ما يفعله الناس في زيارة غير قبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند قبور من يزورونهم، من السلام والدعاء، فإنه يفعل مثله وأكثر منه للرسول صلّى الله عليه وسلّم في مواضع متعددة من العبادات المأمور بها، كالصلوات الخمس، وبعد الأذان، وعند دخول المسجد، وعند الخروج منه، وعند كل دعاء، فلا يختص السلام على الرسول أو الصلاة عليه عند قبره فقط، بل قد تبين أن الصلاة والسلام على الرسول عند غير قبره أفضل منه عند قبره.
قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما النبي صلّى الله عليه وسلّم فله خاصة لا يماثله أحد من الخلق، وهو أن المقصود عند قبر غيره من الدعاء له هو مأمور في حق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الصلوات الخمس، وعند دخول المساجد، والخروج منها، وعند الأذان، وعند كل دعاء).
السادسة: أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وحياتهم أكمل من حياة الشهداء، إذ أثبت الله - سبحانه - حياة الشهداء بقوله: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 14] ، وقال: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169]
الأولى : أن قبره صلّى الله عليه وسلّم لايوصل إليه، بل هو داخل حجرته، ويسلم عليه الزائر لمسجده من بعد، فلا يستطاع الوصول إلى قبره الشريف، ولهذا قيل في أحد تخريجات كراهة مالك (ت - 179هـ) قول بعض الناس: زرت قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الزيارة الحقيقية التي يقف الزائر فيها على قبر المزور غير متحققة في قبر نبينا صلّى الله عليه وسلّم ويوضح ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى بقوله: (ومما يوضح هذا أن الشخص الذي يقصد اتباعه زيارة قبره يجعلون قبره بحيث يمكن زيارته، فيكون له باب يدخل منه إلى القبر، ويجعل عند القبر مكان للزائر إذا دخل بحيث يتمكن من القعود فيه، بل يوسع المكان ليسع الزائرين، ومن اتخذه مسجداً جعل عنده صورة محراب، أو قريباً منه، وإذا كان الباب مغلقاً جعل له شباكاً على الطريق ليراه الناس فيه فيدعونه.
وقبره صلّى الله عليه وسلّم بخلاف هذا كله: لم يجعل للزوار طريق إليه بوجه من الوجوه، ولا قبر في مكان كبير يسع الزوار، ولا جعل للمكان شباك يرى منه القبر، بل منع الناس من الوصول إليه والمشاهدة له).
وقال في كلام له نفيس: (لا تمكن زيارة قبره، فإنه دفن في بيته، وحجب قبره عن الناس، وحيل بين الزائر وبين قبره، فلا يستطيع أحد أن يزور قبره كما تزار سائر القبور... ولهذا لم ينقل عن أحد من السلف أنه تكلم بزيارة قبره فإن ذلك غير ممكن، ولهذا كرهها من كرهها؛ لأن مسماها باطل....).
مع أن الصلاة والسلام على الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند قبره حسنٌ، لكن لو تمكن الناس منها لاتخذوها عيداً، ولأدت إلى الشرك، ولهذا نهي عن القرب من قبره، ودخول حجرته صلّى الله عليه وسلّم.
الثانية : أن الأنبياء لا يبلون، فلا تأكل الأرض أجسادهم، ولذلك فإن تراب قبورهم طاهر، ودليل ذلك ما رواه أوس بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أكثروا عليّ من الصلاة فيه - أي يوم الجمعة -، فإن صلاتكم معروضة علي» ، قال رجل: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - يعني بليت - قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء». يقول ابن تيمية رحمه الله: (مقابر الأنبياء لا تنتن، بل الأنبياء لا يبلون، وتراب قبورهم طاهر).
الثالثة : أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، وقد دفن نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم في مكانه الذي مات فيه، في بيته، في حجرة عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها. ويروى في هذا حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لن يقبر نبي إلا حيث يموت».
الرابعة: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يدعى له من بعد ومن قرب، ويسلم عليه - أيضاً - من بعد ومن قرب، بخلاف غيره، فإنه لا يسلم عليه إلا عند قبره، وسلامنا على الرسول صلّى الله عليه وسلّم من بُعد أو قرب يبلغه صلّى الله عليه وسلّم ويعرض عليه، وهذا ما دلت عليه النصوص: كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله عزّ وجل ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام».
وعن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم». قال ابن تيمية رحمه الله: (وقد أمرنا الله أن نصلي عليه، وشرع لنا ذلك في كل صلاة أن نثني على الله بالتحيات، ثم نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وهذا السلام يصل إليه من مشارق الأرض ومغاربها، وكذلك إذا صلينا عليه فقلنا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد...). فالرسول صلّى الله عليه وسلّم يشعر بالسلام عليه، ويبلغ به من قبل الملائكة.
قال رحمه الله: (وأما كون النبي صلّى الله عليه وسلّم يشعر بالسلام عليه، فهذا حق، وهو يقتضي أن حاله بعد موته أكمل من حاله قبل مولده). وقال - أيضاً -: (فهذه الأحاديث تدل على أن الصلاة والسلام يعرضان عليه، وأن ذلك يصل حيثما كنا).
لكن هل يسمع صلاة وسلام البعيد أم يعرضان عليه، وتبلغه بهما الملائكة؟.
الصواب الذي عليه عامة أهل العلم، وهو مقتضى الأحاديث الصحيحة: أنه يبلغ ذلك ويعرض عليه. وأما قول القائل: إنه يسمع الصلاة من البعيد فممتنع. فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه فهذه مكابرة. وإن أراد أنه هو يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من بعيد فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم، قال تعالى: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [الزخرف: 80] ، وقال: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ } [المجادلة: 7] ، وليس لأحد من البشر بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد كلهم.
وأما سلام القريب: فإن الذي يسلم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنه عليه الصلاة والسلام يسمعه بخلاف البعيد، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (لكن إذا صلى وسلم عليه من بعيد بلغ ذلك، وإذا سلم عليه من قريب سمع هو سلام المسلم عليه).
وقال رحمه الله عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: (إنه يسمع سلام القريب، ويبلغ سلام البعيد وصلاته).
لكن السلام على الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي تعبدنا الله به في الصلاة أفضل من السلام عليه صلّى الله عليه وسلّم عند قبره. وهذا مما يدل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة أن السلام الذي لا يوجب الرد كما في الصلاة، أفضل من السلام الذي يوجب الرد.
والسلام الذي لا يوجب الرد هو الذي يسلم الله على العبد بكل مرة عشراً، وأما السلام الموجب للرد فإنه صلّى الله عليه وسلّم يرد على المسلم، كما كان يرد السلام على من سلم عليه في حياته؛ ولأن السلام الذي لا يوجب الرد مأمور به في الصلاة، وفي كل صلاة، وأما السلام الذي يوجب الرد فهو في مكان مخصوص، وفي زمن مخصوص لا يحصل إلا في بعض الأوقات، فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يكن أحدهم يأتي إلى القبر ويسلم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم كلما دخل المسجد النبوي؛ لأنه غير مأمور به شرعاً.
ولأن السلام الذي يوجب الرد هو حق المسلم عموماً فيشرك الرسول صلّى الله عليه وسلّم غيره في هذا السلام، كما قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ولهذا كان الصحابة والتابعون يعلمون أن السلام والصلاة غير الموجبة للرد أفضل من الذي يرد جوابه.
ومن وجهة أخرى: فإن رد الرسول صلّى الله عليه وسلّم السلام على من سلم عليه لا يوجب الدعاء له بالسلامة من عذاب الدنيا والآخرة، وهذا معلوم بالضرورة، فقد كان المنافقون يسلمون عليه صلّى الله عليه وسلّم ويرد عليهم، ويرد على المسلمين أصحاب الذنوب وغيرهم، ولكن السلام فيه أمان.
الخامسة: أن ما يفعله الناس في زيارة غير قبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند قبور من يزورونهم، من السلام والدعاء، فإنه يفعل مثله وأكثر منه للرسول صلّى الله عليه وسلّم في مواضع متعددة من العبادات المأمور بها، كالصلوات الخمس، وبعد الأذان، وعند دخول المسجد، وعند الخروج منه، وعند كل دعاء، فلا يختص السلام على الرسول أو الصلاة عليه عند قبره فقط، بل قد تبين أن الصلاة والسلام على الرسول عند غير قبره أفضل منه عند قبره.
قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما النبي صلّى الله عليه وسلّم فله خاصة لا يماثله أحد من الخلق، وهو أن المقصود عند قبر غيره من الدعاء له هو مأمور في حق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الصلوات الخمس، وعند دخول المساجد، والخروج منها، وعند الأذان، وعند كل دعاء).
السادسة: أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وحياتهم أكمل من حياة الشهداء، إذ أثبت الله - سبحانه - حياة الشهداء بقوله: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 14] ، وقال: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169]