Mansor_alsawalqa
الإدارة العامة
" أصول الفقه بين الثبات والتجديد"
البعد الفكري ، والإمكان العملي
قراءة في السببية المطالبة ، وأوجه الإمكان التطبيقية التجديدية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وآله وصحبة أما بعد :
فإن تحديد رؤية علمية أمام هذه الفرضية (( تجديد أصول الفقه )) يرتبط بوجود إمكانية مؤهلة من حيث المنهج النظري ، والواقعية التطبيقية لإجراء حوار يتطلع لقراءة مراجعة للكتابة الأصولية التاريخية.
هذه المبدئية أو الاتجاه على أقل تقدير يعطي مراجعة للسببية المطالبة بتجديد أصول الفقه، وربما كان من الرسم الصحيح للشكل العلمي: أن هذه الدعوة إنتاج(للعقل المنفعل حضارياً) أو (للعقل المدني المتحول) وفي تقديري : أن هذا العقل عقل ذرائعي افتراضي بدرجة ذوقية عالية !! ومقدّر: أنه يواجه أزمة تكوين ، وليس أزمة تطبيق ، وليس على علاقة معتدلة مع التراث الإسلامي من حيث الولاء والتصور .
من هنا فإن هذه الفرضية العلمية في شكلها الحضوري لا تحمل إلحاحاً ذاتياً من داخل علم ((أصول الفقه)) أو حتى معطيات علمية وتاريخية قادرة على ترسيم هذا الافتراض .
هذا الإنتاج لا يعني أن (علم أصول الفقه) علم متعالي على التجديد والمراجعة والتصحيح في سائر جزئيات بنيته ، بل هذه مراجعة متاحة ومؤهلة علمياً وتاريخياً بل وممارسة داخل هذا العلم أو عند من قرأه من كبار علماء ونظار المسلمين الذين كتبوا في التصحيح الأصولي .
ثمت فرق بين رؤية تقع استجابة لفرضية حضارية أو أزمة تكوينية فكرية وبين الاستجابة لواقعية علمية تاريخية أو حتى حظورية طارئة . هذا الفرق لا يتمثل في القراءة السببية المجردة بل يرتبط به التكوين التطبيقي ولو بمعدل اللغة التعاملية الأولية . ومن هنا فإن الكشف عن حقيقة هذه الدعوة داخل رؤية واتجاه العقل المدنى المتحول سواء كان في اتجاه ما يسمى "اليسار الإسلامي" أو "العقلاني الحر" أو "الوسط الحداثي" يعد قيمة مهمة في تقييم هذه الدعوة التي يحاول رموزها الفكرية المتحولة إقصاء الاتجاه الوسط الإسلامي المحافظ عن الامتياز التأصيلي .
حسب التقدير الشخصي : فإن الدعوة إلى (تجديد أصول الفقه) بهذه الدرجة من العمومية ، والنسق الفكري الذي ترفع فيه هذه المطالبة جاءت محاولة تجاوز للتنظيم التشريعي المذهبي القائم في القرون الإسلامية ، والممتد في الواقع المعاصر ، أو بعبارة أكثر تطبيقية مع الواقع الثقافي : محاولة تحييد النظامية التشريعية التي يمثلها الوسط العلمي المحافظ عن الممارسة التطبيقية المعاصرة ، وإعطاء واقعية معرفية لحرية العقل المتحول في كثير من الأوساط الثقافية العربية أو حتى في اليسار الثقافي الإسلامي لتجاوز المنهج العلمي الوسطي الذي مثله الفقهاء الأوائل، وهذه التوافقية بين هذين التجمعين الذي ربما صح أن نسميهم : رواد هذه الدعوة ليست توافقية منهجية ، وهذا منطق عدلي يجب أن يكون واضحاً ، فمن المؤكد أن "اليسار الإسلامي" أكثر تعقلاً بل لا يمكن أن يؤهل "العقل الحداثي" لمعادلة تعاملية تجاه هذه الدعوة مع كل الأشكال الإسلامية . لكن ربما كان مهماً أن ندرك أن هذه المطالبة ، أو بتصورية أكثر : الافتراض التحويلي لأصول الفقه ، ليست محاولة علمية داخل التجمع العلمي التخصصي أو اعتباراً شرعياً داخل التمثيل الإسلامي التعددي القائم ، وإن كنا ندرك أن هناك مناقشات وربما إيحاءات قبولية أو رفضية قائمة في هذين المسارين لكن البعد الثقافي المعاصر في أشكاله الاتجاهية الفكرية يتعامل مع هذه الفرضية كنظرية يحاول أن يسجل لها استجابة داخل التجمع العلمي التخصصي أو داخل التطبيق الإسلامي التعددي أي : خلق سببية معرفية أو شرعية ، ورغم وجود مقتضيات نسبية في المحورين فإن تجسير العلاقة مع العقل الوضعي أو العقل المتحول يمثل تسرعاً ولو بمستوى التصويت الأولي لصالح تصحيح النظرية ،وهنا يمكن أن نسجل رفض القبول لهذه الدعوة التي تقع تحت رؤية فكرية متحولة،وليست على علاقة مناسبة مع التراث الوسطي المحافظ بل يكون هذا ضرورة منهجية لازمة التحقيق.
إن هذا العلم الذي بدأ التصنيف فيه – حسب رأي الأكثرين خلافاً لبعض الأحناف – الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، في كتابه المسمى : بالرسالة . والتي كانت محاولة وضع قاعدة توافقية بين "مدرسة المحدثين" و"مدرسة الرأي" في التداول الفقهي ، حيث كان في تلك المرحلة التاريخية بعض الامتياز بين هاتين المدرستين في التحصيل الفقهي مع كثير من التوحُّد في أصول التلقي والاستدلال.
وبإمامة الشافعي العلمية المتعددة مثلت رسالته التي أرسلها إلى الإمام عبد الرحمن بن مهدي المحدث ، واقعية تطبيقية تمثلت بعد عصر الشافعي في النظم العلمية المكتوبة في المذاهب الفقهية الأربعة في الفقه وأصوله .
ويدرك القاري لكبار كتب الفقه عند الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة وكذا كبار الكتب الأصولية أن ثمت توافقية في اعتبار نظم التشريع وأصول الاستدلال وكثير من نتائجه وفروعه مع امتياز حاصل نتيجة معطيات متعددة علمية ومذهبية وغيرها ، وربما صح أن بعضاً من الاميتاز المسجل تاريخياً بين المذاهب لأربعة كان مرتبطاً بالطائفية التي تمثلت في التمذهب الشمولي والتعصب والتقليد عند كثير من أتباع الأئمة .
فهو إلى حد كبير لم يكن موقفاً علمياً محضاً فضلاً عن كونه ضرورة منهجية مذهبية تستلزمها الأصول المتحققة عن الإمام المتفقه على مذهبه كمالك والشافعي . بل بعض من الامتياز وإن كان له بناء ورسم علمي إلا أنه ولائي بنسبة مقدرة من حيث التكوين .
ولست ترى أن الأئمة الأربعة يمارسون هذا الامتياز بنفس الدرجة التي يمارسها كثير من أتباعهم ولا سيما متأخريهم .
ومن هنا فإن المحققين من علماء الإسلام الكبار لا يرون تفضيل أحد هذه المذاهب الأربعة في النظم الأصولية أو الفروع الفقهية المحصلة تفضيلاً عمومياً من حيث الأصل بل يرون ثمت تحقيقاً تفاضليا نسبياً بحسب الأبواب المقررة في الفقه وأصوله . كتقديم أحد هذه المذاهب في قواعد القياس والعلة و السبب، أو دلالات الألفاظ ، أو ترتيب و توفيق الأدلة المختلف فيها ونحو ذلك ، وكذا في الأبواب الفقهية كتقديم مذهب في مسائل الطهارة وآخر في المناسك وآخر في الأطعمة و هلم جرا . ومع هذا فلا يقع هذا التفضيل في سائر المسائل المقولة باطراد بل يكون هذا من حيث الجنس الذي يتخلف بعض أفراده . والناظر في كتب الفقه و أصوله يرى تداخلاً في كثير من الفروع والقواعد التطبيقية بين هذه المذاهب فضلاً عن التوافق في أصول الاستدلال ، وجماع الفروع المتفق عليها ، و بخاصة بين الشافعية والحنابلة في الفروع الفقهية ، وبين الشافعية والمالكية المتأخرين في كتب الأصول هذا التداخل الثاني بفعل الجمع المنهجي الكلامي الذي انتجته مدرسة الأشعرية التي أكثر ممثليها من الشافعية ثم المالكية ، حتى أطلق كثير ممن كتب في تاريخ أصول الفقه : أن ثمت طريقتين للتأليف فيه : طريقة المتكلمين الممثلة عند علماء الأصول من الشافعية و المالكية في الجملة ، وطريقة الفقهاء التي تضاف للأحناف ، ويذكر كثيرون وجود منهج توفيقي بين الطريقتين . وهذه القراءة التاريخية في التصنيف المنهجي لصياغة هذا العلم فيها مراجعة ، وعليها سؤالات ليس هنا إمكان للحديث عنها .
لكن المهم قوله هنا : أن أكثر كتب أصول الفقه التي يجري التعامل معها في هذا العصر ، بمعنى : أنها ورقة القراءة المفترضة ، مكتوبة بتكوين علمي مركب إلى حد الاختلاف إذا اعتبرنا الأصول التجذيرية لهذا التركيب ، حيث مثل "علم الكلام" الذي استعمله المعتزلة ثم الأشاعرة و الماتريدية في التقرير العقدي أثراً في التقرير والصياغة الأصولية ، وإن كان ليس بنفس الممارسة العقدية ، لكن حين تقرأ البرهان لأبي المعالي الجويني أو المستصفى لأبي حامد الغزالي أو المحصول لابن الخطيب الرازي أو الأحكام للسيف الآمدي وهم من أعيان الشافعية الأصولية ، المتكلمة على الطريقة الأشعرية أو في المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي الحنفي وترى رسم أصول الفقه عند هؤلاء المصنفين و أمثالهم من أعيان علماء الكلام فهنا يكون من الواضح أثر هذا العلم في صياغة أصول الفقه فضلا عن استعمال المنطق الأرسطي المترجم كآلية للتراتيب الأصولية عند كثير من المتكلمين المصنفين في الأصول ، وربما صار هو قانون العقل كما هو اتجاه الغزالي . وإذا أخذنا الاتجاه المذهبي الفقهي وجدنا أنه يُشكل مع الاتجاه القانوني ( الكلامي ـ المنطقي ) تركيباً متمايزاً ليس أثره يختص بصنعة الحرف والكلمة ،ونسق الصياغة بل يتحصل له أثر في النتائج العلمية، وانقطاع التواصل أحياناً مع المذهب الفقهي ،و ربما صح أن نقول : إن هذا الترتيب المتمايز شكّل العقل الأصولي في الطور الثاني بعد الشافعي .
وهنا من الصعب أن تقرأ علاقة تمامية بين الفقه الذي قرره الشافعي وأئمة أصحابه المتقدمين ، والأصول التي نظمها للمذهب أمثال الجويني والغزالي و الرازي . وهذا مطرد مع كثير من الأصولين من أصحاب مالك المتأخرين وكذا بعض الحنفية كأبي الحسين البصري صاحب المعتمد بل وجمع من الحنابلة وإن كانوا أكثر تسالماً مع فقه إمامهم وأصحابه الأوائل لأن علم الكلام لم يستعمل منهجاً عند الحنابلة كما وقع في غيرهم وإن كان هناك ممارسات كلامية لبعض الحنابلة أو ما هو من النقل الذي دخل عليهم من التحصيل من كتب الأصول التي صنفها متكلمون .
هذه قراءة طويلة بل ومعقدة لكن ربما كان مهماً أن نعرف بعض حركة التركيب التاريخي لهذا العلم .
و حينما نحاول أن نقرأ الأمور حسب مساحتها القائمة فلا يعني أننا نمارس حركة الإغلاق من الداخل لأي مشروع تجديدي ، لكن من الحق أن نعي أن التراث العلمي الأصولي قيمة راقية ، ومع ذلك ففيه مساحة للمراجعة والتجديد حسب قواعد الشريعة و مقاصدها المتقررة في الكتاب والسنة وليس حسب الذوق الفكري المتنصل من الولاء العلمي التاريخي.
إن التجديد فضيلة شرعية ، وهو مصطلح مشرق يعني التخلص من سلطة النفس،والتقليد، والتعصب لما هو بمقتضى أصول الشريعة ليس مؤهلاً لهذا الإلحاح مما هو داخل دائرة الخلاف و الاجتهاد عند أئمة الإسلام وفقهائه إلا أن من المتحقق أن التجديد في هذا العلم ليس فضيلة معاصرة تمثلها دعوة أو اتجاه بل هو ممارسة سابقة على يد كثير من محققي علماء الإسلام ، ومن أخص ذلك الإشارات التي نقد فيها الإمام ابن تيمية في موارد من كتبه كثيراً من المسائل المكتوبة في كثير من الكتب الأصولية و بخاصة ما تحصل بأثر علم الكلام . ويعد ابن حزم من أخص من كتب في هذه المراجعات في مصنفه الأصولي " الأحكام " وإن كانت مراجعته رسماً مذهبياً لأصول الظاهرية أكثر من كونها تصحيحاً بأصول متقررة عند الأئمة المتقدمين كما هو منـزع الإمام ابن تيمية .
بل إنك تقرأ داخل المحور الأصولي نفسه قراءة حوارية أو جدلية بين الأصوليين حسب الإملاء المذهبي العقدي أو الفقهي . ويعد الشاطبي من كبار المراجعين في القراءة و الصياغة الأصولية . صحيح أننا قد نحاول أن نبحث عن تجديد آخر في أصول الفقه أو نستكمل هذه المراجعات هذا لا يبدو مشكلاً ،والتاريخ لا يمكن أن يغلق باب الاجتهاد و التجديد في لحظة معينة ، والأمة لا تزال بحاجة إلى التطوير العلمي ، وحين ننتقد الدعوة المعاصرة " تجديد أصول الفقه " المطروحة في أوساط فكرية معاصرة مختلفة بل ومتناقضة أحياناً فمن "اليسار الإسلامي" إلى "الاتجاه العقلاني الحر" ، إلى "الوسط الحداثي" الذي يحاول بمثل هذه الدعوة تسجيل مصداقية تصحيحية لأنموذجه المختار ، و ثمت أشكال ثقافية أخرى متبنية أو متعاطفة مع هذه الدعوة فهنا يفترض أن نكون أكثر وعياً بسببية هذا النقد فليس هو إنتاجاً لرفض التجديد ، أو محاولة لرسم الإغلاق الثقافي ، أو مشاكسة للإبداع بل محاولة قراءة للأمور كما هي ، وكما تستحق دون مزاحمة عواطف التاريخ القبلية و الحضورية .
إن نقد هذه الدعوة إلى حد الرفض في إطارها الفكري السابق يعد ضرورة منهجية ولزوماً شرعياً.
يبدو من المهم كثيراً أن نتصور مناط التجديد و محوره قبل ترتيب الحكم فحين نتحدث عن التجديد في مشروع إسلامي تعاملي ، أو حركي ،أو وسائلي يرتبط بالواقع الدعوي أو الاجتماعي أو التربوي فهنا ندرك أننا في مساحة واسعة حسب الاجتهاد الشرعي القائم لكن حين نتحدث عن مشروع تجديدي مقدم من دوائر فكرية متقاطعة مع المنهج الشرعي الوسطي المحافظ فهنا يفترض أن نفكر بطريقة واعية وأن ندرك أننا في مساحة ضيقة و معقدة التركيب ، وأننا أمام رؤية تأسيسية ،ومن الصعب أن توجد رؤية تصالحية بل نكون أمام حتمية الرفض كضمان منهجي .
من المهم أن نتجاوز في هذه الورقة لغة الشعارات الحضارية قبولاً أو رفضاً و ألاّ نقرأ هذه الفرضية في التجديد قراءة ذوقية . ومن المهم تماماً أن ندرك أن هذه الدعوة تحمل بعداً فكرياً يمثله معارضون للمنهج السني المحافظ بشكل كبير.
إن هذه الدعوة " تجديد أصول الفقه " في الأوساط الثقافية الفكرية المعاصرة المتمثلة فيما يسمي اليسار الإسلامي ، و الاتجاه العقلاني الحر ،والوسط الحداثي يرى رموز كل اتجاه فيها محاولة لتجاوز المسار المحافظ المعتدل في الوسط الثقافي بسلطة قانونية ، وهنا يمكن أن نتصور أننا نتحرك في المسار التكويني التأسيسي المنهجي، ولسنا أمام قبول أو رفض التجديد و الإبداع .
في التقدير الشخصي فإن مشروع " تجديد أصول الفقه " لا يمكن أن يكون له قاعدة أولية يفضّل المصادقة عليها كفضيلة مجردة وهي " قبولية التجديد " هذه المبدئية فرضية ذهنية كلية لا تتجاوز إلى العقل التصوري. أي : أن تجزئة المشروع لا يمكن أن يكون له وضوح في التطبيق العلمي .
إن إعطاء حكم لدعوة تجديد علمية يرتبط بتصورين :
أ ـ معرفة السببية المطالبة بهذا التجديد .
ب ـ معرفة القدر الذي تتمتع به هذه الدعوة من حيث الإدراك و التصور و الفهم ، أي : نسبة الوعي بهذا العلم في العقلية المطالبة.
وهنا يكون الحكم المنتج أكثر عدلية بين التراث و التجديد .
وهنا نقول : إن القاري لكتب أصول الفقه و التراث الأصولي و لا سيما في طوره الثاني بعد الشافعي الذي يعد الأخصب من حيث سعة التصنيف يدرك أن ثمت تركيباً علمياً في التكوين والبناء يصل أحياناً إلى حد الانعقاد ، وترى أنه رسم بطريقة نظرية مرتبطة بالنص ، والمذهبية الفقهية ، والاتجاه العقدي ، والصنعة الكلامية والمنطقية واللغة العربية و مادة من اللسانيات ، وهذا التكوين جعل كثيرين حتى من المثقفين لا يتمتع بقدرة كافية لقراءة هذه المصنفات بإدراكية مناسبة ، وصار هذا العلم ينغلق تفصيله على الكثير أو الأكثر لضعف الامتياز العلمي و الثقافي حتى إنك ترى في الأكاديميات العلمية المتخصصة جمعاً من المختصين في دراسة الفقه المذهبي أو المقارن ليس على علاقة متناسقة مع التصنيف الأصولي المذهبي أو المقارن كنظام يطبق بصورة بنائية ترتيبية . وهذا وإن كان له سببيات أخرى إلا أن هذا المؤثر أكثر وضوحاً ، و ترى في المختصين بالدراسة الأصولية من لا يتمتع بملكة فقهية تطبيقية حسب قراءته الأصولية .
هذه الإشارة ليست نقداً يوجه للواقع الأكاديمي المتخصص بشكل مقصود لكنها محاولة قياسية لتقرير : أن الوسط الثقافي المطالب يواجه أزمة في سببية المطالبة، وأيضاً في الوعي الإدراكي العلمي الذي يواجه حتى المتخصص في الدراسة الأصولية .
ومن العدل و الإنصاف أن في التجمع المتخصص والثقافي قرّاء ذوي امتياز متقدم في التصور المعرفي لهذا العلم .
لكن حينما تكون المطالبة تواجه أزمة وعي معرفي بهذا العلم فهنا يمكن أن نتصور : أنها مطالبة ذوقية ذرائعية تقع عند كثيرين محاولة استجابة لتجاوز مرحلة من التكوين الفكري .
إن الكتابة في أصول الفقه بطريقة إبداعية يحتاج لثراء علمي ، وهذا ليس إنتاجاً لطبيعة التصنيف الأصولي بل هو حقيقة ذاتية يتمتع بها هذا العلم وهنا يفترض لمن يحاول رسم مشروع علمي أصولي أن يراجع قاعدته العلمية بدرجة كافية !!.
و يمكن ألا نكون مبالغين في التشكيك بوجود تأهيل معرفي داخل كثير من الأوساط الفكرية المطالبة يمكن أن يمارس مصداقية معرفية في مشروعه المقترح إلا إن كان محور مشروعه تقويض البناء الأصولي!!!؟.
وحسب التقدير الشخصي فإن قراء التراث المعرفي بصورة تكاملية في هذه الأوساط لا يمثلون عددية تستطيع أن ترفع شعارات جادة في الوسط الثقافي المتحول .
وإذا كان العقل المدني المتحول يريد أن يعي ذاته ، فمن الضروري أن يعترف بهذا الحق لكل من يتمتع به حتى ولو كان تاريخياً مارس حريته في مرحلة تاريخية فربما كان مؤهلا للاستمرارية ،والوعي والحرية غير مرتبطة بالتسلسل التاريخي . فمن الصعب أن يفرض العقل المتحول سلطة على مساحة الرأي كلها . والعقل الإسلامي الوسطي المحافظ هو الأساس و الصانع لهذا الانتاج فمن المهم أن يمارس سلطته .
إن الصياغة لأصول الفقه تتطلب ثراء علمياً في النصوص و مقاصد الشريعة ولغة العرب وقواعد العقل الإسلامي و سعة علم بأقوال الفقهاء ، و قواعد المذاهب ، ومتطلبات في القدرة والعبقرية بل وإرادة صادقة متدينة .
إن علم أصول الفقه علم متدين وهذا امتياز وليس إشكالية يحاول تجاوزها باسم التجديد . ومع هذه المحاذرة والتشكيك بل رفض التعامل و القبول لهذه الدعوة التي تمثلها اتجاهات فكرية غير متواصلة مع التراث والمسار الوسطي المحافظ المعتدل فإن الفضيلة الشرعية " التجديد " تبقى امتيازاً يخاطب أهل العلم و الاختصاص بتطبيقه حتى في هذا العلم علم أصول الفقه ، و ربما كان من اللغة الخطابية أن نقول : إن التجديد الفاضل هو التجديد في أصول الفقه وليس تجديد أصول الفقه .
إن هذا العلم من أخص تراث الأمة ،والقارئ له يدرك أنه صياغة راقية للنظم الشرعية بل وصياغة للعقل الإسلامي ، وأنه مؤهل في الجملة للاستمرارية في هذا العصر الحضاري إذا كنا نتعامل مع هذا العلم بوعي وإدراك ، ووضوح في المقاصد . حسب التقدير الشخصي فإن هذا العلم بتكوينه التاريخي لم يواجه مشكلة حضارية أو يصطدم بها ، بل هو صياغة علمية شمولية مؤهلة لاستيعاب الطارئ والنازل حسب الإملاء الشرعي الذي بنى عليه هذا العلم ، وليس حسب رؤية "العقل المدني المتحول" المقطوع أو المتنصل من التراث ، الذي يحاول تجاوز المسار المحافظ المعتدل من الداخل .
وهذا لا يعني أنه علم مغلق عن الدراسة و المراجعة والتصحيح حسب قواعد الشريعة وأصولها بل يعد هذا العلم أخصب العلوم المصنفة تصنيفاً شرعياً للمراجعة و التنقيح نظراً لتعدد مادته التكوينية وتأثره بأكثر من محور معرفي ،ومن المناسب هنا أن أشير إلى موارد المراجعة والتصحيح الممكنة بل والمقترحة في كثير من كتب أصول الفقه المصنفة من قِبل كثير من أتباع الأئمة :
1- المورد العقدي في جملة من المسائل الأصولية التي ذكرها متكلمة المعتزلة المصنفين في أصول فقه الحنفية ، وذكرها متكلمة الأشعرية المصنفين في أصول فقه الشافعية و المالكية كالجوينى وأبي حامد الغزالي و الرازي وهم من الشافعية و أمثالهم .
ولعل من أخص مسائل هذا المورد كثير من المسائل المذكورة في التكليف و أحكام خطاب الشارع و حكم العقل ، وهذا يغلب عليه أنه نتيجة لمقولات عقدية يذكرونها في كتب أصول الدين التي صنفوها لتقرير المذهب العقدي عند المعتزلة والأشعرية ، وأكثرها يلحق بترتيب على القول في مسائل القدر والإرادة والتعديل و التجويز التي بحثها أمثال القاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي في كتبه العقدية كالمغني و شرح الأصول و المحيط بالتكليف وشرحها علماء الأشاعرة المتكلمة في مثل التمهيد للقاضي الباقلاني والشامل و الإرشاد للجوينى ونهاية الإقدام للشهرستاني و أصول الدين للبغدادي والمطالب العالية ونهاية العقول و الأربعين لابن الخطيب الرازي ، وغاية المرام للآمدي وغيرها . وهذه التراتيب على المقولات العقدية لا تختص بهذه المسائل بل ثمت أثر عقدي في مسائل أخرى .
وهنا إشارتان :
أ ـ أن هذه التراتيب ليست لازمة في بعض الأحوال لما اعتبرت به من المقولات العقدية ، وهذا ما قرره الإمام ابن تيمية في كلامه عن جملة من مسائل التكليف الأصولية التي بنيت على الخلاف العقدي في القدر بين المعتزلة و الأشعرية وهذا المعنى أشار إليه بعض محققي نظار المتكلمين و الأصوليين ، و ثمت قدر من هذه التراتيب هو معتبر بالمقولات العقدية بلا منازعة .
ب ـ أن هذه التراتيب المبنية على المقولات العقدية تصاغ كثيراً في الكتب الأصولية خلافاً بين الحنفية والشافعية و تراها من حيث المبنى أو الذكر خلافا بين المعتزلة و الأشعرية في الكتب العقدية ، وعند التحقيق فإن أئمة المذاهب الفقهية كالشافعي و أبي حنيفة ليسوا على اتصال بهذا التقرير الأصولي المرتب وكذا كبار أصحابهم المتقدمين ،ويقع في كثير من كتب الأصول المتأخرة مقالات مخالفة لمذهب الأئمة المتقدمين -الأئمة الأربعة وغيرهم هي عند التحقيق مقالات للمعتزلة أو نحوهم من الطوائف الكلامية المخالفة لمقالات أئمة السلف أهل السنة والجماعة.
2-المورد الثاني المؤهل للمراجعة والتصحيح في الكتب الأصولية : تأثر كثير من هذه الكتب ولا سيما في الطور الثاني من تصنيفه بعلم الكلام .وهو علم أنتج من قبل جملة من النظار لتقرير رأيهم العقدي في الإلهيات من حيث الأصل ثم استعمل في مسائل القدر ،واستعمله كثير من متأخري المتكلمين في تقرير مسمى الإيمان و جملة من مسائله .
وقراءة هذا العلم من التكوين ليس هذا محل يراد له إلا أن من المتحقق أن أئمة المذاهب من المحدثين والفقهاء الأوائل كانوا طاعنين في هذا العلم ومن هؤلاء الأئمة الأربعة ( أبو حنيفة ومالك والشافعي و أحمد ) و كبار أصحابهم المتقدمين ، وطعن هؤلاء في هذا العلم محفوظ بالأسانيد التي رواها المصنفون في أصول السنة من كبار أصحاب الأئمة ، وقد ذكر أبو إسماعيل الأنصاري الهروي نقلاً متواتراً عن الأئمة المتقدمين في ذم هذا العلم في مصنفه " ذم الكلام " وقد صرح بهذا التحقق كثير من حذاق متكلمة الأشعرية كالجويني و الغزالي و الشهرستاني ، لكنهم يتأولون مقصد الشافعي وأمثاله في ذمهم بما لا ينافي اتخاذهم له مع انتحالهم قول الشافعي في الفقه وأصوله .
وهذا العلم " علم الكلام " قد كدّر علم أصول الفقه،كما هيأ للاضطراب والتهوك في أصول الدين عند أربابه السالكين له كما صرح بذلك الشهرستاني في مقدمة كتاب نهاية الإقدام ، والرازي في كتابه أقسام اللذات ، والجو يني والغزالي من قبل ، فليس هذا التصور من إملاء مخالفي المتكلمين فحسب بل قد شهد به كبار رواده ،بل مما يعلم أن الطعن في علم الكلام مجمع عليه بين أئمة السلف رحمهم الله .
3- المورد الثالث : إدخال مسائل نظرية مجردة في كثير من كتب أصول الفقه ليست من المقولات العقدية أو الأصولية بل هي مسائل مجردة و الخلاف فيها جمهوره نظري بل كثير منه لا ثمرة له حتى نظراً وهذا يقع في مسائل مقولة في المقدمات الكلامية و النظرية و اللسانية ، خاصة أن كثيراً من هذا النزاع المذكور يُنصب مع شذاذ في تاريخ المعرفة والفكر كالسفسطائية ، والسمنية وأمثالها من أصحاب الاتجاهات الفلسفية البائدة .
وهذا المورد كثير منه إنتاج لعلم الكلام ودخوله في الصياغة الأصولية كما صرح بذلك الغزالي في مقدمة المستصفى ، وذكر أنه يذكر من هذا القدر اللائق وإن كان نقد كثيراً ممن قبله من متكلمة الأصولية الذين أسرفوا في هذا الخلط حسب عبارة الغزالي ثم شرع في رسم مقدمته المنطقية .
ونقد هذه المسائل النظرية المجردة أشار إليه جمع من الأصوليين كالجويني في البرهان والغزالي في المستصفى وابن حزم في الأحكام و الشوكاني في إرشاد الفحول وغيرهم وإن كان هؤلاء حكوا ما هو من ذلك وذكروه مع انتقادهم لبعض صوره.
ويعد الشاطبي من مقدمي نقاد هذا النوع ، المتباعدين عنه .
4- المورد الرابع : المنطق الأرسطي المترجم وأثره في بناء و صياغة أصول الفقه عند كثير من متكلمة الأصولية. وفي التقدير الشخصي أن أثر المنطق الأرسطي لم يختص في كثير من المصنفات الأصولية التي كتبها النظار بنسق البناء وصورة الصياغة بل شارك في تشكيل العقل الأصولي في الطور الثاني لهذا العلم ، كما تقرأ هذه الإشارة عند كثيرين ومن أخصهم الغزالي صاحب المستصفى .
و المنطق الأرسطي قد نقده كثير من النظار الإسلاميين من الأصوليين و غيرهم حتى من استعمله في بعض أطواره فإنه رجع كثير منهم إلى ذمه ونقده ، وترى الغزالي حينما يكون رياضياً إشراقياً يتجاهل قيمة المنطق. والقراءة في نقد المنطق الأرسطي تعد مراجعة طويلة لكن يمكن الإشارة إلى أن هذا المنطق وضعه أرسطو آلة للمنهج العقلي التجريدي الذي هو قوام فلسفته ، وهذا يعنى أنه غير مؤهل التواصل مع العقل الإسلامي .
ويعد الإمام ابن تيمية من كبار رواد هذا النقد في مصنفات أخصها " نقض المنطق " .
5- المورد الخامس : تأخر أهلية كثير من المصنفين في أصول الفقه عن التكاملية المناسبة المفترضة . ولئن كان الإمام الشافعي الذي وضع فواتح وقواعد هذا العلم كان يتمتع بأهلية علمية ربما صح أن نقول : مثالية . فإنك حين تقرأ سيرة الشافعي تجد أن ثمت ثراء علمياً متعدداً بل إمامه متعددة في الحديث والفقه و العربية و النظر الذي هو الاعتبار الشرعي المقاصدي ، لكن كثيراً من الأصولية بعده مع امتيازهم العقلي و امتلاكهم قوانين نظرية و معرفتهم بالفروع الفقهية و لا سيما في المذهب الإنتمائي إلا أن تأخرهم عن سعة العلم بتفاصيل السنة والحديث النبوي الذي هو أحد معتبرات وضع قواعد المقاصد فضلاً عن الضوابط التفصيلية الإطرادية المذهبية شارك في عدم تمامية كثير من هذه المصنفات ، وصار ثمت نظرية تجريدية في بناء بعض النظم الأصولية ولا سيما إذا عرف أن سببية هذا التأخر في الغالب هي مزاحمة علم الكلام و المنطق الصوري من حيث اشتغال المتكلمين به عن تفاصيل الأحاديث والآثار ، ومن الحقائق التاريخية أن علماء الكلام من المعتزلة و غيرهم و حتى جمهور علماء الكلام الأشعرية ليسوا من أهل الاختصاص بمعرفة السنة والآثار و ما صح وما ورد .
وترى أن أبا حامد الغزالي وهو من أكابر أساتذة علم أصول الفقه مع ثرائه العلمي إلا أنه يذكر عن نفسه : أنه مزجي البضاعة في الحديث .
و لئن كان الأصوليون يذكرون في شروط المجتهد في الأحكام العلم بتفاصيل الأحاديث الواردة في الأحكام والتكليف فإن هذا الشرط أكثر إلحاحاً في حق من يرسم قواعد ونظم التشريع استقراء من مصادر الشريعة .
6- المورد السادس : تطويل هذا العلم بمسائل أصولية مجردة عن الثمرة وهذا نوع أخص من المذكور في المورد الثالث ، وهذا له مثالات ذكرها وأشار إليه كثير من الأصولية أنفسهم وإن كان أكثر هؤلاء أمضاها في تصانيفه .
7- المورد السابع : تركُّب هذا العلم من غير مادة أنتج إشكالية تقاطع هذا العلم مع الفروع الفقهية و عدم وضوح التطبيق كممارسة متاحة ، ولا سيما في التصانيف التي تسمى عند كثيرين : المصنفات على الطريقة الكلامية .
وإن كان يقال عند كثيرين : إن سببية هذا التقاطع أن هذه الطريقة تنتج الفروع وليس يراد أن الفروع تنتجها . لكن هذا عليه سؤلات تأخره عن رتبة الصحة والمناسبة .
8- هنا إمكانية لأهل العلم العارفين بأصول السنة والشريعة لمراجعة بعض القواعد الأصولية الخلافية بين الأصوليين التي لها اتصال بإنتاج أحكام النوازل المعاصرة ، ورسم صياغة شرعية أكثر مناسبة لهذه النوازل .
وفي التقدير الخاص : أن هذا العلم تتجه أكثر مراجعته إلى " التنقيح " وليس هناك وضوح علمي في حاجة هذا العلم إلى إعادة بناء بمعطيات جديدة كما هو ادعاء العقل المدني المتحول .
و من المقدر هنا : أن الواقع الحضاري بمعطياته و نوازله يمكن أن يستوعب داخل هذا العلم حتى في شكله التاريخي البحت إذا كان ثمت امتيازان :
أ- الثراء العلمي لقارئ كتب الأصول ، فهذا العلم في تركيبه انعقاد علمي وتاريخي حتى قال بعض الناظرين فيه: إنه علم لا يحمل استقلالاً ، وهذا وإن خالفه الأكثر إلا أنه إشارة إلى حقيقة تكوين وبناء هذا العلم التعددية .
ب- المصادقة على استمرار حكمية وأهلية التراث العلمي التشريعي المحصل من مصادر التشريع المعتبرة عند علماء الإسلام ، وأن الواقع الحضاري يمكن أن يستوعب من حيث الجملة داخل هذا التراث مع فتح باب الاجتهاد و الترجيح و التجديد لمن يتأهل لذلك من أهل العلم والمعرفة بأصول السنة ومقاصد الشريعة.
و من الصعب أن نتصور أن النظم الأصولية كانت مجرد لحظة استجابة لمعطيات حضورية تاريخية ، وأن الواقع الحضاري يملي علينا استجابة من مقدماتها تجاوز التاريخية العلمية كما هو اتجاه موجود في بعض الأوساط الثقافية الحداثية . في التقدير أن هذه رؤية ذوقية ذرائعية وليست قراءة علمية جادة في التراث.
و في ختم هذه الإدلاء السريع في تقديم رؤية حول هذا الموضوع " تجديد أصول الفقه " يمكن أن نلخص هذه المحاولة : بأن هذا الموضوع يقع في محورين :
1-المحور الفكري المنهجي .
2- المحور العلمي التخصصي . ونتيجة الحكم في المحورين مختلفة بصورة واضحة .
وهذا الرأي المكتوب اجتهاد محتمل في بعض جوانبه وثمت جوانب أساسية ثبوتية داخل هذه الرأي . وأحب أن أشير إلى أنه ليس توافقاً أو رداً لورقة شارك فيها بعض الباحثين في هذه الندوة فلست على اطلاع وقت كتابة هذا الموضوع على المشاركات المتدوالة ، كما أشير إلى أن هذا الموضوع يعتبر الحديث عنه ، فيه انعقاد ويحتاج إلى تصور متميز ومن هنا لست أميل إلى فتح الحوار في هذا الموضوع لسائر طبقات القراء كما هو الشأن في موضوعات التربية والاجتماعيات و قضايا الدعوة الواقعية التي من المهم كثيراً أن تفتح المساحة فيها.
وأخيراً هذا الحديث و المشاركة إملاء من الذهن وليس بحثاً و ملاحقة للحروف المكتوبة في التصانيف ولهذا جردته عن النقل والإحالة وقصدت أن يكون واضح التناول بلغة مقربة لإعطاء رؤية مبسطة عن حقيقة هذه الدعوة وبعده الفكري، وإمكانها العلمي ،وأنهما مساران مختلفان فالرفض للأول لا يعني رفض الثاني وهذه حقيقة فاضلة الإدراك والوعي ،ولم تكن هذه المشاركة محاولة رد مفصل على اتجاه فكري فهذا استقراء آخر .
والله الهادي إلى صراطه المستقيم و الصلاة والسلام على النبي محمد وآله وصحبه .
البعد الفكري ، والإمكان العملي
قراءة في السببية المطالبة ، وأوجه الإمكان التطبيقية التجديدية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وآله وصحبة أما بعد :
فإن تحديد رؤية علمية أمام هذه الفرضية (( تجديد أصول الفقه )) يرتبط بوجود إمكانية مؤهلة من حيث المنهج النظري ، والواقعية التطبيقية لإجراء حوار يتطلع لقراءة مراجعة للكتابة الأصولية التاريخية.
هذه المبدئية أو الاتجاه على أقل تقدير يعطي مراجعة للسببية المطالبة بتجديد أصول الفقه، وربما كان من الرسم الصحيح للشكل العلمي: أن هذه الدعوة إنتاج(للعقل المنفعل حضارياً) أو (للعقل المدني المتحول) وفي تقديري : أن هذا العقل عقل ذرائعي افتراضي بدرجة ذوقية عالية !! ومقدّر: أنه يواجه أزمة تكوين ، وليس أزمة تطبيق ، وليس على علاقة معتدلة مع التراث الإسلامي من حيث الولاء والتصور .
من هنا فإن هذه الفرضية العلمية في شكلها الحضوري لا تحمل إلحاحاً ذاتياً من داخل علم ((أصول الفقه)) أو حتى معطيات علمية وتاريخية قادرة على ترسيم هذا الافتراض .
هذا الإنتاج لا يعني أن (علم أصول الفقه) علم متعالي على التجديد والمراجعة والتصحيح في سائر جزئيات بنيته ، بل هذه مراجعة متاحة ومؤهلة علمياً وتاريخياً بل وممارسة داخل هذا العلم أو عند من قرأه من كبار علماء ونظار المسلمين الذين كتبوا في التصحيح الأصولي .
ثمت فرق بين رؤية تقع استجابة لفرضية حضارية أو أزمة تكوينية فكرية وبين الاستجابة لواقعية علمية تاريخية أو حتى حظورية طارئة . هذا الفرق لا يتمثل في القراءة السببية المجردة بل يرتبط به التكوين التطبيقي ولو بمعدل اللغة التعاملية الأولية . ومن هنا فإن الكشف عن حقيقة هذه الدعوة داخل رؤية واتجاه العقل المدنى المتحول سواء كان في اتجاه ما يسمى "اليسار الإسلامي" أو "العقلاني الحر" أو "الوسط الحداثي" يعد قيمة مهمة في تقييم هذه الدعوة التي يحاول رموزها الفكرية المتحولة إقصاء الاتجاه الوسط الإسلامي المحافظ عن الامتياز التأصيلي .
حسب التقدير الشخصي : فإن الدعوة إلى (تجديد أصول الفقه) بهذه الدرجة من العمومية ، والنسق الفكري الذي ترفع فيه هذه المطالبة جاءت محاولة تجاوز للتنظيم التشريعي المذهبي القائم في القرون الإسلامية ، والممتد في الواقع المعاصر ، أو بعبارة أكثر تطبيقية مع الواقع الثقافي : محاولة تحييد النظامية التشريعية التي يمثلها الوسط العلمي المحافظ عن الممارسة التطبيقية المعاصرة ، وإعطاء واقعية معرفية لحرية العقل المتحول في كثير من الأوساط الثقافية العربية أو حتى في اليسار الثقافي الإسلامي لتجاوز المنهج العلمي الوسطي الذي مثله الفقهاء الأوائل، وهذه التوافقية بين هذين التجمعين الذي ربما صح أن نسميهم : رواد هذه الدعوة ليست توافقية منهجية ، وهذا منطق عدلي يجب أن يكون واضحاً ، فمن المؤكد أن "اليسار الإسلامي" أكثر تعقلاً بل لا يمكن أن يؤهل "العقل الحداثي" لمعادلة تعاملية تجاه هذه الدعوة مع كل الأشكال الإسلامية . لكن ربما كان مهماً أن ندرك أن هذه المطالبة ، أو بتصورية أكثر : الافتراض التحويلي لأصول الفقه ، ليست محاولة علمية داخل التجمع العلمي التخصصي أو اعتباراً شرعياً داخل التمثيل الإسلامي التعددي القائم ، وإن كنا ندرك أن هناك مناقشات وربما إيحاءات قبولية أو رفضية قائمة في هذين المسارين لكن البعد الثقافي المعاصر في أشكاله الاتجاهية الفكرية يتعامل مع هذه الفرضية كنظرية يحاول أن يسجل لها استجابة داخل التجمع العلمي التخصصي أو داخل التطبيق الإسلامي التعددي أي : خلق سببية معرفية أو شرعية ، ورغم وجود مقتضيات نسبية في المحورين فإن تجسير العلاقة مع العقل الوضعي أو العقل المتحول يمثل تسرعاً ولو بمستوى التصويت الأولي لصالح تصحيح النظرية ،وهنا يمكن أن نسجل رفض القبول لهذه الدعوة التي تقع تحت رؤية فكرية متحولة،وليست على علاقة مناسبة مع التراث الوسطي المحافظ بل يكون هذا ضرورة منهجية لازمة التحقيق.
إن هذا العلم الذي بدأ التصنيف فيه – حسب رأي الأكثرين خلافاً لبعض الأحناف – الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، في كتابه المسمى : بالرسالة . والتي كانت محاولة وضع قاعدة توافقية بين "مدرسة المحدثين" و"مدرسة الرأي" في التداول الفقهي ، حيث كان في تلك المرحلة التاريخية بعض الامتياز بين هاتين المدرستين في التحصيل الفقهي مع كثير من التوحُّد في أصول التلقي والاستدلال.
وبإمامة الشافعي العلمية المتعددة مثلت رسالته التي أرسلها إلى الإمام عبد الرحمن بن مهدي المحدث ، واقعية تطبيقية تمثلت بعد عصر الشافعي في النظم العلمية المكتوبة في المذاهب الفقهية الأربعة في الفقه وأصوله .
ويدرك القاري لكبار كتب الفقه عند الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة وكذا كبار الكتب الأصولية أن ثمت توافقية في اعتبار نظم التشريع وأصول الاستدلال وكثير من نتائجه وفروعه مع امتياز حاصل نتيجة معطيات متعددة علمية ومذهبية وغيرها ، وربما صح أن بعضاً من الاميتاز المسجل تاريخياً بين المذاهب لأربعة كان مرتبطاً بالطائفية التي تمثلت في التمذهب الشمولي والتعصب والتقليد عند كثير من أتباع الأئمة .
فهو إلى حد كبير لم يكن موقفاً علمياً محضاً فضلاً عن كونه ضرورة منهجية مذهبية تستلزمها الأصول المتحققة عن الإمام المتفقه على مذهبه كمالك والشافعي . بل بعض من الامتياز وإن كان له بناء ورسم علمي إلا أنه ولائي بنسبة مقدرة من حيث التكوين .
ولست ترى أن الأئمة الأربعة يمارسون هذا الامتياز بنفس الدرجة التي يمارسها كثير من أتباعهم ولا سيما متأخريهم .
ومن هنا فإن المحققين من علماء الإسلام الكبار لا يرون تفضيل أحد هذه المذاهب الأربعة في النظم الأصولية أو الفروع الفقهية المحصلة تفضيلاً عمومياً من حيث الأصل بل يرون ثمت تحقيقاً تفاضليا نسبياً بحسب الأبواب المقررة في الفقه وأصوله . كتقديم أحد هذه المذاهب في قواعد القياس والعلة و السبب، أو دلالات الألفاظ ، أو ترتيب و توفيق الأدلة المختلف فيها ونحو ذلك ، وكذا في الأبواب الفقهية كتقديم مذهب في مسائل الطهارة وآخر في المناسك وآخر في الأطعمة و هلم جرا . ومع هذا فلا يقع هذا التفضيل في سائر المسائل المقولة باطراد بل يكون هذا من حيث الجنس الذي يتخلف بعض أفراده . والناظر في كتب الفقه و أصوله يرى تداخلاً في كثير من الفروع والقواعد التطبيقية بين هذه المذاهب فضلاً عن التوافق في أصول الاستدلال ، وجماع الفروع المتفق عليها ، و بخاصة بين الشافعية والحنابلة في الفروع الفقهية ، وبين الشافعية والمالكية المتأخرين في كتب الأصول هذا التداخل الثاني بفعل الجمع المنهجي الكلامي الذي انتجته مدرسة الأشعرية التي أكثر ممثليها من الشافعية ثم المالكية ، حتى أطلق كثير ممن كتب في تاريخ أصول الفقه : أن ثمت طريقتين للتأليف فيه : طريقة المتكلمين الممثلة عند علماء الأصول من الشافعية و المالكية في الجملة ، وطريقة الفقهاء التي تضاف للأحناف ، ويذكر كثيرون وجود منهج توفيقي بين الطريقتين . وهذه القراءة التاريخية في التصنيف المنهجي لصياغة هذا العلم فيها مراجعة ، وعليها سؤالات ليس هنا إمكان للحديث عنها .
لكن المهم قوله هنا : أن أكثر كتب أصول الفقه التي يجري التعامل معها في هذا العصر ، بمعنى : أنها ورقة القراءة المفترضة ، مكتوبة بتكوين علمي مركب إلى حد الاختلاف إذا اعتبرنا الأصول التجذيرية لهذا التركيب ، حيث مثل "علم الكلام" الذي استعمله المعتزلة ثم الأشاعرة و الماتريدية في التقرير العقدي أثراً في التقرير والصياغة الأصولية ، وإن كان ليس بنفس الممارسة العقدية ، لكن حين تقرأ البرهان لأبي المعالي الجويني أو المستصفى لأبي حامد الغزالي أو المحصول لابن الخطيب الرازي أو الأحكام للسيف الآمدي وهم من أعيان الشافعية الأصولية ، المتكلمة على الطريقة الأشعرية أو في المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي الحنفي وترى رسم أصول الفقه عند هؤلاء المصنفين و أمثالهم من أعيان علماء الكلام فهنا يكون من الواضح أثر هذا العلم في صياغة أصول الفقه فضلا عن استعمال المنطق الأرسطي المترجم كآلية للتراتيب الأصولية عند كثير من المتكلمين المصنفين في الأصول ، وربما صار هو قانون العقل كما هو اتجاه الغزالي . وإذا أخذنا الاتجاه المذهبي الفقهي وجدنا أنه يُشكل مع الاتجاه القانوني ( الكلامي ـ المنطقي ) تركيباً متمايزاً ليس أثره يختص بصنعة الحرف والكلمة ،ونسق الصياغة بل يتحصل له أثر في النتائج العلمية، وانقطاع التواصل أحياناً مع المذهب الفقهي ،و ربما صح أن نقول : إن هذا الترتيب المتمايز شكّل العقل الأصولي في الطور الثاني بعد الشافعي .
وهنا من الصعب أن تقرأ علاقة تمامية بين الفقه الذي قرره الشافعي وأئمة أصحابه المتقدمين ، والأصول التي نظمها للمذهب أمثال الجويني والغزالي و الرازي . وهذا مطرد مع كثير من الأصولين من أصحاب مالك المتأخرين وكذا بعض الحنفية كأبي الحسين البصري صاحب المعتمد بل وجمع من الحنابلة وإن كانوا أكثر تسالماً مع فقه إمامهم وأصحابه الأوائل لأن علم الكلام لم يستعمل منهجاً عند الحنابلة كما وقع في غيرهم وإن كان هناك ممارسات كلامية لبعض الحنابلة أو ما هو من النقل الذي دخل عليهم من التحصيل من كتب الأصول التي صنفها متكلمون .
هذه قراءة طويلة بل ومعقدة لكن ربما كان مهماً أن نعرف بعض حركة التركيب التاريخي لهذا العلم .
و حينما نحاول أن نقرأ الأمور حسب مساحتها القائمة فلا يعني أننا نمارس حركة الإغلاق من الداخل لأي مشروع تجديدي ، لكن من الحق أن نعي أن التراث العلمي الأصولي قيمة راقية ، ومع ذلك ففيه مساحة للمراجعة والتجديد حسب قواعد الشريعة و مقاصدها المتقررة في الكتاب والسنة وليس حسب الذوق الفكري المتنصل من الولاء العلمي التاريخي.
إن التجديد فضيلة شرعية ، وهو مصطلح مشرق يعني التخلص من سلطة النفس،والتقليد، والتعصب لما هو بمقتضى أصول الشريعة ليس مؤهلاً لهذا الإلحاح مما هو داخل دائرة الخلاف و الاجتهاد عند أئمة الإسلام وفقهائه إلا أن من المتحقق أن التجديد في هذا العلم ليس فضيلة معاصرة تمثلها دعوة أو اتجاه بل هو ممارسة سابقة على يد كثير من محققي علماء الإسلام ، ومن أخص ذلك الإشارات التي نقد فيها الإمام ابن تيمية في موارد من كتبه كثيراً من المسائل المكتوبة في كثير من الكتب الأصولية و بخاصة ما تحصل بأثر علم الكلام . ويعد ابن حزم من أخص من كتب في هذه المراجعات في مصنفه الأصولي " الأحكام " وإن كانت مراجعته رسماً مذهبياً لأصول الظاهرية أكثر من كونها تصحيحاً بأصول متقررة عند الأئمة المتقدمين كما هو منـزع الإمام ابن تيمية .
بل إنك تقرأ داخل المحور الأصولي نفسه قراءة حوارية أو جدلية بين الأصوليين حسب الإملاء المذهبي العقدي أو الفقهي . ويعد الشاطبي من كبار المراجعين في القراءة و الصياغة الأصولية . صحيح أننا قد نحاول أن نبحث عن تجديد آخر في أصول الفقه أو نستكمل هذه المراجعات هذا لا يبدو مشكلاً ،والتاريخ لا يمكن أن يغلق باب الاجتهاد و التجديد في لحظة معينة ، والأمة لا تزال بحاجة إلى التطوير العلمي ، وحين ننتقد الدعوة المعاصرة " تجديد أصول الفقه " المطروحة في أوساط فكرية معاصرة مختلفة بل ومتناقضة أحياناً فمن "اليسار الإسلامي" إلى "الاتجاه العقلاني الحر" ، إلى "الوسط الحداثي" الذي يحاول بمثل هذه الدعوة تسجيل مصداقية تصحيحية لأنموذجه المختار ، و ثمت أشكال ثقافية أخرى متبنية أو متعاطفة مع هذه الدعوة فهنا يفترض أن نكون أكثر وعياً بسببية هذا النقد فليس هو إنتاجاً لرفض التجديد ، أو محاولة لرسم الإغلاق الثقافي ، أو مشاكسة للإبداع بل محاولة قراءة للأمور كما هي ، وكما تستحق دون مزاحمة عواطف التاريخ القبلية و الحضورية .
إن نقد هذه الدعوة إلى حد الرفض في إطارها الفكري السابق يعد ضرورة منهجية ولزوماً شرعياً.
يبدو من المهم كثيراً أن نتصور مناط التجديد و محوره قبل ترتيب الحكم فحين نتحدث عن التجديد في مشروع إسلامي تعاملي ، أو حركي ،أو وسائلي يرتبط بالواقع الدعوي أو الاجتماعي أو التربوي فهنا ندرك أننا في مساحة واسعة حسب الاجتهاد الشرعي القائم لكن حين نتحدث عن مشروع تجديدي مقدم من دوائر فكرية متقاطعة مع المنهج الشرعي الوسطي المحافظ فهنا يفترض أن نفكر بطريقة واعية وأن ندرك أننا في مساحة ضيقة و معقدة التركيب ، وأننا أمام رؤية تأسيسية ،ومن الصعب أن توجد رؤية تصالحية بل نكون أمام حتمية الرفض كضمان منهجي .
من المهم أن نتجاوز في هذه الورقة لغة الشعارات الحضارية قبولاً أو رفضاً و ألاّ نقرأ هذه الفرضية في التجديد قراءة ذوقية . ومن المهم تماماً أن ندرك أن هذه الدعوة تحمل بعداً فكرياً يمثله معارضون للمنهج السني المحافظ بشكل كبير.
إن هذه الدعوة " تجديد أصول الفقه " في الأوساط الثقافية الفكرية المعاصرة المتمثلة فيما يسمي اليسار الإسلامي ، و الاتجاه العقلاني الحر ،والوسط الحداثي يرى رموز كل اتجاه فيها محاولة لتجاوز المسار المحافظ المعتدل في الوسط الثقافي بسلطة قانونية ، وهنا يمكن أن نتصور أننا نتحرك في المسار التكويني التأسيسي المنهجي، ولسنا أمام قبول أو رفض التجديد و الإبداع .
في التقدير الشخصي فإن مشروع " تجديد أصول الفقه " لا يمكن أن يكون له قاعدة أولية يفضّل المصادقة عليها كفضيلة مجردة وهي " قبولية التجديد " هذه المبدئية فرضية ذهنية كلية لا تتجاوز إلى العقل التصوري. أي : أن تجزئة المشروع لا يمكن أن يكون له وضوح في التطبيق العلمي .
إن إعطاء حكم لدعوة تجديد علمية يرتبط بتصورين :
أ ـ معرفة السببية المطالبة بهذا التجديد .
ب ـ معرفة القدر الذي تتمتع به هذه الدعوة من حيث الإدراك و التصور و الفهم ، أي : نسبة الوعي بهذا العلم في العقلية المطالبة.
وهنا يكون الحكم المنتج أكثر عدلية بين التراث و التجديد .
وهنا نقول : إن القاري لكتب أصول الفقه و التراث الأصولي و لا سيما في طوره الثاني بعد الشافعي الذي يعد الأخصب من حيث سعة التصنيف يدرك أن ثمت تركيباً علمياً في التكوين والبناء يصل أحياناً إلى حد الانعقاد ، وترى أنه رسم بطريقة نظرية مرتبطة بالنص ، والمذهبية الفقهية ، والاتجاه العقدي ، والصنعة الكلامية والمنطقية واللغة العربية و مادة من اللسانيات ، وهذا التكوين جعل كثيرين حتى من المثقفين لا يتمتع بقدرة كافية لقراءة هذه المصنفات بإدراكية مناسبة ، وصار هذا العلم ينغلق تفصيله على الكثير أو الأكثر لضعف الامتياز العلمي و الثقافي حتى إنك ترى في الأكاديميات العلمية المتخصصة جمعاً من المختصين في دراسة الفقه المذهبي أو المقارن ليس على علاقة متناسقة مع التصنيف الأصولي المذهبي أو المقارن كنظام يطبق بصورة بنائية ترتيبية . وهذا وإن كان له سببيات أخرى إلا أن هذا المؤثر أكثر وضوحاً ، و ترى في المختصين بالدراسة الأصولية من لا يتمتع بملكة فقهية تطبيقية حسب قراءته الأصولية .
هذه الإشارة ليست نقداً يوجه للواقع الأكاديمي المتخصص بشكل مقصود لكنها محاولة قياسية لتقرير : أن الوسط الثقافي المطالب يواجه أزمة في سببية المطالبة، وأيضاً في الوعي الإدراكي العلمي الذي يواجه حتى المتخصص في الدراسة الأصولية .
ومن العدل و الإنصاف أن في التجمع المتخصص والثقافي قرّاء ذوي امتياز متقدم في التصور المعرفي لهذا العلم .
لكن حينما تكون المطالبة تواجه أزمة وعي معرفي بهذا العلم فهنا يمكن أن نتصور : أنها مطالبة ذوقية ذرائعية تقع عند كثيرين محاولة استجابة لتجاوز مرحلة من التكوين الفكري .
إن الكتابة في أصول الفقه بطريقة إبداعية يحتاج لثراء علمي ، وهذا ليس إنتاجاً لطبيعة التصنيف الأصولي بل هو حقيقة ذاتية يتمتع بها هذا العلم وهنا يفترض لمن يحاول رسم مشروع علمي أصولي أن يراجع قاعدته العلمية بدرجة كافية !!.
و يمكن ألا نكون مبالغين في التشكيك بوجود تأهيل معرفي داخل كثير من الأوساط الفكرية المطالبة يمكن أن يمارس مصداقية معرفية في مشروعه المقترح إلا إن كان محور مشروعه تقويض البناء الأصولي!!!؟.
وحسب التقدير الشخصي فإن قراء التراث المعرفي بصورة تكاملية في هذه الأوساط لا يمثلون عددية تستطيع أن ترفع شعارات جادة في الوسط الثقافي المتحول .
وإذا كان العقل المدني المتحول يريد أن يعي ذاته ، فمن الضروري أن يعترف بهذا الحق لكل من يتمتع به حتى ولو كان تاريخياً مارس حريته في مرحلة تاريخية فربما كان مؤهلا للاستمرارية ،والوعي والحرية غير مرتبطة بالتسلسل التاريخي . فمن الصعب أن يفرض العقل المتحول سلطة على مساحة الرأي كلها . والعقل الإسلامي الوسطي المحافظ هو الأساس و الصانع لهذا الانتاج فمن المهم أن يمارس سلطته .
إن الصياغة لأصول الفقه تتطلب ثراء علمياً في النصوص و مقاصد الشريعة ولغة العرب وقواعد العقل الإسلامي و سعة علم بأقوال الفقهاء ، و قواعد المذاهب ، ومتطلبات في القدرة والعبقرية بل وإرادة صادقة متدينة .
إن علم أصول الفقه علم متدين وهذا امتياز وليس إشكالية يحاول تجاوزها باسم التجديد . ومع هذه المحاذرة والتشكيك بل رفض التعامل و القبول لهذه الدعوة التي تمثلها اتجاهات فكرية غير متواصلة مع التراث والمسار الوسطي المحافظ المعتدل فإن الفضيلة الشرعية " التجديد " تبقى امتيازاً يخاطب أهل العلم و الاختصاص بتطبيقه حتى في هذا العلم علم أصول الفقه ، و ربما كان من اللغة الخطابية أن نقول : إن التجديد الفاضل هو التجديد في أصول الفقه وليس تجديد أصول الفقه .
إن هذا العلم من أخص تراث الأمة ،والقارئ له يدرك أنه صياغة راقية للنظم الشرعية بل وصياغة للعقل الإسلامي ، وأنه مؤهل في الجملة للاستمرارية في هذا العصر الحضاري إذا كنا نتعامل مع هذا العلم بوعي وإدراك ، ووضوح في المقاصد . حسب التقدير الشخصي فإن هذا العلم بتكوينه التاريخي لم يواجه مشكلة حضارية أو يصطدم بها ، بل هو صياغة علمية شمولية مؤهلة لاستيعاب الطارئ والنازل حسب الإملاء الشرعي الذي بنى عليه هذا العلم ، وليس حسب رؤية "العقل المدني المتحول" المقطوع أو المتنصل من التراث ، الذي يحاول تجاوز المسار المحافظ المعتدل من الداخل .
وهذا لا يعني أنه علم مغلق عن الدراسة و المراجعة والتصحيح حسب قواعد الشريعة وأصولها بل يعد هذا العلم أخصب العلوم المصنفة تصنيفاً شرعياً للمراجعة و التنقيح نظراً لتعدد مادته التكوينية وتأثره بأكثر من محور معرفي ،ومن المناسب هنا أن أشير إلى موارد المراجعة والتصحيح الممكنة بل والمقترحة في كثير من كتب أصول الفقه المصنفة من قِبل كثير من أتباع الأئمة :
1- المورد العقدي في جملة من المسائل الأصولية التي ذكرها متكلمة المعتزلة المصنفين في أصول فقه الحنفية ، وذكرها متكلمة الأشعرية المصنفين في أصول فقه الشافعية و المالكية كالجوينى وأبي حامد الغزالي و الرازي وهم من الشافعية و أمثالهم .
ولعل من أخص مسائل هذا المورد كثير من المسائل المذكورة في التكليف و أحكام خطاب الشارع و حكم العقل ، وهذا يغلب عليه أنه نتيجة لمقولات عقدية يذكرونها في كتب أصول الدين التي صنفوها لتقرير المذهب العقدي عند المعتزلة والأشعرية ، وأكثرها يلحق بترتيب على القول في مسائل القدر والإرادة والتعديل و التجويز التي بحثها أمثال القاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي في كتبه العقدية كالمغني و شرح الأصول و المحيط بالتكليف وشرحها علماء الأشاعرة المتكلمة في مثل التمهيد للقاضي الباقلاني والشامل و الإرشاد للجوينى ونهاية الإقدام للشهرستاني و أصول الدين للبغدادي والمطالب العالية ونهاية العقول و الأربعين لابن الخطيب الرازي ، وغاية المرام للآمدي وغيرها . وهذه التراتيب على المقولات العقدية لا تختص بهذه المسائل بل ثمت أثر عقدي في مسائل أخرى .
وهنا إشارتان :
أ ـ أن هذه التراتيب ليست لازمة في بعض الأحوال لما اعتبرت به من المقولات العقدية ، وهذا ما قرره الإمام ابن تيمية في كلامه عن جملة من مسائل التكليف الأصولية التي بنيت على الخلاف العقدي في القدر بين المعتزلة و الأشعرية وهذا المعنى أشار إليه بعض محققي نظار المتكلمين و الأصوليين ، و ثمت قدر من هذه التراتيب هو معتبر بالمقولات العقدية بلا منازعة .
ب ـ أن هذه التراتيب المبنية على المقولات العقدية تصاغ كثيراً في الكتب الأصولية خلافاً بين الحنفية والشافعية و تراها من حيث المبنى أو الذكر خلافا بين المعتزلة و الأشعرية في الكتب العقدية ، وعند التحقيق فإن أئمة المذاهب الفقهية كالشافعي و أبي حنيفة ليسوا على اتصال بهذا التقرير الأصولي المرتب وكذا كبار أصحابهم المتقدمين ،ويقع في كثير من كتب الأصول المتأخرة مقالات مخالفة لمذهب الأئمة المتقدمين -الأئمة الأربعة وغيرهم هي عند التحقيق مقالات للمعتزلة أو نحوهم من الطوائف الكلامية المخالفة لمقالات أئمة السلف أهل السنة والجماعة.
2-المورد الثاني المؤهل للمراجعة والتصحيح في الكتب الأصولية : تأثر كثير من هذه الكتب ولا سيما في الطور الثاني من تصنيفه بعلم الكلام .وهو علم أنتج من قبل جملة من النظار لتقرير رأيهم العقدي في الإلهيات من حيث الأصل ثم استعمل في مسائل القدر ،واستعمله كثير من متأخري المتكلمين في تقرير مسمى الإيمان و جملة من مسائله .
وقراءة هذا العلم من التكوين ليس هذا محل يراد له إلا أن من المتحقق أن أئمة المذاهب من المحدثين والفقهاء الأوائل كانوا طاعنين في هذا العلم ومن هؤلاء الأئمة الأربعة ( أبو حنيفة ومالك والشافعي و أحمد ) و كبار أصحابهم المتقدمين ، وطعن هؤلاء في هذا العلم محفوظ بالأسانيد التي رواها المصنفون في أصول السنة من كبار أصحاب الأئمة ، وقد ذكر أبو إسماعيل الأنصاري الهروي نقلاً متواتراً عن الأئمة المتقدمين في ذم هذا العلم في مصنفه " ذم الكلام " وقد صرح بهذا التحقق كثير من حذاق متكلمة الأشعرية كالجويني و الغزالي و الشهرستاني ، لكنهم يتأولون مقصد الشافعي وأمثاله في ذمهم بما لا ينافي اتخاذهم له مع انتحالهم قول الشافعي في الفقه وأصوله .
وهذا العلم " علم الكلام " قد كدّر علم أصول الفقه،كما هيأ للاضطراب والتهوك في أصول الدين عند أربابه السالكين له كما صرح بذلك الشهرستاني في مقدمة كتاب نهاية الإقدام ، والرازي في كتابه أقسام اللذات ، والجو يني والغزالي من قبل ، فليس هذا التصور من إملاء مخالفي المتكلمين فحسب بل قد شهد به كبار رواده ،بل مما يعلم أن الطعن في علم الكلام مجمع عليه بين أئمة السلف رحمهم الله .
3- المورد الثالث : إدخال مسائل نظرية مجردة في كثير من كتب أصول الفقه ليست من المقولات العقدية أو الأصولية بل هي مسائل مجردة و الخلاف فيها جمهوره نظري بل كثير منه لا ثمرة له حتى نظراً وهذا يقع في مسائل مقولة في المقدمات الكلامية و النظرية و اللسانية ، خاصة أن كثيراً من هذا النزاع المذكور يُنصب مع شذاذ في تاريخ المعرفة والفكر كالسفسطائية ، والسمنية وأمثالها من أصحاب الاتجاهات الفلسفية البائدة .
وهذا المورد كثير منه إنتاج لعلم الكلام ودخوله في الصياغة الأصولية كما صرح بذلك الغزالي في مقدمة المستصفى ، وذكر أنه يذكر من هذا القدر اللائق وإن كان نقد كثيراً ممن قبله من متكلمة الأصولية الذين أسرفوا في هذا الخلط حسب عبارة الغزالي ثم شرع في رسم مقدمته المنطقية .
ونقد هذه المسائل النظرية المجردة أشار إليه جمع من الأصوليين كالجويني في البرهان والغزالي في المستصفى وابن حزم في الأحكام و الشوكاني في إرشاد الفحول وغيرهم وإن كان هؤلاء حكوا ما هو من ذلك وذكروه مع انتقادهم لبعض صوره.
ويعد الشاطبي من مقدمي نقاد هذا النوع ، المتباعدين عنه .
4- المورد الرابع : المنطق الأرسطي المترجم وأثره في بناء و صياغة أصول الفقه عند كثير من متكلمة الأصولية. وفي التقدير الشخصي أن أثر المنطق الأرسطي لم يختص في كثير من المصنفات الأصولية التي كتبها النظار بنسق البناء وصورة الصياغة بل شارك في تشكيل العقل الأصولي في الطور الثاني لهذا العلم ، كما تقرأ هذه الإشارة عند كثيرين ومن أخصهم الغزالي صاحب المستصفى .
و المنطق الأرسطي قد نقده كثير من النظار الإسلاميين من الأصوليين و غيرهم حتى من استعمله في بعض أطواره فإنه رجع كثير منهم إلى ذمه ونقده ، وترى الغزالي حينما يكون رياضياً إشراقياً يتجاهل قيمة المنطق. والقراءة في نقد المنطق الأرسطي تعد مراجعة طويلة لكن يمكن الإشارة إلى أن هذا المنطق وضعه أرسطو آلة للمنهج العقلي التجريدي الذي هو قوام فلسفته ، وهذا يعنى أنه غير مؤهل التواصل مع العقل الإسلامي .
ويعد الإمام ابن تيمية من كبار رواد هذا النقد في مصنفات أخصها " نقض المنطق " .
5- المورد الخامس : تأخر أهلية كثير من المصنفين في أصول الفقه عن التكاملية المناسبة المفترضة . ولئن كان الإمام الشافعي الذي وضع فواتح وقواعد هذا العلم كان يتمتع بأهلية علمية ربما صح أن نقول : مثالية . فإنك حين تقرأ سيرة الشافعي تجد أن ثمت ثراء علمياً متعدداً بل إمامه متعددة في الحديث والفقه و العربية و النظر الذي هو الاعتبار الشرعي المقاصدي ، لكن كثيراً من الأصولية بعده مع امتيازهم العقلي و امتلاكهم قوانين نظرية و معرفتهم بالفروع الفقهية و لا سيما في المذهب الإنتمائي إلا أن تأخرهم عن سعة العلم بتفاصيل السنة والحديث النبوي الذي هو أحد معتبرات وضع قواعد المقاصد فضلاً عن الضوابط التفصيلية الإطرادية المذهبية شارك في عدم تمامية كثير من هذه المصنفات ، وصار ثمت نظرية تجريدية في بناء بعض النظم الأصولية ولا سيما إذا عرف أن سببية هذا التأخر في الغالب هي مزاحمة علم الكلام و المنطق الصوري من حيث اشتغال المتكلمين به عن تفاصيل الأحاديث والآثار ، ومن الحقائق التاريخية أن علماء الكلام من المعتزلة و غيرهم و حتى جمهور علماء الكلام الأشعرية ليسوا من أهل الاختصاص بمعرفة السنة والآثار و ما صح وما ورد .
وترى أن أبا حامد الغزالي وهو من أكابر أساتذة علم أصول الفقه مع ثرائه العلمي إلا أنه يذكر عن نفسه : أنه مزجي البضاعة في الحديث .
و لئن كان الأصوليون يذكرون في شروط المجتهد في الأحكام العلم بتفاصيل الأحاديث الواردة في الأحكام والتكليف فإن هذا الشرط أكثر إلحاحاً في حق من يرسم قواعد ونظم التشريع استقراء من مصادر الشريعة .
6- المورد السادس : تطويل هذا العلم بمسائل أصولية مجردة عن الثمرة وهذا نوع أخص من المذكور في المورد الثالث ، وهذا له مثالات ذكرها وأشار إليه كثير من الأصولية أنفسهم وإن كان أكثر هؤلاء أمضاها في تصانيفه .
7- المورد السابع : تركُّب هذا العلم من غير مادة أنتج إشكالية تقاطع هذا العلم مع الفروع الفقهية و عدم وضوح التطبيق كممارسة متاحة ، ولا سيما في التصانيف التي تسمى عند كثيرين : المصنفات على الطريقة الكلامية .
وإن كان يقال عند كثيرين : إن سببية هذا التقاطع أن هذه الطريقة تنتج الفروع وليس يراد أن الفروع تنتجها . لكن هذا عليه سؤلات تأخره عن رتبة الصحة والمناسبة .
8- هنا إمكانية لأهل العلم العارفين بأصول السنة والشريعة لمراجعة بعض القواعد الأصولية الخلافية بين الأصوليين التي لها اتصال بإنتاج أحكام النوازل المعاصرة ، ورسم صياغة شرعية أكثر مناسبة لهذه النوازل .
وفي التقدير الخاص : أن هذا العلم تتجه أكثر مراجعته إلى " التنقيح " وليس هناك وضوح علمي في حاجة هذا العلم إلى إعادة بناء بمعطيات جديدة كما هو ادعاء العقل المدني المتحول .
و من المقدر هنا : أن الواقع الحضاري بمعطياته و نوازله يمكن أن يستوعب داخل هذا العلم حتى في شكله التاريخي البحت إذا كان ثمت امتيازان :
أ- الثراء العلمي لقارئ كتب الأصول ، فهذا العلم في تركيبه انعقاد علمي وتاريخي حتى قال بعض الناظرين فيه: إنه علم لا يحمل استقلالاً ، وهذا وإن خالفه الأكثر إلا أنه إشارة إلى حقيقة تكوين وبناء هذا العلم التعددية .
ب- المصادقة على استمرار حكمية وأهلية التراث العلمي التشريعي المحصل من مصادر التشريع المعتبرة عند علماء الإسلام ، وأن الواقع الحضاري يمكن أن يستوعب من حيث الجملة داخل هذا التراث مع فتح باب الاجتهاد و الترجيح و التجديد لمن يتأهل لذلك من أهل العلم والمعرفة بأصول السنة ومقاصد الشريعة.
و من الصعب أن نتصور أن النظم الأصولية كانت مجرد لحظة استجابة لمعطيات حضورية تاريخية ، وأن الواقع الحضاري يملي علينا استجابة من مقدماتها تجاوز التاريخية العلمية كما هو اتجاه موجود في بعض الأوساط الثقافية الحداثية . في التقدير أن هذه رؤية ذوقية ذرائعية وليست قراءة علمية جادة في التراث.
و في ختم هذه الإدلاء السريع في تقديم رؤية حول هذا الموضوع " تجديد أصول الفقه " يمكن أن نلخص هذه المحاولة : بأن هذا الموضوع يقع في محورين :
1-المحور الفكري المنهجي .
2- المحور العلمي التخصصي . ونتيجة الحكم في المحورين مختلفة بصورة واضحة .
وهذا الرأي المكتوب اجتهاد محتمل في بعض جوانبه وثمت جوانب أساسية ثبوتية داخل هذه الرأي . وأحب أن أشير إلى أنه ليس توافقاً أو رداً لورقة شارك فيها بعض الباحثين في هذه الندوة فلست على اطلاع وقت كتابة هذا الموضوع على المشاركات المتدوالة ، كما أشير إلى أن هذا الموضوع يعتبر الحديث عنه ، فيه انعقاد ويحتاج إلى تصور متميز ومن هنا لست أميل إلى فتح الحوار في هذا الموضوع لسائر طبقات القراء كما هو الشأن في موضوعات التربية والاجتماعيات و قضايا الدعوة الواقعية التي من المهم كثيراً أن تفتح المساحة فيها.
وأخيراً هذا الحديث و المشاركة إملاء من الذهن وليس بحثاً و ملاحقة للحروف المكتوبة في التصانيف ولهذا جردته عن النقل والإحالة وقصدت أن يكون واضح التناول بلغة مقربة لإعطاء رؤية مبسطة عن حقيقة هذه الدعوة وبعده الفكري، وإمكانها العلمي ،وأنهما مساران مختلفان فالرفض للأول لا يعني رفض الثاني وهذه حقيقة فاضلة الإدراك والوعي ،ولم تكن هذه المشاركة محاولة رد مفصل على اتجاه فكري فهذا استقراء آخر .
والله الهادي إلى صراطه المستقيم و الصلاة والسلام على النبي محمد وآله وصحبه .