يرينا الله سبحانه بعضًا من مصارع الظالمين لكي نعتبر ونعلم أنه سبحانه وحده هو الملك ولا ملك غيره وانه القادر فلا قادر سواه .
فقص الله عز وجل علينا في القرآن الكريم بعضا من صور مصارع الظالمين المتكبرين لنؤمن علم اليقين بان الله إذا أراد شيئا فيقول له كن فيكون
فقص علينا نهاية من قال للناس"
يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي" ومن تجرأ على قول " فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى"
فأخذه الله سبحانه وأهلكه وجنوده "
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ "
وقص الله علينا عاقبة من تجبر على الناس بماله وظن أنه قادر بهذا المال على أن يصنع كل شيئ فأهلكه الله وخسف به الأرض بعدما بلغ أوج انتفاخه وعظمته "
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ " فجاءه الأمر الإلهي الذي لا يرد " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ " .
وكان مصرع فرعون آية وعلامة على تنكيل الله بالعصاة المجرمين الظالمين
" ففي صحيح الإمام مسلم أنه في ليلة غزوة بدر يمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على أرض المعركة ويشير بإشارات على الأرض للصحابة رضوان الله عليهم ويقول: " هذا مصرع فلان" , فيقول أنس: ويضع يده على الأرض هاهنا هاهنا. فما ماطَ أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم " , فرأى المسلمون أكابر مجرمي مكة صرعى على الأرض ليحمدوا الله ويكبروه وليزدادوا إيمانا مع إيمانهم .
"
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [الأنعام : 45].
أصله ونسبه عليه السلام : سيدنا هود عليه السلام هو عربيٌّ في أصله، وقيل إنه هود بن عبد الله بن رباح بــن الجـلــود
بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك. وقد جاء في صحيحِ ابن حبان عن أبي ذرّ في حديث طــويل في ذكر
الأنبياء والمرسلين قال :"وأربعةٌ من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيّك محمد".
قومه : وكان من قبيلة يقال لهم عاد . وكانوا عرباً من اليمن يسكنون الأحقاف وهي جبال الــرمل وكــانت باليمن بين عــمان
وحضرموت، بــأرض مطـلة عـلى البحر يقال لـها الشحر، واسم واديهم مغيث . . قال اللهُ تبارك و تعالى في ســورة الأحــــقـاف :
{واذكر أخــا عاد إذ أنذر قــومَه بالأحقافِ وقــد خـلت النـذر مــــن بين يــديه ومـــن خلفه ألاَّ تعبدوا إلا الله إني أخـــاف عليكــم عـذابَ يـومٍ عــظيـم}
والمقصود أن عاداً هي عاد الأولى ، وقيل كــانوا ثلاث عشرة قبيلة ،وكــانوا كثيراً ما يـسكنون الخيام ذوات الأعـمـدة الضخـام
كــما قـــال تعـــالى: {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ }
وقــــد أعــطى اللهُ تبـــارك وتـعالى قـبيلة عـاد نِعمًا كثيرة وافرة وخيرات جليلة، فــكانت بــلادهم ذات مياة وفـيرة فــزرعوا الأراضي
وأنشــأوا البســـاتين وأشـــادوا القصــور الشـــامخة العـــالية، إضافة لما منحهم اللهُ تعالى فـوق ذلك من بَسْطة في أجسادهم
وقــوة في أبــدانهم وعــظامهم فـــكانوا طـــوالاً في الأجســام والقـــوام، قـيل كــان أطـــولُهم مــــائة ذراع وأقصرهم ستين ذراًعا،
قــال تعـــالى :{واذكروا إذ جعلكم خلفاءَ من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطه}
لكنهم كانوا غير شاكرين لله على نعمه،فاتخذوا من دونه آلهةً وعبدوا الأصنام،فكانوا أول الأمم الذين عبدوها بعد الطوفان العظيم،
فبـــعث اللهُ تعـالى إليهم نبيَّه هــودًا وكان أحسنهـم خُـلُقًا وأفضلهم موضعًا وأوسطهم نسبًا،فدعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده
وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع،وأن يُوحّدوا الله الذي خلقهم ولا يجعـلوا معه إلــهًا غيـره، وأن ينتهوا ويكفـوا عــن الظـلم
والبغي والفساد بين الناس، ثــم بيَّن لـــهم نِعم الله الــجليلة عــليهم إذ زادهم في الخلق بسـطة فـزاد في أجسادهم وقوامهم
فأمرهم أن يذكروا هذه النعم وأن يشكروا اللهَ تعالى عليها بأن يعبدوه وحدَه ويخلصوا له ويتركوا الشرك وعبادة الأصنام كي يفحلوا.
ولكنهم عاندوا وتكبروا وكذبوا نبيَّ الله هوادا وءامن به واتبعه أناس قليلون كانوا يكتمون إيمانهم خــوفًا مــن بـطش وظـلم قـومـهم
قال تعالى{فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوة أولم يروا أن اللهَ الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّة وكانوا بآياتنا يجحدون}
وقال قوم هود له فيما قالوا:{يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}
يقولـــون مـــا جئتنـا بـــخارق يشهد لــك بـصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك؛بلا دليل أقمته
ولا بــرهان نصبته، ومـــا نظن إلا أنـك مجنون فيمــا تزعمه . . وقد أصابك هذا لأن بعض آلهتنا غضبت عليك فـــأصابتك في عقلـك
فلما بئس منهم هودا أعلمهم أنهم استحقوا الرّجس والغضب من الله لإصرارهم على كفرهم وعبادة الأصنام، ولينتظروا عذاب
الله الشديد الــواقع عليهم لا مـحالة ..قال تعالى: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِي، قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ، فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ
فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
هلاك قوم عاد: كانت بداية العذاب، أن الله منع عنهم المطر حتى جهدوا، وكان كلما نزل بهم الجَهد ذكَّرهم هـود بدعـوة الله
وأنه لا ينجيهم من البلاء والعذاب إلا الإيمان والاستماع لنصائحه بالقبول، فكان ذلك يزيدهم عتوًّا وعنادًا فازداد العـذاب عليهم
وصاروا في قَحْط وجفاف شديدين فـطلبوا السُقيا والمـطر و أوفدوا وفدهم إلى مكة يستسقون لهم، فأنشأ الله سحابًا أسـودا
وساقه إلى عاد فخرجت عليهم من واد فلما رأوها استبشروا أنـه سحــاب مطـر وسُقيا رحمة فإذا هو سحاب عـذاب ونــقمـة
قال تعالى :{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ /تُدَمّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبّــهَا فَـــأَصْبَحُوا لا يُـرَى إِلاَّ مَــسَاكِنُهُمْ كَــذَلِكَ نَجْزِي الْقَــوْمَ الْمُجْــرِمِينَ}(سورة الأحقاف)، أي أن الله أرســل عـليهم ريحًا شــديـدةً عـــاتــية
قال الله تعالى في سورة الحاقة :{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَـا
صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ (8)}.
كانت ريحًا باردة شديدة الهبوب سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتالية فلم تبق منهم أحــداً، بــل تتبعتهم حتـى
كانت تدخل عليهم كــــهوف الجبـــال والغيـران فتخـــرجهم وتــهلكهم، وتــدمـر عــليهم البيـوت المـحكمة والقــصور الـمشيدة،
فكما منوا بشدتهم وبقوتهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة، وأقدر عليهم،وهو الريح العقيم.
وقد شبههم الله بأعجاز النخل التي لا رؤوس لها، وذلك لأن هذه الريح كانت تجيء إلى أحـدهم فـتحمله فـتـرفعه في الهـــواء
ثم تنكسه على أُمّ رأسه فتشدخه فيبقى جثة هامدة بلا رأس، قال الله تبارك وتعالى :{وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهِمُ الريحَ العقيم}
أي التي لا تنتج خيرًا،وقال تعالى:{ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم}الذاريات أي كالشىء البالي الفاني الذي لاينتفع به
وقال تعالى :{إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَـحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّـنقَعِرٍ * فَـكَيْفَ كَــانَ عَــذَابِي وَنُذُرِ }القمر
عـــن ابن عمر قـــال: قـــال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: (ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم،فمرت
بأهــل البــادية فحملتـهم ومــواشيهم وأمــوالهم بين السـماء والأرض، فـلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد، الريح وما فيها {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة).
و ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال:عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح
قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به"
ولقد نجى الله هودًا عليه السلام ومن معه من المؤمنين قال تعالى :{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا
وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (72)} سورة الأعراف، وقال تعالى :{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } سورة هود
وقد حجّ بعد ذلك سيدنا هود عليه السلام كما روى ذلك أبو يعلى في مسنده، أما موضع قبره ففيه خلاف،قيل بحضرموت في اليمن،
وقيل بالحِجر من مكة، وذكر ءاخرون أنّه بدمشق، وبلاد عاد اليوم رمال قاحلة لا أنيس فيها ولا ديار، فسبحان الملك العزيز الجبار.
نسبه عليه السلام :صالح بن عبيد بن أسف بن ماشخ بن عبيد بن حاذر -أو صالح بن جابر بن ثمود بن عامر بن إرم بن سام بن نـــوح
مساكن ثمود : في منطقة الحِجْر التي تقع بين الحجاز والشام، والتي تسمى الآن (بــمدائن صالح) كــانت تــعيش قــبيلة
مشهورة تسمى ثمود جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها، وكانت لـهم حضــارة عــمرانية واضـــحة المــعالــم،
فقد نحتوا الجبال واتخذوها بيوتًا، يسكنون فيها في الشتاء؛ لتحميهم من الأمطار والعواصف التي تأتي إليهم مــن حين لآخر
واتخذوا من السهول قصورًا يقيمون فيها في الصيف.
حال القوم : لــــقد أنعم الله تعـــالى عليهم بنعــم كثيرة لا تـــعد ولا تــحصى، فأعطاهم الأرض الخصبة، والماء العذب الـغزير،
والحدائق والنخيل، والزروع والثمار، ولكنهم قابلوا النعمة بالجحود والنكران، فكفروا بالله سبحــانه ولـــم يشكروه عــلى نـعمـه
وعبدوا الأصنام، وجعلوها شريكة لله، وقدَّموا إليها القرابين، وذبحوا لها الذبائح وتضرعوا لها، وأخذوا يدعونها،فأراد الله هدايتهم،
فـــأرسل إليهم نبيًّا منــهم مبشرا ومنذرا ، هو صـــالح -عليه السلام- وكـــان رجلاً كــريمًا تقيًّا محبــوبًا لــديهم .. فقـال لهم :
{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُه}دعاهم إلى الله بمثل دعــوة الرسل، وأمرهم بالتقوى، ونــــهاهم عــن عبــادة الأوثـــان،
معجزة صالح : ورغم نصاعة دعـــوة صـــالح عليه الســـلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته،
واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم .. وشــاء الله تعالى أن يستجيب لطلبهم. فـقال صـالح:
{وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ }هود .والآية هي المعجزة، ويقـــال
إن الناقة كانت معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب الميـاه
الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تـدر لبـنــا
يـكفي لــيشرب الناس جـميعــا .. كانت هذه الناقة مــعجزة،وصفها الله بقوله:
(نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه بمعنى أنها لـيسـت
ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله. وأصدر الله أمره إلى صالح أن يـأمر قـومه بعـدم المســاس بالنـاقـة أو إيذائـها أو قـتـلـهـا،
أمـــرهم أن يتـركوها تـــأكل في أرض الله، وحـــذرهم أنــهم إذا مــدوا أيديهم عليها بالأذى فــسوف يـــأخذهم عـــذاب قــريب.
وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر .. وذلك لأن الكـــفار عــندما يطلبون من
نبيهم آية،ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به، وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر .. لكن الله كان يخذلهــــم
بتأييد أنبياءه بمعجـــزات مـــن عـنده .. وبقي صـــالح عليه الصــلاة والســـلام يــدعوهم ويحـذرهم مــن المساس بالنــاقة.