فرحة الاردن
الادارة العامة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دلالة الفعل الماضي على المستقبل في القرآن الكريم .
إن الفعل الماضي معجز من حيث تركيبه في الصيغة القرآنية ، فقد يلغى منه زمنه المتعارف عليه ليدل على أحداث مستقبلية منتظَرَة، لذلك نجد في القرآن الكريم أفعالا ماضية استعملت للدلالة على المستقبل، حيث إنها ـ وإن جاءت بصيغة الماضي ـ فإنها لم تحدُث بعدُ . ومن هنا فتعبير القرآن الكريم بالماضي عن المستقبل دال على تحقُّق وقوعه ، وهذا من باب مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
ويمكن أن ندرج ضمن دلالة الماضي على المستقبل ثلاثة أصناف من الآيات الكريمة :
1 - الآيات التي تتحدث عن مشاهد يوم القيامة : و المقصدُ من هذه الآيات استثارةُ العقول للتفكر في هذا الأمر العظيم، و اتخاذ العُدة لمواجهة أهواله، وذلك بالتزود بالعمل الصالح. فهدفها إذن تربوي يهيئ الإنسان للقيام بأعباء الاستخلاف عن الله تعالى بالسعي في الأرض تعميرا لا تدميرا، وإصلاحا لا إفسادا :
- كقـوله سبحانه و تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) الزلزلة / 1 .حيث تزلزل الأرض وتلفظ أمواتها أحياء ، وهذا طبعا لا يكون إلا يوم القيامة وهو غيب مستقبل.
- وقوله عز و جل : ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا و جاء ربك و الملك صفا صفا ) .الفجر: 21/22 .فالزمن لا يتعلق بالله تعالى مثل تعلقه بسائر المخلوقات ، ذلك أنه سبحانه مطلق متعال عن الزمان والمكان: ( هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم ) الحديد / 3 .
ومن ثم فإن المستقبل في حقه تعالى ماضٍ، لأنه المطلقُ - سبحانه و تعالى - المستوعبُ لكل الأزمنة، ومن ثم فإن مجيء الفعل الماضي الدال على الاستقبال ناسب المقام الرباني ، إذ دلَّ على عظمته - تعالى - وعلى أنه مطلق غير محدود بالزمان ولا المكان ، كما أنه ناسب حال المخاطبين بتقريره لحقيقة عقدية وهي البعث والنشور ومشاهد يوم القيامة، التي هي بمثابة غيب مطلق لا يمكن للإنسان أن يقف على ما هي عليه حقيقةً لأنه أسيرُ نسبـيتِه . و النسبيُّ لا يمكن أن يُحيط بالمطلق .ومنهج السلف الصالح في تفسير مثل هذه الآيات المندرجة ضمن آيات الصفات إجراؤها كما وردتْ من غير تكييف ولا تشبيه، ولا تأويـل ولا تحريف ولا تعطيل . ، وإن كانت بعض تفاسير أهل السنة والجماعة قد نزعت إلى حملها على معان مجازية تقريبا للمعنى القرآني، والتماسا لتــحـقـيـق تـنـزيه الله تعـالى .
وقد اعتمدتْ هذه التفاسير في صرف قــوله جل جلاله : ( و جاء ربك و الملك صفا صفا ) . الفجر / 22 على الظاهر باعتماد قرينة مانعة من إرادة المعنى المتبادر منها، مثل ما فعله الرازي حين قال : "واعلم أنه ثبت بالدليل العقلي أن الحركة على الله تعالى محال، لأن كل ما كان كذلك كان جسما، والجسم يستحيل أن يكون أزليا فلا بد فيه من التأويل، وهو أن هذا من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ثم ذلك المضاف ما هو؟ فيه وجوه أحدها: وجاء جلائل آيات ربك لأن هذا يكون يوم القيامة، وفي ذلك اليوم تظهر العظائم وجلائل الآيات، فجعل مجيئها مجيئا له تــفـخـيـمـا لشأن تلك الآيات". مفاتيح الغيب : ج 31 / 158 . ومثل ما بينه القنوجي بقوله : " وجاء ربك" أي جاء أمره وقضاؤه وظهرت آياته. وقيل : المعنى أنها زالت الشبه في ذلك اليوم وظهرت المعارف، وصارت ضرورية كما يزول الشك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه. وقيل: جاء قهر ربك وسلطانه وانفراده بالأمر والتدبير من دون أن يجعل إلى أحد من عباده شيئا من ذلك. وقيل: تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه. وقيل: جاء أمر ربك بالمـحاسبة والجزاء" . فتح البيان في مقاصد القرآن : ج 15 / 230 .
- وقولــه سبحانه : ( إذا السماء انفطرت و إذا الكواكب انتثرت ) الانفطار : 1 / 2 .
- وقوله : ( حتى إذا رأوا ما يوعدون ) مريم / 76 .
- وقوله : ( فإذا برق البصر و خسف القمر و جمع الشمس و القمر) القيامة : 7 / 8 / 9 .
- وقولـه : ( إذا الشمس كورت و إذا النجوم انكدرت ) التكوير : 1 / 2 .
- وقوله : ( فإذا جاءت الصاخة ) عبس / 33 .
وغيرها من الآيات التي جاء فعلُها ماضياً دالاًّ على المستقبل لتحدثنا عن يوم القيامة ، فاحتوت كل واحدة منها على مشهد من مشاهد هذا اليوم العظيم تصف لنا أهواله ، وما سيكون عليه ذلك اليوم العصيب ، وقانا الله و إياكم أهواله . آمين
دمتم في حفظ الرحمن
منقول