مَنْ يوقف العدوان الإسرائيلي؟ *د. سحر المجالي - صحيفة الرأي
كانت مدينة القدس يوم الأحد 28/2/2010 على موعد آخر من مسلسل تهويد هذه المدينة العربية المسلمة، وعلى مسمع من كل دعاة الشرعية الدولية ومرأى من كل المؤمنين بعدم شرعية الإحتلال شكلاً ومضموناً.
فقد اقتحمت الشرطة الإسرائيلية باحات المسجد الأقصى وطوقت مبناه، بطريقة إستفزازية وتتناقض مع كل الأنظمة والقوانين الدولية التي تحمي الأماكن الدينية التي تخضع للإحتلال من أي عبث وتحرم على قوات دولة الإحتلال الدخول إليها.
هذا العدوان الإسرائيلي المبيت جاء تزامناً مع القرار الصهيوني بضم الحرم الإبراهيمي إلى قائمة «التراث الإسرائيلي» والذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية قبل أيام من عدوانها الأخير على المسجد لأقصى.
والتراث في المعنى اللغوي يعني إبداعات الأمم والشعوب التي صاغتها أجيالها المتعاقبة، واصبحت تمثل هويتها التاريخية والثقافية.
فأي تاريخ لإسرائيل إبتداءً، ومن أين جاءها التراث الذي يحتاج لقرون عديدة ومتواصلة ليتأصل في الوجدان الإنساني، ويستقر في ذاكرة الزمان والمكان.
وهذان المعطيان لا يمتان لإسرائيل بصلة، لا من قريب ولا من بعيد.
فهي كيان أبعد من أن يكون ذا تراث او تاريخ، واستمرارية وجوده تعتمد على معطيات خارجية غير قابلة للإستمرار ومهيأة للتغير في أي لحظة.
حيث لم تنشأ الدولة العبرية بناءً على المعطيات التاريخية لنشوء الدول الطبيعية، بل جاءت كنتيجة للتحالفات الدولية بين الدول الاستعمارية، وفي لحظة كانت فيها الأمة العربية تئن تحت وطأة القوى الاستعمارية نفسها التي باركت مولد «إسرائيل» على حساب الحقوق التاريخية العربية ومشروعها الحضاري.
وإذا كان هناك من يدعي بوجود تاريخ حديث لهذا الكيان، فهو تاريخ لا يتجاوز الستين عاماً إلا بسنتين، كما أن هذه العقود الستة اتسمت بالشراسة العدوانية على الأرض التي اغتصبها وعلى باقي العرب، معتمداُ على سياسة الأرض المحروقة لإرهاب الآخرين، وما مجازر دير ياسين وقبية وغزة إلا تجسيد حي على وحشية السياسات الصهيونية، والتي إذا ما قورنت بالسياسات النازية تجاه الآخرين، لوجدنا الأخيرة متواضعة مع عدوانية السياسات الصهيونية تجاه الأمة العربية.
إن العدوان الصهيوني الأخير على الأماكن المقدسة في القدس والخليل دليل على إفلاس سياسي وعسكري وهروب من استحقاقات مبررات وجود اسرائيل كدولة في المنطقة، وعلى رأسها المسيرة السلمية، وإنعكاساً لعدم ثقة إسرائيل، لا بنفسها ولا بمستقبل أجيالها.
كما يأتي هذا العدوان وعيون العرب « الدامعة» ترنو نحو البيت الأبيض، عسى ولعل ان تجد مبرراً واحداً للإعتماد على الدبلوماسية الأمريكية كوسيط محايد فيما يسمى بالمسيرة السلمية في « الشرق الأوسط».
هذه الوساطة التي مازلنا نتلمس خطاها منتظرين نتائجها منذ نشوء الدولة العبرية عام 1948 حتى اليوم، والتي قد لا تأتي إلا بما يخدم المخططات الصهيونية.
فمن يصدق أن الإدارة الأمريكية غير قادرة على كبح جماح التطاول الإسرائيلي على حقوق العرب، وهم في جلهم من المحسوبين على ما يسمى بـــ»طرف الإعتدال» في الصراع العربي- الصهيوني.
ويبدو أن الإعتدال تعني في المفهوم الإسرائيلي- الأمريكي، التسليم بسياسة الأمر الواقع والذي يخدم في المحصلة النهائية دولة إسرائيل على حساب الحقوق العربية.
والمضحك- المبكي، إن هذه الاستفزازات الإسرائيلية جاءت في الوقت الذي تنتظر فيه الإدارة الأمريكية إجابات الأسئلة التي طرحتها على الأطراف المعنية في المنطقة من أجل استئناف المفاوضات.
وقد جاء الرد الإسرائيلي واضحاً وصريحاُ و» جريئاً في عدوانيته» وهو الإستيلاء على تاريخ العرب في الخليل وتهويد القدس.
فهل هذه هي الإجابات التي تنتظرها الإدارة الأمريكية، وتعبر عن إرادة حقيقية تجاه السلام المنشود.
ويحاول الأردن الآن بشتى الوسائل أن يوقف الممارسات الإسرائيلية الأخيرة التي تجاوزت الحد الذي يمكن للعرب القبول به، إلا أنه لا يمكن وضع حد لهذا التطاول في العدوان إلا بجهد عربي جماعي وموحد، يتجاوز منطق الـ(أنا) لصالح عقلانية الـ(نحن).
التعديل الأخير بواسطة المشرف: