فرحة الاردن
الادارة العامة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
لحكمة الاهية قد يتعرض كلاً منا أحياناً إلى لحظات ضعفٍ أو خللٍ في شيء من وظائفة الجسدية طفيفة كانت أو شديدة تضطره أحياناً للرقود على سرير المرض ولو لساعات وربما تطول ومنهم من يفقد حياته على إثرها (عافاكم الله) .
هذه المحنة قد تكون من أسوأ وأصعب ساعات الحياة لكنها تحمل في طياتها منح جزيلة عظيمة، هي ساعات يعرف بها الإنسان مدى كونه ضعيفاً لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ساعات يجد الإنسان فيها حقيقة إنسانيته خلف كيانه الذي طالما كان متفاخراً به معتزاً بسطوته وقوته لا يبالي بكمِّ الضعفاء والمرضى والعاجزين حوله ولم يمد لهم يد العون يوماً.
قد يتعثر يوماً في طريقه فيشعر بعجزه عن الوقوف ويضطر لأن يستغيث بمن هم على هامش الحياة في قارعة الطريق ممن لم يكن يأبه بهم لكنهم لم يتوانوا في الأخذ بيده ولم يقصروا في مساعدته.
ما أصعب هذه الساعات التي تجعلك محل شفقة في أنظار الآخرين وتشعر بأن لا حول لك ولا قوة، قد تستند على أكتافهم لتسير، أو تتكئ على أياديهم لتقف، قد تتعبهم وتشعر بثقلك عليهم لكنك في حال لا تملك لنفسك الإستغناء عن رحمتهم وشفقتهم.
فما أضعف الإنسان!!!
أي قوة وأي بنية وأي مركز وأي جاه وأي عزة تجعلك تفتخر بها وتتعالى وتتباهى وكائن صغير قد لا يُرى بالعين المجردة لو سلطه الله على كيانك لدمره ولأوقعه أرضاً.
على سرير المرض توقن بأن الدنيا وما فيها لا تساوي نعمة العافية.
على سرير المرض تجد إنسانيتك وتدرك مدى ضعفك وفقرك وحاجتك، وتشعر بالضعفاء حولك.
على سرير المرض يضمحل كبرياؤك وتتلاشى غرائزك وشهواتك ويتنزه باطنك.
على سرير المرض تدرك حقيقة الدنيا وحقارتها لطالما أفنيت أوقاتك وطاقاتك بملاحقتها للظفر باليسير منها.
على سرير المرض تندم على تقصيرك في أداء عبادتك ونسكك فكم تهاونت في أداء صلاتك أيام عافيتك وكم أضعت من أوقاتها في لهو الدنيا ولعبها، وكم غفلت عن ذكر ربك، وكم نسيت أن تحمده، وكم حرمت نفسك من سجدة شكر واعتراف بمنه وفضله.
أيها الإنسان لا تغرك نفسك ولا تعجب بها، لا تتكبر لا تتعالى لا تتأفف ولا تمن على أحد إن أسديت له منعفة تذكر.
وتذكر دائماً واجعل هذه الكلمة نصب عينيك
(وخلق الإنسان ضعيفاً)
الضعف هي المادة التي أنت تكونت منها فلا تغرك قوتك وصحتك.
لا تظن أنه أمراً هيناً أن تمشي على قدميك وغيرك مقعد، أو أن تبصر بعينيك وتمتعها بالألوان والأشكال وغيرك كفيف،
أو أن تنام ملئ عينيك وغيرك بات ليله يتأوه من شدة الألم.
وأحلى ما على سرير المرض تتذوق لذة اللجوء إلى ربك لجوء المضطر الذليل وتدعوه دعاء البائس الضرير، وتذوب حواجز البعد بينك وبينه وتشعر بأنك مرمياً بين يديه لا تملك لنفسك شيئاً هو وحده القادر على أن يعيد لك عافيتك.
هكذا هو الإنسان كما وصفه ربه قال تعالى {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ}يونس12
وقال عز من قائل{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ }فصلت51
أسأل الله لنا ولكم العافية.