إيمـ حرف منسي ــــان
عضو جديد
نهج النّبي (صل الله عليه وسلم) نهجَ القرآن الكريم في إيضاح أبعاد بعض المفاهيم وتجلية المُراد الحقيقي منها، ولذلك فحينما كان يسأل المسلمين عن مفهوم معيّن، فإنّهم غالباً ما كانوا يعطونه المفهوم الدّارج لديهم أو المعنى اللّغوي للمفهوم، وفيما يلي بعض الأمثلة:
أ- مَن هو المجنون؟
مرّ برسول الله (صل الله عليه وسلم) رجلٌ في أصحابه، فقال بعض القوم (من أصحاب النبي): مجنون! فقال النبي (صل الله عليه وسلم): بل هذا رجلٌ مُصاب، إنّما المجنون عبدٌ (رجل) أو أمَةٌ (إمرأة) أبليا (أمضيا) شبابهما في غير طاعة الله!
وفي روايةٍ أخرى: "إنّما المجنون مَن آثرَ الدنيا على الآخرة"، وفي أخرى: "المُتبختر في مشيته، النّاظر في عطفيه، المُحرِّك جنبيه بمنكبيه، فذاك (المجنون) وهذا (المُبتلى)"!!
ب- (العبد) و(الأمَة)
كان الناس في الجاهلية يستخدمون كلمة (العبد) للخادم و(الأمَة) للخادمة، لكنّ النبي (صل الله عليه وسلم) صحّح للناس مفهوم الخدمة، فقال: "لا يقولنّ أحدكم: (عبدي) ولا (أمَتي).. كلّكم عبيد الله، وكلّ نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: (غُلامي) و(جاريتي) و(خادمي) و(فتياني)"!
لأنّ المسألة ليست مجرّد تغيير لفظة بلفظة، بل بمصطلح فيه تعالي بمصطلح فيه إنسانيّة، وممّا يُذكر في هذا الصدد أنّه قبل بضع سنوات، اقترحَ البعض في الهند استبدال مصطلح (أرملة) بمصطلح (زوجة الفقيد) أو (زوجة الراحل)، لأنّ في الثاني تخفيف وتلطيف من خلال الإحتفاظ بكلمة (زوجة) ولو من ناحية اعتباريّة.
ت- مَن هو الشّجاع؟
رأى رسول الله (صل الله عليه وسلم) من الشّبّان يتصارعون، فلمّا سألهم، قالوا: نختبر أشدّنا وأقوانا. فقال (صل الله عليه وسلم): "لا أخبركُم بأشدِّكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أشدّكم وأقواكم، الذي إذا رضيَ لم يُدخلهُ رضاه في إثمٍ ولا باطل، وإذا سخطَ لم يُخرجهُ سخطه من قول الحق، وإذا قدرَ لم يتعاطَ ما ليسَ له بحقّ".
ث- (الأنا)
يقول جابر بن عبدالله الأنصاري: أتيتُ النبي (صل الله عليه وسلم)، فدعوت (ناديت)، فقال (صل الله عليه وسلم): مَن هذا؟ قلت: أنا! فخرجَ (صل الله عليه وسلم) وهو يقول: "أنا، أنا!"، أي مُستنكراً قول (أنا)، لأنّ فيه رائحة الأنانيّة والإعجاب بالنفس.
ولذلك يُستحسَن أن تزد على السائل: مَن؟ أو مَن أنت؟ بأن تذكر له إسمك، وبدلاً من أن تشيد بنفسك وتُكرِّر قول: أنا قلت.. أنا فعلت.. أن تقول: هناك رأي.. هناك قول.. هناك وجهة نظر.. البعض يرى..
ج- مَن المُفلِس؟
سأل النبي (صل الله عليه وسلم) أصحابه ذات يوم: مَن المُفلِس؟ فقيل له: الذي لا دينار عنده ولا درهم ولا متاع له (أي ليس لديه شيء من المال)، فقال: "بل المُفلِس الذي أكلت سيِّئاته حسناته".
فحينما لا يبقى عندكَ في يوم القيامة رصيد من الحسنات، لتُدافع بها عن نفسك وتدفع اتهامات الناس عنك، لأنّها لا تُدفع للغُرماء والخُصماء، فقد يتحوّلون إلى سيِّئات الآخرين ليضيفوها إلى سيِّئاتك. فأيّ (إفلاس) أشهَر وآلَم وأفضَع من هذا؟!
ح- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قيل: يا رسول الله! لا نأمر بالمعروف حتى لا يبقى منه شيء إلّا عملنا به، ولا ننهى عن المنكر حتى لا يبقى منه شيء إلّا انتهينا عنه؟
قال: "لا، بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كلّه، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كلّه".
أي لابدّ للآمِرِ بالمعروف والناهي عن المنكر من المسلمين أن يكون قد توافر على جانبٍ منهما ليكفي القول فيه أنّه قادر على (الأمر) وعلى (النهي)، وإنّما الإشكال في الذين لا يأتمرون نهائيّاً ولا ينتهون أبداً، وهؤلاء يصدق فيهم قول الله تعالى: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2)، وقوله عزّ وجلّ: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (البقرة/ 44).