فرحة الاردن
الادارة العامة
تنبيه :
ارجو من الجميع قراءة المقال للنهاية
إنّهُ يحبُّني من قبل أنْ يولدَ حُبّي له ... بل من قبل أنْ أولدَ وأوُجد في هذا الوجود ...عندي من الأدلّة الكثير... وأجهل من هذه الأدلّة الكثير أيضاً ... منها ما أستطيعُ أن أحصيهُ لكم ، ومنها ما أعجزُ عن حصره ... ، لكن ما أعلمُه وألمسهُ يؤكد بدلالةٍ قاطعة أنّه يُحبّني ولا يُريدُ لي إلاَّ الخير بل لا يرضى ليَ أقلّ من الخيرَ كلّه ... لقد دافعَ عنّي كثيراً وانتصر لي ، وجادل فيّ كلَّ منْ ارتاب في أخلاقي وشكّك في نواياي وقدرتي على الخير ... لقد انتصر لي على من رفض إكرامي وإعطائي قدري ومكانتي ... لقد أعدَّ كلَّ شئٍ أحتاجُ إليه في حياتي وجعل وجودي جنّة قائمة رائعة الحُسن ...
*** وهوفي مقابل هذا ... لا يطلبُ منّي إلاَّ أنْ أبادِلَهُ حبَّا بحب وأنْ أُطيعه وأصدّقه ، وأن أتّخذ مواقفه ذاتها فأُعَادي منْ يُعادي ... وأحبُّ من يحب ... وأصدّقه في تحذيره لي من أعدائي وكلّ من يتربّص بي الدوائر ... أنْ أصدقَ أنه أعلمُ منَّي وأحرصُ منّي عليّ ...وأن أحفظَ عُمري ، فهو ملكُهُ وَلَهُ وحدهُ ... وأنْ لا ألجأَ لغيره ولآ أخضع إلاَّ لهُ ، وأن لا تدمعَ عيناي إلاّ شوقاً إليه أو حبَّا له أو خوفا من غضبه وإعراضه عنّي ...وأن أحذرَ غضبه إذا غضبَ وأن لا أستهين به إذا حَلُمَ وتجاوزَ عنْ زَلَلِي وهفواتي ؛ فحبُّه لي لايعني عنده أن يتجاوزَ عن تجاهُلِي لكبريائه ...
*** إذن لا شكَّ أنَّهُ يحبّني ... بل أقولُ :
إنّه هو فقط منْ يحبني ... ليس هناك غيرُهُ منْ يُحبّنُي ... حتّى نفسي لا تستطيعُ الزّعمَ أنها تحبني كما يحبني ...
*** لقد خلقني في أحسنِ تقْويمٍ وأخذَ على فِطْرتي ميثاقاً غليظاً تتعهّد فيه بعبادته وذكْرِهِ وتشهدُ فيه بوحدانيته وربوبيته ... وجعل هذا الميثاقَ والعهدَ مَرْجِعيَّةً رَحيمةً منْهُ لنفسي وفطرتي أَستظِلُّ به وآوِي إليه إذا هدَّدَني الضلالُ أو زَاغَتْ قدمي عن عبادته ...
**لقد جادلَ الملائكة في خَلقِي وفي خلافتي في الأرض وفي قدرتي على إعمارِها وعبادتِه فيها ... انتصرَ لي على إبليس اللعين لمَّا رفض السجودَ لآدم - عليه السلام - وطردَ إبليس من رحمته إلى يوم يُبعثُون ...وأعدَّ الوجودَ كلَّه وهيَّأَهُ لاستقبالي ، فجعل الأرض مِهَادا ... وجعلَ الجبالَ أوتادا ... وأجْرَى ليَ الأنهارَ والبحارَ ... وجعل من الماء كلّ شئٍ حيّ ... ورفعَ السماءَ وزيّنها لعيني بزينةٍ باذخةٍ جليلةٍ ... وجعل الزينة رُجُومَا لعدويّ اللعين - إبليس الرجيم - ونَسْلِه ... وسخّر لي الشمسَ والقمرَ دائبين وجعل النّجومَ ... النّجومَ الوضّاءة أدلآَّئي وخريطتي وبوصَلتي في الكون ِ ...وجَعلها مصابيحي وجعلَها إلهاميَ ومَتَاعاً لعيني وصفاءً لروحي يؤنسني ويدلُّ على رائع قدرته وبديع صُنْعِه ...
** لقد جعلَ كل النّعم المشتهاة مسخَّرةً لي حتى لا تَسْتَعْصِيَ على قدرتي ولا تُحرمُ منها غريزتي... فقد علمَ فيّ عجزي عن قيادتها وتطويعها لصالحِي ... وعلمَ في جهلي ونَزقي وإمكانيّة إفساد هذه النّعم إذا ترك لي ترويضها ... فسخّر لي الأنعام وكُلَّ لحمٍ طريّ شهيٍ في البرّ والبحر والجوّ... وسخّر لي متونَ الجبالِ ووحشةَ الصّحراء ، ووحشيَّ البُهم والحيوانِ وأليفَه ...ذلَّلَ لي لحومها وجُلُودها وفِرَائِها أصنعُ منها سرابيلا تقيني الحرَّ والقرَّ ... وجعل المُباح من النّعم هو القاعدة الأساس والمحرّم هو الاستثناء فكان رغدُ عيشي خصيبا بهيّا ...
*** وخلق لي رائعَ النبات والزهر والشَّجَرِ وجعل من الشَّجَرِ الأخضر أنفاساً أتنفسّها إذ جعله يُخرجُ الأوكسجين الذي يلزمني وجعله يمتصُّ زفيريَ السَّام حتى لا يُهلِكَني ... وجعل هذا الشجر - في الوقتِ ذاته - متاعاً تسرحُ فيه عيني - وتَقْوَى قدراتُها - ، وثمراً لجوعي ، وظّلا ومَقِيلا ... وأدوية أتطبَّبُ بها وأخشاباً أصنعُ منها أرائكي ...
*** خلقني على هيئةٍ تغنيني عن سواه وترحمني من جهلي ونزقي ... فأمسك بيده مقاليدَ إدارةِ جسدي ، وجعل أجهزة جسمي الأساسية تعملُ وتدورُ دون أمرٍ مني ودونَ رجوعٍ إليَّ ... بل وِفْقَ برنامجٍ وبرمجةٍ داخليةٍ تضمن استمرارَ عملها وعدم تلفِها ... جعلها مسخّرةً مثلَ كلّ ماسخَّره في الأرض والسماء لأجلي ...لدفعي إلى الاستمرار في الحياةِ ... وتيسيرِ بقائي فيها ... ؛ فهاهوذا قلبي يدقُّ ويضُخُّ الدّماءَ في جسدي دون إرادةٍ منِّي ... وهاهي ذي أجهزةُ جسمي تعمل بدأبٍ وأمانة وانتظام دون استشارتي أو انتظارِ أوامري لها ... وهاهي ذي خلايا مخّي القائدة لجسدي تعمل في انتظام بل إنّها تتجدّد وتتخلص من التالف وترمي نفاياتها في نظام صارم ... وهكذا هو حال قدميّ ويديّ وعينيّ وكافّة حواسيّ ... إنها تسيرُ بقُدرته ... وتعمل وفق نظامه الذي خلقه فيها لأنه علمَ فيّ الإسراع إلى الإتلاف إذا تحكّمتُ في إدراتها ... علم فيّ سرعة القنوط والنّزق وإمكانية أن أُوقِفَ كل أجهزتي بأمرٍ مني إذا ما واجهني اليأسُ وتملكني القنوطُ من الحياة فما أسهل عليّ - ساعتئذ - أن أأمرَ محرِّكاتِ جسدي بالتوقُّفِ لأُنهِي حياتي ... فجعل مقاليد حياتي وميقاتِ عمري في يده رحمةً بي وإشفاقا عليّ وعلى تكويني من غفلتي ...
*** أغدق عليّ سخاءه فمنحني كُليتين بينما يحتاج جسدي إلى ربع كلية ليعيش سويّا ... منحني ملايين الخلايا في أجهزتي بينما أحتاج إلى عشر هذا الرقم فقط ... منحني قابلية تجدد خلاياي... فأنا - كأني - أُخلقُ من جديدٍ كلّ أسابيعٍ معدودة حيث تولدُ لي خلايا جديدة وتغسلُ كليتاي وكافة بدني يتطهّر بمضادات المرض ... بل جعل المرض طهورا من غيره من الأمراض وجعله صحتي وعافيتي ... وخلق في جسدي إمكانية الاستشفاء من الداء ..
**علمَ فيّ سطوة الغرائز وقابلية السَّهو ونسيانِ العِبَر والمثل والاتّعاظ ، وسهولة نسيان ميثاق الفطرة الذي أخذه عليها وعليّ ... فأرسل الرسل والأنبياء وأنزل الكتب السماوية ... وجعل هذا على فترةٍ كي تواكبُ النبوات أجيالي المنحدرة مني ...
*** علمَ أنّ طبيعتي تُستدرجُ بالخوف وبالطّمع فأغراني بثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وأخافني بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة ... وجعل الطمع والفزع مُستدرجي إليه ...
علم فيّ الضعف وسهولةَ الغواية والفتنة والافتتان ... فجعل من نفسي نفسا لوّامة تُجابُه سُوئي وشهواتي ، وتجابه نفسيَ الأمارة بهذا السوء ... علم وسوسة إبليس في أذني فأرسل الملائك عن يميني وعن يساري ...وعلمَ فيّ الإسراعَ إلى المزالقِ والخطايا والإسراعَ - أيضاً إلى الندم والتّوبةِ فقّدر لي الحسنة بعشرِ أمثالِها إذا أنجزتُها ... وجعَلهاِ بمثلها غذا هممتُ بها ولم أفعلها ... وجعلَ السّيئةَ بمثلها - فقط - إذا اقترفتُها ... وتجاوزَ عن هذه السّيئةِ ولم يحتسِبها إذا لم أقمْ بها ...
***جعل الوجود أدلّة على وجوده ... ولم يدعني لقدراتي المحدودة بل وعد بتهيئتها وعملقتها وإخراجها من نطاقها المحدود إذا ما تواصلت معه ووصلت إليه ...
*** علم جحودي وأدرك حمقي وإهلاكي ذاتي في المعاصي والخطايا والطُّرق المُظلِمة ... علم فيّ قابليّتي الشديدة لظلم نفسي وظلمِ غيري ... فوضع المغفرة على الطريق المؤدي إليه ... وجعل رحمته أساس حسابه لي ... وجعل التجاوز عن زللي ديدنه وميثاقَه على ذاته ... إلاّ أنْ أشركَ به أو أعْدِلَ به أحداً ... سبحانه لآ إلهَ إلاَّ هو ...
*** علم أن الدنيا مُهلكتي والغرائز قاتلتي فجعل جسدي بعد سنّ الفتوّة والصِّبا يتحرّر من سطوة الغريزة وأسبابها فجعل هرمون الذكورة والأنوثة يتراجعان وتقل نسبتهما في جسدي في هذه المرحلة لأتحرر من اندفاع الغريزة وسطوة زينة الحياة ؛ فتصفو روحي وترى الحقيقة ... وعندئذ تراه لأنه الحقيقة الوحيدة ... لأنّه النورُ ... فإذا بلغتُ الأربعين لجأتُ إليه صافيا ودعوته أن يوزعني أن أشكر نعمته عليّ ... فوهبني بهذه الرحمة فرصةً عظيمة لأتدَاركَ ما فاتني من الطّاعاتِ ... والتّوبة عمّا أغواني من الشّهوات واستدرجني إلى معصيته ... وهبني بهذا النّهج الحكيم فرصةً لأُصلح مصيري وألحق لي مكانا في جنّته وأتمكّنُ من لقاء وجهه الكريم ...
*** إنّه يحبّني ... لقد أخفى عنّي من الغيوب ما لا أطيقها كساعةِ موتي ومرضي ... وأخفى عني ما لا يحتملُهُ تكويني ولا تستطيعُ إمكانياتي أن تواجهه مثل ماهيّته وكينونته ... وما لا أستطيع أن أدركه ولو أظهره لي كأمرِ الروح .. وأخفى عنّي ما يخيفني كهيئة ملك الموتِ والجنّ والشياطين والعالم الغيبي ...
**** إنّهُ يحبني أكثر من حبي ذاتي ... ويحرص على وجودي في الدنيا والآخرة ويمهد كلَّ الأسباب التي تجعل هذا الوجود - في الدارين - سعيدا ...
*** وفي مقابل حبّه لنا ونعمته علينا وحنوّه الذي يفوق حنوّ الأم على وليدها - ولا يُقارن به سبحانه لهُ المثلُ الأعلى - بل إن المرضعة تذهلُ عن وليدها يوم الفزع الأكبر ... في مقابل حبّه ماذا نقدم له ؟
إنّنا حين نعصاه إنّما ننتصر للشيطان الذي طَرده من رحمته انتصارا لنا ...!
** حين نبخلُ في عبادته إنما نقابل سخاءه وفضله وإحسانه بالجحود ... ونبخلُ عن أنفسنا ونحجبُ عنها الخيرَ بحمقنا اللامتناهي ...
*** حين تأخذنا الحياةُ الدنيا إنّما نستبدلُ داره الخالدة في الآخرة المُشيَّدة لنا برغدها بهذه الدنيا القبيحة الشوهاء التي ليس فيها غيرُ التنغيص والغُصَصِ والنقصِ ... وهي فوق كل هذا عابرة ...
*** إنّه يحبّنا بلا شكٍّ ... ونحنُ نُحبُّهُ ونُعظمُه بلا شكّ...إنّنا نوحِّدُه بالفطرةِ ونعرِفُهُ بالغريزةِ ... إنّهُ الأقربُ إلينا من حبلِ الوريدِ ... إنّه العظيمُ الذي يؤكّدُ لنا دائما أنّه قريبٌ منّأ يُجيبُ دعوةَ الدّاعِ إذا دعاهُ ... إنّه بديعُ السماوات والأرض وقيُّومُ السماواتِ والأرضُ وملكُ السماواتِ والأرضِ ... إنّه العظيم مالكُ الملك ...مالُكُ مقاليدِ كلّ شئٍ ولا يشبُهُه شئٌ سبحانَه جلّ شانَهُ الكريمُ المُتعالي المستغني الغنيّ العزيزُ القديرُ لهُ الأسماءُ الحُسنى ...
إنّهُ يُحبّنا فهو الغفورُ الودودُ ذو العرشُ المجيد ... و إنّنا نُحبُّه ولكن متى كان العصيانُ والجُحود والتَّغافل والشّح أدلَّة الحبِّ ...
متى كان العصيانُ والجُحود والتَّغافل والشّح خُلُقَ المُحبّين ؟!
*********
ارجو من الجميع قراءة المقال للنهاية
إنّهُ يحبُّني من قبل أنْ يولدَ حُبّي له ... بل من قبل أنْ أولدَ وأوُجد في هذا الوجود ...عندي من الأدلّة الكثير... وأجهل من هذه الأدلّة الكثير أيضاً ... منها ما أستطيعُ أن أحصيهُ لكم ، ومنها ما أعجزُ عن حصره ... ، لكن ما أعلمُه وألمسهُ يؤكد بدلالةٍ قاطعة أنّه يُحبّني ولا يُريدُ لي إلاَّ الخير بل لا يرضى ليَ أقلّ من الخيرَ كلّه ... لقد دافعَ عنّي كثيراً وانتصر لي ، وجادل فيّ كلَّ منْ ارتاب في أخلاقي وشكّك في نواياي وقدرتي على الخير ... لقد انتصر لي على من رفض إكرامي وإعطائي قدري ومكانتي ... لقد أعدَّ كلَّ شئٍ أحتاجُ إليه في حياتي وجعل وجودي جنّة قائمة رائعة الحُسن ...
*** وهوفي مقابل هذا ... لا يطلبُ منّي إلاَّ أنْ أبادِلَهُ حبَّا بحب وأنْ أُطيعه وأصدّقه ، وأن أتّخذ مواقفه ذاتها فأُعَادي منْ يُعادي ... وأحبُّ من يحب ... وأصدّقه في تحذيره لي من أعدائي وكلّ من يتربّص بي الدوائر ... أنْ أصدقَ أنه أعلمُ منَّي وأحرصُ منّي عليّ ...وأن أحفظَ عُمري ، فهو ملكُهُ وَلَهُ وحدهُ ... وأنْ لا ألجأَ لغيره ولآ أخضع إلاَّ لهُ ، وأن لا تدمعَ عيناي إلاّ شوقاً إليه أو حبَّا له أو خوفا من غضبه وإعراضه عنّي ...وأن أحذرَ غضبه إذا غضبَ وأن لا أستهين به إذا حَلُمَ وتجاوزَ عنْ زَلَلِي وهفواتي ؛ فحبُّه لي لايعني عنده أن يتجاوزَ عن تجاهُلِي لكبريائه ...
*** إذن لا شكَّ أنَّهُ يحبّني ... بل أقولُ :
إنّه هو فقط منْ يحبني ... ليس هناك غيرُهُ منْ يُحبّنُي ... حتّى نفسي لا تستطيعُ الزّعمَ أنها تحبني كما يحبني ...
*** لقد خلقني في أحسنِ تقْويمٍ وأخذَ على فِطْرتي ميثاقاً غليظاً تتعهّد فيه بعبادته وذكْرِهِ وتشهدُ فيه بوحدانيته وربوبيته ... وجعل هذا الميثاقَ والعهدَ مَرْجِعيَّةً رَحيمةً منْهُ لنفسي وفطرتي أَستظِلُّ به وآوِي إليه إذا هدَّدَني الضلالُ أو زَاغَتْ قدمي عن عبادته ...
**لقد جادلَ الملائكة في خَلقِي وفي خلافتي في الأرض وفي قدرتي على إعمارِها وعبادتِه فيها ... انتصرَ لي على إبليس اللعين لمَّا رفض السجودَ لآدم - عليه السلام - وطردَ إبليس من رحمته إلى يوم يُبعثُون ...وأعدَّ الوجودَ كلَّه وهيَّأَهُ لاستقبالي ، فجعل الأرض مِهَادا ... وجعلَ الجبالَ أوتادا ... وأجْرَى ليَ الأنهارَ والبحارَ ... وجعل من الماء كلّ شئٍ حيّ ... ورفعَ السماءَ وزيّنها لعيني بزينةٍ باذخةٍ جليلةٍ ... وجعل الزينة رُجُومَا لعدويّ اللعين - إبليس الرجيم - ونَسْلِه ... وسخّر لي الشمسَ والقمرَ دائبين وجعل النّجومَ ... النّجومَ الوضّاءة أدلآَّئي وخريطتي وبوصَلتي في الكون ِ ...وجَعلها مصابيحي وجعلَها إلهاميَ ومَتَاعاً لعيني وصفاءً لروحي يؤنسني ويدلُّ على رائع قدرته وبديع صُنْعِه ...
** لقد جعلَ كل النّعم المشتهاة مسخَّرةً لي حتى لا تَسْتَعْصِيَ على قدرتي ولا تُحرمُ منها غريزتي... فقد علمَ فيّ عجزي عن قيادتها وتطويعها لصالحِي ... وعلمَ في جهلي ونَزقي وإمكانيّة إفساد هذه النّعم إذا ترك لي ترويضها ... فسخّر لي الأنعام وكُلَّ لحمٍ طريّ شهيٍ في البرّ والبحر والجوّ... وسخّر لي متونَ الجبالِ ووحشةَ الصّحراء ، ووحشيَّ البُهم والحيوانِ وأليفَه ...ذلَّلَ لي لحومها وجُلُودها وفِرَائِها أصنعُ منها سرابيلا تقيني الحرَّ والقرَّ ... وجعل المُباح من النّعم هو القاعدة الأساس والمحرّم هو الاستثناء فكان رغدُ عيشي خصيبا بهيّا ...
*** وخلق لي رائعَ النبات والزهر والشَّجَرِ وجعل من الشَّجَرِ الأخضر أنفاساً أتنفسّها إذ جعله يُخرجُ الأوكسجين الذي يلزمني وجعله يمتصُّ زفيريَ السَّام حتى لا يُهلِكَني ... وجعل هذا الشجر - في الوقتِ ذاته - متاعاً تسرحُ فيه عيني - وتَقْوَى قدراتُها - ، وثمراً لجوعي ، وظّلا ومَقِيلا ... وأدوية أتطبَّبُ بها وأخشاباً أصنعُ منها أرائكي ...
*** خلقني على هيئةٍ تغنيني عن سواه وترحمني من جهلي ونزقي ... فأمسك بيده مقاليدَ إدارةِ جسدي ، وجعل أجهزة جسمي الأساسية تعملُ وتدورُ دون أمرٍ مني ودونَ رجوعٍ إليَّ ... بل وِفْقَ برنامجٍ وبرمجةٍ داخليةٍ تضمن استمرارَ عملها وعدم تلفِها ... جعلها مسخّرةً مثلَ كلّ ماسخَّره في الأرض والسماء لأجلي ...لدفعي إلى الاستمرار في الحياةِ ... وتيسيرِ بقائي فيها ... ؛ فهاهوذا قلبي يدقُّ ويضُخُّ الدّماءَ في جسدي دون إرادةٍ منِّي ... وهاهي ذي أجهزةُ جسمي تعمل بدأبٍ وأمانة وانتظام دون استشارتي أو انتظارِ أوامري لها ... وهاهي ذي خلايا مخّي القائدة لجسدي تعمل في انتظام بل إنّها تتجدّد وتتخلص من التالف وترمي نفاياتها في نظام صارم ... وهكذا هو حال قدميّ ويديّ وعينيّ وكافّة حواسيّ ... إنها تسيرُ بقُدرته ... وتعمل وفق نظامه الذي خلقه فيها لأنه علمَ فيّ الإسراع إلى الإتلاف إذا تحكّمتُ في إدراتها ... علم فيّ سرعة القنوط والنّزق وإمكانية أن أُوقِفَ كل أجهزتي بأمرٍ مني إذا ما واجهني اليأسُ وتملكني القنوطُ من الحياة فما أسهل عليّ - ساعتئذ - أن أأمرَ محرِّكاتِ جسدي بالتوقُّفِ لأُنهِي حياتي ... فجعل مقاليد حياتي وميقاتِ عمري في يده رحمةً بي وإشفاقا عليّ وعلى تكويني من غفلتي ...
*** أغدق عليّ سخاءه فمنحني كُليتين بينما يحتاج جسدي إلى ربع كلية ليعيش سويّا ... منحني ملايين الخلايا في أجهزتي بينما أحتاج إلى عشر هذا الرقم فقط ... منحني قابلية تجدد خلاياي... فأنا - كأني - أُخلقُ من جديدٍ كلّ أسابيعٍ معدودة حيث تولدُ لي خلايا جديدة وتغسلُ كليتاي وكافة بدني يتطهّر بمضادات المرض ... بل جعل المرض طهورا من غيره من الأمراض وجعله صحتي وعافيتي ... وخلق في جسدي إمكانية الاستشفاء من الداء ..
**علمَ فيّ سطوة الغرائز وقابلية السَّهو ونسيانِ العِبَر والمثل والاتّعاظ ، وسهولة نسيان ميثاق الفطرة الذي أخذه عليها وعليّ ... فأرسل الرسل والأنبياء وأنزل الكتب السماوية ... وجعل هذا على فترةٍ كي تواكبُ النبوات أجيالي المنحدرة مني ...
*** علمَ أنّ طبيعتي تُستدرجُ بالخوف وبالطّمع فأغراني بثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وأخافني بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة ... وجعل الطمع والفزع مُستدرجي إليه ...
علم فيّ الضعف وسهولةَ الغواية والفتنة والافتتان ... فجعل من نفسي نفسا لوّامة تُجابُه سُوئي وشهواتي ، وتجابه نفسيَ الأمارة بهذا السوء ... علم وسوسة إبليس في أذني فأرسل الملائك عن يميني وعن يساري ...وعلمَ فيّ الإسراعَ إلى المزالقِ والخطايا والإسراعَ - أيضاً إلى الندم والتّوبةِ فقّدر لي الحسنة بعشرِ أمثالِها إذا أنجزتُها ... وجعَلهاِ بمثلها غذا هممتُ بها ولم أفعلها ... وجعلَ السّيئةَ بمثلها - فقط - إذا اقترفتُها ... وتجاوزَ عن هذه السّيئةِ ولم يحتسِبها إذا لم أقمْ بها ...
***جعل الوجود أدلّة على وجوده ... ولم يدعني لقدراتي المحدودة بل وعد بتهيئتها وعملقتها وإخراجها من نطاقها المحدود إذا ما تواصلت معه ووصلت إليه ...
*** علم جحودي وأدرك حمقي وإهلاكي ذاتي في المعاصي والخطايا والطُّرق المُظلِمة ... علم فيّ قابليّتي الشديدة لظلم نفسي وظلمِ غيري ... فوضع المغفرة على الطريق المؤدي إليه ... وجعل رحمته أساس حسابه لي ... وجعل التجاوز عن زللي ديدنه وميثاقَه على ذاته ... إلاّ أنْ أشركَ به أو أعْدِلَ به أحداً ... سبحانه لآ إلهَ إلاَّ هو ...
*** علم أن الدنيا مُهلكتي والغرائز قاتلتي فجعل جسدي بعد سنّ الفتوّة والصِّبا يتحرّر من سطوة الغريزة وأسبابها فجعل هرمون الذكورة والأنوثة يتراجعان وتقل نسبتهما في جسدي في هذه المرحلة لأتحرر من اندفاع الغريزة وسطوة زينة الحياة ؛ فتصفو روحي وترى الحقيقة ... وعندئذ تراه لأنه الحقيقة الوحيدة ... لأنّه النورُ ... فإذا بلغتُ الأربعين لجأتُ إليه صافيا ودعوته أن يوزعني أن أشكر نعمته عليّ ... فوهبني بهذه الرحمة فرصةً عظيمة لأتدَاركَ ما فاتني من الطّاعاتِ ... والتّوبة عمّا أغواني من الشّهوات واستدرجني إلى معصيته ... وهبني بهذا النّهج الحكيم فرصةً لأُصلح مصيري وألحق لي مكانا في جنّته وأتمكّنُ من لقاء وجهه الكريم ...
*** إنّه يحبّني ... لقد أخفى عنّي من الغيوب ما لا أطيقها كساعةِ موتي ومرضي ... وأخفى عني ما لا يحتملُهُ تكويني ولا تستطيعُ إمكانياتي أن تواجهه مثل ماهيّته وكينونته ... وما لا أستطيع أن أدركه ولو أظهره لي كأمرِ الروح .. وأخفى عنّي ما يخيفني كهيئة ملك الموتِ والجنّ والشياطين والعالم الغيبي ...
**** إنّهُ يحبني أكثر من حبي ذاتي ... ويحرص على وجودي في الدنيا والآخرة ويمهد كلَّ الأسباب التي تجعل هذا الوجود - في الدارين - سعيدا ...
*** وفي مقابل حبّه لنا ونعمته علينا وحنوّه الذي يفوق حنوّ الأم على وليدها - ولا يُقارن به سبحانه لهُ المثلُ الأعلى - بل إن المرضعة تذهلُ عن وليدها يوم الفزع الأكبر ... في مقابل حبّه ماذا نقدم له ؟
إنّنا حين نعصاه إنّما ننتصر للشيطان الذي طَرده من رحمته انتصارا لنا ...!
** حين نبخلُ في عبادته إنما نقابل سخاءه وفضله وإحسانه بالجحود ... ونبخلُ عن أنفسنا ونحجبُ عنها الخيرَ بحمقنا اللامتناهي ...
*** حين تأخذنا الحياةُ الدنيا إنّما نستبدلُ داره الخالدة في الآخرة المُشيَّدة لنا برغدها بهذه الدنيا القبيحة الشوهاء التي ليس فيها غيرُ التنغيص والغُصَصِ والنقصِ ... وهي فوق كل هذا عابرة ...
*** إنّه يحبّنا بلا شكٍّ ... ونحنُ نُحبُّهُ ونُعظمُه بلا شكّ...إنّنا نوحِّدُه بالفطرةِ ونعرِفُهُ بالغريزةِ ... إنّهُ الأقربُ إلينا من حبلِ الوريدِ ... إنّه العظيمُ الذي يؤكّدُ لنا دائما أنّه قريبٌ منّأ يُجيبُ دعوةَ الدّاعِ إذا دعاهُ ... إنّه بديعُ السماوات والأرض وقيُّومُ السماواتِ والأرضُ وملكُ السماواتِ والأرضِ ... إنّه العظيم مالكُ الملك ...مالُكُ مقاليدِ كلّ شئٍ ولا يشبُهُه شئٌ سبحانَه جلّ شانَهُ الكريمُ المُتعالي المستغني الغنيّ العزيزُ القديرُ لهُ الأسماءُ الحُسنى ...
إنّهُ يُحبّنا فهو الغفورُ الودودُ ذو العرشُ المجيد ... و إنّنا نُحبُّه ولكن متى كان العصيانُ والجُحود والتَّغافل والشّح أدلَّة الحبِّ ...
متى كان العصيانُ والجُحود والتَّغافل والشّح خُلُقَ المُحبّين ؟!
*********