اتعبني غلاك
عضو جديد
-
- إنضم
- 28 يونيو 2012
-
- المشاركات
- 9,046
-
- مستوى التفاعل
- 214
-
- النقاط
- 0
التضحيــة الحقيقيـــة !!!
التَّضحية تعني أن تترك شيئاً غالياً عليك، كبيراً في نظرك في سبيل شيءٍ آخر
قد تكون التَّضحية في نظرنا ترك شيءٍ بدون مقابل؛ ولكنْ لا يمكن أن يكون هناك شيءٌ يُترك دون مقابلٍ في طبيعة الإنسان،
ولكنْ الفرق بين الإنسان العليِّ والإنسان الدَّنيِّ هو الفرق ما بين المقابل الَّذي يبتغيه هذا والمقابل الَّذي يبتغيه ذاك.
المؤمن في أحسن أحواله يعمل من أجل مقابل؛ ألا وهو دخول الجنَّة والنَّجاة من النَّار، وفي أحسن هذه الأحوال يعمل من أجل مقابلٍ أرفع وأعظم؛ ألا وهو الحصول على رضوان الله تعالى، أمَّا أنْ نقول أنَّه يترك ويُضحِّي من دون أن يُفكِّر بمقابلٍ فهذا مستحيل.
التَّضحية إذاً ترك شيءٍ مقابل شيءٍ آخر، والإنسان بطبعه عنده ترتيبٌ تلقائيٌّ للأشياء على حسْب أحجامها وأهمِّيَّاتها، فعندما يرى شيئاً أكبر من شيءٍ آخر يَسْهُل عليه أن يضحِّي بالصَّغير من أجل الكبير، عندما يرى شيئاً ما بخساً خسيساً ويرى شيئاً آخر غالياً نفيساً؛ فإنَّه تلقائيَّاً يضحِّي بالبخس في سبيل الغالي، ولكنْ إذا اختلَّت النَّظرة عنده فرأى الرَّخيص غالياً والغاليَ رخيصاً عندها تَصْعُبُ عليه التَّضحية… كيف يضحي بشيءٍ غالٍ من أجل شيءٍ رخيصٍ؟
في مثل هذه الحالة كيف نحفِّز همَّة هذا الإنسان ليضحِّي بما يملك في سبيل غايةٍ ساميةٍ يسعى إليها؟
كيف نحفِّز همَّته؟
نحفِّز همَّته بأنْ نبيَّن له أحجام الأشياء الحقيقيَّة لا الوهميَّة، بأن نصغِّر في عينه الصَّغير ونكبِّر في عينه الكبير، عندها سيكتشف أنَّه كان مخطئاً عندما تمسك بالصَّغير وفرَّط في الكبير، فعندما يرى الصَّغير صغيراً والكبير كبيراً يقول ما أغباني عندما ضحَّيت بالكبير من أجل الصَّغير؟! الآن سأضحي بالصَّغير من أجل الكبير ).
الدُّنيا كلُّها في نظر المسلم الصَّادق رخيصة، ولكنَّها عند أهل الدُّنيا غالية، يحسب حساباً لها ليل نهار، يفكِّر بها في نومه وفي يقظته، يحرص على جمع ما لا يحتاج إليه، ويتمسَّك بما يكون وبالاً عليه… يموت الإنسان وعنده أملاكٌ كثيرةٌ… ما معنى ذلك؟
معنى ذلك أنَّه لم ينتفع بها في حياته وخلَّفها لورثته لينتفعوا بها هم ويحاسب عليها هو، فما أغبى هذا الإنسان!!
أمَّا في نظر المسلم فإنَّ الدُّنيا رخيصة لا تزن جناح بعوضة …(لو كانت الدُّنيا تزن عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى كافراً منها شربة ماء )
فعندما يقارن بين الدُّنيا والآخرة يرى الدُّنيا رخيصةً جدَّاً، كما يقولون : (لا تساوي قشرة بصلة )
فلا يجد صعوبةً ولا يجد تردُّداً ولا يجد مشقَّةً نفسيَّةً في أنْ يتخلَّى عن كلِّ الدُّنيا بكلِّ أريحيَّةٍ وبكلِّ تلقائيَّةٍ في سبيل الآخرة، بكلِّ بساطة يتخلَّى عنها، أمَّا عندما تصعب عليه هذه التَّضحية فلأن الدُّنيا في نظره غالية والآخرة رخيصة… لهذا يقول في عقله الباطن في اللاشعور : (كيف أتخلَّى عن دنيا غاليةٍ في سبيل آخرةٍ رخيصةٍ؟! )
تقول: ضعف إرادة، نقول: ليس ضعف إرادة؛ بل إنَّه ضعف عقل… لأنَّك ترى الدُّنيا بأكبر من حجمها وترى الآخرة بأصغر من حجمها، لو رأيت الدُّنيا على حقيقتها ورأيت الآخرة على حقيقتها لما احتجت الإرادة ولما احتجت القوَّة النَّفسيَّة لأنَّك – في ذلك الحال – ستسعى إلى مصلحتك.
قال هارون الرَّشيد يوماً ما لرجلٍ من العلماء الصَّالحين الزَّاهدين في الدُّنيا: (ما أزهدك! )
فقال له ذلك العالم الزَّاهد الورع يا أمير المؤمنين أنت أزهد منِّي )
قال : (كيف أكون أزهد منك؟! )
قال : (نعم يا أمير المؤمنين، أنا زهدت في الدُّنيا الفانية، وأمَّا أنت فقد زهدت في الآخرة الباقية، فمن يكون أزهد من الآخر؟) ، أنا زهدت في شيءٍ رخيصٍ لا قيمة له؛ ولكنَّني طمَّاع حريص على الآخرة الغالية على الآخرة النَّفيسة، وأمَّا أنت فإنَّك حريصٌ على شيءٍ رخيص لا يزن جناح بعوضة، وزاهدٌ في جنَّةٍ عرضها السَّماوات والأرض، فمن منَّا الزَّاهد الحقيقيُّ يا أمير المؤمنين؟
أنت الزَّاهد، أنت أزهد منِّي… (أنا زهدت في الدُّنيا الفانية، وأنت زهدت في الآخرة الباقية ).
التعديل الأخير بواسطة المشرف: