الورده النقية
عضو مميز
العصافير تهاجر بعيداً
نفخَ جنديٌّ في بوقِه، فاستيقظتِ النّجومُ، وهبَّ جنودُ المملكةِ من نومهمْ مذعورين، واجتمعوا في فِناءِ القصرِ، وحين أطلَّ الملكُ من الشُّرْفةِ متجهّمَ الوجهِ، أرعدتِ السّماءُ، وأبرقتْ، حتّى ملأتِ الجنودَ مطراً وخوفَاً.
قالَ الملكُ، وهو في أقصى الغضبِ:
-"أنتم جبناءُ، ترتعدون أمامَ أعداءِ الوطنِ كالفئرانِ. غزا الأعداءُ أطرافَ المملكةِ، وتوغّلوا كالنّملِ في شوارعِها وساحاتِها، حتّى غدتْ مثلَ عُلبةِ كِبريتٍ، وأنتم لا عملَ لديكم إلاّ التّآمرُ عليَّ وعلى حاشيتي. ماذا سيكتبُ عنكم التّاريخُ؟ وماذا سيقولُ؟ أيّها الوزيرُ، هؤلاء الجنودُ غيرُ مخلصين لي وللوطنِ، وهم لا يستحقّون إلاّ الموتَ".
وهكذا سيقَ الجنودُ إلى السِّجنِ، حتّى اكْتَظَّ بهم. همسَ أحدُهمْ في أذن آخر قائلاً:
-"في أيِّ عصرٍ يعيشُ صاحبُ الجلالةِ؟! لابدَّ أن يستيقظَ من نومِه الطّويلِ، حتّى يرى أنّ سيوفَنا قد تثلّمتْ( )، وأنّ طائراتِ الأعداءِ تحصدُ رؤوسَنا".
قالَ الآخرُ، وهو يتلمّسُ رأسَه:
-"هذا الملكُ قصيرُ النّظرِ، لا يرى أبعدَ من المشانقِ والسّجونِ".
ضحكا في سرِّهما معاً، وأغفى كلٌّ منهما ليلتَه على حُلُمٍ جميلٍ، لا سلطةَ فيه إلاّ لمَلِكِ النّومِ. وفي الصّباحِ استيقظَ الجنودُ على قرارٍ ملكيٍّ بالإفراجِ عنهم جميعاً، لأنّ جلالةَ الملكِ عقدَ ليلةَ البارحةِ صُلحاً مع الأعداء، فنجتْ رؤوسُهم من المشانقِ، ونجا الملكُ وحاشيتُه من المكائدِ والدّسائسِ.
بكتْ يومئذٍ العصافيرُ، وهاجرتْ إلى بلادٍ بعيدةٍ بعيدةٍ.
الكاتب: محيي الدين مينو
نفخَ جنديٌّ في بوقِه، فاستيقظتِ النّجومُ، وهبَّ جنودُ المملكةِ من نومهمْ مذعورين، واجتمعوا في فِناءِ القصرِ، وحين أطلَّ الملكُ من الشُّرْفةِ متجهّمَ الوجهِ، أرعدتِ السّماءُ، وأبرقتْ، حتّى ملأتِ الجنودَ مطراً وخوفَاً.
قالَ الملكُ، وهو في أقصى الغضبِ:
-"أنتم جبناءُ، ترتعدون أمامَ أعداءِ الوطنِ كالفئرانِ. غزا الأعداءُ أطرافَ المملكةِ، وتوغّلوا كالنّملِ في شوارعِها وساحاتِها، حتّى غدتْ مثلَ عُلبةِ كِبريتٍ، وأنتم لا عملَ لديكم إلاّ التّآمرُ عليَّ وعلى حاشيتي. ماذا سيكتبُ عنكم التّاريخُ؟ وماذا سيقولُ؟ أيّها الوزيرُ، هؤلاء الجنودُ غيرُ مخلصين لي وللوطنِ، وهم لا يستحقّون إلاّ الموتَ".
وهكذا سيقَ الجنودُ إلى السِّجنِ، حتّى اكْتَظَّ بهم. همسَ أحدُهمْ في أذن آخر قائلاً:
-"في أيِّ عصرٍ يعيشُ صاحبُ الجلالةِ؟! لابدَّ أن يستيقظَ من نومِه الطّويلِ، حتّى يرى أنّ سيوفَنا قد تثلّمتْ( )، وأنّ طائراتِ الأعداءِ تحصدُ رؤوسَنا".
قالَ الآخرُ، وهو يتلمّسُ رأسَه:
-"هذا الملكُ قصيرُ النّظرِ، لا يرى أبعدَ من المشانقِ والسّجونِ".
ضحكا في سرِّهما معاً، وأغفى كلٌّ منهما ليلتَه على حُلُمٍ جميلٍ، لا سلطةَ فيه إلاّ لمَلِكِ النّومِ. وفي الصّباحِ استيقظَ الجنودُ على قرارٍ ملكيٍّ بالإفراجِ عنهم جميعاً، لأنّ جلالةَ الملكِ عقدَ ليلةَ البارحةِ صُلحاً مع الأعداء، فنجتْ رؤوسُهم من المشانقِ، ونجا الملكُ وحاشيتُه من المكائدِ والدّسائسِ.
بكتْ يومئذٍ العصافيرُ، وهاجرتْ إلى بلادٍ بعيدةٍ بعيدةٍ.
الكاتب: محيي الدين مينو