زهره النرجس
عضو جديد
-
- إنضم
- 19 أغسطس 2010
-
- المشاركات
- 14,680
-
- مستوى التفاعل
- 390
-
- النقاط
- 0
المعاق بين التنحية والتنمية
اسْتَدْعَتِ الإعاقات منذ قديم الزمن نَظرَ الجماعات الإنسانيَّة، فوقفتْ منها مواقفَ مختلفة بحسب أنْظمتها وعقيدتها الفِكْريَّة والدِّينيَّة، إلى أنْ جاء الإسلامُ، فأعادَ الثقةَ بالنفْس لهذه الشريحة، وبثَّ فيها رُوحَ الأمل والإرادة القويَّة؛ مما أتاحَ لها الفُرصةَ لتحقيق الكثير من الإنجازات.
فالإعاقة ليستْ كما قدْ يتوهَّم البعضُ من أنها تثيرُ الشفقةَ والمشقَّة، بل الإعاقة في معظمِ الحالات تواجه التحدِّي وتصنعُ الاكْتشاف والإبداع.
والإعاقة في العُمْق ضرْبٌ من ضروب الابْتلاء، الأَوْلَى أن تُواجَه بالصبر والاحْتساب، لا باليأس والسخط؛ مما يجعلُ المصابَ أهلاً لمثوبة من الله ورحمةٍ ورضوان، وقدْ توصَّلتِ البشريَّة في مَسيرتها الطويلة - استهداءً بالفِطْرة السَّويَّة - إلى أهميَّة العناية بالْمُعَاقِين، ويتجلَّى هذا الاهتمامُ بعد الإسلام - كديانة رسَّخَتْ ثقافةَ العناية بالشخص المُعاق - من خلال المواثيق الدوليَّة والمؤسَّسات العالميَّة والمؤتمرات التي استهدفتْ في مُجملِها إيلاءَ عنايةٍ خاصة بالمُعاقين بمخْتَلف شرائحهم، فضلاً عن تلْبية الاحتياجات الخاصَّة للمُعاقين؛ تيْسيرًا لشؤونهم، وإزالةً للحَرَجِ عنهم، ودَمْجهم في آفاقِ الحياة ودورتها؛ سعيًا للإنتاج ووالإسهام الفعَّال.
في مفهوم الإعاقة:
عرَّفتْ منظَّمة الصِّحَّة العالميَّة الإعاقةَ على أنها: قصورٌ أو خَللٌ في القُدرات الجسميَّة أو الذهنيَّة، تَرْجِعُ إلى عواملَ وراثيَّة أو بيئيَّة تُعيقُ الفردَ عن تعلُّم الأنشطة التي يقوم بها الفردُ السليم المشابِه في السنِّ، وقد تنشأُ الإعاقة بسبب خَلَلٍ جَسَدي أو عَصَبي أو عَقْلي ذي طبيعة فسيولوجيَّة أو سيكولوجيَّة، تتعلَّق بالتركيب البنائي للجسم.
وعمومًا، الإعاقة ذلك النقْصُ أو القصور المزْمِن أو العِلَّة التي تؤثِّر على قُدْرات الشخص، فيصبح مُعاقًا؛ سواء كانت الإعاقة جسميَّة أم حِسيَّة، أم عقليَّة أم اجتماعيَّة.
في مفهوم الشخص المعاق:
يُقصدُ به أي شخصٍ امْتُحنَ أو ابْتُليَ بقصور وظيفي مُستديم؛ حَرَكي أو حِسِّي أو عَقْلي، وُلِدَ به أو أُصيبَ به بعدَ ولادته، له تأثير كُلِّي أو جُزْئي على سَير حياته الطبيعيَّة.
أنواع الإعاقة:
حدَّدتِ الشريعة الإسلاميَّة ضروبَ الإعاقة منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان؛ بقوله - تعالى -: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 17].
فجاءتْ كلمة الأعْمَى دَلالة على الإعاقة الحسيَّة، والأعْرج على الإعاقة الحَرَكيَّة، والمريض للإعاقة العقْليَّة وبقيَّة الإعاقات الأخرى، ولم يصلْ لذلك التصنيف العلماءُ والمختصون في مجال الإعاقة، إلا في نهاية العِقْدَيْن الماضِيين.
السيرورة التاريخيَّة في تعامُل المجتمعات مع المُعاقين:
في عهد الإغريق:
وباعتبار أنَّ هذه المرحلة تُنْعَتُ بأنَّها عصْر الفلسفة بامتيازٍ؛ لهذا نختارُ شَخْصيَّتَيْن فلسفيَّتَيْن ونظرتهما للشخص المُعاق؛ الأوَّل "سقراط": يرى أن قيمة الشيء تُقَدَّر بأدائه الوظيفي، والثاني "أفلاطون": يرى أنَّ المُعاقين وجودُهم ضررٌ على الدولة، ودعا إلى نفْيهم خارج المدينة.
أمَّا بالنسبة للمتخلِّفين عقْليًّا، فقدْ وصفَتِ الكلمة الإغريقيَّة (Idios) هؤلاء الأفراد بأنَّ لديهم مَسًّا من الشيطان، وكانوا يُتْرَكُون لحالِ سبيلهم حتى الموت.
في عهد الإمبراطورية الرومانية:
تقريبًا المظاهرُ التي مَيَّزتِ المرحلة السابقة هي التي انطبعتْ بها هذه المرحلة؛ نظرًا لتفاعلها معها، فكان المعاقون يُتْرَكُون للموت جوعًا؛ نتيجة للمُعْتَقدات الخاطئة التي كانتْ سـائدة في ذلك الوقت، حيث الأعمى ظلامٌ والظلامُ شرٌّ، والمجذومُ هو الشيطان بعينه، ومَرْضَى العقول هم أفراد تَقَمَّصَهم الشيطانُ والأرواحُ الشريرة، ولم يقتصرِ الأمرُ على سيادة هذه الخرافات.
العصور الوسطي:
وفي هذه المرحلة يُمكنُ التمييزُ بين ضفَّة العالم الغربي الذي كان غارقًا في ظلام الظلم، واستبداد الأسْيَاد (Seigneur)؛ إذ تعرَّضَ المعاقون لصنوف الاضطهاد والتعذيب والإيذاء حتى الموت، وبين ضفة العالم الإسلامي الذي كانَ في أوْجِ عطائه؛ إذ كانتْ تنتشرُ فيه أشكالُ الرحمة والعدْلِ.
مع الحَرْبَيْن العالميَّتَيْن:
مارَسَ "هتلر" طرقًا غريبة في تعامُله مع الشخص المُعاق؛ من خلال - كما تذكرُ بعضُ الروايات التاريخيَّة - الاحتفاظ بالأطفال الأصحَّاء وتحضيرهم للتجنيد العسكري الإجباري، وبين الفِئَة المُعاقة التي تَكَلَّفَ بنفْيها أو قَتْلها؛ إذ نظرَ إلى مظهرها الخارجي دون الالتفاتِ إلى طاقاتها الفِكْريَّة الإبداعيَّة، فكان جزاؤه الانهزام والانْتحار.
بعض نماذج معاملة ورعاية المعاقين في الإسلام:
من الصفات المميِّزة للحضارة الإسلاميَّة الصفات الإنسانيَّة، وكيفيَّة التعامُل مع الآخرين، وسمو ذوي الاحتياجات الخاصة بأهل البلاء، فلقد ذُكِروا في القرآن الكريم، وعُومِلوا معاملة حسنة، وكان منهم مَن تَوَلَّى مناصبَ قياديَّة وحربيَّة، ودعا الإسلام إلى رعاية المعاقين من الناحية الصحيَّة والطبيَّة، والنفسيَّة والعقْليَّة، وقد شملَ الإسلامُ المعاقين بالرِّعاية، كما أنَّ عناية الإسلامِ بالمعاقين بلغتْ درجة من الرُّقِي والسمُو، ولا أدلَّ على ذلك من قصة الصحابي الجليل ابن أُمِّ مكتوم - رضي الله عنه - الذي نزلتْ في حقِّه الآياتُ الكريمة؛ ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ﴾ [عبس: 1 - 6].
ففي هذا الآيات عاتبَ الله - سبحانه وتعالى - نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضلُ خَلْقِه والنموذج الفريد في الرحمة والتعاطُف والإنسانيَّة، وهي السمات التي أكَّدَها القرآن الكريم بقوله: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، ومنذ ذلك التاريخ، وتقديرُ واحترام المعاقين توجُّهٌ إسلاميٌّ وقيمة دينيَّة كُبرى، حَظِيَ في ظلالهِا المُعاقون بكلِّ مساندة ودَعْمٍ وتقدير، فها هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يخرجُ يومًا، فإذا بشيخٍ يهودي ضريرٍ يسأل على الأبواب، فيسأله عمر: ما ألْجَأَكَ إلى ما أرى؟ فيقول الرجل اليهودي: الجِزْيَة، والحاجة، والسنُّ، فيقود عمر - رضي الله عنه - الرجلَ الضرير؛ حتى يصلَ به إلى بيته، ويُضْفي عليه من كَرَمِه وعَطْفِه، وأمرَ بصدقة له من بيت المال تَكْفيه، ويقول لخازن بيت المال: "انظرْ هذا وضُرَبَاءَه، فوالله ما أنصفناه إنْ أكلْنَا شبيبتَه، ثم نُخْزِه عند الهَرَمِ".
بل وَصَل بعضُهم إلى درجاتٍ كبيرة من العِلْم والمجد والنبوغ، فعمرو بن الجموح - رضي الله عنه - كان شديدَ العَرَجِ، وهو القائل: "والله إني لأرجو أن أطأَ بعَرْجَتي هذه في الجنَّة"، والترمذي محمد بن عيسى، الإمام العَلَم صاحب السُّنن، ومِن أشهر علماء الحديث كان أعْمَى، وأبو الأسْود الدُّؤلي- القاضي الفقيه المحدِّث النحوي - كان أعرجَ.
ومصطفى صادق الرافعي، المفكِّر والأديب، أصابَه ضَعفٌ في السمع ثم صَممٌ، وهو لم يتجاوز الثلاثين، والقائمة مُستمرَّة إلى يومنا هذا، ولله الحمدُ.
الوسائل المعاصرة لإدماج المعاق في منظومة المجتمع وتأهيله:
1- طريقة برايل لتعليم المكفوفين:
في عام 1815 نشَرَ "تشارلس باربير" بحثًا لفتَ فيه الأنظارَ إلى إمكان استخدام طريقته التي اخترعَها؛ لاستخدامها كشفرة ليليَّة في الحرب في كتابة نوتة موسيقيَّة للمكفوفين.
وفي عام 1829 نشَرَ (لويس برايل) أوَّل موضوعٍ عن طريقته التي يستخدمُ فيها صفَّين رأْسِيَّيْن من النقط، في كلِّ صفٍّ منها ثلاث نقطٍ يستخدمها في تكوين حروفٍ أبجديَّة عن طريق توافُق من مجموعات منها، عددُها ستة أو أقل لتكوين حرفٍ واحدٍ، أما الطريقة بأكملها فقد نَشَرَها سنة 1837، وظلَّتْ وقتًا طويلاً قبل أن تبدأَ الدولُ الأخرى في تطبيقها، فقدْ أُدْخِلتْ في بريطانيا عام 1869، وفي أمريكا 1860.
بهذه الطريقة تمكَّنَ فئةٌ لا يُستهان بها من تسلُّق مناصبَ عُلْيَا، فظهرَ من بينهم علماء في علومٍ شَتَّى؛ العلوم الشرعيَّة، والاقتصاد، والتسيير، وحِفْظ القرآن.
2- في هذا العصر تغيَّرت نسبيًّا النظرةُ تجاه المعاقين من قِبَل المجتمع والأُسرة والأفراد؛ لِمَا قام به الإعلامُ والجمعيَّات الأهْليَّة من دورٍ كبيرٍ في تغيير الصورة النمطيَّة عن الشخص المُعاق؛ فأنشأتْ جمعيَّات خاصَّة، ومراكز تأهيل ورعاية ومدارس؛ لتدريبِ الأفراد والأُسَر والمجتمعات، وعَقْد الندوات والمؤتمرات والأبحاث عن الإعاقة والمعاقين، والاهتمام بهم داخِلَ مجتمعاتهم ودمْجهم فيها، من خلال الْتَحَاقهم بالمدارس العموميَّة، وغرْس ثقافة تأهيل المُعاقين في المجتمع، وتحفيز المعاق على تجاوز إعاقته، واسترداد موقعه في الحياة، ودوره في المجتمع، وإشراك ذَوِي المعاق في بناء التصورات والإسهام في التفاعُل المثْمِر.
ولكي تستطيعَ أن تُظْهِرَ فعالية المُعاق في التنمية أكثر، وقُدْرته على التفاعل مع مكونات المجتمع يكون من الضروري:
• القيام بدراسات علميَّة تبيِّنُ الآثار السلبيَّة لإهمال تأهيل المعاقين على خُطط التنمية وبرامجها.
• القيام بدراسات علميَّة مَيدانيَّة تبيِّنُ الآثارَ الاقتصاديَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة للرعاية السلبيَّة للمُعاقين، وهي رعاية تكرِّسُ حالة العجز والاعتماديَّة التي يُعاني منها المعاق، كما هو الشأْنُ بالنسبة لمَن يستغلُّ المعاقين في عمليَّات التسوُّل.
• ترويج إعلامي لنماذج مُعاقين استطاعوا أن يكونوا مُنتجين وفاعلين على المستوى الشخصي والاجتماعي
منقووووووووووووول
اسْتَدْعَتِ الإعاقات منذ قديم الزمن نَظرَ الجماعات الإنسانيَّة، فوقفتْ منها مواقفَ مختلفة بحسب أنْظمتها وعقيدتها الفِكْريَّة والدِّينيَّة، إلى أنْ جاء الإسلامُ، فأعادَ الثقةَ بالنفْس لهذه الشريحة، وبثَّ فيها رُوحَ الأمل والإرادة القويَّة؛ مما أتاحَ لها الفُرصةَ لتحقيق الكثير من الإنجازات.
فالإعاقة ليستْ كما قدْ يتوهَّم البعضُ من أنها تثيرُ الشفقةَ والمشقَّة، بل الإعاقة في معظمِ الحالات تواجه التحدِّي وتصنعُ الاكْتشاف والإبداع.
والإعاقة في العُمْق ضرْبٌ من ضروب الابْتلاء، الأَوْلَى أن تُواجَه بالصبر والاحْتساب، لا باليأس والسخط؛ مما يجعلُ المصابَ أهلاً لمثوبة من الله ورحمةٍ ورضوان، وقدْ توصَّلتِ البشريَّة في مَسيرتها الطويلة - استهداءً بالفِطْرة السَّويَّة - إلى أهميَّة العناية بالْمُعَاقِين، ويتجلَّى هذا الاهتمامُ بعد الإسلام - كديانة رسَّخَتْ ثقافةَ العناية بالشخص المُعاق - من خلال المواثيق الدوليَّة والمؤسَّسات العالميَّة والمؤتمرات التي استهدفتْ في مُجملِها إيلاءَ عنايةٍ خاصة بالمُعاقين بمخْتَلف شرائحهم، فضلاً عن تلْبية الاحتياجات الخاصَّة للمُعاقين؛ تيْسيرًا لشؤونهم، وإزالةً للحَرَجِ عنهم، ودَمْجهم في آفاقِ الحياة ودورتها؛ سعيًا للإنتاج ووالإسهام الفعَّال.
في مفهوم الإعاقة:
عرَّفتْ منظَّمة الصِّحَّة العالميَّة الإعاقةَ على أنها: قصورٌ أو خَللٌ في القُدرات الجسميَّة أو الذهنيَّة، تَرْجِعُ إلى عواملَ وراثيَّة أو بيئيَّة تُعيقُ الفردَ عن تعلُّم الأنشطة التي يقوم بها الفردُ السليم المشابِه في السنِّ، وقد تنشأُ الإعاقة بسبب خَلَلٍ جَسَدي أو عَصَبي أو عَقْلي ذي طبيعة فسيولوجيَّة أو سيكولوجيَّة، تتعلَّق بالتركيب البنائي للجسم.
وعمومًا، الإعاقة ذلك النقْصُ أو القصور المزْمِن أو العِلَّة التي تؤثِّر على قُدْرات الشخص، فيصبح مُعاقًا؛ سواء كانت الإعاقة جسميَّة أم حِسيَّة، أم عقليَّة أم اجتماعيَّة.
في مفهوم الشخص المعاق:
يُقصدُ به أي شخصٍ امْتُحنَ أو ابْتُليَ بقصور وظيفي مُستديم؛ حَرَكي أو حِسِّي أو عَقْلي، وُلِدَ به أو أُصيبَ به بعدَ ولادته، له تأثير كُلِّي أو جُزْئي على سَير حياته الطبيعيَّة.
أنواع الإعاقة:
حدَّدتِ الشريعة الإسلاميَّة ضروبَ الإعاقة منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان؛ بقوله - تعالى -: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 17].
فجاءتْ كلمة الأعْمَى دَلالة على الإعاقة الحسيَّة، والأعْرج على الإعاقة الحَرَكيَّة، والمريض للإعاقة العقْليَّة وبقيَّة الإعاقات الأخرى، ولم يصلْ لذلك التصنيف العلماءُ والمختصون في مجال الإعاقة، إلا في نهاية العِقْدَيْن الماضِيين.
السيرورة التاريخيَّة في تعامُل المجتمعات مع المُعاقين:
في عهد الإغريق:
وباعتبار أنَّ هذه المرحلة تُنْعَتُ بأنَّها عصْر الفلسفة بامتيازٍ؛ لهذا نختارُ شَخْصيَّتَيْن فلسفيَّتَيْن ونظرتهما للشخص المُعاق؛ الأوَّل "سقراط": يرى أن قيمة الشيء تُقَدَّر بأدائه الوظيفي، والثاني "أفلاطون": يرى أنَّ المُعاقين وجودُهم ضررٌ على الدولة، ودعا إلى نفْيهم خارج المدينة.
أمَّا بالنسبة للمتخلِّفين عقْليًّا، فقدْ وصفَتِ الكلمة الإغريقيَّة (Idios) هؤلاء الأفراد بأنَّ لديهم مَسًّا من الشيطان، وكانوا يُتْرَكُون لحالِ سبيلهم حتى الموت.
في عهد الإمبراطورية الرومانية:
تقريبًا المظاهرُ التي مَيَّزتِ المرحلة السابقة هي التي انطبعتْ بها هذه المرحلة؛ نظرًا لتفاعلها معها، فكان المعاقون يُتْرَكُون للموت جوعًا؛ نتيجة للمُعْتَقدات الخاطئة التي كانتْ سـائدة في ذلك الوقت، حيث الأعمى ظلامٌ والظلامُ شرٌّ، والمجذومُ هو الشيطان بعينه، ومَرْضَى العقول هم أفراد تَقَمَّصَهم الشيطانُ والأرواحُ الشريرة، ولم يقتصرِ الأمرُ على سيادة هذه الخرافات.
العصور الوسطي:
وفي هذه المرحلة يُمكنُ التمييزُ بين ضفَّة العالم الغربي الذي كان غارقًا في ظلام الظلم، واستبداد الأسْيَاد (Seigneur)؛ إذ تعرَّضَ المعاقون لصنوف الاضطهاد والتعذيب والإيذاء حتى الموت، وبين ضفة العالم الإسلامي الذي كانَ في أوْجِ عطائه؛ إذ كانتْ تنتشرُ فيه أشكالُ الرحمة والعدْلِ.
مع الحَرْبَيْن العالميَّتَيْن:
مارَسَ "هتلر" طرقًا غريبة في تعامُله مع الشخص المُعاق؛ من خلال - كما تذكرُ بعضُ الروايات التاريخيَّة - الاحتفاظ بالأطفال الأصحَّاء وتحضيرهم للتجنيد العسكري الإجباري، وبين الفِئَة المُعاقة التي تَكَلَّفَ بنفْيها أو قَتْلها؛ إذ نظرَ إلى مظهرها الخارجي دون الالتفاتِ إلى طاقاتها الفِكْريَّة الإبداعيَّة، فكان جزاؤه الانهزام والانْتحار.
بعض نماذج معاملة ورعاية المعاقين في الإسلام:
من الصفات المميِّزة للحضارة الإسلاميَّة الصفات الإنسانيَّة، وكيفيَّة التعامُل مع الآخرين، وسمو ذوي الاحتياجات الخاصة بأهل البلاء، فلقد ذُكِروا في القرآن الكريم، وعُومِلوا معاملة حسنة، وكان منهم مَن تَوَلَّى مناصبَ قياديَّة وحربيَّة، ودعا الإسلام إلى رعاية المعاقين من الناحية الصحيَّة والطبيَّة، والنفسيَّة والعقْليَّة، وقد شملَ الإسلامُ المعاقين بالرِّعاية، كما أنَّ عناية الإسلامِ بالمعاقين بلغتْ درجة من الرُّقِي والسمُو، ولا أدلَّ على ذلك من قصة الصحابي الجليل ابن أُمِّ مكتوم - رضي الله عنه - الذي نزلتْ في حقِّه الآياتُ الكريمة؛ ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ﴾ [عبس: 1 - 6].
ففي هذا الآيات عاتبَ الله - سبحانه وتعالى - نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضلُ خَلْقِه والنموذج الفريد في الرحمة والتعاطُف والإنسانيَّة، وهي السمات التي أكَّدَها القرآن الكريم بقوله: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، ومنذ ذلك التاريخ، وتقديرُ واحترام المعاقين توجُّهٌ إسلاميٌّ وقيمة دينيَّة كُبرى، حَظِيَ في ظلالهِا المُعاقون بكلِّ مساندة ودَعْمٍ وتقدير، فها هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يخرجُ يومًا، فإذا بشيخٍ يهودي ضريرٍ يسأل على الأبواب، فيسأله عمر: ما ألْجَأَكَ إلى ما أرى؟ فيقول الرجل اليهودي: الجِزْيَة، والحاجة، والسنُّ، فيقود عمر - رضي الله عنه - الرجلَ الضرير؛ حتى يصلَ به إلى بيته، ويُضْفي عليه من كَرَمِه وعَطْفِه، وأمرَ بصدقة له من بيت المال تَكْفيه، ويقول لخازن بيت المال: "انظرْ هذا وضُرَبَاءَه، فوالله ما أنصفناه إنْ أكلْنَا شبيبتَه، ثم نُخْزِه عند الهَرَمِ".
بل وَصَل بعضُهم إلى درجاتٍ كبيرة من العِلْم والمجد والنبوغ، فعمرو بن الجموح - رضي الله عنه - كان شديدَ العَرَجِ، وهو القائل: "والله إني لأرجو أن أطأَ بعَرْجَتي هذه في الجنَّة"، والترمذي محمد بن عيسى، الإمام العَلَم صاحب السُّنن، ومِن أشهر علماء الحديث كان أعْمَى، وأبو الأسْود الدُّؤلي- القاضي الفقيه المحدِّث النحوي - كان أعرجَ.
ومصطفى صادق الرافعي، المفكِّر والأديب، أصابَه ضَعفٌ في السمع ثم صَممٌ، وهو لم يتجاوز الثلاثين، والقائمة مُستمرَّة إلى يومنا هذا، ولله الحمدُ.
الوسائل المعاصرة لإدماج المعاق في منظومة المجتمع وتأهيله:
1- طريقة برايل لتعليم المكفوفين:
في عام 1815 نشَرَ "تشارلس باربير" بحثًا لفتَ فيه الأنظارَ إلى إمكان استخدام طريقته التي اخترعَها؛ لاستخدامها كشفرة ليليَّة في الحرب في كتابة نوتة موسيقيَّة للمكفوفين.
وفي عام 1829 نشَرَ (لويس برايل) أوَّل موضوعٍ عن طريقته التي يستخدمُ فيها صفَّين رأْسِيَّيْن من النقط، في كلِّ صفٍّ منها ثلاث نقطٍ يستخدمها في تكوين حروفٍ أبجديَّة عن طريق توافُق من مجموعات منها، عددُها ستة أو أقل لتكوين حرفٍ واحدٍ، أما الطريقة بأكملها فقد نَشَرَها سنة 1837، وظلَّتْ وقتًا طويلاً قبل أن تبدأَ الدولُ الأخرى في تطبيقها، فقدْ أُدْخِلتْ في بريطانيا عام 1869، وفي أمريكا 1860.
بهذه الطريقة تمكَّنَ فئةٌ لا يُستهان بها من تسلُّق مناصبَ عُلْيَا، فظهرَ من بينهم علماء في علومٍ شَتَّى؛ العلوم الشرعيَّة، والاقتصاد، والتسيير، وحِفْظ القرآن.
2- في هذا العصر تغيَّرت نسبيًّا النظرةُ تجاه المعاقين من قِبَل المجتمع والأُسرة والأفراد؛ لِمَا قام به الإعلامُ والجمعيَّات الأهْليَّة من دورٍ كبيرٍ في تغيير الصورة النمطيَّة عن الشخص المُعاق؛ فأنشأتْ جمعيَّات خاصَّة، ومراكز تأهيل ورعاية ومدارس؛ لتدريبِ الأفراد والأُسَر والمجتمعات، وعَقْد الندوات والمؤتمرات والأبحاث عن الإعاقة والمعاقين، والاهتمام بهم داخِلَ مجتمعاتهم ودمْجهم فيها، من خلال الْتَحَاقهم بالمدارس العموميَّة، وغرْس ثقافة تأهيل المُعاقين في المجتمع، وتحفيز المعاق على تجاوز إعاقته، واسترداد موقعه في الحياة، ودوره في المجتمع، وإشراك ذَوِي المعاق في بناء التصورات والإسهام في التفاعُل المثْمِر.
ولكي تستطيعَ أن تُظْهِرَ فعالية المُعاق في التنمية أكثر، وقُدْرته على التفاعل مع مكونات المجتمع يكون من الضروري:
• القيام بدراسات علميَّة تبيِّنُ الآثار السلبيَّة لإهمال تأهيل المعاقين على خُطط التنمية وبرامجها.
• القيام بدراسات علميَّة مَيدانيَّة تبيِّنُ الآثارَ الاقتصاديَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة للرعاية السلبيَّة للمُعاقين، وهي رعاية تكرِّسُ حالة العجز والاعتماديَّة التي يُعاني منها المعاق، كما هو الشأْنُ بالنسبة لمَن يستغلُّ المعاقين في عمليَّات التسوُّل.
• ترويج إعلامي لنماذج مُعاقين استطاعوا أن يكونوا مُنتجين وفاعلين على المستوى الشخصي والاجتماعي
منقووووووووووووول