ابوهاشم هاشم
عضو جديد
!!
جيراننا رحلوا!
هؤلاء الذين كنا نترك عندهم مفتاح البيت، أثناء غيابنا الطويل لـ "يشقوا" على قواوير الريحان والنعنع والورد البلدي. الناس الذين كانوا بقربنا كثيرا، لدرجة تشعرك بالدفء لمجرد مرور ذكرياتهم على خاطرك. الأهل الذين كنا ندور في جولات مكوكية مزعجة لنا كأطفال، بين أبواب بيوتهم، في رحلة نقل صحون الرشتة والربيعية والمعجنات والكيك البدائي اللذيذ. أين رحل الجيران؟ حيث النساء فيهم كن يجتمعن ليلة الوقفة في بيت إحداهن، يتقاسمن العجين والتقطيع ونقش الكعك، بينما تدور بينهن أحاديث لا تنضب عن الرجال البخلاء، الذين لم يتورعوا لشراء أثواب جديدة لهن هذا العيد أيضا. بينما الأطفال يتناوبون على حمل الصواني الى المخابز القريبة، والتدافع لالقائها من فوق رؤوسهم الصغيرة. أين هم أولئك الذين طالما فتحوا أبواب بيوتهم لنا، نحن الهاربين من "علقة" ساخنة تتهددنا، من آبائنا المصدومين بسبب درجاتنا المتدينة، أو لأنهم سمعوا أن واحدا من الأولاد كان يمسك بسيجارة على ناصية الشارع مثلا!كانوا يقفون حاجزا بين دقات قلوبنا المرتعشة، وفورة غضب الأهل المغتاظين، ويحلفون بأغلظ الأيمان أن لا يصيبوننا بسوء. وبعد أن تزول الغمة، ويشرب آباؤنا "شاي الصلحة" والتهدئة ويمضون، يستلموننا هم بعقاب أعنف من الذي كان بانتظارنا، وكنا نتقبله منهم، بممنونية وخجل!أتذكرون كيف كنا نميل عليهم، حين يفاجئنا زوار المدن البعيدة فيزيحون وجه "ركسة اللحافات" ويفتحون نوافذ النمليات المغلقة بإحكام، ليقرضونا الأغطية والوسائد وكاسات العصير؟من منكم الآن، يعرف اسم جارين من جيرانه، اللهم من القائمة المسجلة على "الانتركم"، أو على لائحة دفع فواتير كهرباء الدرج؟! من منكم قام بزيارة جار له مؤخرا، بدون أعياد أو واجب عزاء، فقط للتواصل والتحدث بالشؤون العامة؟ أعتقد أنه لو قمنا باستفتاء سريع، يشمل العاصمة عمان مثلا، خاصة المناطق الغربية منها، ستكون النتيجة مؤلمة جدا!الجيران في زمن ما، كانوا هم الأخوال والأعمام والأجداد الحقيقيين، في ظل غياب الأهل أو بعد المسافات عنهم. كان الشاب الذي يدخل "معترك" التوجيهي على سبيل المثال، يحاط بهالة من التعاطف والاهتمام والتدخل والملاحقة والإزعاج أحيانا، من كل فرد يعيش في العمارة التي يقطنها. وكانت العروس التي تخرج من بيت أهلها، تبكيها نساء عايشن طفولتها البريئة، وودعنها جميعا في صباح بعيد الى باص المدرسة في يومها الدراسي الأول، وتآمرن وديا على اخفاء قصص مراهقتها الشقية! كان قسط الجمعية يتأخر شهرا بحاله، بدون إبداء أسباب مقنعة، وتبادل فناجين القهوة المملوءة بالملح أو الزيت أو رب البندورة، سنة حميدة! كانت الكرة ملكا للجميع، والفساتين تتنقل بين خزائن البنات بخفة، والأسرار ظلت أسرارا ليومنا هذا. كان للموت احترام مهيب، يضيع علينا، نحن غير المعنيين بالأمر، باقي حلقات المسلسل، والمسلسل الذي يليه.وكان حرد الزوجات لا يتعدى بضعة مترات، وبضع ساعات. كانت الحياة حلوة باختصار!أشتاق جدا للجيران، وأحلم لو أعود سنين طويلة الى الوراء، أشتم رائحة ورق العنب من باب العمارة، ولا أتوانى عن نقل رسالة غرام بين صبية وشاب، يعنيان لي الكثير، وأنام بالصدفة على أريكة ليست ببيتي تماما، وأغفو بكل حب وترحاب الى الصباح. أشتاق أن يطلع عليّ هذا الصباح، ووجه غير وجه أمي يبتسم لي، بدون أن أشعر ولو للحظة.. بالوحشة!
جيراننا رحلوا!
هؤلاء الذين كنا نترك عندهم مفتاح البيت، أثناء غيابنا الطويل لـ "يشقوا" على قواوير الريحان والنعنع والورد البلدي. الناس الذين كانوا بقربنا كثيرا، لدرجة تشعرك بالدفء لمجرد مرور ذكرياتهم على خاطرك. الأهل الذين كنا ندور في جولات مكوكية مزعجة لنا كأطفال، بين أبواب بيوتهم، في رحلة نقل صحون الرشتة والربيعية والمعجنات والكيك البدائي اللذيذ. أين رحل الجيران؟ حيث النساء فيهم كن يجتمعن ليلة الوقفة في بيت إحداهن، يتقاسمن العجين والتقطيع ونقش الكعك، بينما تدور بينهن أحاديث لا تنضب عن الرجال البخلاء، الذين لم يتورعوا لشراء أثواب جديدة لهن هذا العيد أيضا. بينما الأطفال يتناوبون على حمل الصواني الى المخابز القريبة، والتدافع لالقائها من فوق رؤوسهم الصغيرة. أين هم أولئك الذين طالما فتحوا أبواب بيوتهم لنا، نحن الهاربين من "علقة" ساخنة تتهددنا، من آبائنا المصدومين بسبب درجاتنا المتدينة، أو لأنهم سمعوا أن واحدا من الأولاد كان يمسك بسيجارة على ناصية الشارع مثلا!كانوا يقفون حاجزا بين دقات قلوبنا المرتعشة، وفورة غضب الأهل المغتاظين، ويحلفون بأغلظ الأيمان أن لا يصيبوننا بسوء. وبعد أن تزول الغمة، ويشرب آباؤنا "شاي الصلحة" والتهدئة ويمضون، يستلموننا هم بعقاب أعنف من الذي كان بانتظارنا، وكنا نتقبله منهم، بممنونية وخجل!أتذكرون كيف كنا نميل عليهم، حين يفاجئنا زوار المدن البعيدة فيزيحون وجه "ركسة اللحافات" ويفتحون نوافذ النمليات المغلقة بإحكام، ليقرضونا الأغطية والوسائد وكاسات العصير؟من منكم الآن، يعرف اسم جارين من جيرانه، اللهم من القائمة المسجلة على "الانتركم"، أو على لائحة دفع فواتير كهرباء الدرج؟! من منكم قام بزيارة جار له مؤخرا، بدون أعياد أو واجب عزاء، فقط للتواصل والتحدث بالشؤون العامة؟ أعتقد أنه لو قمنا باستفتاء سريع، يشمل العاصمة عمان مثلا، خاصة المناطق الغربية منها، ستكون النتيجة مؤلمة جدا!الجيران في زمن ما، كانوا هم الأخوال والأعمام والأجداد الحقيقيين، في ظل غياب الأهل أو بعد المسافات عنهم. كان الشاب الذي يدخل "معترك" التوجيهي على سبيل المثال، يحاط بهالة من التعاطف والاهتمام والتدخل والملاحقة والإزعاج أحيانا، من كل فرد يعيش في العمارة التي يقطنها. وكانت العروس التي تخرج من بيت أهلها، تبكيها نساء عايشن طفولتها البريئة، وودعنها جميعا في صباح بعيد الى باص المدرسة في يومها الدراسي الأول، وتآمرن وديا على اخفاء قصص مراهقتها الشقية! كان قسط الجمعية يتأخر شهرا بحاله، بدون إبداء أسباب مقنعة، وتبادل فناجين القهوة المملوءة بالملح أو الزيت أو رب البندورة، سنة حميدة! كانت الكرة ملكا للجميع، والفساتين تتنقل بين خزائن البنات بخفة، والأسرار ظلت أسرارا ليومنا هذا. كان للموت احترام مهيب، يضيع علينا، نحن غير المعنيين بالأمر، باقي حلقات المسلسل، والمسلسل الذي يليه.وكان حرد الزوجات لا يتعدى بضعة مترات، وبضع ساعات. كانت الحياة حلوة باختصار!أشتاق جدا للجيران، وأحلم لو أعود سنين طويلة الى الوراء، أشتم رائحة ورق العنب من باب العمارة، ولا أتوانى عن نقل رسالة غرام بين صبية وشاب، يعنيان لي الكثير، وأنام بالصدفة على أريكة ليست ببيتي تماما، وأغفو بكل حب وترحاب الى الصباح. أشتاق أن يطلع عليّ هذا الصباح، ووجه غير وجه أمي يبتسم لي، بدون أن أشعر ولو للحظة.. بالوحشة!
التعديل الأخير بواسطة المشرف: