فرحة الاردن
الادارة العامة
آراء الكاتب
بقلم الدكتور رضا العطار
الأخلاق مظهر من مظاهر الوعي الأجتماعي الناضج للجنس البشري، وان ابرز المسائل الأخلاقية صيغت بداية في اطار الدين، الذي لعب الدور الأيجابي في تطويرها وبلورتها لدى الأنسان، ولم تقتصر علاقة الأخلاق بالدين فقط انما تعدت الى نواحي اخرى من الحياة كالسياسة والعلم والحقوق والفن وغير ذلك. واذ كنا قد افتتحنا حديثنا بالكلام عن الدين والأخلاق انما بسبب شدة العلاقة بينهما، والجدير بالذكر ان هناك فئة من المفكرين يعتقدون ان علم الأخلاق هو المولد الشرعي لعلم الأديان.
هناك صراع تقليدي في كيفية تطبيق المبادئ الأخلاقية على المجتمع بصورة ملائمة بعيدة عن اسلوب العنف والتعسف، فغالبا ما يكون اسلوب التشدد عاجزا على تلبية احتياجات الأنسان، بينما يكون اسلوب الاعتدال هو الاسلوب الصحيح وذو نتائج ايجابية ينظر الأنسان الى المفاهيم الأخلاقية كما لو ينظر الى لوحة زيتية، فطبقا لوجهة نظر المشاهد المتأثر بثقافته الشخصية وبتقاليد وعادات مجتمعه، نعم وحتى بمذاهبه الفكرية والعقائدية. يعطيك انطباعا خاصا به، فمثلا لو كانت اللوحة الفنية ترمز الى صورة ميناء وكان الناظر اليها بحارا، ركز اهتمامه على ماء البحر، لونه هدوئه تياراته و امواجه، بينما يقتصر اهتمام المهندس المعماري للوحة على موقع مبنى الميناء وجودة التصميم وجمال المنظر وهكذا. ان موضوع تطبيق منظومة اخلاقية ذات ابعاد معينة على مجتمع يكمن في قوة رجل الدولة ومستوى ثقافته الانسانية وخبرته في الادارة العامة وقربه من قلوب الناس ومعرفته بأوضاع الشعب والمامه بمشاكله الأجتماعية والأقتصادية والسياسية مشروط بعدم استعمال اسلوب العنف في تطبيق برنامجه هذا، فأسلوب العنف سرعان ما يؤدي الى نتائج هشة، لأنها لاتدخل النفوس بقناعة ولذا لا يستقبلها المواطن عن طيب خاطر.
ولما كانت المفاهيم الأخلاقية تشمل الصدق والشجاعة والتواضع والأمانة والصبر والرحمة والأنصاف، فالقيادة بحد ذاتها لا يمكن ان تكون بالأكراه وحد السيف.
جاء في سورة الأنسان – انا هديناه السبيل اما شاكرا او كفورا – فأسلوب العنف في فرض المعايير الأخلاقية على المجتمع لا يولد الا العنف المضاد في حين ان اسلوب اللين يؤدي في معظم الحالات الى نتائج مرضية، كما يتجلى المعنى في سورة فصلت – ولا يستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فأذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم –
كانت المنظومة الأخلاقية التي استعملها النبي الكريم في قيادة مجتمع القبيلة في الجزيرة العربية، التي دخل افرادها الاسلام حديثا، هي منظومة نموذجية اتسمت بأسلوب المسامحة واللين ساعدت على تنقية تلك المجتمعات شبه البدائية من عصبياتها، القبلية التي ورثتها من زمن الجاهلية، لتصبح جاهزة للسير بأتجاه المجتمع الحضاري السليم
لقد تمكن الرسول الكريم بفضل قيادته الحكيمة من غرس العادات الحميدة في نفوس المجتمع الصحراوي ونشر روح المصالحة والوفاق والتعاون وحثهم على ترك المنازعات فيما بينهم، كما كانت الحالة المزمنة عند قبائل الاوس والخزرج في يثرب. وبغية ان يجعل منهم مجتمعات متالفة متاخية بدا النبي يعظهم بالاحاديث التهذيبية في علم التربية والاخلاق، وعندما ادركوا مضامينها واستوعبوا مقاصدها بدؤا يستجيبون ويطيعون وبذلك تخلصوا تدريجيا من عاداتهم المتخلفة، كانت النتيجة ان عمت العلاقات السليمة بين المهاجرين والأنصار وتحولوا الى وضع اجتماعي متحضر.
كان البدوي في زمن الجاهلية يرى كل من لا ينتمي الى قبيلته فردا اجنبيا ينظر اليه بعين الشك والريبة لكن قائد الامة طلب ان يتخذ كل فرد له اخا من قبيلة اخرى لأن المسلمين اخوة في الدين، كانت الحصيلة ان تالفت نفوسهم و لانت قلوبهم بعدما كانت قاسية كقسوة رمال الصحراء.
جاء في كتاب - الاخوة كرامازوف - ص565 لمؤلفه الكاتب الروسي العملاق دوستوفيسكي ما يلي: (لم يكن نابليون مجرد وريثا تاريخيا صلدا للثورة الفرنسية بل انما كان صاحب طاقة بشرية هائلة وشخصية مثيرة للاعجاب ومثالا في اهدافه الطموحة التي تميزت بالاسلوب والطريقة التي تبناها في العمل لمغالبة الصعاب والتخطي من اجل تحقيق اهداف عظيمة، تلك هي القدرة – القيادية - التي يشترك فيها نابليون مع نبي الاسلام محمد).
كان هدف الرسول الأعظم ان يرى الناس وقد سيطروا على مملكة النفس عن طريق ايقاظ الضمير، فالضمير كما يصفه المتصوف الغربي -ايما نوئيل نبرج- هو صوت الله في الأنسان، فعندما يعلو صوت الله في الأنسان، يكون عندئذ اهلا على حمل راية الرسالة الأخلاقية، لكن سياسة بعض حكام المسلمين في ماضي الزمان كانت لا تتماشى وخط الأسلام التقليدي، كان معاوية ابن ابي سفيان مثالا داكنا في نطبيق ثوابته واستعمل اسلوب المكر والخداع في ادارة شؤون الدولة الاسلامية.
كان برنامجه السياسي بداية هوالتأكيد على تطبيق العدالة الأجتماعية لكنه انقلب على المسلمين واعلن برنامجا يتنافى وروح هذه الثوابت، وبذالك اصبح المجتمع الأسلامي تحت سلطة فردية مستبدة لا تقيم للمواطن وزنا ولا حرمة خاصة بعدما كان المسلمون ينعمون زمن النبي محمد (ص) وزمن الخلافة الراشدة من بعده بسلطة الشورى والجماعة.
وقبل ان يستتب الأمر لمعاوية في الشام عقد مع الأمام الحسن معاهدة تؤكد على النقاط التالية:
<LI dir=rtl>
يمارس معاويه الخلافة الأسلامية طبقا لأحكام الدين وقيمه السامبة
<LI dir=rtl>
يكون الأمام الحسن خليفة المسلمين من بعد معاويه
يعامل الرعية بالرفق والاحسان بما فيهم اتباع الأمام علي بن ابي طالب.
لكن الذي حدث ان معاويه خان العهد ونكث الوعود المدونة وقام بخرق ديني قانوني صارخ في تعيين ابنه يزيد خليفة من بعده رغم انف كل المسلمين .
وهنا يبرز جوهر الصراع الأخلاقي بشكل واضح، ففي الوقت الذي اراد الأمام الحسن ان يحكم في الناس طبقا لأحكام الدين الأسلامي، يحكم معاوية بنظام دكتاتوري بعيدا عن نهج الأسلام الذي جاء به محمد (ًص).
وفي الوقت الذي يرى الأمام الحسن ان ادارة الخلافة مسؤولية اخلاقية في عاتق الحاكم يرى معاويه ان كرسي الخلافة غنيمة وامتياز.
وبينما كان الأمام الحسن ينظر الى السياسة على انها مبدأ اخلاقي، يعتبرها معاويه لعبة ومراوغة.
جاء في عالم الاسلام لحسين مؤنس ص 401: ان انتقال الخلافة الاسلامية الى بني امية كان صدمة عنيفة هزت وجدان المسلمين جميعا والقت في روعهم الفتنة. فكان غالبية المسلمين يدعون بأخلاص للعودة الى الثوابت الدينية التي كانت جارية في زمن الرسول الكريم، فأنهم لم يرضوا عن معاوية ولا سلموا بأن له الحق في الخلافة، فما سعد الناس بمعاوية ولا احبوه ولا احبوا احدا جاء بعده، و انه كان يعرف ذلك. وكان يعلم ان الناس لا يرضون به عن تسليم او ايمان وانما على سوء ظن بالدنيا وبالسياسة، وما نتج عن ذلك هو الشعور العام بأن الحكم اغتصاب واستبداد. وان الحكام ما هم الا طوائف من الطامعين في السلطان الطامحين الى غنائمه. فأنهم اشدهم مكرا وابعدهم عن التقوى ويقظة الضمير.
ومما زاد الامر سوء ان بني امية لم يحاولوا ان يفتحوا حوارا مع الناس ولا ان يكسبوا شرعية الحكم، فلا سمحوا بكلام او بمناقشة، حاسبين ان السيف يحل كل مشكلة.
ويضيف الباحث: انه لم يحدث في التاريخ اطلاقا ان احل حاكم لنفسه سب رعيته علنا على المنابر (مثلما حدث لخليفة المسلمين على بن ابي طالب. الذي كان يسب هو واتباعه من الشيعة طيلة ثمانين سنة متتالية. علما انهم كانوا يشكلون قطاعات واسعة من السكان في مملكة معاوية).
فأسلوب التشدد في فرض معايير اجتماعية او سياسية متصفة بالعنف والأجبار اسلوب بغيض لا يؤدي الى نتائج مرضية في حين يكون الأسلوب المعتدل الذي يتوافق مع الثوابت السلوكية الحسنة هو الذي يستقطب النفوس ويغرس فيها القيم الخلقية السامية فعندما يقول الأمام علي (س) لا تخلقوا ابنائكم بأخلاقكم فأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم... يقصد بهذا التصريح التحولات الأجتماعية التي تظهر في المجتمع وليست الأداب العامة والأخلاق الأجنماعية، فهي الركن الرصين لسلوك الفرد وعليه ان يلتزم به حيثما و اينما وجد.
فالأسلام يؤكد دوما على ضرورة تطبيق منظومة اخلاقية مقبولة في قيادة المجتمع تتناسب وطبيعته الأنسانية كما جاء في سورة القصص –وابتغ فيما اتاك الله الدار الأخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين– ان حكمة هذه الأية تتجلى في نقاط ثلاثة:
الأولى في الجانب الروحي –وابتغ فيما اتاك الله الدار الأخرة–
والثانية الجانب المادي – ولا تنسى نصيبك في الدنيا–
والثالثة في الجانب الأخلاقي –واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الأرض–
لقد جائت الأديان لتصقل العلاقة الروحية بين الأنسان وظروفه الحياتية وما من نبي جاء لينقض رسالات من كان قبله من الأنبياء انما جاء ليؤكد على جوهر الرسالات السماوية التي سبقته
اعتقد ان اول صراع اخلاقي فلسفي حدث في التاريخ البشري كان ذلك الذي حدث بين هابيل واخيه قابيل وهذه الظاهرة هي بدابة الصراع في الوجود الأنساني، ففي الوقت الذي قبل هابيل ان يكون مستخلفا على الأرض بما يملك من قيم روحية وفضائل اخلاقية كانت وجهة نظر قابيل على عكسه، انه اراد ان يفرض ارادته على اخيه بالعنف والقوة... ان العنف الذي مارسه قابيل على هابيل هو الرفض المطلق للأرادة الألهية، لأن الله عز وجل لطيف رؤوف رحيم. بينما قابيل كان صلفا عنيدا قاتلا.
فلو شانا ان نقتحم في مقالنا هذا العالم الأرحب تحدثنا عن العلاقة بين الشرق والغرب ونقصد بالشرق ذالك الجزء من العالم الذي يعتنق الدين الأسلامي بينما نقصد بالغرب المدنية الغربية لا الدين المسيحي. فالشرق الاسلامي وما تعرض اليه من غزوات عسكرية اصبح في النتيجة اسير ظروف اجنبية دخيلة حالت دون امكانية المواظبة على تطبيق النهج الأسلامي بشكله السليم، ونحن اذ نتكلم عن الغرب لا نقصد الغرب المسيحي لأن المسيحية دين سماوي سامي يقوم على اعلاء شأن الأنسان ويقدس انسانيته، بينما المدنية الغربية ابتعدت عن روح المسيحية السمحاء حتى اصبحت معبودة المادة تلهث ورائها تقدسها جاعلة منها هدفها الأسمى في الحياة.
الأسلام يدعونا الى البحث عن القداسة المشتركة بيننا وبين الأديان السماوية الأخرى، جاهدا ان يجد جسر اللقاء الحضاري مع الغرب الذي تكاد مدنيته الحاضرة ان تكتسح حضارته الأنسانية. ان ظروف الحياة المادية المتطورة في الغرب ادت بالاسرة الغربية الهروب من عالمها الواقعي الى عالم الأهواء والشهوات متغافلة التزاماتها الأخلاقية والقانونية تجاه الاطفال، وفي مثل هذه الظروف يصبح طفلهم ضحيتهم الأولى عندما يفتقد الدفئ الحميم للحياة الأسرية مما يؤثر سلبا على سلوكه في المستقبل وقد يغدو رجلا ذو نفسية غير سوية فلا غرابة ان ظهر في المجتمع شباب وشابات ذات سلوكيات منحرفة.
لقد حاولت الفلسفات الحديثة كالوجودية والماركسية والعبثية ان ترفع من مستوى الفرد الغربي لكنها سرعان ما تهاوت لأنها عجزت من تأمين الأمن الأقتصادي و الروحي للأنسان وقد صدق الفيلسوف الفرنسي روجه غارودي عندما يقول ان اسباب الصراع الأخلاقي وتأثيراته السلبية على المجتمع الغربي تكمن في اعتماده الكلي على المسائل الاقتصادية دون المسائل الأنسانية والأخلاقية
لقد نصح فلاسفة الغرب شعوبها الاوروبية في بدايات عصر النهضة للاستفادة من المنظومة الاخلاقية للانسان ومن فوائدها الروحية، فهي الحصن الحصين للحضارة الانسانية الاصيلة، كما حذروها من التهالك وراء الماديات عندما كانت التكنولوجيا في مراحلها الأولى من التقدم. كان هاجسهم ان لا تتعرض مجتمعاتهم الى خطر التفكك الاخلاقي والانحلال الاسري، وكان في مقدمة هؤلاء الدعاة بعض اعلام الفكر العالمي في القارة الاوروبية يومذاك، من امثال برنادشو في انكلترا وشبلنجر في المانيا وجورجيو في ابطاليا وجان جاك روسو في فرنسا.
ايستطيع احد ان ينكر ان الغرب بمدنيته المتطورة قد قدم للبشرية جمعاء خدمات جليلة لاحصر لها بعد ان استفاد هو بدوره من الحضارة الاسلامية ابان نهضته المجيدة. فمن خلال حوارالحضارات وتلاقحها الفكري يمكن ان نصنع حضارة عالمية ذات روح شرقية وجسد غربي.
ان منظومة الأخلاق المتميزة في اداب اهل البيت (ع) قد دفعت بالكثير من ادباء الشرق المسيحي النجباء للكتابة عنها بصورة وجدانية، امثال جورج جرداق في كتاب – الأمام علي صوت العدالة الأنسانية، وبولس سلامه في عيد الغدير، وعبد المسيح الأنطاكي في ملحمة الأمام علي، وسليمان كتاني في اخلاق وفضائل اهل البيت، وركس العزيزي في الأمام علي اسد الأسلام وقديسه.
لقد اقام هؤلاء المفكرين البارزين جسور التواصل الفكري بعد ان اكتشفوا في هذا الادب القيم الأخلاقية والمثل الروحية العليا التي فرضت نفسها عن طريق الحديث من القلب الى القلب لا عن طريق السيف والنار.
والحقيقة ان الفضائل الأخلاقية للمجتمع العربي لم تكتمل في شكلها النهائي الا بفضل القران، فمن ثنايا اياته سطعت نور الهداية بمعانيها حتى تأطرت في اطار حقوق الأنسان فيما بعد.
لقد كانت الحضارة الغربية لا تعرف شيئا عن حقوق الأنسان في ماضي الزمان الى ان جائت الثورة الفرنسية عام 1789... حيث وضع المفكر مانويل سبيس وثيقة حقوق الأنسان المستمدة من مفكري فرنسا العظام امثال جان جاك روسو وفولتير اللذان استفادا بدورهما من المخطوطات الأسلامية التي انتجتها الحضارة العربية في الأندلس قبل 500 عام.
اما في امريكا فقد قام توماس جيفرسون عام 1789 في ارساء هذه الحقوق وتطويرها والتي افرزت عن صدور الوثيقة العالمية لحقوق الأنسان الشهيرة، ومن هنا يمكن القول ان المنظومة الأخلاقية التي اعلنها الأسلام في القرن السابع الميلادي ظهرت في الغرب بعد قرون عديدة تحت مصطلح حقوق الانسان.
ان المبا دى السامية التي جاء بها الأسلام قد افضت روح العدالة الأجتماعية على البشر، فقد ساوى الأنسان الأبيض والأسود والأسمر والأصفروشملهم برعايته بينما نرى ان وثيقة حقوق الأنسان الفرنسي تخاطب بالدرجة الأولى الأنسان الفرنسي وكذلك بالنسبة لحقوق الأنسان الأمريكي التي تخاطب المواطن الأمريكي اولا.
يظهر الكاتب الأمريكي المعاصر مشيل هاملتون مورغان اعجابه البالغ بالمنظومة الأخلاقية لخليفة المسلمين على بن ابي طالب في قيادته الرشيدة لمجتمعه ويعتبرها نموذجا صالحا للأدارة الديموقراطية للحاكم العادل مسترشدا بالتعليمات الأدارية التي بعث بها الأمام علي الى مالك الأشتر حاكم ولاية مصر قائلا:
كن برا رحيما، لا تستغل نفوذك لخدمة مصالحك الشخصية، عليك ان تختار الصالحين من القضاة، وابعاد ما من شأنه ان يثير الرعب والخوف في قلوب الرعية، واعلم ان بيت المال هو حق الجميع ولا يجوز الأفراط به، واجعل رعايتك تشمل اليتامى والمساكين وابن السبيل وعليك ان تساوي بين الناس في الحقوق والواجبات رغم تفاوتهم في اللون واللغة والعنصر والعقيدة الدينية و ان المسلمين اخوان لك في الدين لكن عليك ان تعامل غير المسلمين بالرعاية والحسنى فهم متساوون في الحقوق والواجبات.
وفي هذا السياق يقول الكاتب المسيحي اللبناني الشهير جورج جورداق ذو الأطلاع الواسع في ثقافات العالم: لقد وجدت في شخصية علي بن ابي طالب علما شاملا ونبوغا ساحرا وبلاغة اسرة وخلقا نقيا ومثالا رائعا في قيادة الأمة، انه كان قويا في ايمانه ووداعته وعدله وزهده وتقواه، هذه هي الصفات الأخلاقية التي يتطلبها الحاكم العادل الكفوء في قيادة مجتمعه الذي يطمح الى الرقي والأزدهار.
وختاما بحدثنا الباحث العراقي هادي العلوي من العاصمة الصينية بيجين كيف ان الرئيس الصيني ما وسيتونغ استرشد باسلوب القيادة الحكيمة لخليفة المسلمين علي بن ابي طالب عام 673 م الذي اتسم باللين والرضا، طبقه على خصومه الكثر اثناء حرب التحرير عام 1947، كانت النتيجة ان كسبهم الى جانبه، فكانوا له عاملا مساعدا في نيل الانتصار ................والسلام
بقلم الدكتور رضا العطار
الأخلاق مظهر من مظاهر الوعي الأجتماعي الناضج للجنس البشري، وان ابرز المسائل الأخلاقية صيغت بداية في اطار الدين، الذي لعب الدور الأيجابي في تطويرها وبلورتها لدى الأنسان، ولم تقتصر علاقة الأخلاق بالدين فقط انما تعدت الى نواحي اخرى من الحياة كالسياسة والعلم والحقوق والفن وغير ذلك. واذ كنا قد افتتحنا حديثنا بالكلام عن الدين والأخلاق انما بسبب شدة العلاقة بينهما، والجدير بالذكر ان هناك فئة من المفكرين يعتقدون ان علم الأخلاق هو المولد الشرعي لعلم الأديان.
هناك صراع تقليدي في كيفية تطبيق المبادئ الأخلاقية على المجتمع بصورة ملائمة بعيدة عن اسلوب العنف والتعسف، فغالبا ما يكون اسلوب التشدد عاجزا على تلبية احتياجات الأنسان، بينما يكون اسلوب الاعتدال هو الاسلوب الصحيح وذو نتائج ايجابية ينظر الأنسان الى المفاهيم الأخلاقية كما لو ينظر الى لوحة زيتية، فطبقا لوجهة نظر المشاهد المتأثر بثقافته الشخصية وبتقاليد وعادات مجتمعه، نعم وحتى بمذاهبه الفكرية والعقائدية. يعطيك انطباعا خاصا به، فمثلا لو كانت اللوحة الفنية ترمز الى صورة ميناء وكان الناظر اليها بحارا، ركز اهتمامه على ماء البحر، لونه هدوئه تياراته و امواجه، بينما يقتصر اهتمام المهندس المعماري للوحة على موقع مبنى الميناء وجودة التصميم وجمال المنظر وهكذا. ان موضوع تطبيق منظومة اخلاقية ذات ابعاد معينة على مجتمع يكمن في قوة رجل الدولة ومستوى ثقافته الانسانية وخبرته في الادارة العامة وقربه من قلوب الناس ومعرفته بأوضاع الشعب والمامه بمشاكله الأجتماعية والأقتصادية والسياسية مشروط بعدم استعمال اسلوب العنف في تطبيق برنامجه هذا، فأسلوب العنف سرعان ما يؤدي الى نتائج هشة، لأنها لاتدخل النفوس بقناعة ولذا لا يستقبلها المواطن عن طيب خاطر.
ولما كانت المفاهيم الأخلاقية تشمل الصدق والشجاعة والتواضع والأمانة والصبر والرحمة والأنصاف، فالقيادة بحد ذاتها لا يمكن ان تكون بالأكراه وحد السيف.
جاء في سورة الأنسان – انا هديناه السبيل اما شاكرا او كفورا – فأسلوب العنف في فرض المعايير الأخلاقية على المجتمع لا يولد الا العنف المضاد في حين ان اسلوب اللين يؤدي في معظم الحالات الى نتائج مرضية، كما يتجلى المعنى في سورة فصلت – ولا يستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فأذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم –
كانت المنظومة الأخلاقية التي استعملها النبي الكريم في قيادة مجتمع القبيلة في الجزيرة العربية، التي دخل افرادها الاسلام حديثا، هي منظومة نموذجية اتسمت بأسلوب المسامحة واللين ساعدت على تنقية تلك المجتمعات شبه البدائية من عصبياتها، القبلية التي ورثتها من زمن الجاهلية، لتصبح جاهزة للسير بأتجاه المجتمع الحضاري السليم
لقد تمكن الرسول الكريم بفضل قيادته الحكيمة من غرس العادات الحميدة في نفوس المجتمع الصحراوي ونشر روح المصالحة والوفاق والتعاون وحثهم على ترك المنازعات فيما بينهم، كما كانت الحالة المزمنة عند قبائل الاوس والخزرج في يثرب. وبغية ان يجعل منهم مجتمعات متالفة متاخية بدا النبي يعظهم بالاحاديث التهذيبية في علم التربية والاخلاق، وعندما ادركوا مضامينها واستوعبوا مقاصدها بدؤا يستجيبون ويطيعون وبذلك تخلصوا تدريجيا من عاداتهم المتخلفة، كانت النتيجة ان عمت العلاقات السليمة بين المهاجرين والأنصار وتحولوا الى وضع اجتماعي متحضر.
كان البدوي في زمن الجاهلية يرى كل من لا ينتمي الى قبيلته فردا اجنبيا ينظر اليه بعين الشك والريبة لكن قائد الامة طلب ان يتخذ كل فرد له اخا من قبيلة اخرى لأن المسلمين اخوة في الدين، كانت الحصيلة ان تالفت نفوسهم و لانت قلوبهم بعدما كانت قاسية كقسوة رمال الصحراء.
جاء في كتاب - الاخوة كرامازوف - ص565 لمؤلفه الكاتب الروسي العملاق دوستوفيسكي ما يلي: (لم يكن نابليون مجرد وريثا تاريخيا صلدا للثورة الفرنسية بل انما كان صاحب طاقة بشرية هائلة وشخصية مثيرة للاعجاب ومثالا في اهدافه الطموحة التي تميزت بالاسلوب والطريقة التي تبناها في العمل لمغالبة الصعاب والتخطي من اجل تحقيق اهداف عظيمة، تلك هي القدرة – القيادية - التي يشترك فيها نابليون مع نبي الاسلام محمد).
كان هدف الرسول الأعظم ان يرى الناس وقد سيطروا على مملكة النفس عن طريق ايقاظ الضمير، فالضمير كما يصفه المتصوف الغربي -ايما نوئيل نبرج- هو صوت الله في الأنسان، فعندما يعلو صوت الله في الأنسان، يكون عندئذ اهلا على حمل راية الرسالة الأخلاقية، لكن سياسة بعض حكام المسلمين في ماضي الزمان كانت لا تتماشى وخط الأسلام التقليدي، كان معاوية ابن ابي سفيان مثالا داكنا في نطبيق ثوابته واستعمل اسلوب المكر والخداع في ادارة شؤون الدولة الاسلامية.
كان برنامجه السياسي بداية هوالتأكيد على تطبيق العدالة الأجتماعية لكنه انقلب على المسلمين واعلن برنامجا يتنافى وروح هذه الثوابت، وبذالك اصبح المجتمع الأسلامي تحت سلطة فردية مستبدة لا تقيم للمواطن وزنا ولا حرمة خاصة بعدما كان المسلمون ينعمون زمن النبي محمد (ص) وزمن الخلافة الراشدة من بعده بسلطة الشورى والجماعة.
وقبل ان يستتب الأمر لمعاوية في الشام عقد مع الأمام الحسن معاهدة تؤكد على النقاط التالية:
<LI dir=rtl>
يمارس معاويه الخلافة الأسلامية طبقا لأحكام الدين وقيمه السامبة
<LI dir=rtl>
يكون الأمام الحسن خليفة المسلمين من بعد معاويه
يعامل الرعية بالرفق والاحسان بما فيهم اتباع الأمام علي بن ابي طالب.
لكن الذي حدث ان معاويه خان العهد ونكث الوعود المدونة وقام بخرق ديني قانوني صارخ في تعيين ابنه يزيد خليفة من بعده رغم انف كل المسلمين .
وهنا يبرز جوهر الصراع الأخلاقي بشكل واضح، ففي الوقت الذي اراد الأمام الحسن ان يحكم في الناس طبقا لأحكام الدين الأسلامي، يحكم معاوية بنظام دكتاتوري بعيدا عن نهج الأسلام الذي جاء به محمد (ًص).
وفي الوقت الذي يرى الأمام الحسن ان ادارة الخلافة مسؤولية اخلاقية في عاتق الحاكم يرى معاويه ان كرسي الخلافة غنيمة وامتياز.
وبينما كان الأمام الحسن ينظر الى السياسة على انها مبدأ اخلاقي، يعتبرها معاويه لعبة ومراوغة.
جاء في عالم الاسلام لحسين مؤنس ص 401: ان انتقال الخلافة الاسلامية الى بني امية كان صدمة عنيفة هزت وجدان المسلمين جميعا والقت في روعهم الفتنة. فكان غالبية المسلمين يدعون بأخلاص للعودة الى الثوابت الدينية التي كانت جارية في زمن الرسول الكريم، فأنهم لم يرضوا عن معاوية ولا سلموا بأن له الحق في الخلافة، فما سعد الناس بمعاوية ولا احبوه ولا احبوا احدا جاء بعده، و انه كان يعرف ذلك. وكان يعلم ان الناس لا يرضون به عن تسليم او ايمان وانما على سوء ظن بالدنيا وبالسياسة، وما نتج عن ذلك هو الشعور العام بأن الحكم اغتصاب واستبداد. وان الحكام ما هم الا طوائف من الطامعين في السلطان الطامحين الى غنائمه. فأنهم اشدهم مكرا وابعدهم عن التقوى ويقظة الضمير.
ومما زاد الامر سوء ان بني امية لم يحاولوا ان يفتحوا حوارا مع الناس ولا ان يكسبوا شرعية الحكم، فلا سمحوا بكلام او بمناقشة، حاسبين ان السيف يحل كل مشكلة.
ويضيف الباحث: انه لم يحدث في التاريخ اطلاقا ان احل حاكم لنفسه سب رعيته علنا على المنابر (مثلما حدث لخليفة المسلمين على بن ابي طالب. الذي كان يسب هو واتباعه من الشيعة طيلة ثمانين سنة متتالية. علما انهم كانوا يشكلون قطاعات واسعة من السكان في مملكة معاوية).
فأسلوب التشدد في فرض معايير اجتماعية او سياسية متصفة بالعنف والأجبار اسلوب بغيض لا يؤدي الى نتائج مرضية في حين يكون الأسلوب المعتدل الذي يتوافق مع الثوابت السلوكية الحسنة هو الذي يستقطب النفوس ويغرس فيها القيم الخلقية السامية فعندما يقول الأمام علي (س) لا تخلقوا ابنائكم بأخلاقكم فأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم... يقصد بهذا التصريح التحولات الأجتماعية التي تظهر في المجتمع وليست الأداب العامة والأخلاق الأجنماعية، فهي الركن الرصين لسلوك الفرد وعليه ان يلتزم به حيثما و اينما وجد.
فالأسلام يؤكد دوما على ضرورة تطبيق منظومة اخلاقية مقبولة في قيادة المجتمع تتناسب وطبيعته الأنسانية كما جاء في سورة القصص –وابتغ فيما اتاك الله الدار الأخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين– ان حكمة هذه الأية تتجلى في نقاط ثلاثة:
الأولى في الجانب الروحي –وابتغ فيما اتاك الله الدار الأخرة–
والثانية الجانب المادي – ولا تنسى نصيبك في الدنيا–
والثالثة في الجانب الأخلاقي –واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الأرض–
لقد جائت الأديان لتصقل العلاقة الروحية بين الأنسان وظروفه الحياتية وما من نبي جاء لينقض رسالات من كان قبله من الأنبياء انما جاء ليؤكد على جوهر الرسالات السماوية التي سبقته
اعتقد ان اول صراع اخلاقي فلسفي حدث في التاريخ البشري كان ذلك الذي حدث بين هابيل واخيه قابيل وهذه الظاهرة هي بدابة الصراع في الوجود الأنساني، ففي الوقت الذي قبل هابيل ان يكون مستخلفا على الأرض بما يملك من قيم روحية وفضائل اخلاقية كانت وجهة نظر قابيل على عكسه، انه اراد ان يفرض ارادته على اخيه بالعنف والقوة... ان العنف الذي مارسه قابيل على هابيل هو الرفض المطلق للأرادة الألهية، لأن الله عز وجل لطيف رؤوف رحيم. بينما قابيل كان صلفا عنيدا قاتلا.
فلو شانا ان نقتحم في مقالنا هذا العالم الأرحب تحدثنا عن العلاقة بين الشرق والغرب ونقصد بالشرق ذالك الجزء من العالم الذي يعتنق الدين الأسلامي بينما نقصد بالغرب المدنية الغربية لا الدين المسيحي. فالشرق الاسلامي وما تعرض اليه من غزوات عسكرية اصبح في النتيجة اسير ظروف اجنبية دخيلة حالت دون امكانية المواظبة على تطبيق النهج الأسلامي بشكله السليم، ونحن اذ نتكلم عن الغرب لا نقصد الغرب المسيحي لأن المسيحية دين سماوي سامي يقوم على اعلاء شأن الأنسان ويقدس انسانيته، بينما المدنية الغربية ابتعدت عن روح المسيحية السمحاء حتى اصبحت معبودة المادة تلهث ورائها تقدسها جاعلة منها هدفها الأسمى في الحياة.
الأسلام يدعونا الى البحث عن القداسة المشتركة بيننا وبين الأديان السماوية الأخرى، جاهدا ان يجد جسر اللقاء الحضاري مع الغرب الذي تكاد مدنيته الحاضرة ان تكتسح حضارته الأنسانية. ان ظروف الحياة المادية المتطورة في الغرب ادت بالاسرة الغربية الهروب من عالمها الواقعي الى عالم الأهواء والشهوات متغافلة التزاماتها الأخلاقية والقانونية تجاه الاطفال، وفي مثل هذه الظروف يصبح طفلهم ضحيتهم الأولى عندما يفتقد الدفئ الحميم للحياة الأسرية مما يؤثر سلبا على سلوكه في المستقبل وقد يغدو رجلا ذو نفسية غير سوية فلا غرابة ان ظهر في المجتمع شباب وشابات ذات سلوكيات منحرفة.
لقد حاولت الفلسفات الحديثة كالوجودية والماركسية والعبثية ان ترفع من مستوى الفرد الغربي لكنها سرعان ما تهاوت لأنها عجزت من تأمين الأمن الأقتصادي و الروحي للأنسان وقد صدق الفيلسوف الفرنسي روجه غارودي عندما يقول ان اسباب الصراع الأخلاقي وتأثيراته السلبية على المجتمع الغربي تكمن في اعتماده الكلي على المسائل الاقتصادية دون المسائل الأنسانية والأخلاقية
لقد نصح فلاسفة الغرب شعوبها الاوروبية في بدايات عصر النهضة للاستفادة من المنظومة الاخلاقية للانسان ومن فوائدها الروحية، فهي الحصن الحصين للحضارة الانسانية الاصيلة، كما حذروها من التهالك وراء الماديات عندما كانت التكنولوجيا في مراحلها الأولى من التقدم. كان هاجسهم ان لا تتعرض مجتمعاتهم الى خطر التفكك الاخلاقي والانحلال الاسري، وكان في مقدمة هؤلاء الدعاة بعض اعلام الفكر العالمي في القارة الاوروبية يومذاك، من امثال برنادشو في انكلترا وشبلنجر في المانيا وجورجيو في ابطاليا وجان جاك روسو في فرنسا.
ايستطيع احد ان ينكر ان الغرب بمدنيته المتطورة قد قدم للبشرية جمعاء خدمات جليلة لاحصر لها بعد ان استفاد هو بدوره من الحضارة الاسلامية ابان نهضته المجيدة. فمن خلال حوارالحضارات وتلاقحها الفكري يمكن ان نصنع حضارة عالمية ذات روح شرقية وجسد غربي.
ان منظومة الأخلاق المتميزة في اداب اهل البيت (ع) قد دفعت بالكثير من ادباء الشرق المسيحي النجباء للكتابة عنها بصورة وجدانية، امثال جورج جرداق في كتاب – الأمام علي صوت العدالة الأنسانية، وبولس سلامه في عيد الغدير، وعبد المسيح الأنطاكي في ملحمة الأمام علي، وسليمان كتاني في اخلاق وفضائل اهل البيت، وركس العزيزي في الأمام علي اسد الأسلام وقديسه.
لقد اقام هؤلاء المفكرين البارزين جسور التواصل الفكري بعد ان اكتشفوا في هذا الادب القيم الأخلاقية والمثل الروحية العليا التي فرضت نفسها عن طريق الحديث من القلب الى القلب لا عن طريق السيف والنار.
والحقيقة ان الفضائل الأخلاقية للمجتمع العربي لم تكتمل في شكلها النهائي الا بفضل القران، فمن ثنايا اياته سطعت نور الهداية بمعانيها حتى تأطرت في اطار حقوق الأنسان فيما بعد.
لقد كانت الحضارة الغربية لا تعرف شيئا عن حقوق الأنسان في ماضي الزمان الى ان جائت الثورة الفرنسية عام 1789... حيث وضع المفكر مانويل سبيس وثيقة حقوق الأنسان المستمدة من مفكري فرنسا العظام امثال جان جاك روسو وفولتير اللذان استفادا بدورهما من المخطوطات الأسلامية التي انتجتها الحضارة العربية في الأندلس قبل 500 عام.
اما في امريكا فقد قام توماس جيفرسون عام 1789 في ارساء هذه الحقوق وتطويرها والتي افرزت عن صدور الوثيقة العالمية لحقوق الأنسان الشهيرة، ومن هنا يمكن القول ان المنظومة الأخلاقية التي اعلنها الأسلام في القرن السابع الميلادي ظهرت في الغرب بعد قرون عديدة تحت مصطلح حقوق الانسان.
ان المبا دى السامية التي جاء بها الأسلام قد افضت روح العدالة الأجتماعية على البشر، فقد ساوى الأنسان الأبيض والأسود والأسمر والأصفروشملهم برعايته بينما نرى ان وثيقة حقوق الأنسان الفرنسي تخاطب بالدرجة الأولى الأنسان الفرنسي وكذلك بالنسبة لحقوق الأنسان الأمريكي التي تخاطب المواطن الأمريكي اولا.
يظهر الكاتب الأمريكي المعاصر مشيل هاملتون مورغان اعجابه البالغ بالمنظومة الأخلاقية لخليفة المسلمين على بن ابي طالب في قيادته الرشيدة لمجتمعه ويعتبرها نموذجا صالحا للأدارة الديموقراطية للحاكم العادل مسترشدا بالتعليمات الأدارية التي بعث بها الأمام علي الى مالك الأشتر حاكم ولاية مصر قائلا:
كن برا رحيما، لا تستغل نفوذك لخدمة مصالحك الشخصية، عليك ان تختار الصالحين من القضاة، وابعاد ما من شأنه ان يثير الرعب والخوف في قلوب الرعية، واعلم ان بيت المال هو حق الجميع ولا يجوز الأفراط به، واجعل رعايتك تشمل اليتامى والمساكين وابن السبيل وعليك ان تساوي بين الناس في الحقوق والواجبات رغم تفاوتهم في اللون واللغة والعنصر والعقيدة الدينية و ان المسلمين اخوان لك في الدين لكن عليك ان تعامل غير المسلمين بالرعاية والحسنى فهم متساوون في الحقوق والواجبات.
وفي هذا السياق يقول الكاتب المسيحي اللبناني الشهير جورج جورداق ذو الأطلاع الواسع في ثقافات العالم: لقد وجدت في شخصية علي بن ابي طالب علما شاملا ونبوغا ساحرا وبلاغة اسرة وخلقا نقيا ومثالا رائعا في قيادة الأمة، انه كان قويا في ايمانه ووداعته وعدله وزهده وتقواه، هذه هي الصفات الأخلاقية التي يتطلبها الحاكم العادل الكفوء في قيادة مجتمعه الذي يطمح الى الرقي والأزدهار.
وختاما بحدثنا الباحث العراقي هادي العلوي من العاصمة الصينية بيجين كيف ان الرئيس الصيني ما وسيتونغ استرشد باسلوب القيادة الحكيمة لخليفة المسلمين علي بن ابي طالب عام 673 م الذي اتسم باللين والرضا، طبقه على خصومه الكثر اثناء حرب التحرير عام 1947، كانت النتيجة ان كسبهم الى جانبه، فكانوا له عاملا مساعدا في نيل الانتصار ................والسلام