مہجہرد إنہسہآن
ادارة الموقع
وصلت لولو برفقة والديها المنطقة الريفية الجميلة القريبة من المدينة، فوجدتها قد لبست حلتها الخضراء الجميلة كعادتها في فصل الربيع، فراحت تركض فرحة وهي تلامس بساقيها الصغيرين العشب الأخضر الرطب، فتثير من حولها المئات من الحشرات الصغيرة الطائرة منها والنطاطة، والتي بدأت بالهروب تاركة الزهور البرية المتناثرة بينها، وقد شكلت بتموجاتها الداكنة لوحة متقنة مليئة بالألوان، تشبه تلك التي تغمس ريشتها الصغيرة بها عندما تحب أن ترسم على الأوراق البيضاء في حضانتها التي بدأت ترتادها منذ أول العام.
فجأة وقع نظرها على عينين كبيرتين تنظران إليها بدهشة واستغراب!!!.
اقتربت لولو منهما متفحصة بفضول... فهي لم تشاهد مثلهما من العيون ملقاة على إحدى الزهور دون رأس أو جسد من قبل !!!.
مدت إصبعها الصغير تحاول أن تتعرف عليهما باللمس أكثر، فانطبقتا على بعضيهما البعض لتصبحا عيناً واحدةً ؟.
قبضت لولو على تلك العين الغريبة المسطحة بإصبعيها الصغيرين.. فسمعت من يصيح بها
-( أي...أي... أنت تؤلمينني... اتركيني... اتركي جناحي !!!. )
استغربت لولو من ذلك الصوت!؟... وتركت العين الرقيقة لتتفاجأ بها اثنتين تصفقان وتطيران بعد أن تركتا آثاراً تشبه "البودرة" الناعمة على إصبعيها؟!.
صاحت لولو مستغربة:
-عيون تطير
ضحكت نبتة للورد قريبة منها وقالت:
-فراشة... تلك العيون اسمها فراشة، كانت ضيفتي تتناول من رحيق أزهاري فطورها، لقد أفزعتها... هربت منك ؟.
لولو مستغربة:
-ولكن لها عينان كبيرتان!؟.
نبتة الورد وهي تبتسم:
-إنها عيون وهمية مرسومة على جناحيها الرقيقين... تتخفى خلفهما حتى تخيف وتبعد عنها الطيور!.
سألتها لولو:
-تطعمينها لماذا؟.
نبتة الورد:
-إنها كغيرها من الفراشات تسدي لي خدمة جليلة!.
لولو:
-كيف؟.
نبتة الورد:
-تنقل ما لدي من غبار الطلع إلى زهرات أخريات لتختلط وتلقح... إنها وسيلتنا للملامسة والتزاوج، تشبه القبلات عندكم،... وهكذا وبعد كل قبلة، تنضج بذرة... تعطي إذا ما زرعت نبتة وزهرة جديدة.
لولو:
-وأنت ما اسمك ؟
نبتة الورد:
-أنا يسمونني الأقحوان، يأخذون مني الدواء والعطور والألوان.
أجابتها لولو وقد شاهدت حشرة ملونة تسعى على إحدى أوراقها:
-وهذه تطعمينها أيضاً، إنها صغيرة جداً تنزلق انزلاقا لا أرى لها أرجل؟.
الأقحوان:
-إنها خنفساء... تعرفينها من النقاط السود المبعثرة بانتظام على ظهرها الأملس الأحمر الذي يشبه الدرع، هي تأكل عندي أيضا ولكن من حشرات المن السوداء الصغيرة المتخفية تحت أوراقي.
لولو:
-ولكن البقع السوداء ولونها الأحمر لا يخيف كيف تتخفى عن أعدائها؟.
الأقحوان:
-أنها تنذرهم بلونها الصاخب لتقول لهم بأنها لا تصلح للأكل، فإن هاجمها عصفور ما انقلبت على ظهرها وتظاهرت بالموت حتى يذهب عنها الخطر!.
أمسكت لولو بإحدى الأوراق تقلبها فوجدت جيش من النمل يرسم خطاً طويلاً قادماً من الأرض نحو عش للمن فاستغربت من ذلك وقالت:
-والنمل أيضاً ؟.
الأقحوان:
-النمل يا صغيرتي لا أحبه أبداً هو يأتي ليحلب المن ويحمل ما يستخرجه من بطونها من عسل إلى العش ليطعم صغاره، وهو يحميها ويربيها تحت أوراقي، ولهذا فهو ليس من أصدقائي!.
لولو:
-هل تتألمين عندما يقضمون أوراقك؟.
ضحكت الأقحوان منها وقالت:
-نحن النباتات لا نتألم، ليس لنا جهاز عصبي مثلكم لنحس به ولا جهاز للهضم!... ولكن قد نصاب بالمرض أو نموت من الجوع أو العطش، أو بكل بساطة نختنق من قلة النفس.
استغربت لولو منها وقالت:
-تتنفسين وتأكلين وتشربين ؟ لا أرى فماً لك فكيف تفعلين؟.
قهقهت الأقحوان وقالت:
-أنا أتغذى وأشرب من التربة عن طريق جذور لي مدفونة فيها ؟
لولو:
-غريب فمك تحت التراب ؟
الأقحوان:
-لا،... أنا لا فم لي، أنا لي جذور تشبه القصبة الرفيعة التي تشربين العصير بها، وأطرح عن طريق أوراقي ما يزيد من الماء، ولهذا تجدينني غضة وطرية ونضرة وأزهاري جميلة تحوي كل الألوان، ومنها تعرف الإنسان عليها وأخذها ليخط بها ويرسم لوحاته بإتقان، ولون بها الشفاه والخدود لتصبح كل فتاة رقيقة مثلك أخاذة بالجمال، وصنع من أريجنا العطر ليفتن بها الروح ويقرب القلوب ويطهر الأبدان.
مدت لولو يدها الصغيرة تتفحص أوراقها الخضراء وزهورها الصفراء الجميلة، ثم قبضت عليها براحة كفها وهزتها برفق ثم قالت:
-لا تقولي بأنك تتنفسين كما تتكلمين معي وتتفصحين؟!.
أخذت نبتة الأقحوان تتمايل بدلال وهي تضحك وتقول:
-أنت تدغدغينني وعلى ما يبدو لم تصدقينني... ما رأيك إذا قلت لك بأنك بحياتك لي تدينين؟.
تفاجأت لولو بها وبغرورها بعد أن أطلقت سراحها وقالت:
-كيف ؟ ! بهذا أيضا تتدخلين ؟.
الأقحوان بفخر:
-لم لا فأنا التي أصنع الأوكسجين... وأنظف جو المدينة المقيت المليء بالمازوت والكربون، لأصنع به غذائي وأعطي بدلاً منه الهواء النظيف الذي تتنفسين.
لولو وقد شعرت بالغيرة:
-وإن قطفتك ولوالدتي هديتك فماذا تفعلين ؟.
الأقحوان بشيء من الزهو:
-تكوني قد أكملت عطائي وزينت المائدة بزهوري، فنحن نطعم ونفرح وفي كل يوم نعطي الآلاف منا دون أن نكل أو نمل أو نستكين.
وما إن همت لولو بقطاف الأقحوان حتى وجدت نفسها بين ذراعي والدها وهو يصيح بها:
-أين ذهبت تعالي لكي تتناولي فطورك، وهو يطبطب على ظهرها برفق:
-هيا... هيا.
سرت لولو وقد وجدت المائدة جاهزة تتوسطها كأس فيها ماء وبعض من أزهار الأقحوان فقالت وهي تمسك صحنها المزخرف:
-فراشة انظر بابا هذه فراشة، ثم أشارت إلى الناحية الثانية منه وقالت:
-خنفساء هذه خنفساء ماما أليس كذلك ؟ وتلك أزهار الأقحوان جميلة هي ورائحتها عطرة ويوجد منها العديد من الألوان.
تفاجأت والدة لولو بها وقد تعرفت على الرسوم وقالت:
-من علمك كل هذا ؟
نظرت لولو إلى أزهار الأقحوان فرأتها تبتسم وتشير إليها بأن تحفظ سرها... سر الحياة... سر الوجود... إذا كان لسرهم في قلبها من مكان، فرددت ببراءة:
-ماما هذه فراشة وهذه أقحوان.