زهر الياسمين
عضو جديد
الرؤية والمسافة والرؤيا
يلعب البعد الجغرافي دورا في الرؤية ووضوحها، وتعتبر المسافات عاملا لتحديد الأسماء والتسميات للأماكن والبلدان، فكلما اقتربنا من دمشق أصبح اسمها الشام، وكلما اقتربنا من القاهرة أصبح اسمها مصر، وكلما اقتربنا من المغرب العربي انحسرت مساحته وصغرت إلى ان تنفرد المملكة المغربية بالتسمية لوحدها لتستقل ليبيا وتونس والجزائر كل باسمه. يقول المتصوفة بأن الرؤية والوضوح يزدادان بتقلص العبارات وعجز الكلمات، ويقول الفرنسيون بأن الفرخ لا يعرف شكل البيضة حتى يخرج منها، وحينها يعرف الشكل البيضاوي ويدرك ما هو الشكل الدائري وغيره من الأشكال.
حين حشدت آلة الدمار العسكرية التي تم بناؤها أصلا للتصدي للاتحاد السوفيتي السابق من أجل تحرير الكويت، كانت المسألة واضحة كالشمس في رابعة النهار، ولكن المستهترين استهتروا، والمغفلين تغافلوا، وقالوا سوف تكون حربا طويلة لا تبقي ولا تذر، ونفخوا في الجيش العراقي، وقالوا عنه إنه رابع جيش في العالم، ولن تهزمه جيوش التحالف، بل تمادوا غباء وغفلة حين كرروا ببلادة أنها ستكون «أم المعارك» التي سينتصر فيها «الحق» على «الباطل» ثم سوف تسير جيوش القائد المنتصر الهمام إلى فلسطين لتحريرها كاملة غير منقوصة شبرا واحدا، وهزأوا بطائرات «الشبح»، وقالوا بأن رعاة الغنم سوف يكتشفونها، ولم يتساءل أحد عن فائدة اكتشافها من قبل راع للغنم لا حول له ولا قوة، وتبرأ الغباء والبلادة منهم، وكان ما كان من الدمار الذي حل بالكويت والعراق، وما هي إلا ساعات مائة خرج بعدها الجندي العراقي على شاشات التلفزيونات العالمية في صورة مهينة أثارت المرارة والأسى والحسرة معا وهو يقبل أقدام الجندي الأمريكي ليرأف به ويعتقه من القتل.
ويتكرر المشهد بنفس الدرجة من الشعور بالألم والحزن ونحن نشاهد شبابا عربا بعمر الورود، يسوقهم مجاهدو الأمس كالخراف نحو المذبح، ويقوم رفاق السلاح وقت الاحتلال السوفيتي لأفغانستان بإهانتهم وتعذيبهم وقتلهم، وتتجمع المرارة والغيض في الحلق على من غرر بأولئك الفتية ومن دفعهم وشحنهم ثم دفع بهم إلى الهاوية.
يحلم الملا عمر حلما يفسره بالقتال في قندهار حتى الموت، «اطلب الموت توهب لك الحياة» شعار عظيم شحن الهمم، وأرخص الأنفس لفتوحات عظيمة في أزمنة عظيمة، كانت الأسلحة متشابهة حينها، فمع خصمك مثلما معك: سيف ورمح وجنة ودابة، ولكن إذا كان عدوك في السماء على البي 52، فإنك إن طلبت الموت فسوف تحصل على الموت، وتتساءل عن المسافة بين الرؤيا والواقع، وتكتشف بالدماء والقتل والدمار والتدمير أن المسافة اختزلت التفسير وحجبت الرؤية، كان ذلك في بغداد ولا يزال، وتكرر المشهد في أفغانستان.
لقد أدى التباعد بين الحلم والواقع إلى انهيارات عسكرية وإنسانية ـ والأخطر ـ نفسية سوف تزيدنا إحباطا وشعورا بالقهر ورغبة عارمة على الانتحار، فلقد أدى هذا التباعد إلى ارتفاع صوت الفوضى، وبلغنا من اليأس أن عوّل بعضنا على من شرّد سدس شعبه كي يعيد الشعب الفلسطيني المظلوم إلى أرضه، وراهن بعضنا ـ يأسا ـ على من لا تتعدى رؤيته مدخل المغارة، وعلّق بعضنا أمله على ملالي الكهوف، وإرهابيي أفغانستان، فكانت النتيجة مثلما استقرأها المنطق والعقل قبل أن تستعر، دمارا وقتلا وتنكيلا وإحباطا وقهرا ومرارة.
هل يمكن أن تتضح الرؤية بعد أن تضع الحرب أوزارها؟ هل يمكن للمسافة بين الواقع والطموح أن تقترب؟ هل تعلمنا شيئا مما جرى ويجري في أفغانستان؟ والإجابة مطابقة تماما لما تعلمناه من درس العراق على مدى السنوات العشر الماضية؟!
حين حشدت آلة الدمار العسكرية التي تم بناؤها أصلا للتصدي للاتحاد السوفيتي السابق من أجل تحرير الكويت، كانت المسألة واضحة كالشمس في رابعة النهار، ولكن المستهترين استهتروا، والمغفلين تغافلوا، وقالوا سوف تكون حربا طويلة لا تبقي ولا تذر، ونفخوا في الجيش العراقي، وقالوا عنه إنه رابع جيش في العالم، ولن تهزمه جيوش التحالف، بل تمادوا غباء وغفلة حين كرروا ببلادة أنها ستكون «أم المعارك» التي سينتصر فيها «الحق» على «الباطل» ثم سوف تسير جيوش القائد المنتصر الهمام إلى فلسطين لتحريرها كاملة غير منقوصة شبرا واحدا، وهزأوا بطائرات «الشبح»، وقالوا بأن رعاة الغنم سوف يكتشفونها، ولم يتساءل أحد عن فائدة اكتشافها من قبل راع للغنم لا حول له ولا قوة، وتبرأ الغباء والبلادة منهم، وكان ما كان من الدمار الذي حل بالكويت والعراق، وما هي إلا ساعات مائة خرج بعدها الجندي العراقي على شاشات التلفزيونات العالمية في صورة مهينة أثارت المرارة والأسى والحسرة معا وهو يقبل أقدام الجندي الأمريكي ليرأف به ويعتقه من القتل.
ويتكرر المشهد بنفس الدرجة من الشعور بالألم والحزن ونحن نشاهد شبابا عربا بعمر الورود، يسوقهم مجاهدو الأمس كالخراف نحو المذبح، ويقوم رفاق السلاح وقت الاحتلال السوفيتي لأفغانستان بإهانتهم وتعذيبهم وقتلهم، وتتجمع المرارة والغيض في الحلق على من غرر بأولئك الفتية ومن دفعهم وشحنهم ثم دفع بهم إلى الهاوية.
يحلم الملا عمر حلما يفسره بالقتال في قندهار حتى الموت، «اطلب الموت توهب لك الحياة» شعار عظيم شحن الهمم، وأرخص الأنفس لفتوحات عظيمة في أزمنة عظيمة، كانت الأسلحة متشابهة حينها، فمع خصمك مثلما معك: سيف ورمح وجنة ودابة، ولكن إذا كان عدوك في السماء على البي 52، فإنك إن طلبت الموت فسوف تحصل على الموت، وتتساءل عن المسافة بين الرؤيا والواقع، وتكتشف بالدماء والقتل والدمار والتدمير أن المسافة اختزلت التفسير وحجبت الرؤية، كان ذلك في بغداد ولا يزال، وتكرر المشهد في أفغانستان.
لقد أدى التباعد بين الحلم والواقع إلى انهيارات عسكرية وإنسانية ـ والأخطر ـ نفسية سوف تزيدنا إحباطا وشعورا بالقهر ورغبة عارمة على الانتحار، فلقد أدى هذا التباعد إلى ارتفاع صوت الفوضى، وبلغنا من اليأس أن عوّل بعضنا على من شرّد سدس شعبه كي يعيد الشعب الفلسطيني المظلوم إلى أرضه، وراهن بعضنا ـ يأسا ـ على من لا تتعدى رؤيته مدخل المغارة، وعلّق بعضنا أمله على ملالي الكهوف، وإرهابيي أفغانستان، فكانت النتيجة مثلما استقرأها المنطق والعقل قبل أن تستعر، دمارا وقتلا وتنكيلا وإحباطا وقهرا ومرارة.
هل يمكن أن تتضح الرؤية بعد أن تضع الحرب أوزارها؟ هل يمكن للمسافة بين الواقع والطموح أن تقترب؟ هل تعلمنا شيئا مما جرى ويجري في أفغانستان؟ والإجابة مطابقة تماما لما تعلمناه من درس العراق على مدى السنوات العشر الماضية؟!