دمعهـ شوووقــ
عضو جديد
إبداء الرأي في قضية تلوث المياه في بلدة المنشية في محافظة المفرق من المفروض أن يعتمد على نتائج علمية لتحديد أسباب المشكلة فنيا ، ولكن تقرير لجنة التحقيق غير متوفر حتى وقت كتابة هذه المقالة ، وليس هناك مبررا لهذا التأخير إلا إذا كانت هناك فحوص بعينها تحتاج إلى زراعة عينات لأكثر من 7 ايام وهذا في خبرتي المتواضعة كحامل لشهادة الماجستير في علم البيئة ليس من ضمن التحاليل التي تتم حاليا. ولكن يمكن للحكومة أن تثبت الشفافية والثقة من خلال توزيعها للنسخة الكاملة لتقرير لجنة التحقيق بكل ما فيه من تفاصيل فنية على الصحف لنشره بالكامل . مشكلة تلوث المياه في المنشية هي مشكلة فنية ، ولكن المسؤولية المتعلقة بها هي مسؤولية سياسية بامتياز لأن المشكلة الفنية تسببت بإصابة حوالي 800 مواطن أردني بالتسمم والمرض إضافة إلى حالة الذعر من الاعتماد على المياه في المنطقة والساعات والأيام الضائعة من المرض والقلق والإنتظار في المستشفيات والمراكز الصحية إضافة إلى تكاليف العلاج وتكاليف شراء المياه من الصهاريج وهذه كلها تكلفة مادية ونفسية كبيرة على المواطنين في المنطقة.
كان تركيز معظم كتاب المقالات خلال الأيام القليلة الماضية على مسؤولية وزير المياه عن التلوث والمطالبة باستقالته. من المعروف أن الوزير يبقى مسؤولا أخلاقيا عن أي خلل في أداء وزارته وليس بالضرورة مسؤولا فنيا عن أداء آلاف الموظفين في مقر الوزارة والفروع في المحافظات ، ولكن من المهم أن يتم تحديد المصدر الحقيقي لهذه المشكلة قبل تراشق الاتهامات ، والأهم من ذلك ضمان عدم تكرار هذه الحالة.
نحن أمام ظاهرة معقدة وتتدخل فيها صلاحيات وزارة المياه والصحة ، ولكن من جهة أخرى فهي ظاهرة من المفترض أنها أكثر وضوحا وتتعلق بمسؤولية تزويد المياه النظيفة للمواطنين عبر شبكة المياه.
ما توصلت إليه الفحوصات المخبرية الأولية هي أن أحد الطفيليات المعروف بإسم "كربتو سبوريديوم" هو المسؤول عن حالات الإسهال وأن كانت المعلومات متضاربة عن موقع هذا الطفيلي حيث ليس من المعروف فيما إذا كان موجودا في خزان المياه الرئيسي أو في الشبكات الناقلة أو كليهما.
موقع تواجد الطفيلي مهم جدا ومن المفترض أن يظهره تقرير لجنة التحقيق ولكن الأهم من ذلك تعقب مصدر هذا الطفيلي المقاوم للكلور والذي ظهر في عدة حالات مرضية حتى في دول صناعية مثل الولايات المتحدة وكندا وفرنسا خلال السنوات الماضية. هذا الطفيلي يعيش في داخل الكائنات الحية وهو من الأمراض المنتقلة بين الإنسان والحيوان وينتقل عن طريق البراز مباشرة أو من خلال مياه الصرف الصحي. هذه المعلومة العلمية تعطي مؤشرا على أن هذا الطفيلي دخل إلى نظام شبكة المياه والخزانات إما من خلال تسرب مياه عادمة إلى شبكة المياه المهترئة منذ وقت طويل ، أو من خلال تلوث المياه ببراز المواشي التي تشرب من الأنابيب المكسورة (بفعل متعمد أو غير متعمد) أو من خلال اختلاط مياه الشرب مع مياه الصرف الصحي في واقع تواجد الحفر الإمتصاصية ، ومن المفترض أن تحدد طبيعة تواجد عينات الطفيلي في المياه والعلاقة بينها مسار الحركة والمصدر الرئيسي للتلوث وهذا ما يجب أن يظهر أيضا في تقرير لجنة التحقيق.
المسؤولية الفنية لنوعية المياه هي مشتركة بين وزارتي الصحة والمياه. تقول المادة 39 من قانون الصحة العامة لعام 2002 ما يلي: "تتولى الــوزارة (الصحة) ، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وبمقتضى تشريعاتها الخاصة ، مراقبة مياه الشرب ايا كان مصدرها ، للتأكد من صلاحيتها من الناحية الصحية واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع استعمال أي مياه غير صالحة للشرب بما في ذلك اخذ عينات منها وفحصها لدى مختبراتها او أي مختبرات اخرى معتمدة لديها".
أما المادة 41 - أ فتضع على وزارة الصحة مسؤولية "مراقبة مياه الشرب وشبكاتها للتأكد من عدم تعرضها للتلوث".
في هذه النصوص التشريعية تقع المسؤولية مباشرة على وزارة الصحة وهذا غريب إذ أن مسؤولية نوعية مياه الشرب من المفترض أن تقع على عاتق وزارة المياه. حسب قانون سلطة المياه وفي المادة 6 تقع على وزارة المياه مسؤولية : "وضع الشروط والمواصفات والمتطلبات الخاصة بحفظ المياه و الأحواض المائية وحمايتها من التلوث وتوفير السلامة للمنشآت ومشاريع المياه والمجاري وشبكات التوزيع والتصريف العامة والخاصة والقيام بأعمال الرقابة عليها والإشراف على الفحوصات اللازمة لذلك". وهذا يعني أن الوزارة مسؤولة عن صيانة منشآت البنية التحتية لمياه الشرب وكذلك الإشراف على الفحوصات المتعلقة بنوعية المياه ، وهذا نص لا يبدو واضحا مقارنة بنص قانون الصحة العامة.
ولكن وزارة المياه تتحمل بالفعل مسؤولية نوعية مياه الشرب في محطات وخزانات التوزيع وهي اسهل للسيطرة عليها أما وزارة الصحة فقد تحملت ، أو بالأحرى حملت نفسها المسؤولية الصعبة في مراقبة نوعية كل سنتمتر من شبكات وأنابيب مياه الشرب والخزانات المنزلية للتأكد من صلاحياتها ، وهذه عملية في منتهى الصعوبة ولكن الحالة تمثل نموذجا لما يحدث عند تنازع الصلاحيات ومن ثم التراجع عن المسؤوليات في وقت المشاكل.
بغض النظر عن تحديد المسؤولية فإن المهم الآن هو العمل على عدم تكرار هذه الحالة وذلك من خلال توفير الإستثمارات اللازمة لتحسين نوعية وصيانة شبكات مياه الشرب في كل المحافظات الأردنية. أن هذه المهمة بدأت بالفعل منذ 5 سنوات تقريبا وهناك عشرات الملايين من الدنانير مخصصة لصيانة شبكات المياه ولكن من الواضح أن هناك حاجة إلى المزيد من المخصصات المالية والسرعة في التنفيذ.
التغطية الإعلامية لحادثة التلوث في المنشية أثبتت أن هناك مطالبات منذ أربع سنوات بصيانة خطوط المياه في المنشية ولكن لم تستجب وزارة المياه لأسباب عدة لعل منها عدم وجود مخصصات أو وجود ترتيب متأخر لمنطقة المنشية في عملية الصيانة التي تحدث في مناطق أخرى في الأردن ، وفي هذه الحالة ربما كان من الواجب الإستجابة الفورية لملاحظات ميدانية واضحة حول اهتراء الخط في المنشية بدلا من إنتظار توفر المخصصات لأن البراعة في الإدارة تتضمن عادة القدرة على توقع المشاكل واستكشاف مواقع الخطر المحتملة من خلال الملاحظات الميدانية. هناك الكثير من الدروس المستفادة من هذه القضية والمعاناة التي مر بها سكان المنشية يجب أن تكون دافعا لإعادة النظر بكل معايير إدارة مياه الشرب وصيانتها في المحافظات وحماية هذه الأنابيب والآبار من التلوث والعبث وكل المصادر المختلفة التي ساهمت معا في حدوث هذا التلوث لأن الاستجابة والمسؤولية السياسية تتضمن الاستقالة الأخلاقية التي تستحق الاحترام ولكن ايضا تتضمن وضع سياسات صارمة لمراقبة نوعية المياه ومنع اي عبث بالبنية التحتية وتنسيق الصلاحيات بين الوزارات وذلك حرصا على المصلحة العامة وعدم تعريض المواطنين للخطر بسبب التردد في اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب.
كان تركيز معظم كتاب المقالات خلال الأيام القليلة الماضية على مسؤولية وزير المياه عن التلوث والمطالبة باستقالته. من المعروف أن الوزير يبقى مسؤولا أخلاقيا عن أي خلل في أداء وزارته وليس بالضرورة مسؤولا فنيا عن أداء آلاف الموظفين في مقر الوزارة والفروع في المحافظات ، ولكن من المهم أن يتم تحديد المصدر الحقيقي لهذه المشكلة قبل تراشق الاتهامات ، والأهم من ذلك ضمان عدم تكرار هذه الحالة.
نحن أمام ظاهرة معقدة وتتدخل فيها صلاحيات وزارة المياه والصحة ، ولكن من جهة أخرى فهي ظاهرة من المفترض أنها أكثر وضوحا وتتعلق بمسؤولية تزويد المياه النظيفة للمواطنين عبر شبكة المياه.
ما توصلت إليه الفحوصات المخبرية الأولية هي أن أحد الطفيليات المعروف بإسم "كربتو سبوريديوم" هو المسؤول عن حالات الإسهال وأن كانت المعلومات متضاربة عن موقع هذا الطفيلي حيث ليس من المعروف فيما إذا كان موجودا في خزان المياه الرئيسي أو في الشبكات الناقلة أو كليهما.
موقع تواجد الطفيلي مهم جدا ومن المفترض أن يظهره تقرير لجنة التحقيق ولكن الأهم من ذلك تعقب مصدر هذا الطفيلي المقاوم للكلور والذي ظهر في عدة حالات مرضية حتى في دول صناعية مثل الولايات المتحدة وكندا وفرنسا خلال السنوات الماضية. هذا الطفيلي يعيش في داخل الكائنات الحية وهو من الأمراض المنتقلة بين الإنسان والحيوان وينتقل عن طريق البراز مباشرة أو من خلال مياه الصرف الصحي. هذه المعلومة العلمية تعطي مؤشرا على أن هذا الطفيلي دخل إلى نظام شبكة المياه والخزانات إما من خلال تسرب مياه عادمة إلى شبكة المياه المهترئة منذ وقت طويل ، أو من خلال تلوث المياه ببراز المواشي التي تشرب من الأنابيب المكسورة (بفعل متعمد أو غير متعمد) أو من خلال اختلاط مياه الشرب مع مياه الصرف الصحي في واقع تواجد الحفر الإمتصاصية ، ومن المفترض أن تحدد طبيعة تواجد عينات الطفيلي في المياه والعلاقة بينها مسار الحركة والمصدر الرئيسي للتلوث وهذا ما يجب أن يظهر أيضا في تقرير لجنة التحقيق.
المسؤولية الفنية لنوعية المياه هي مشتركة بين وزارتي الصحة والمياه. تقول المادة 39 من قانون الصحة العامة لعام 2002 ما يلي: "تتولى الــوزارة (الصحة) ، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وبمقتضى تشريعاتها الخاصة ، مراقبة مياه الشرب ايا كان مصدرها ، للتأكد من صلاحيتها من الناحية الصحية واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع استعمال أي مياه غير صالحة للشرب بما في ذلك اخذ عينات منها وفحصها لدى مختبراتها او أي مختبرات اخرى معتمدة لديها".
أما المادة 41 - أ فتضع على وزارة الصحة مسؤولية "مراقبة مياه الشرب وشبكاتها للتأكد من عدم تعرضها للتلوث".
في هذه النصوص التشريعية تقع المسؤولية مباشرة على وزارة الصحة وهذا غريب إذ أن مسؤولية نوعية مياه الشرب من المفترض أن تقع على عاتق وزارة المياه. حسب قانون سلطة المياه وفي المادة 6 تقع على وزارة المياه مسؤولية : "وضع الشروط والمواصفات والمتطلبات الخاصة بحفظ المياه و الأحواض المائية وحمايتها من التلوث وتوفير السلامة للمنشآت ومشاريع المياه والمجاري وشبكات التوزيع والتصريف العامة والخاصة والقيام بأعمال الرقابة عليها والإشراف على الفحوصات اللازمة لذلك". وهذا يعني أن الوزارة مسؤولة عن صيانة منشآت البنية التحتية لمياه الشرب وكذلك الإشراف على الفحوصات المتعلقة بنوعية المياه ، وهذا نص لا يبدو واضحا مقارنة بنص قانون الصحة العامة.
ولكن وزارة المياه تتحمل بالفعل مسؤولية نوعية مياه الشرب في محطات وخزانات التوزيع وهي اسهل للسيطرة عليها أما وزارة الصحة فقد تحملت ، أو بالأحرى حملت نفسها المسؤولية الصعبة في مراقبة نوعية كل سنتمتر من شبكات وأنابيب مياه الشرب والخزانات المنزلية للتأكد من صلاحياتها ، وهذه عملية في منتهى الصعوبة ولكن الحالة تمثل نموذجا لما يحدث عند تنازع الصلاحيات ومن ثم التراجع عن المسؤوليات في وقت المشاكل.
بغض النظر عن تحديد المسؤولية فإن المهم الآن هو العمل على عدم تكرار هذه الحالة وذلك من خلال توفير الإستثمارات اللازمة لتحسين نوعية وصيانة شبكات مياه الشرب في كل المحافظات الأردنية. أن هذه المهمة بدأت بالفعل منذ 5 سنوات تقريبا وهناك عشرات الملايين من الدنانير مخصصة لصيانة شبكات المياه ولكن من الواضح أن هناك حاجة إلى المزيد من المخصصات المالية والسرعة في التنفيذ.
التغطية الإعلامية لحادثة التلوث في المنشية أثبتت أن هناك مطالبات منذ أربع سنوات بصيانة خطوط المياه في المنشية ولكن لم تستجب وزارة المياه لأسباب عدة لعل منها عدم وجود مخصصات أو وجود ترتيب متأخر لمنطقة المنشية في عملية الصيانة التي تحدث في مناطق أخرى في الأردن ، وفي هذه الحالة ربما كان من الواجب الإستجابة الفورية لملاحظات ميدانية واضحة حول اهتراء الخط في المنشية بدلا من إنتظار توفر المخصصات لأن البراعة في الإدارة تتضمن عادة القدرة على توقع المشاكل واستكشاف مواقع الخطر المحتملة من خلال الملاحظات الميدانية. هناك الكثير من الدروس المستفادة من هذه القضية والمعاناة التي مر بها سكان المنشية يجب أن تكون دافعا لإعادة النظر بكل معايير إدارة مياه الشرب وصيانتها في المحافظات وحماية هذه الأنابيب والآبار من التلوث والعبث وكل المصادر المختلفة التي ساهمت معا في حدوث هذا التلوث لأن الاستجابة والمسؤولية السياسية تتضمن الاستقالة الأخلاقية التي تستحق الاحترام ولكن ايضا تتضمن وضع سياسات صارمة لمراقبة نوعية المياه ومنع اي عبث بالبنية التحتية وتنسيق الصلاحيات بين الوزارات وذلك حرصا على المصلحة العامة وعدم تعريض المواطنين للخطر بسبب التردد في اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب.
