علمتني الحياة
عضو نشيط
استحباب صيام ستة أيام من شوال ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
ما إن انتهى موسم رمضان إلا وابتدأ موسم أشهر الحج وموطن صيام ستة أيام من شوال، واستحباب صيام ستة أيام من شوال ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" وأخرجه أبو داود (2425) والترمذي (759) وحسنه وصححه ابن حبان (3634) وابن خزيمة (2114).
قال ابن الملقن في البدر المنير 5/752: "هذا الحديث صحيح حفيل جليل.. وقد روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد تسعة وعشرون رجلا أكثرهم ثقات حفاظ إثبات، وقد ذكرت كل ذلك عنهم موضحا في تخريجي لأحاديث المهذب مع الجواب عمن طعن في سعد بن سعيد وأنه لم ينفرد به وتوبع عليه وذكرت له ثمانية شواهد".
ومشروعية صيام ستة أيام من شوال ورد فيها أحاديث أخرى غير حديث أبي أيوب منها حديث جابر أخرجه أحمد 3/308 والبيهقي 4/292 وحديث ثوبان أخرجه ابن ماجة (1715) وابن حبان (3635) وابن خزيمة (2115) والنسائي في الكبرى (2860) والطبراني (1451). وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في الأوسط (8622).
وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 3/183 حديث أبي هريرة أخرجه البزار والطبراني وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الأوسط وحديث غنام أخرجه الطبراني.
وادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمها ادعاء يحتاج إلى دليل لكثرة صيامه النفل فقد كان يواصل الصوم حتى يقال لا يفطر أخرجه البخاري (1868) ومسلم (1156) وعلى فرض عدم صوم النبي صلى الله عليه وسلم لها لا يدل ذلك على عدم مشروعيتها لأن السنة القولية حجة شرعية، ولذلك يشرع صوم يوم وإفطار يوم مع عدم ثبوت فعل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذلك أفضل الصيام كما أخرجه البخاري (1079) ومسلم (1159) ومخالفة بعض الأئمة الحديث لعذر كعدم بلوغ الحديث لهم لا يسوغ لنا ترك الحديث، فإن العبرة بالأدلة الشرعية لا بالأقوال المجردة للأئمة، ولذلك وجدنا من أتباع الإمام مالك من لا يوافقه في هذه المسألة ويعتذر عن الإمام بعدم بلوغ النص له.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان 7/361 : "ولا شك أن مذهب مالك المدون فيه فروع تخالف بعض نصوص الوحي، والظاهر أن بعضها لم يبلغه رحمه الله ولو بلغه لعمل به، وأن بعضها بلغه وترك العمل به لشيء آخر يعتقده دليلا أقوى منه، ومن أمثلة ما لم يبلغه النص فيه: صيام ست من شوال بعد صوم رمضان قال رحمه الله في الموطأ ما نصه: "إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف"، وفيه تصريح مالك بأنه لم يبلغه صيام ستة من شوال عن أحد من السلف، وهو صريح في أنه لم يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه لو بلغه الترغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان يصومها ويأمر بصومها فضلا عن أن يقول بكراهتها".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار 3/380: "لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب.. ولو علمه لقال به"، وقال: "وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله، لأن الصوم جنة وفضله معلوم لمن رد طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، وهو عمل بر وخير، وقد قال الله عز وجل "وافعلوا الخير" ومالك لا يجهل شيئا من هذا ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافا إلى رمضان". وقال القرطبي المالكي في التفسير 2/331: "يستحب له أن يصوم من شوال ستة أيام".
وأما النهي عن صوم ست شوال خشية اختلاطها برمضان، فهذا تعليل فاسد الاعتبار لمخالفته الخبر، والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم منا بالشرع، فلا نترك قوله لمثل هذه التوهمات. قال الشنقيطي 7/362: "لكنه صلى الله عليه وسلم ألغى المحذور المذكور وأهدره لعلمه بأن شهر رمضان أشهر من أن يلتبس بشيء من شوال كما أن النوافل المرغب فيها قبل الصلوات المكتوبة وبعدها لم يكرهها أحد من أهل العلم خشية أن يلحقها الجهلة بالمكتوبات لشهرة المكتوبات الخمس وعدم التباسها بغيرها، وعلى كل حال فإنه ليس لإمام من الأئمة أن يقول هذا الأمر الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكروهاً لخشية أن يظنه الجهال من جنس الواجب، وصيام الستة المذكورة وترغيب النبي صلى الله عليه وسلم ثابت عنه، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" والطعن في هذا الحديث بأنه من رواية سعد بن سعيد لا يصح، لأن جماعة من أهل العلم وثقوه ثم قد وافقه جماعة من الرواة كصفوان بن سليم كما عند النسائي في الكبرى (2863) وكشعبة كما أشار إليه الترمذي (759) وكزيد بن أسلم عند الطحاوي في شرح المشكل 6/122 وكيحيى بن سعيد عنده أيضاً وعند أبي عوانة (2701) والطبراني (3914)، قال النووي في شرح مسلم 8/56: "إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم يوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب".
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء ذات الرقم (4763)، "ثبت عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر" رواه أحمد ومسلم وأبوداود والترمذي، فهذا حديث صحيح يدل على أن صيام ستة أيام من شوال سنة، وقد عمل به الشافعي وأحمد وجماعة من أئمة العلم، ولا يصح أن يقابل هذا الحديث بما يعلل به بعض العلماء لكراهة صومها من خشية أن يعتقد الجاهل أنها من رمضان أو خوف أن يظن وجوبها أو بأنه لم يبلغه عن أحد ممن سبقه من أهل العلم أنه كان يصومها، فإنه من الظنون وهي لا تقاوم السنة الصحيحة ومن علم حجة على من لم يعلم".
وسبب إطالتي في الحديث عن هذا الموضوع هو مقال صحفي نشر يوم الأربعاء 28 رمضان في "الوطن" في صفحة نقاشات، ادعى فيه الكاتب أن "صيام الستة أيام من شوال أقرب إلى البدعة منه إلى السنة" بل وتجاوز ذلك إلى القول ببدعة صلاة التهجد جماعة في المسجد وهذه طامة أكبر من الأولى وذلك أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان بآخر الليل وصلى معه رجال، ثم ترك هذه الصلاة خشية أن تفرض على أمته، فلما زال هذا المعنى رجعت مشروعية أداء صلاة التهجد في رمضان إلى مشروعيتها، فقد روى البخاري (5762) ومسلم (781) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاة ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم فخرج إليهم، وقال: مازال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم.
وأخرج أبوداود (1375) وابن خزيمة (2206) وابن حبان (2547) وابن ماجة (1327) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ليالي من الشهر قال ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاثة من الشهر فقام بنا في الثالثة وجمع أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح، قلت وما الفلاح؟ قال السحور، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم".
ومن العجب أن يدعي الكاتب أن أول من فعل ذلك هو الشيخ عبدالله الخليفي مع ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم واستمر العمل عليه منذ الزمان الأول.
ففي مصنف عبدالرزاق (7730) أن عمر جمع الناس على الصلاة فكانوا ينصرفون عند فروع الفجر وفيه (7733) قال السائب بن يزيد: كنا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر. وأخرج مالك في الموطأ (251) عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر.
وأخرج مالك عن عبدالله بن أبي بكر قال سمعت أبي يقول كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور. وأخرج ابن أبي شيبة (7711) عن الحكم قال: كانوا ينامون نومة قبل القيام في شهر رمضان.
واسأل الله أن يتقبل من الجميع الصيام والقيام وأن يعيننا على الاستمرار بالعمل الصالح بعد رمضان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الشيخ سعد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري
عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة الإفتاء
ما إن انتهى موسم رمضان إلا وابتدأ موسم أشهر الحج وموطن صيام ستة أيام من شوال، واستحباب صيام ستة أيام من شوال ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" وأخرجه أبو داود (2425) والترمذي (759) وحسنه وصححه ابن حبان (3634) وابن خزيمة (2114).
قال ابن الملقن في البدر المنير 5/752: "هذا الحديث صحيح حفيل جليل.. وقد روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد تسعة وعشرون رجلا أكثرهم ثقات حفاظ إثبات، وقد ذكرت كل ذلك عنهم موضحا في تخريجي لأحاديث المهذب مع الجواب عمن طعن في سعد بن سعيد وأنه لم ينفرد به وتوبع عليه وذكرت له ثمانية شواهد".
ومشروعية صيام ستة أيام من شوال ورد فيها أحاديث أخرى غير حديث أبي أيوب منها حديث جابر أخرجه أحمد 3/308 والبيهقي 4/292 وحديث ثوبان أخرجه ابن ماجة (1715) وابن حبان (3635) وابن خزيمة (2115) والنسائي في الكبرى (2860) والطبراني (1451). وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في الأوسط (8622).
وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 3/183 حديث أبي هريرة أخرجه البزار والطبراني وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الأوسط وحديث غنام أخرجه الطبراني.
وادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمها ادعاء يحتاج إلى دليل لكثرة صيامه النفل فقد كان يواصل الصوم حتى يقال لا يفطر أخرجه البخاري (1868) ومسلم (1156) وعلى فرض عدم صوم النبي صلى الله عليه وسلم لها لا يدل ذلك على عدم مشروعيتها لأن السنة القولية حجة شرعية، ولذلك يشرع صوم يوم وإفطار يوم مع عدم ثبوت فعل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذلك أفضل الصيام كما أخرجه البخاري (1079) ومسلم (1159) ومخالفة بعض الأئمة الحديث لعذر كعدم بلوغ الحديث لهم لا يسوغ لنا ترك الحديث، فإن العبرة بالأدلة الشرعية لا بالأقوال المجردة للأئمة، ولذلك وجدنا من أتباع الإمام مالك من لا يوافقه في هذه المسألة ويعتذر عن الإمام بعدم بلوغ النص له.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان 7/361 : "ولا شك أن مذهب مالك المدون فيه فروع تخالف بعض نصوص الوحي، والظاهر أن بعضها لم يبلغه رحمه الله ولو بلغه لعمل به، وأن بعضها بلغه وترك العمل به لشيء آخر يعتقده دليلا أقوى منه، ومن أمثلة ما لم يبلغه النص فيه: صيام ست من شوال بعد صوم رمضان قال رحمه الله في الموطأ ما نصه: "إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف"، وفيه تصريح مالك بأنه لم يبلغه صيام ستة من شوال عن أحد من السلف، وهو صريح في أنه لم يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه لو بلغه الترغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان يصومها ويأمر بصومها فضلا عن أن يقول بكراهتها".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار 3/380: "لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب.. ولو علمه لقال به"، وقال: "وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله، لأن الصوم جنة وفضله معلوم لمن رد طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، وهو عمل بر وخير، وقد قال الله عز وجل "وافعلوا الخير" ومالك لا يجهل شيئا من هذا ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافا إلى رمضان". وقال القرطبي المالكي في التفسير 2/331: "يستحب له أن يصوم من شوال ستة أيام".
وأما النهي عن صوم ست شوال خشية اختلاطها برمضان، فهذا تعليل فاسد الاعتبار لمخالفته الخبر، والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم منا بالشرع، فلا نترك قوله لمثل هذه التوهمات. قال الشنقيطي 7/362: "لكنه صلى الله عليه وسلم ألغى المحذور المذكور وأهدره لعلمه بأن شهر رمضان أشهر من أن يلتبس بشيء من شوال كما أن النوافل المرغب فيها قبل الصلوات المكتوبة وبعدها لم يكرهها أحد من أهل العلم خشية أن يلحقها الجهلة بالمكتوبات لشهرة المكتوبات الخمس وعدم التباسها بغيرها، وعلى كل حال فإنه ليس لإمام من الأئمة أن يقول هذا الأمر الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكروهاً لخشية أن يظنه الجهال من جنس الواجب، وصيام الستة المذكورة وترغيب النبي صلى الله عليه وسلم ثابت عنه، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" والطعن في هذا الحديث بأنه من رواية سعد بن سعيد لا يصح، لأن جماعة من أهل العلم وثقوه ثم قد وافقه جماعة من الرواة كصفوان بن سليم كما عند النسائي في الكبرى (2863) وكشعبة كما أشار إليه الترمذي (759) وكزيد بن أسلم عند الطحاوي في شرح المشكل 6/122 وكيحيى بن سعيد عنده أيضاً وعند أبي عوانة (2701) والطبراني (3914)، قال النووي في شرح مسلم 8/56: "إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم يوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب".
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء ذات الرقم (4763)، "ثبت عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر" رواه أحمد ومسلم وأبوداود والترمذي، فهذا حديث صحيح يدل على أن صيام ستة أيام من شوال سنة، وقد عمل به الشافعي وأحمد وجماعة من أئمة العلم، ولا يصح أن يقابل هذا الحديث بما يعلل به بعض العلماء لكراهة صومها من خشية أن يعتقد الجاهل أنها من رمضان أو خوف أن يظن وجوبها أو بأنه لم يبلغه عن أحد ممن سبقه من أهل العلم أنه كان يصومها، فإنه من الظنون وهي لا تقاوم السنة الصحيحة ومن علم حجة على من لم يعلم".
وسبب إطالتي في الحديث عن هذا الموضوع هو مقال صحفي نشر يوم الأربعاء 28 رمضان في "الوطن" في صفحة نقاشات، ادعى فيه الكاتب أن "صيام الستة أيام من شوال أقرب إلى البدعة منه إلى السنة" بل وتجاوز ذلك إلى القول ببدعة صلاة التهجد جماعة في المسجد وهذه طامة أكبر من الأولى وذلك أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان بآخر الليل وصلى معه رجال، ثم ترك هذه الصلاة خشية أن تفرض على أمته، فلما زال هذا المعنى رجعت مشروعية أداء صلاة التهجد في رمضان إلى مشروعيتها، فقد روى البخاري (5762) ومسلم (781) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاة ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم فخرج إليهم، وقال: مازال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم.
وأخرج أبوداود (1375) وابن خزيمة (2206) وابن حبان (2547) وابن ماجة (1327) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ليالي من الشهر قال ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاثة من الشهر فقام بنا في الثالثة وجمع أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح، قلت وما الفلاح؟ قال السحور، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم".
ومن العجب أن يدعي الكاتب أن أول من فعل ذلك هو الشيخ عبدالله الخليفي مع ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم واستمر العمل عليه منذ الزمان الأول.
ففي مصنف عبدالرزاق (7730) أن عمر جمع الناس على الصلاة فكانوا ينصرفون عند فروع الفجر وفيه (7733) قال السائب بن يزيد: كنا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر. وأخرج مالك في الموطأ (251) عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر.
وأخرج مالك عن عبدالله بن أبي بكر قال سمعت أبي يقول كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور. وأخرج ابن أبي شيبة (7711) عن الحكم قال: كانوا ينامون نومة قبل القيام في شهر رمضان.
واسأل الله أن يتقبل من الجميع الصيام والقيام وأن يعيننا على الاستمرار بالعمل الصالح بعد رمضان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الشيخ سعد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري
عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة الإفتاء