سلطي وافتخر
عضو جديد
رسالة من مقبور
بقلم الأخ / خالد الشافعى بارك الله فيه
إخوانى الأحياء ، أنا : عبدالله ، ولو أن إسمى لا يهم ولا لونى ولا كونى كنت غنياً أوفقيراً ، وزيراً أو غفيراً ، صغيراً أو كبيراً - لا - فى الحقيقة هذه النقطة مهمة جداً لأنها ربما كانت الثغرة القاتلة التى أوتيت منها .
نعم ، كنت شاباً فى العشرينات أعيش حياتى بلا حسابات ، لا أخشى شيئاً ، ولم لا وأنا فى ريعان الشباب لا أعانى مرضاً ولا أشكو ألماً ، غرنى شبابى ، ورغم أننى أعرف كثيراً من الشباب الذين كانوا مثلى وماتوا فجأة إلا أننى لم أتوقف طويلاً لأننى لم أكن أتصور أننى التالى أو لنقل أننى لم أكن أحب أن أتصور ذلك ، لأن ذلك معناه أن أترك ما أنا فيه من ملذات .
حادثة واحدة أثرت فى أكثر من غيرها حين مات صديقى عبد الرحمن نتيجة جرعة زائدة من المخدر وجعلت أتخيل ونحن نضعه فى القبر ونغلق عليه ماذا سيفعل يدون محموله ولا مشغل الأقراص الخاص به وبدون الفتيات اللاتى يواعدهن وبدون السيجارة التى لا تفارقه ؟؟؟؟ ولكننى سرعان ما خرجت من هذا الشعور الذى أصابنى.
المهم أنا أكتب لكم بمناسبة رمضان - وما أدراكم ما رمضان - ولكن رمضان عندكم غير رمضان عندنا، رمضان بالخارج أنوار وزينات وصخب لكننا هنا لم نشاهد نوراً منذ جئنا ولم نسمع إلا صوت الأفاعى والمعذبين .
أكتب إليكم بمناسة رمضان وما أدراكم ما رمضان ، بالله لو تعرفون ما رمضان مافرطتم فى جنبه ، ولا ضيعتم ثانية واحدة منه فى غير طاعة.
كلما أتذكر أننى فى رمضان الماضى كنت فى الدنيا أمشى وأتحرك وأفرح وأمرح وللأسف أشرب الدخان وأواعد الفتيات أكاد أموت – مع أننى ميت بالفعل - كلما أتذكر مافعلته فى رمضان الماضى من لهو ولعب وتفاهة وجلسات على الإنترنت وشيشة مع الشلة حتى الصباح ، ومسلسلات وغناء - ياليتنى لم أتخذ فلانا خليلاً ، يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله، ياليتنى قدمت لحياتى .
كلما أتذكر هؤلاء الشباب فى المسجد المجاور بوجوه تتفجر نوراً ، كيف كنت أسخر منهم .أتذكر أحدهم يدعونى : يا عبدالله ، تعالى هذه فرصة عمرك لتتقرب إلى ربك تعالى فلن تندم .
يالله إن كلمة ندم أقل بكثير مما أنا فيه الآن . كلما تذكرت خطبة الجمعة التى سبقت رمضان سمعتها ، وأنا فى الفراش لا أستطيع القيام لأننى دخلت إلى الفراش فى التاسعة صباحاً ، أكاد أسمع الخطيب الآن وهو يقول أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ويل لمن أدرك رمضان فلم يغفر له . أكاد أسمعه وهو يقول : ربما كان رمضان هو آخر فرصة للتوبة ، وآخر فرصة لتولد من جديد ، وآخر فرصة لتصبح شخصاً آخر ، عبداً آخر .
نعم لقد كانت آخر فرصة ، كانت آخر فرصة ولكنى لم أنتبه ، كانت آخر فرصة ولكنى لم أتحرك ، كانت آخر فرصة لأودع موسيقى تافهة ، ومسلسلات بالغة الإنحطاط ، وصحبة لم أجن من ورائها إلا التعاسة ، ياااه وأى تعاسة وأى رعب فى هذا الظلام الحالك ، وهذا التراب الخانق .تشوهت محاسنى والتهمنى الدود وصرت أثراً بعد عين ، أنتظر العذاب فى كل لحظة .
آه لو كنت أعلم أن التهاون فى الصلاة يصيرنى إلى هذا المصير ، وأن مصاحبة الفتيات يبلغ بى هذه النهاية .
صدقونى يا إخوانى لا شىء يستحق ، والله لا شىء يستحق ، أفيقوا ، إنتبهوا فلا وقت ، وربما كنت أنت التالى .
إن كنت تخاف من الظلام أو تكره الوحدة أو تتأذى من التراب فهنا آخر موضع فى الكون عليك أن تأتيه .
ليلة واحدة فى القبر لا يعدلها شىء - آه - نسيت أن أحدثكم عنها وعن ضمة القبر ياااه ياالله شىء لا يوصف أعيذكم بالله منها .
صدقونى أنتم فى نعمة كبيرة ، أنتم قوم تعملون ولا تعلمون ،ونحن قوم نعلم ولا نعمل .
إخوانى العاقل من وعظ بغيره والسعيد من اعتبر .
رمضان القادم قد يكون آخر عهدك برمضان ، فاعزم أمرك واحزم متاعك وقم إلى ربك وإياك أن تلتفت .
إياك أن تفرط فى شىء من هذا الشهر فقد سمعنا هنا أن أناساً كان شهر رمضان لهم ميلاد جديد ياإلهى !!! ماهذا ؟؟؟ماهذ الثعبان؟؟ لا لا لا إليك عنى رباه رحماك لا لا لا ....
عبدالله عبدالله عبدالله قم يابنى مادهاك ماذا بك ياولدى ؟
أمى !! ماهذا؟؟؟ ماهذا ؟؟؟ أين أنا ؟ من أنت ؟ أمى يااااااه الحمد لله .
لقد كان كابوساً مرعباً ، لقد كان حلماً بشعاً . الحمد لله أنا أنا أنا مازلت حياً ويمكن أن أتوب وأستطيع أن أصلى الحمد لله أقرأ القرآن وأصاحب الصالحين ، الحمد لله .
متى رمضان ؟؟؟ أين المسجد؟؟؟ حطمى هذه الأسطوانات ، إغلقى هذه الشاشة ، أخرجى علبة الدخان من الغرفة ، الثعبان ، الظلام ، الدود ، الحمدلله الحمدلله الحمدلله .
إهدأ يابنى فلعل الله أراد بك الخير لتفيق مما أنت فيه ،دعنى أحكى لك حكاية تشبه حكايتك ......
يحكى أن رجلا كان يعرف بدينار العيار، وكان له والدة صالحة تعظه وهو لا يتعظ، فمر فى بعض الأيام بمقبرة فأخذ منها عظماً فتفتت فى يده ففكر فى نفسه. وقال: ويحك يا دينار كأني بك وقد صار عظمك هكذا رفاتاً، والجسم تراباً فندم على تفريطه، وعزم على التوبة، ورفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي وسيدي ألقيت إليك مقاليد أمري فاقبلنى، وارحمنى. ثم أقبل نحو أمه متغير اللون منكسر القلب فقال: يا أماه ما يصنع بالعبد الهارب إذا أخذه سيده ؟ قالت: يُخشن ملبسه ومطعمه ويغل يديه وقدميه.
فقال: أريد جبةً من صوف، وأقراصاً من شعير وغلينى وافعلى بي كما يفعل بالعبد الآبق، لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني ففعلت يه ما أراد، فكان إذا جن عليه الليل، أخذ في البكاء والعويل، ويقول لنفسه: ويحك يا دينار ألك قوة على النار، كيف تعرضت لغضب الجبار، ولا يزال كذلك إلى الصباح، فقالت له أمه: يا بني ارفق بنفسك. قال: دعيني أتعب قليلاً لعلي استريح طويلاً، يا أماه إن لي غدا موقفاً طويلاً بين يدي رب جليل، ولا أدري أيؤمر بي الى ظل ظليل، أو الى شر مقيل.
قالت: يا بني خذ لنفسك راحة ، قال: راحتى أطلب كأنك يا أماه غدا بالخلائق يساقون إلى الجنة، وأنا أساق إلى النار مع أهلها .
فتركته وما هو عليه فأخذ في البكاء والعبادة وقراءة القرآن فقرأ في بعض الليالي: (فوربك لنسألنهم أجمعين، عما كانوا يعملون) ففكر فيها وجعل يبكي حتى غشي عليه، فجاءت أمه اليه فنادته فلم يجبها فقالت له: يا حبيبي وقرة عيني أين الملتقى؟
فقال بصوت ضعيف: يا أماه ان لم تجديني في عرصات القيامة فاسألي مالكاً خازن النار عني ، ثم شهق شهقة فمات رحمه الله تعالى. فخرجت تنادي أيها الناس هلموا الى الصلاة على قتيل النار، فجاء الناس من كل جانب فلم يرى أكثر جمعاً ولا أغزر دمعاً من ذلك اليوم فلما دفنوه نام بعض أصدقائه تلك الليلة فرآه يتبختر في الجنة، وعليه حلة خضراء وهو يقرأ الآية(فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) ويقول وعزته وجلاله سألني، ورحمني، وغفر لي، وتجاوز عني ألا أخبروا عني والدتي.