• مرحبًا بكم في منصة منتديات صقر الجنوب التعليمية!
    أهلا ومرحبا بكم في مجتمعنا أنت حاليا تشاهد المعهد كزائر و التي لاتعطيك سوى خيارات التصفح المحدودة الاشتراك لدينا مجاني ولايستغرق سوى لحظات قليلة حتى تتمكن من المشاركة والتفاعل معنا

زهرة أرجوانية .... !!

إنضم
11 يونيو 2010
المشاركات
78
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
35
(زهرة أرجوانية )
استيقظ عم ( فتحي ) الجنائني بحديقة استراحة كبار الزوار الملحقة بالمبني الحكومي الكبير و غادر الحجرة الصغيرة الملحقة و المخصصة لأدوات الحديقة و العامل الذي يرعاها .

اتجه نحو صنبور الماء و أخذ يتوضأ ثم فرش سجادة الصلاة علي أرضية الحديقة بين أحواض الزهور كما يحب دوما و أخذ يصلي في خشوع تام ثم أعقب ذلك بدعاء ذليل لربه كما أبلغه شيخ المسجد بأنه يستحب ذلك دوما في الدعاء.

أخذ يدعو لأولاده المغتربين في الخارج و يسأل الله لهم الخير الوفير ثم أخذ يسأل الله من خير هذا الصباح و أن يرزق الله الأرض التي يعمل بها الخير و البهجة لأنه يحبها و يحب أن يراها دوما في أحسن حال .

فرغ من أداء روتينه الصباحي و ارتدي جلبابه النظيف و عقد عمته المعروفة عن أهل بلدته بشكلها و ربطتها الشهيرة ثم اتجه الي العم ( محروس ) بائع أقراص الطعمية و الذي تبتعد عربته التنقلة عن الحديقة ببضعة شوارع قليلة .

حيا الرجل صاحبه الذي اعتاد دوما أن يبتاع منه منفعا اياه كل صباح تقريبا رافضا أن يحضر افطاره من مكان اّخر معللا ذلك أنه عيبا و خيانة لعشرة عمر كبيرة بينه و بين صاحبه البائع .

جلس الرجل متسامرا مع صاحبه و أذنه مستمتعة بمداعبة صوت الزيت الذي يحدثه وضع عجينة الطعمية به و مذكيا أنفه برائحة أقراص الطعمية الطازجة الخارجة لتوها من اناء القلي .

أخذ الرجل لفافة الطعمية الورقية و بضعة أرغف من الخبز و دفع ثمنها لصاحبه بعد جدال يومي برفض أخذ النقود من العم ( فتحي ) و الذي ينتهي دوما بالحلف و القسم بأغلظ الأيمان أنه لن يأخذ شيئا الا اذا دفع ثمنه كاملا , انتهي الموقف اليومي بالتحية بين الصديقين و انصراف الرجل الي طريقه .

جلس الرجل في الحديقة يأكل في بطء علي أسنانه المتبقية من تساقط معظمها بعد أعوامه الخمس و الخمسون ثم حمد ربه علي نعمته و فضله و بدأ يباشر عمله اليومي في عناية الحديقة .

ذهب الرجل ليري حال الزهرة الأرجوانية الكبيرة و التي ظل يراقبها يوما بعد يوم معتنيا بها مع شقيقاتها في نفس الحوض , لم يري مثلها في حياته كلها و كم أعجبته عندما لا حظها , فاعتني بها عناية فائقة و نمت تلك الزهرة بالذات عن أخواتها في الحجم , و كم كانت دوما تتلألأ وهي تكبر و حبات الندي تغطيها في الصباح , كان يري اعتنائه بها في الأيام الأخيرة ما يستأنس به في وحدته التي فرضتها عليه الظروف و الأيام , يحس بها أحيانا وهي تتراقص و تتمايل في بطء مع النسيم العليل , ظانا بها و كأنها تبتسم له و تداعبه, و أقسم مرارا و تكرارا لنفسه أن بها روحا جليلة وعالية تحس به, ايمانا منه أن النبات يحس و يشعر و له روحا كمثل باقي المخوقات في ملكوت الله.

فرغ من تحية زهرته الشماء علي طريقته و انطلق يقلم بعض أطراف الشجيرات القريبة منها حتي لفت نظره ذلك القادم عليه من البوابة .

_________________________


توقفت السيارة الفاهرة ذات لوحة الأرقام السوداء علي مقربة من بوابة الحديقة و نزل منها رجل فاره الطول وسيم الملامح شعره أسود فاحم غزير به شيبة تركزت في فوديه ما زادته الا وقارا و وسامة , نزل يتحدث في هاتفه المحمول مبتعدا بخطوات قليلة عن سيارته متعمدا ألا يسمع طفله الصغير ما يقول .
جلس الطفل الصغير ناظرا من نافذة السيارة نحو الحديقة المليئة بالأشجار و الورود و لا حت له نفسه و فضول الصغار أن ينزل من السيارة دون أن يدرك أباه ذلك أو يحس به .

و في شقاوة الصغار و لهوهم نزل ببطء شديد و لم يغلق باب السيارة حتي لا يحس به أبيه الذي ولاه ظهره مشغولا بمن يحدثه , فنجح الصغير في فعلته ثم تسلل في خفة ساعدته عليها أقدامه الصغيرة حتي وصل الي الحديقة و دخل اليها , فأخذ يتأمل في ما حوله من ألوان مبهجة و مناظر خلابة كما رأتها عيونه الصغيرة .

رأي مجموعة من الفراشات الصغيرة تحلق أمامه , حاول الامساك بها أكثر من مرة فقفز مرارا و تكرار فلم ينجح , تغيرت ملامح وجهه و سارت عليها غضب طفل مدلل من عدم الاستجابة لمطالبه , لمح خرطوم الماء الموضوع في احدي الأحواض للروي , اتجه نحوه يريد الامساك به لكي يرش به الفراشات .

هنا فقط تحرك العم فتحي مسرعا اليه و نهاه عن ما يريد أن يفعل ثم نظر اليه جديا ليتأكد من ظنونه نحوه عندما راّه أول مرة يدخل من باب الحديقة , نظر اليه الطفل الصغير في ذهول من كلامه اليه و نهيه عن ما يريد فعله فصمت قليلا ثم نظر الي الأرض سامعا كلام الرجل و هو يقول :
- حرام يا ابني دي مخلوقات ربنا برضه خليها تعيش - غلط كده ..

صمت الطفل برهة من الوقت ثم نظر الي الرجل الذي وقف أمامه منتظرا رد فعله حتي لم يجد من الصغير أي بادرة فمضي لكي يكمل عمله , أخذ الصغير ينظر فيما حوله ثم ما لبث أن وقع نظره علي الزهرة الأرجوانية الكبيرة فلمعت عيناه بشدة و وقف ساكنا مواصلا النظر و التحديق فيها في شغف شديد .

لاحظ العم ( فتحي ) نظرات الصغير الي زرعته العزيزة فأصابه القلق من تلك العيون التي تبدو عليها امارات الطمع و صح ظنه عندما سمع الصغير و هو يحدثه مشيرا بيده الي الزهرة :

- عمو أنا عاوز دي - ممكن تقطفهالي ..؟

بادره العم ( فتحي ) قلقا و منزعجا و صار ذلك واضحا في صوته :

- لاء حرام معنديش ورد يتقطف - كده غلط .

لم يعبأ الصغير بكلام الرجل و كأنه لم يسمعه و عيناه لا تتوقفا عن التحديق بالزهرة ثم كرر ما قاله مرة أخري في لهفة شديدة هذه المرة :

- عمو أنا عاوز دي ... أنا عاوزها..

نظر اليه الرجل غاضبا و ازدادت نبرة صوته علوا قائلا :

- قلتلك مفيش ورد بيتقطف - يلا من هنا , روح اتكل علي الله ...

لم يفزع الصغير من صوت الرجل عندما حادثه و انما كان خوفه الحقيقي و اندهاشه من الرفض الذي قابله عند الرجل و الذي كان تقريبا لا يحدث له أبدا عند أحد أو لمطالبه منذ أن عرف للطلب وسيلة .
وقف ساكنا ناظرا الي الرجل في دهشة غريبة , باتت علي ملامح وجهه الصغيرعلامات قدوم البكاء , فاغرورقت عيناه الصغيرتان بالدموع و مضي يجري نحو أبيه الذي كان قد أنهي حديثه التليفوني للتوه .
_________________________


عندما رأي العم ( فتحي ) الطفل الصغير و هو يدخل من باب الحديقة لم يعبأ كثيرا بالأمر لأنه معتاد أن يدخل اليه الأطفال من المدرسة الحكومية الابتدائية القريبة منه و كان منهم المشاغبين و منهم من يحب أن يسلم عليه و أن يسأله شيئا من الماء ليشرب أو ليملأ زمزميته الصغيرة , و كان يعرف بعضهم و يمرح معهم في بعض الأحيان يداعبهم و يداعبوه , بل كان أحيانا يعطيهم شيئا يسيرا من الحلوي التي يحتفظ بها دوما في جيبه لاصابته بمرض السكري .

و لكن هذا الطفل لم يكن مألوفا بالنسبة للأطفال الأخرين فقد كان ناعم المظهر فخم الثياب عليه اّثار نعمة محوظة و اّثار عناية فائقة من أهله و عينين يملؤهما التدليل و في بعض الأحيان البراءة الشديدة المصحوبة بمكر التدليل .

رأي الصغير يحاول الامساك بخرطوم الماء فتحرك عندما عرف مقصده مما رأه مطاردا للفراشات محاولا الامساك بها و دار ما دار بينهما , رأي الصغير يندفع الي الخارج فانصرف لاستكمال عمله حتي مضت لحظات قليلة فرأي الصغير عائدا مع أبيه و ازدادت دهشته عند رؤية الأب , فهو يعرفه جيدا شكلا علي الأقل و سمع عنه كثيرا و جلس في جلسات كان هو محورها و عن أفعاله دوما يتكلمون , فأصابه التوتر و لم يجد شيئا أن يفعله خير من الجري بهدوء و التسلل الي ما وراء تبة صناعية موجودة في الحديقة قبل أن يلاحظوه و حمد الله أن رؤيتهم له لم تتم و أنه رأهم قبل أن يروه , وصل الي غايته علي الفور فجلس القرفصاء و وضع يده علي رأسه هامسا و داعيا الي الله بالستر و الرحمة ...!!

_________________________


عندما جري الصغير ناحية والده و عيناه ممتلئة بالدموع و كست ملامح وجهه الأبيض الحمرة الشديدة , استقبله والده كعادته بصوت عالي و غضب شديد , هكذا كان أسلوبه الغريب في استقبال الأمور الفجائية, فنهره أولا لنزوله من السيارة و شد يده الصغيرة اليه سائل اياه عن ما حدث .

صمت الصغير أولا و نظر الي الأرض في سكون , فمد الأب يده الي ذقن الصغير و رفع بها رأسه في لين ثم ارتفع صوته مرة أخري سائلا اياه عن ما حدث للمرة الثانية .

حكي الصغير لأباه عن ما حدث فغضب الأب قائلا له :

- و أنت بتستأذن أصلا منه ليه ؟ أيوه و الله اّدي الي ناقص , أنت كان المفروض تأخدها علي طول بلا استئذان بلا زفت , تعالي نشوف سعادة الجنايني ده كمان عاوز ايه ..

نظر اليه الطفل في براءة شديدة قائلا :

- بس يا بابا مش ماما قالتلي لما أكون عاوز حاجة أستأذن برضه ..؟؟

نظر الأب الي صغيره في صمت ثم أدار وجهه و أمسك بكفه الصغير ماضيا به نحو الحديقة و هو يغمغم بصوت منخفض :

- ماما و سنين ماما , ما أدي أخرة رباية الستات ...!!!

دخل الرجل الي الحديقة بصحبة الصغير و أخذ ينتقل بنظره من مكان الي أخر يبحث عن ذلك الذي ظن أنه أهان صغيره ثم أخذ ينادي أكثر من مرة فلم يجيبه أحد , بينما تهللت أسارير الصغير عندما وجد المكان خاليا من الرجل , أخذ يحدق بنظره في الزهرة التي يبتغيها و حدث أبيه مشيرا اليها و هو متهلل من الفرحة والشوق الي الحصول عليها الذي رأه قريبا :

- اّهيه يا بابا .. اّهيه .. هي دي بص هناك .. اّهيه ..

تحرك الأب نحو ما يشير اليه ولده و أرخي قبضة يده علي كفه الصغير استعدادا ليتركه منطلقا ليحصل علي مبتغاه و لكن ما أن نظر مليا و رأي ما يدور حول حوض الأزهار حتي عاودت قبضته تلقائيا الاحكام علي يد الصغير الذي نظر الي وجه أبيه في دهشة بعد ما حاول التملص من قبضة يده دون جدوي .

ارتسمت ملامح الجمود الشديد علي وجه الأب عندما رأي سربا صغيرا من النحل يلتف حول حوض الأزهار , فوقف فجأة لمعرفته أنه مريض بحساسية من تلك المخلوقات الصغيرة , و تذكر لحظات المرض التي لم يتحملها جسده القوي و عاني منها كثيرا .

أحكم قبضة يده علي يد ابنه الصغير و بدأ يتراجع الي الخلف تدريجيا متجاهلا مقاومة و صيحات صغيره التي سرعان ما تحولت الي بكاء شديد و طرق للأقدام في الأرض ثم اتجه الي خارج الحديقة و أدخل صغيره الي مقعده في السيارة و صاح به صيحة شديدة مصحوبة بنظرة كان لها مغزي و أدت مردودها بنجاح عند الصغير , فلاذ الأخير بالصمت و الدهشة و نظرات البراءة التي تبحث عن تفسير لكل ما حدث فلم يجد الطفل فعلا الا الانفجار في البكاء و الذي اختلط بصوت محرك السيارة التي اندفعت بقوة مغادرة المكان .

_________________________


كان لوقع صوت محرك السيارة و هي مغادرة علي اّذان العم ( فتحي ) ايذانا له بالتحرك في هدوء و الخروج من مخبأه المؤقت و أخذ يتأكد من المغادرة الفعلية للرجل و ابنه بالنظر السريع في أنحاء الحديقة و مدخلها .

اختلطت عليه علامات الفرح و الدهشة في نفس الوقت عندما رأي أن الزهرة الأرجوانية مازالت موجودة كما هي لم تمس , حمد الله وشكر فضله علي أيا كان ما حدث و اندفع نحوها و أخذ يلمس اوراقها في لين شديد كأنما يتحسس وجودها فعليا .

جلس علي أرضية الحديقة مسترجعا ما حدث محاولا أن يجد تفسيرا واحدا لهذا الستر الذي نزل عليه من الله , ابتسم في شدة و علل لنفسه ما حدث أنه ستر من الله لا يسأل عليه و انما كانت دعواته اليومية وسيلة لبلوغه .

قام فرحا و هو يضحك منتشيا من الفرحة و هو يكرر عبارات الحمد و الشكر لله , لاح علي اّذنه أزيزا بسيطا كان لاعلان مرور سرب نحل صغير بجواره , وقعت عيناه علي ذلك الذي مر من جانبه مرور الكرام و أخذ يتأمله و يراقبه حتي اختفي عن نظره نحو السماء .
 
أعلى