المنهاج الاماراتي
الإدارة العامة
كلتاهما شخصية حقيقية، وتحمل نفس الاسم. إحداهما تعيش في الخبر، والأخرى في ألبني، إحدى ضواحي ولاية أوريجون. وتتفق المعايير الاجتماعية والاقتصادية في البلدين على تصنيفهما ضمن الطبقة المتوسطة. سارة السعودية في الثالثة والعشرين، بينما سارة الأمريكية تكبرها بسنتين تقريباً، ورغم الفارق العمري الطفيف إلا أن كلتيهما في السنة النهائية من درجة البكالوريوس. تأخرت سارة الأمريكية قليلاً لأنها اضطرت أن تعمل بعد إنهاء الثانوية في حضانة أطفال لتجمع بعض المال، لتضيفه إلى ما استطاع أبواها ادخاره منذ ولادتها لتغطية مصاريف أول سنتين من الكلية، وهي تأمل أن تحصل على مساعدة مالية من الجامعة تتيح لها إكمال البقية. ولكن بسبب التضخم، وازدياد الضغط على طلبات المساعدة المالية في الجامعة لم تتمكن سارة الأمريكية من جمع المبلغ المطلوب، فاضطرت إلى الاقتراض من البنك، بفائدة عالية، لأن التسديد سيتم بعد التخرج، وبعد أن تجد عملاً.
أما سارة السعودية، فحال حصولها على الثانوية العامة، اتجهت إلى جامعة الملك فيصل، وقدمت أوراقها، وتذمرت قليلاً من الزحام وعدم التنظيم، وبعد شهر صدرت نتائج قبولها، وبعد شهرين كانت على مقاعد الدراسة فعلاً في كلية العلوم الطبية، وصرفت لها الجامعة أول مكافأة شهرية 990 ريالا، أنفقتها على فاتورة الجوال، وبعض الملابس والإكسسوارات، واشتراك الإنترنت. في نفس الوقت، كانت سارة الأمريكية تستلم معونتها المالية الأولى من الجامعة، 1200 دولار تقريباً، بالطبع مقابل عملها ساعات طويلة في مكتبة الجامعة. دفعت نصفها لإيجار الشقة التي تسكنها مع ثلاث فتيات أخريات، لأنها تدرس في مدينة بعيدة عن عائلتها، ووضعت 400 دولار في حسابها لدى مطعم الجامعة لتتمكن من تناول ثلاث وجبات يومية فيه، بينما احتفظت بما تبقى 200 دولار، للمصاريف النثرية العابرة.
أثناء الدراسة الجامعية، تعود سارة السعودية إلى البيت بعد انتهاء الدوام الجامعي، تساعد والدتها في اللمسات الأخيرة لترتيب مائدة الغداء. تنام بعد ذلك، ثم تقضي فترة (العصرية) في مساعدة أختها الصغيرة على الاستذكار، وفي المساء ترسل السائق إلى (ماكدونالدز)، مطعمها المفضل، وبعد أن ينام الجميع تبدأ في المذاكرة، والقراءة، ثم تقضي بقية الليل في تصفح الإنترنت والمنتديات، حتى تنام. أما سارة الأمريكية، فحالما تنتهي محاضراتها، تتجه مباشرة إلى مكتبة الجامعة، لتضع كتبها جانباً، وتعلق بطاقة الموظفة على قميصها، وتبدأ في مساعدة زوار المكتبة، وترتيب الكتب على الأرفف. وبعد ست ساعات من العمل، تأخذ عشاءها في صندوق صغير من مطعم الجامعة، وتعود إلى شقتها مشياً على الأقدام لمدة ربع ساعة، وتتناول عشاءها بعد أن يلهبه لها المايكرويف، ثم تبدأ في المذاكرة حتى منتصف الليل.
سارة السعودية تقضي إجازتها الأسبوعية في مجمع الراشد، ثم تتناول عشاءها في مطعم (تشيليز)، وإذا كان والدها في مزاج جيد، فربما يعبر بهم الجسر إلى البحرين، ليستمتعوا بحضور مسرحية، أو سينما. أما سارة الأمريكية، فبرنامج الإجازة الأسبوعية يعتمد على ما تبقى في يدها من المال، فهي لا تستطيع الخروج مع أصدقائها كل أسبوع، ولذلك فقد قسمت إجازاتها الأسبوعية الأربع كل شهر بحيث تخرج مرة مع أصدقائها إلى الملهى، ومرة تلعب التنس في ملاعب الجامعة بسعر رمزي، أما المرتان الباقيتان فالغالب أنها ستجلس في البيت، مع رفيقاتها، ويشاهدن التلفزيون، لعدم توفر ما يكفي من المال للخروج.
تتذمر سارة السعودية من وضع المرأة في السعودية، وقلة الخيارات المتاحة للمتعة والحرية والانطلاق. وكلما شاهدت فيلماً أمريكياً راحت تتمنى لو جربت هذه الحياة الطلابية المرحة في أمريكا. تتعرف على أناس مختلفين، وتستمتع بروح الانطلاق، والأريحية. تستلقي صيفاً تحت الأشجار الخضراء، بين مبان الجامعة العريقة. ولهذا فهي تعتزم التقديم على برنامج الابتعاث للدراسات العليا فور تخرجها، وبدأت منذ الآن في حملة بطيئة لترويج الفكرة لدى عائلتها، وإقناع والدها على الموافقة، ولا يزال والدها متردداً في ذلك. في المقابل، كانت سارة الأمريكية تجلس في مكان عملها في مكتبة الجامعة، تتأمل قطرات المطر على زجاج النافذة، وتتمنى لو كان معها ما يكفي من المال هذا الشهر لتسافر إلى عائلتها في ألبني، ولكن الرحلة بالطائرة تكلف حوالي 200 دولار، بالإضافة إلى أن توقفها عن العمل في مكتبة الجامعة لمدة أربع أيام قد يؤدي إلى اختناق ميزانيتها في الشهر القادم، مما يعني وجبات غذائية أقل جودة، وربما البقاء في البيت كل الإجازات الأسبوعية.
أحياناً تقوم سارة السعودية بترتيب غرفتها بنفسها، وإن لم تفعل، قامت الخادمة بذلك. ورغم أن سارة السعودية فتاة متعاونة، وتحب مساعدة أسرتها، إلا أن أسرتها لا تفرض عليها الكثير من الواجبات المنزلية، باستثناء مساعدة إخوتها على الاستذكار، وتحضير بعض أطباق الحلوى عند استقبال ضيوف. في النهاية، فإن أسرتهم صغيرة أصلاً، وأمها متفرغة للمنزل، ولديهم خادمة. أما سارة الأمريكية، فقد اتفقت مع رفيقاتها في الشقة على تخصيص يوم الأحد لتنظيف الحمامات، والمطبخ، وغرف النوم. وبعد ذلك، تجمع ملابسها المتسخة في كيس بلاستيكي كبير، وتأخذها إلى مغسلة الملابس العامة، حيث تدس ما في يدها من العملات المعدنية في ثقوبها لتعمل آلة الغسيل. وتقضي سارة ساعتين تقريباً في المغسلة العامة حتى تنتهي تماماً من غسل ملابسها، وكيّها، وترتيبها في خزانة الملابس، وهي تترنم مع الأغنيات التي يبث جهاز الآيبود الصغير في أذنيها.
بالنسبة لسارة السعودية فإن أحلام ما بعد التخرج معلقة بأسرها على موافقة والدها على سفرها للدراسة في أمريكا، ولأنها متفوقة، وتدرس تخصصاً علمياً، فإن حصولها على البعثة يكاد يكون أمراً محسوماً، وهي تعتقد أن راتب الطالب المبتعث سيكفيها حتماً إذا ما اختارت ولاية معتدلة. أما سارة الأمريكية، فهي تحلم بأن تجد عملاً في مسقط رأسها، حتى يتاح لها أن تعيش مع منزل والديها، وتوفر تكاليف استئجار شقة لتسدد بها ما اقترضته من البنك لتغطية رسوم الجامعة.
القصتان أعلاه مطروحتان في هذه المقالة بدون تعليق. وذلك لأنهما بالتأكيد، وتحت ضوء الجدل التياري حول وضع المرأة، ستجدان لهما قراءات مختلفة قد تصل إلى حد التباين الحدي بين من يرى أن سارة السعودية محظوظة، ويشفق على الأمريكية، وبين من يرى العكس تماماً. الشاهد هو أن سارة الأمريكية تتمنى كل ما لدى سارة السعودية من بيت وعائلة وسعة مادية، بينما السعودية تتمنى كل ما لدى الأمريكية من الانطلاق والمعايشة وخوض التجربة الجامعية الحقيقية. كلتا القصتين قد تستخدمان معاً، في سياق واحد، لإثبات نظريتين متعاكستين تماماً. وكلتاهما أيضاً قد تصنعان القرار أو تبطلانه. وستطرح المقالة القادمة تحليلاً للقراءات التيارية والثقافية والاجتماعية المختلفة لهاتين القصتين الرمزيتين اللتين طالما درجتا كما هما، مع تغييرات طفيفة، في حوارات المتجادلين حول قضايا المرأة وحقوقها، ومعايير العيش بين الدول الغربية والخليج العربي.
أما سارة السعودية، فحال حصولها على الثانوية العامة، اتجهت إلى جامعة الملك فيصل، وقدمت أوراقها، وتذمرت قليلاً من الزحام وعدم التنظيم، وبعد شهر صدرت نتائج قبولها، وبعد شهرين كانت على مقاعد الدراسة فعلاً في كلية العلوم الطبية، وصرفت لها الجامعة أول مكافأة شهرية 990 ريالا، أنفقتها على فاتورة الجوال، وبعض الملابس والإكسسوارات، واشتراك الإنترنت. في نفس الوقت، كانت سارة الأمريكية تستلم معونتها المالية الأولى من الجامعة، 1200 دولار تقريباً، بالطبع مقابل عملها ساعات طويلة في مكتبة الجامعة. دفعت نصفها لإيجار الشقة التي تسكنها مع ثلاث فتيات أخريات، لأنها تدرس في مدينة بعيدة عن عائلتها، ووضعت 400 دولار في حسابها لدى مطعم الجامعة لتتمكن من تناول ثلاث وجبات يومية فيه، بينما احتفظت بما تبقى 200 دولار، للمصاريف النثرية العابرة.
أثناء الدراسة الجامعية، تعود سارة السعودية إلى البيت بعد انتهاء الدوام الجامعي، تساعد والدتها في اللمسات الأخيرة لترتيب مائدة الغداء. تنام بعد ذلك، ثم تقضي فترة (العصرية) في مساعدة أختها الصغيرة على الاستذكار، وفي المساء ترسل السائق إلى (ماكدونالدز)، مطعمها المفضل، وبعد أن ينام الجميع تبدأ في المذاكرة، والقراءة، ثم تقضي بقية الليل في تصفح الإنترنت والمنتديات، حتى تنام. أما سارة الأمريكية، فحالما تنتهي محاضراتها، تتجه مباشرة إلى مكتبة الجامعة، لتضع كتبها جانباً، وتعلق بطاقة الموظفة على قميصها، وتبدأ في مساعدة زوار المكتبة، وترتيب الكتب على الأرفف. وبعد ست ساعات من العمل، تأخذ عشاءها في صندوق صغير من مطعم الجامعة، وتعود إلى شقتها مشياً على الأقدام لمدة ربع ساعة، وتتناول عشاءها بعد أن يلهبه لها المايكرويف، ثم تبدأ في المذاكرة حتى منتصف الليل.
سارة السعودية تقضي إجازتها الأسبوعية في مجمع الراشد، ثم تتناول عشاءها في مطعم (تشيليز)، وإذا كان والدها في مزاج جيد، فربما يعبر بهم الجسر إلى البحرين، ليستمتعوا بحضور مسرحية، أو سينما. أما سارة الأمريكية، فبرنامج الإجازة الأسبوعية يعتمد على ما تبقى في يدها من المال، فهي لا تستطيع الخروج مع أصدقائها كل أسبوع، ولذلك فقد قسمت إجازاتها الأسبوعية الأربع كل شهر بحيث تخرج مرة مع أصدقائها إلى الملهى، ومرة تلعب التنس في ملاعب الجامعة بسعر رمزي، أما المرتان الباقيتان فالغالب أنها ستجلس في البيت، مع رفيقاتها، ويشاهدن التلفزيون، لعدم توفر ما يكفي من المال للخروج.
تتذمر سارة السعودية من وضع المرأة في السعودية، وقلة الخيارات المتاحة للمتعة والحرية والانطلاق. وكلما شاهدت فيلماً أمريكياً راحت تتمنى لو جربت هذه الحياة الطلابية المرحة في أمريكا. تتعرف على أناس مختلفين، وتستمتع بروح الانطلاق، والأريحية. تستلقي صيفاً تحت الأشجار الخضراء، بين مبان الجامعة العريقة. ولهذا فهي تعتزم التقديم على برنامج الابتعاث للدراسات العليا فور تخرجها، وبدأت منذ الآن في حملة بطيئة لترويج الفكرة لدى عائلتها، وإقناع والدها على الموافقة، ولا يزال والدها متردداً في ذلك. في المقابل، كانت سارة الأمريكية تجلس في مكان عملها في مكتبة الجامعة، تتأمل قطرات المطر على زجاج النافذة، وتتمنى لو كان معها ما يكفي من المال هذا الشهر لتسافر إلى عائلتها في ألبني، ولكن الرحلة بالطائرة تكلف حوالي 200 دولار، بالإضافة إلى أن توقفها عن العمل في مكتبة الجامعة لمدة أربع أيام قد يؤدي إلى اختناق ميزانيتها في الشهر القادم، مما يعني وجبات غذائية أقل جودة، وربما البقاء في البيت كل الإجازات الأسبوعية.
أحياناً تقوم سارة السعودية بترتيب غرفتها بنفسها، وإن لم تفعل، قامت الخادمة بذلك. ورغم أن سارة السعودية فتاة متعاونة، وتحب مساعدة أسرتها، إلا أن أسرتها لا تفرض عليها الكثير من الواجبات المنزلية، باستثناء مساعدة إخوتها على الاستذكار، وتحضير بعض أطباق الحلوى عند استقبال ضيوف. في النهاية، فإن أسرتهم صغيرة أصلاً، وأمها متفرغة للمنزل، ولديهم خادمة. أما سارة الأمريكية، فقد اتفقت مع رفيقاتها في الشقة على تخصيص يوم الأحد لتنظيف الحمامات، والمطبخ، وغرف النوم. وبعد ذلك، تجمع ملابسها المتسخة في كيس بلاستيكي كبير، وتأخذها إلى مغسلة الملابس العامة، حيث تدس ما في يدها من العملات المعدنية في ثقوبها لتعمل آلة الغسيل. وتقضي سارة ساعتين تقريباً في المغسلة العامة حتى تنتهي تماماً من غسل ملابسها، وكيّها، وترتيبها في خزانة الملابس، وهي تترنم مع الأغنيات التي يبث جهاز الآيبود الصغير في أذنيها.
بالنسبة لسارة السعودية فإن أحلام ما بعد التخرج معلقة بأسرها على موافقة والدها على سفرها للدراسة في أمريكا، ولأنها متفوقة، وتدرس تخصصاً علمياً، فإن حصولها على البعثة يكاد يكون أمراً محسوماً، وهي تعتقد أن راتب الطالب المبتعث سيكفيها حتماً إذا ما اختارت ولاية معتدلة. أما سارة الأمريكية، فهي تحلم بأن تجد عملاً في مسقط رأسها، حتى يتاح لها أن تعيش مع منزل والديها، وتوفر تكاليف استئجار شقة لتسدد بها ما اقترضته من البنك لتغطية رسوم الجامعة.
القصتان أعلاه مطروحتان في هذه المقالة بدون تعليق. وذلك لأنهما بالتأكيد، وتحت ضوء الجدل التياري حول وضع المرأة، ستجدان لهما قراءات مختلفة قد تصل إلى حد التباين الحدي بين من يرى أن سارة السعودية محظوظة، ويشفق على الأمريكية، وبين من يرى العكس تماماً. الشاهد هو أن سارة الأمريكية تتمنى كل ما لدى سارة السعودية من بيت وعائلة وسعة مادية، بينما السعودية تتمنى كل ما لدى الأمريكية من الانطلاق والمعايشة وخوض التجربة الجامعية الحقيقية. كلتا القصتين قد تستخدمان معاً، في سياق واحد، لإثبات نظريتين متعاكستين تماماً. وكلتاهما أيضاً قد تصنعان القرار أو تبطلانه. وستطرح المقالة القادمة تحليلاً للقراءات التيارية والثقافية والاجتماعية المختلفة لهاتين القصتين الرمزيتين اللتين طالما درجتا كما هما، مع تغييرات طفيفة، في حوارات المتجادلين حول قضايا المرأة وحقوقها، ومعايير العيش بين الدول الغربية والخليج العربي.