فرحة الاردن
الادارة العامة
تغريبة بني هلال ورحيلهم إلى بلاد الغرب (04)
قصة أبوزيد الهلالي
الجزء الرابع من تغريبة بني هلال
وعند دخوله الى البلد قصد المكان الذي كانت مسجونة فيه فرسان بني هلال، فوجد العبيد يطوفون من خلف وقدام، فسلم عليهم فردوا السلام وقالوا من انت وما تريد، فقال قد أرسلني الدبيسي لادعو له في جامع عبد الصمد بأن الله يبلغه المراد وينتصر على ابو زيد، وانتم من تكونون؟ فقالوا نحن الحراس نحافظ على اسرى بيت هلال خوفا من الاعداء. ثم ان ابا زيد اخرج من جيبه شمعة مبنجة فاضاءها بعد ان فرك منخريه بضد البنج. فلما اشتعلت فاحت منها رائحة زكية ولم تكن إلا برهة يسيرة حتى وقعت الحراس كالاموات من ذلك البنج. وبعد ذلك اخرج المغناطيس ووضعه على الاقفال فتساقطت في الحال، فرأى فرسان بني هلال في القيود والاغلال وهم يقاسون الاهوال، فاعلمهم بالامر وفكهم من الاسر واعطاهم اسلحة الجماعة وقال لهم اتبعوني بعد ساعة، فلما وصل الى الباب وجد الحراس جالسين وفي ايديهم السيوف والحراب فسلم عليهم فردوا السلام، وقاموا له على الاقدام واجلسوه بجانبهم، وجعلوا يخاطبونه ويخاطبهم، وكان يمد يده الى جرابه ويأخذ قطعا من السكر ويأكلها امامهم فقالوا له ما هذا الذي تأكله يا شلبي، فقال هذا ملبس حلبي فقالوا له اطعمنا ونحن ندعو لك بالتوفيق والخير، فاعطاهم قبضة كبيرة وكانت مبنجة فأكلوها فلما استقرت في بطونهم تبنجوا وفي تلك الساعة اقبلت الاسرى وخرجوا وجدوا في قطع البراري والبطاح، فوصلوا لاهلهم عند الصباح فقامت الافراح وكثر الصياح، وشكروا أبا زيد على تلك الفعال. وأهل البلد حل عليهم الويل والنكد لما رأوا الحراس راقدين والاسرى مطلوقين، ولما بلغ الدبيسي هذا الخبر طار من عينيه الشرر، وتأكد عنده بعد التحقيق والتفتيش ان البلاء من ذلك الدرويش، وما هو الا ابو زيد صاحب المكر والكيد، ولكنه اخفى الكمد واظهر الجلد، وزحف بالعساكر والابطال لقتال بني هلال، وبرز للميدان وكان اول من برز الى الدبيسي سرور بن فايد فالتقاه الدبيسي بقلب كالصوان، واخذه اسيرا، وبرز اليه نعيم الزحلان وكان من صناديد الشجعان، فاسره في الحال وما زال يأسر الفرسان والابطال حتى اسر خمسين فارسا من بني هلال وفقد منها عدة ابطال وقد اشرفت على الوبال من هول القتال، فلما كان اليوم الرابع هجم الدبيسي بجيوشه قاصدا قتال بني هلال وانطبق عليهم من اليمين والشمال وقاتلهم اشد قتال، فكانت واقعة عظيمة لم يسمع بمثلها في الأيام، فكثر الصياح وجرى الدم وساح، فما كانت ترى الا رؤسا طائرة ودماء فائرة وفرسانا غائرة ودارت على بني هلال الدائرة، واستمر القتال على هذا المنوال حتى كثرت الاهوال على بني هلال فلم يعد لهم ثبات، فتاخروا الى الوراء وقد قتل من الفريقين نحو عشرين الف بطل كرار، ولما اظلم الظلام واجتمعت بنو هلال في الخيام وهم بحالة الذل والانكسار، عقدوا ديوانا مع الأمير حسن وطلبوا منه ان يمدهم برايه فاخذ يحمسهم بالمقال ويشجعهم على الحرب والقتال، ثم قال من الواجب ان تركب الجازية مع العمارية ونحمل عليهم في الصباح بالكتائب والمواكب، والا حلت بنا النوائب، فاشتدت عزائمهم على الحرب والصدام واجابوه على فرد لسان، اننا سنقاتل نهار غد بالسيف والسنان، حتى لا يبقى منا انسان، ولما اصبح الصباح واضاء بنوره ولاح، دقت طبول الحرب والكفاح، فركبت العساكر وهجمت على عساكر الدبيسي بقلب كالحديد، والتقت الرجال بالرجال والابطال بالابطال واشتدت الاهوال وارتجت السهول والجبال ومازالوا على تلك الحال حتى تضعضعت من الدبيسي الاحوال، فعند ذلك مالوا على عليهم من اليمين والشمال وتفرقت جموعهم بين الروابي والتلال، هذا والدبيسي ينخى الابطال ويقول انا الفارس المؤيد المدعو الدبيسي ابن مزيد، فلا يبرز لي الا أبو زيد صاحب المكر والكيد، الذي اتى الينا واحتال علينا، فما اتم كلامه حتى صار ابو زيد امامه وصدمه صدمة تزعزع الجبال والتقيا في ساحة المجال، واصطدما كانهما بحران وتزاحما كانهما اسدان حتى حان عليهما الحين وزعق فوق راسيهما غراب البين، واستمرا على تلك الحال الى نصف النهار، واما ابو زيد فاستظهر على خصمه وضايقه وسد عليه طرقه وطرائقه وطعنه بالرمح في صدره خرج يلمع من ظهره، فوقع عى الارض قتيلا، ولما رات قومه ما حل به خافت من الهلاك والبوار فولوا طالبين الفرار، وقصدوا المدينة وقد انقطع منهم الامل فتبعهم ابو زيد وبنو زحلان والأمير دياب والأمير حسن وباقي الفرسان ودخلوا المدينة وراءهم وضربوا فيهم بالسيف حتى جرت الدماء في الأسواق وبليت قوم الدبيسي بما لايطاق، وعلا بينهم الصياح والبكاء والنواح، ثم هجمت بنو هلال على الحصون والقلاع وخلصوا اسراهم من الاعتقال، ورجعوا من ساحة القتال وثيابهم كشقائق الارجوان من ادمية الفرسان،ونزلوا في المضارب والخيام وقد بلغوا غاية المرام،فخلعوا الحديد ولبسوا الاطاليس والحرير ودارت القهوة والشراب على الامراء والسادات، ثم نهض وزير الدبيسي همام واخذ مزيد بن الدبيسي وامه بدر، وسار بهما عند الأمير حسن فدخل وسلم عليه وبكى وطلب منه العفو والأمان وان يعاملهما بالطيب والاحسان، ثم تقدمت الأميرة بدر هيوالأمير مزيد والوزير همام اى الأمير حسن وقالوا له العفو يا امير الزمان، فقد نصحنا الدبيسي وحذرناه من عواقب الامور فلم يسمع كلامنا الى ان نفذ به الامر المقدر، فاجابهم الى ما طلبوا واكرمهم غاية الاكرام وخلع عليهم الخلع الفاخرة ونادى بالامان وزالت الاكدار والاحزان، وكان مزيد خاطب ابنة عمه هند وكانت من النساء المحسنات، فاعلم الوزير الامير حسن بذلك وطلب منه ان يزفها عليه فاجابه الى ذلك، وفي الحال ذبحوا النوق والاغنام ودارت الافراح سبعة ايام، وبعد تمام الافراح ولى الامير حسن مزيد مكان ابيه على البلاد، وطاعته جميع العباد لأنه كان يحب العدل والانصاف ويكره الجور والاسراف، وبعد تمام العرس امر الامير حسن بهذه المضارب والخيام وجمع المكاسب والاغنام وبالرحيل الى بلاد الغرب، فاجتمعت الفرسان من كل جانب ومكان فركب الامير دياب والقاضي بدير وزيدان شيخ الشباب، بستين الف من الشبان وركبت الجازية مع البنات وحينئذ ركبت الفرسان ظهور الخيل وانتشرت البيارق وكانت الفرسان تهوج وتموج مثل ايام ياجوج وماجوج، وجدوا في قطع البراري والقفار والسهول والاوعار، يوصلون سير الليل بالنهار، حتى وصلوا الى بلاد الاعجام، فنزلوا في مرج واسع كثير المياه فنصبوا المضارب والخيام.
حرب بني هلال مع الاعجام وسبي المارية
( قال الراوي ):
وكان الحاكم على بلاد الأعجام في تلك الأيام سبعة ملوك عظام وهم(خرمند)( و علي شاه )( و الصتصيل )( والمغل )( و بندر )( و النعمان).
ولما نزلت بنو هلال في ذلك المكان أطلقوا مواشيهم في المراعي فأكلت العشب والأشجار والبساتين والأثمار، وبعد أن أخذوا الراحة أمنوا نوائب رجع الأمير حسن والقاضي بدير إلى نجد مع بعض الاجناد لتحديد البلاد، وبرجوع الامير حسن والقاضي بدير الى نجد، اجتمعت ملوك الاعجام عند الخرمند، وجعلوا يتداولون في امر نزول بني هلال في ذلك البر فقال الخرنمد، اعلموا ايها السادات ان بني هلال قدموا البلاد، وهم كل يوم في ازدياد فقال الراي عندنا ان نبادرهم بالقتال ونسبي حريمهم والعيال وننهب نوقهم والجمال قبل ان تكثر جموعهم وتصل اذيتهم الينا. وكان المك النعمان حاضرا في الديوان، فصعب عليه ذلك الأمر لأن أصله من بلاد العرب، فقال للملك الخرمند إن كان لا بد من حرب مع بني هلال طمعا بالغنائم والأموال فأرسل أطلب عشر المال، فإن امتثلوا أمرك تكون قد بلغت منهم المرغوب، وإن امتنعوا عنه فحينئذ تبادرهم بالقتال وتنهب أموالهم وتطفي آثارهم، فلما سمع منه هذا الخطاب رآه عين الصواب، فكتب إلى بني هلال يطلب منهم عشر المال أو يرحلوا من بلاده، ثم طوى الكتاب وأعطاه للنجاب وأمره أن يسير إلى بنى هلال ويدفع الكتاب إلى نائب السلطان، ويرجع إليه من غير تولن، فامتثل النجاب أمره وسار حتى وصل تلك الديار، فدخل على أبي زيد وأعطاه الكتاب وطلب منه الجواب، فلما فتحه وقرأه مزقه ورماه وكتب إلى الخرمند يهدده بقصيدة شعرية.
ولما وقف الخرمند على هذا الشعر والنظام، صار الضياء في عينيه كالظلام، وقال هل يبلغ من قدر بني هلال أن يخاطبوني بمثل هذا المقال وأنا ملك العجم، وذكري في جميع الأمم؟؟ ثن أنه استدعى قواد العساكر ومن يعتمد عليهم في الحروب والمخاطر، وأمرهم أن يستعدوا للقتال ويجهزوا الفرسان والأبطال، فاجتمع خمسمائة ألف عنان، وأرسل إلى بلاد خراسان تمده بالجيوش والعساكر. ثم ركب في ثاني الأيام للحرب والصدام، ولما بلغ أبو زيد هذا الخبر ركب في جموع بني هلال واشتبك بين الفريقين القتال، فقتل من العرب والعجم من قتل، إلى أن مات غنيم البطل، وأخذوا مارية سبية، فلما سمع أبو زيد هذا الخبر طار من عينيه الشرر، فكتب إلىة الأمير دياب يعلمه بواقعة الحال ويطلب منه المعونة في القتال، وأرسل الكتاب مع عشرة أبطال.
فلما وصل الكتاب إلى الأمير دياب وقف على ما تضمنه من الخطاب فامتنع عن الحضور وقال هو أولى بحماية الجمهور، فلما وقف إلى الأمير حسن بن سرحان والقاضي بدير يعلمهم بما جرى بينه وبين الأعاجم.
فلما فرغ الأمير أبو زيد من الكتاب سلمه للنجاب وأمره أن يجد مسيره إلى بلاد نجد ويسلمه إلى الأمير حسن ويرجع بالجواب.
( قال الراوي ):
ومن الإتفاق الغريب أن القاضي بدير رأى تلك الليلة حلما هو أنه كان قابضا على حمامة بيضاء وإذا بعقاب أسود قد هبط من الجو فخطفها وطار، فاستيقظ من المنام وهو في قلق عظيم وسار عند الأمير حسن وقص عليه الرؤيا. فقال:
يا ابن العم ان هذا الحلم يدل على ضيق وغم، وان ابنتك مارية قد خطفها الأعجام، فلما سمع هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالظلام وقال مادام الأمر كذلك فيجب أن نركب حالا ونجد في قطع القفار ونكشف خبر قومنا في تلك الديار، فأجابه الأمير حسن إلى هذا المرام وركبا ومعهما فرسان الصدام قاصدين بني هلال، ولكنهما لم يصادفا النجاب الذي أخذ الكتاب، وعند وصولهما بالعساكر والأبطال إلى أول نجوع بني هلال رأيا العبد سعيد، فسأله القاضي عن الأحوال فقال لقد تغلب علينا الأعجام، وسبوا مارية، فقال القاضي خيّبك الله على هذه البشارة، ثم مرا على الأمير دياب فطلب منهما أن ينزلا عنده، فأبى حسن وقال له علامك يا أمير ما ركبت مع أبي زيد على قالت الأعجام، أتسبى العيال وتنهب الجمال وأنت جالس في الخيام بدون فكر ولا اهتمام؟! قال الذي منعني يا ملك الزمان هو الخوف من هجوم العدا إلى هذا المكان فتنهب الأغنام، ثم ركب دياب مع القاضي والأمير حسن وركبت معه الأبطال والفرسان، وما زالوا يجدون السير عند أبي زيد، فالتقاهم بالتعظيم والاحترام وذبح لهم الأغنام فامتنع الأمير حسن عن الأكل وهو مغتاظ زعلان، فسأله أبو زيد عن سبب ذلك فقال إني مغتاظ لفقد مارية من بين يديك فأجابه أبو زيد يقول:
يقول أبو زيد الهلالي سلامة
بدمع جرى من مقلة العين نابع
ياأبو علي إسمع كلامي وافهمه
وأنت يا قاضي فكن لقولي سامع
أتونا بوي الأعجام من كل جانب
سبعة ملوك من غير التوابع
فصحنا عليهم هاجمين بقوة
قتلنا منهم ألفين ماعدا التوابع
فكانت فتاة الحي مارية المها
غدت فعاد القوم فيها طوامع
جفل بكرها فيها وأنا مارأيتها
وقلبي لأجل مارية عاد واجع
ونادت بعال الصوت يا آل عامر
وتومي بأيديها وتلوي الأصابع
أتى نحوها المدعو غنيم بن مفلح
وقاتلهم بقلب شديد وسط المعامع
طهنه الملك صنصيل بالرمح صبابة
بحربة نورها كالشمس ساطع
وحال ظلام الليل بيني وبينهم
وعاد العجم بعد هذه الوقائع
وحق الله والبيت والحجر
فلا بد لي من حربهم أن أسارع
ولابد أن أجيب المارية
وأهدم الكوفة وأرتد راجع
يتبع
الجزء الرابع من تغريبة بني هلال
وعند دخوله الى البلد قصد المكان الذي كانت مسجونة فيه فرسان بني هلال، فوجد العبيد يطوفون من خلف وقدام، فسلم عليهم فردوا السلام وقالوا من انت وما تريد، فقال قد أرسلني الدبيسي لادعو له في جامع عبد الصمد بأن الله يبلغه المراد وينتصر على ابو زيد، وانتم من تكونون؟ فقالوا نحن الحراس نحافظ على اسرى بيت هلال خوفا من الاعداء. ثم ان ابا زيد اخرج من جيبه شمعة مبنجة فاضاءها بعد ان فرك منخريه بضد البنج. فلما اشتعلت فاحت منها رائحة زكية ولم تكن إلا برهة يسيرة حتى وقعت الحراس كالاموات من ذلك البنج. وبعد ذلك اخرج المغناطيس ووضعه على الاقفال فتساقطت في الحال، فرأى فرسان بني هلال في القيود والاغلال وهم يقاسون الاهوال، فاعلمهم بالامر وفكهم من الاسر واعطاهم اسلحة الجماعة وقال لهم اتبعوني بعد ساعة، فلما وصل الى الباب وجد الحراس جالسين وفي ايديهم السيوف والحراب فسلم عليهم فردوا السلام، وقاموا له على الاقدام واجلسوه بجانبهم، وجعلوا يخاطبونه ويخاطبهم، وكان يمد يده الى جرابه ويأخذ قطعا من السكر ويأكلها امامهم فقالوا له ما هذا الذي تأكله يا شلبي، فقال هذا ملبس حلبي فقالوا له اطعمنا ونحن ندعو لك بالتوفيق والخير، فاعطاهم قبضة كبيرة وكانت مبنجة فأكلوها فلما استقرت في بطونهم تبنجوا وفي تلك الساعة اقبلت الاسرى وخرجوا وجدوا في قطع البراري والبطاح، فوصلوا لاهلهم عند الصباح فقامت الافراح وكثر الصياح، وشكروا أبا زيد على تلك الفعال. وأهل البلد حل عليهم الويل والنكد لما رأوا الحراس راقدين والاسرى مطلوقين، ولما بلغ الدبيسي هذا الخبر طار من عينيه الشرر، وتأكد عنده بعد التحقيق والتفتيش ان البلاء من ذلك الدرويش، وما هو الا ابو زيد صاحب المكر والكيد، ولكنه اخفى الكمد واظهر الجلد، وزحف بالعساكر والابطال لقتال بني هلال، وبرز للميدان وكان اول من برز الى الدبيسي سرور بن فايد فالتقاه الدبيسي بقلب كالصوان، واخذه اسيرا، وبرز اليه نعيم الزحلان وكان من صناديد الشجعان، فاسره في الحال وما زال يأسر الفرسان والابطال حتى اسر خمسين فارسا من بني هلال وفقد منها عدة ابطال وقد اشرفت على الوبال من هول القتال، فلما كان اليوم الرابع هجم الدبيسي بجيوشه قاصدا قتال بني هلال وانطبق عليهم من اليمين والشمال وقاتلهم اشد قتال، فكانت واقعة عظيمة لم يسمع بمثلها في الأيام، فكثر الصياح وجرى الدم وساح، فما كانت ترى الا رؤسا طائرة ودماء فائرة وفرسانا غائرة ودارت على بني هلال الدائرة، واستمر القتال على هذا المنوال حتى كثرت الاهوال على بني هلال فلم يعد لهم ثبات، فتاخروا الى الوراء وقد قتل من الفريقين نحو عشرين الف بطل كرار، ولما اظلم الظلام واجتمعت بنو هلال في الخيام وهم بحالة الذل والانكسار، عقدوا ديوانا مع الأمير حسن وطلبوا منه ان يمدهم برايه فاخذ يحمسهم بالمقال ويشجعهم على الحرب والقتال، ثم قال من الواجب ان تركب الجازية مع العمارية ونحمل عليهم في الصباح بالكتائب والمواكب، والا حلت بنا النوائب، فاشتدت عزائمهم على الحرب والصدام واجابوه على فرد لسان، اننا سنقاتل نهار غد بالسيف والسنان، حتى لا يبقى منا انسان، ولما اصبح الصباح واضاء بنوره ولاح، دقت طبول الحرب والكفاح، فركبت العساكر وهجمت على عساكر الدبيسي بقلب كالحديد، والتقت الرجال بالرجال والابطال بالابطال واشتدت الاهوال وارتجت السهول والجبال ومازالوا على تلك الحال حتى تضعضعت من الدبيسي الاحوال، فعند ذلك مالوا على عليهم من اليمين والشمال وتفرقت جموعهم بين الروابي والتلال، هذا والدبيسي ينخى الابطال ويقول انا الفارس المؤيد المدعو الدبيسي ابن مزيد، فلا يبرز لي الا أبو زيد صاحب المكر والكيد، الذي اتى الينا واحتال علينا، فما اتم كلامه حتى صار ابو زيد امامه وصدمه صدمة تزعزع الجبال والتقيا في ساحة المجال، واصطدما كانهما بحران وتزاحما كانهما اسدان حتى حان عليهما الحين وزعق فوق راسيهما غراب البين، واستمرا على تلك الحال الى نصف النهار، واما ابو زيد فاستظهر على خصمه وضايقه وسد عليه طرقه وطرائقه وطعنه بالرمح في صدره خرج يلمع من ظهره، فوقع عى الارض قتيلا، ولما رات قومه ما حل به خافت من الهلاك والبوار فولوا طالبين الفرار، وقصدوا المدينة وقد انقطع منهم الامل فتبعهم ابو زيد وبنو زحلان والأمير دياب والأمير حسن وباقي الفرسان ودخلوا المدينة وراءهم وضربوا فيهم بالسيف حتى جرت الدماء في الأسواق وبليت قوم الدبيسي بما لايطاق، وعلا بينهم الصياح والبكاء والنواح، ثم هجمت بنو هلال على الحصون والقلاع وخلصوا اسراهم من الاعتقال، ورجعوا من ساحة القتال وثيابهم كشقائق الارجوان من ادمية الفرسان،ونزلوا في المضارب والخيام وقد بلغوا غاية المرام،فخلعوا الحديد ولبسوا الاطاليس والحرير ودارت القهوة والشراب على الامراء والسادات، ثم نهض وزير الدبيسي همام واخذ مزيد بن الدبيسي وامه بدر، وسار بهما عند الأمير حسن فدخل وسلم عليه وبكى وطلب منه العفو والأمان وان يعاملهما بالطيب والاحسان، ثم تقدمت الأميرة بدر هيوالأمير مزيد والوزير همام اى الأمير حسن وقالوا له العفو يا امير الزمان، فقد نصحنا الدبيسي وحذرناه من عواقب الامور فلم يسمع كلامنا الى ان نفذ به الامر المقدر، فاجابهم الى ما طلبوا واكرمهم غاية الاكرام وخلع عليهم الخلع الفاخرة ونادى بالامان وزالت الاكدار والاحزان، وكان مزيد خاطب ابنة عمه هند وكانت من النساء المحسنات، فاعلم الوزير الامير حسن بذلك وطلب منه ان يزفها عليه فاجابه الى ذلك، وفي الحال ذبحوا النوق والاغنام ودارت الافراح سبعة ايام، وبعد تمام الافراح ولى الامير حسن مزيد مكان ابيه على البلاد، وطاعته جميع العباد لأنه كان يحب العدل والانصاف ويكره الجور والاسراف، وبعد تمام العرس امر الامير حسن بهذه المضارب والخيام وجمع المكاسب والاغنام وبالرحيل الى بلاد الغرب، فاجتمعت الفرسان من كل جانب ومكان فركب الامير دياب والقاضي بدير وزيدان شيخ الشباب، بستين الف من الشبان وركبت الجازية مع البنات وحينئذ ركبت الفرسان ظهور الخيل وانتشرت البيارق وكانت الفرسان تهوج وتموج مثل ايام ياجوج وماجوج، وجدوا في قطع البراري والقفار والسهول والاوعار، يوصلون سير الليل بالنهار، حتى وصلوا الى بلاد الاعجام، فنزلوا في مرج واسع كثير المياه فنصبوا المضارب والخيام.
حرب بني هلال مع الاعجام وسبي المارية
( قال الراوي ):
وكان الحاكم على بلاد الأعجام في تلك الأيام سبعة ملوك عظام وهم(خرمند)( و علي شاه )( و الصتصيل )( والمغل )( و بندر )( و النعمان).
ولما نزلت بنو هلال في ذلك المكان أطلقوا مواشيهم في المراعي فأكلت العشب والأشجار والبساتين والأثمار، وبعد أن أخذوا الراحة أمنوا نوائب رجع الأمير حسن والقاضي بدير إلى نجد مع بعض الاجناد لتحديد البلاد، وبرجوع الامير حسن والقاضي بدير الى نجد، اجتمعت ملوك الاعجام عند الخرمند، وجعلوا يتداولون في امر نزول بني هلال في ذلك البر فقال الخرنمد، اعلموا ايها السادات ان بني هلال قدموا البلاد، وهم كل يوم في ازدياد فقال الراي عندنا ان نبادرهم بالقتال ونسبي حريمهم والعيال وننهب نوقهم والجمال قبل ان تكثر جموعهم وتصل اذيتهم الينا. وكان المك النعمان حاضرا في الديوان، فصعب عليه ذلك الأمر لأن أصله من بلاد العرب، فقال للملك الخرمند إن كان لا بد من حرب مع بني هلال طمعا بالغنائم والأموال فأرسل أطلب عشر المال، فإن امتثلوا أمرك تكون قد بلغت منهم المرغوب، وإن امتنعوا عنه فحينئذ تبادرهم بالقتال وتنهب أموالهم وتطفي آثارهم، فلما سمع منه هذا الخطاب رآه عين الصواب، فكتب إلى بني هلال يطلب منهم عشر المال أو يرحلوا من بلاده، ثم طوى الكتاب وأعطاه للنجاب وأمره أن يسير إلى بنى هلال ويدفع الكتاب إلى نائب السلطان، ويرجع إليه من غير تولن، فامتثل النجاب أمره وسار حتى وصل تلك الديار، فدخل على أبي زيد وأعطاه الكتاب وطلب منه الجواب، فلما فتحه وقرأه مزقه ورماه وكتب إلى الخرمند يهدده بقصيدة شعرية.
ولما وقف الخرمند على هذا الشعر والنظام، صار الضياء في عينيه كالظلام، وقال هل يبلغ من قدر بني هلال أن يخاطبوني بمثل هذا المقال وأنا ملك العجم، وذكري في جميع الأمم؟؟ ثن أنه استدعى قواد العساكر ومن يعتمد عليهم في الحروب والمخاطر، وأمرهم أن يستعدوا للقتال ويجهزوا الفرسان والأبطال، فاجتمع خمسمائة ألف عنان، وأرسل إلى بلاد خراسان تمده بالجيوش والعساكر. ثم ركب في ثاني الأيام للحرب والصدام، ولما بلغ أبو زيد هذا الخبر ركب في جموع بني هلال واشتبك بين الفريقين القتال، فقتل من العرب والعجم من قتل، إلى أن مات غنيم البطل، وأخذوا مارية سبية، فلما سمع أبو زيد هذا الخبر طار من عينيه الشرر، فكتب إلىة الأمير دياب يعلمه بواقعة الحال ويطلب منه المعونة في القتال، وأرسل الكتاب مع عشرة أبطال.
فلما وصل الكتاب إلى الأمير دياب وقف على ما تضمنه من الخطاب فامتنع عن الحضور وقال هو أولى بحماية الجمهور، فلما وقف إلى الأمير حسن بن سرحان والقاضي بدير يعلمهم بما جرى بينه وبين الأعاجم.
فلما فرغ الأمير أبو زيد من الكتاب سلمه للنجاب وأمره أن يجد مسيره إلى بلاد نجد ويسلمه إلى الأمير حسن ويرجع بالجواب.
( قال الراوي ):
ومن الإتفاق الغريب أن القاضي بدير رأى تلك الليلة حلما هو أنه كان قابضا على حمامة بيضاء وإذا بعقاب أسود قد هبط من الجو فخطفها وطار، فاستيقظ من المنام وهو في قلق عظيم وسار عند الأمير حسن وقص عليه الرؤيا. فقال:
يا ابن العم ان هذا الحلم يدل على ضيق وغم، وان ابنتك مارية قد خطفها الأعجام، فلما سمع هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالظلام وقال مادام الأمر كذلك فيجب أن نركب حالا ونجد في قطع القفار ونكشف خبر قومنا في تلك الديار، فأجابه الأمير حسن إلى هذا المرام وركبا ومعهما فرسان الصدام قاصدين بني هلال، ولكنهما لم يصادفا النجاب الذي أخذ الكتاب، وعند وصولهما بالعساكر والأبطال إلى أول نجوع بني هلال رأيا العبد سعيد، فسأله القاضي عن الأحوال فقال لقد تغلب علينا الأعجام، وسبوا مارية، فقال القاضي خيّبك الله على هذه البشارة، ثم مرا على الأمير دياب فطلب منهما أن ينزلا عنده، فأبى حسن وقال له علامك يا أمير ما ركبت مع أبي زيد على قالت الأعجام، أتسبى العيال وتنهب الجمال وأنت جالس في الخيام بدون فكر ولا اهتمام؟! قال الذي منعني يا ملك الزمان هو الخوف من هجوم العدا إلى هذا المكان فتنهب الأغنام، ثم ركب دياب مع القاضي والأمير حسن وركبت معه الأبطال والفرسان، وما زالوا يجدون السير عند أبي زيد، فالتقاهم بالتعظيم والاحترام وذبح لهم الأغنام فامتنع الأمير حسن عن الأكل وهو مغتاظ زعلان، فسأله أبو زيد عن سبب ذلك فقال إني مغتاظ لفقد مارية من بين يديك فأجابه أبو زيد يقول:
يقول أبو زيد الهلالي سلامة
بدمع جرى من مقلة العين نابع
ياأبو علي إسمع كلامي وافهمه
وأنت يا قاضي فكن لقولي سامع
أتونا بوي الأعجام من كل جانب
سبعة ملوك من غير التوابع
فصحنا عليهم هاجمين بقوة
قتلنا منهم ألفين ماعدا التوابع
فكانت فتاة الحي مارية المها
غدت فعاد القوم فيها طوامع
جفل بكرها فيها وأنا مارأيتها
وقلبي لأجل مارية عاد واجع
ونادت بعال الصوت يا آل عامر
وتومي بأيديها وتلوي الأصابع
أتى نحوها المدعو غنيم بن مفلح
وقاتلهم بقلب شديد وسط المعامع
طهنه الملك صنصيل بالرمح صبابة
بحربة نورها كالشمس ساطع
وحال ظلام الليل بيني وبينهم
وعاد العجم بعد هذه الوقائع
وحق الله والبيت والحجر
فلا بد لي من حربهم أن أسارع
ولابد أن أجيب المارية
وأهدم الكوفة وأرتد راجع
يتبع