• مرحبًا بكم في منصة منتديات صقر الجنوب التعليمية!
    أهلا ومرحبا بكم في مجتمعنا أنت حاليا تشاهد المعهد كزائر و التي لاتعطيك سوى خيارات التصفح المحدودة الاشتراك لدينا مجاني ولايستغرق سوى لحظات قليلة حتى تتمكن من المشاركة والتفاعل معنا

قصة أبوزيد الهلالي تغريبة بني هلال الجزء الثاني

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,820
مستوى التفاعل
443
النقاط
83
الإقامة
الاردن
تغريبة بني هلال ورحيلهم إلى بلاد الغرب (02)

قصة أبوزيد الهلالي كامله
( الجزء الثاني من تغريبة بني هلال )

يقول الحجازي والحجازي سلامة
ارى الدهر بندر بالملوك الفاضل
يا حيف اهل العز ول زمانهم
ومن بعدهم حكمت اولاد الرذال
يا لهف قلبي على ملوك قد مضوا
حكم بعدهم في الناس خدام عاطل
انا ناصر الايتام بالسيف والقنا
وطاعن الاعادي فوق ظهر الصايل
انا منصف المظلوم جابر خاطره
انا فارس الفرسان ارد الجحافل
انا زوج الزينات لابناء عمهم
وابعد عنهم كل خبيث مماطل
فلا خير في عبد علا فوق سيده
ولا خير في من يغدر اهل الفضائل
فلا تحسب ان الدهر يصفو لظالم
ولا بد ما اريك طعن الذوابل
( قال الراوي ):
فلما انتهى ابو زيد من هذه القصة اغتاظ منه سعيد وقال له: ما هذا الكلام الغليظ الشديد، يا اخس العبيد، فلولا سواد لونك

كنت قطعت راسك، واخمدت انفاسك، فاجلس مكانك واكفنا شرك ولسانك، ودع غيرك يطربنا يا ابن اللئام، فعند ذلك التفت

مرعي وقال له: لا تؤاخذه ولا تغضب عليه، فنه من جملة العبيد الذين لايعرفون مقام الملوك ولا لهم خبرة بحسن التصرف والسلوك،
فان كنت تريد غنيتك الان بقصيد يستحق الانعام ومزيد الاكرام فتزيل اكدارك وتربح افكارك فقال سعيد هات ما عنك فانشد شعرا اسوا من شعر ابو زيد فلما فرغ من كلامه وشعره ونظامه اغتاظ سعيد الغيظ الشديد، وصاح على الجلاد ان يقطع راسه ويخمد انفاسه فمنذ ذلك اعتذر اليه يحى امام الحاضرين وكبار السادات المقدمين، وقال لا تؤاخذهما من هذا القبيل ايها الملك الجليل، فانهما من اناس بهاليل لا يعرفون مضمون الكلام ولا يميزون بين النور والظلام فانا امدحك بابيات حسان ما سمعها احد الا وزال عنه الهم والاحزان لانها تشرح الصدور وتجلب السرور، فقال هات ما عندك لعن الله اباك وجدك فاجاب يحيى بشعر اسوأ من شعر مرعي، فلما فرغ يحيى من شعره ونظامه وفهم سعيد فحوى كلامه، زاد عليه الحال واستعظم المقال وصاح على الجلاد ان يقطع رأس الثلاثة قصاصا لهم على ذلك الإفتراء، فنهض يونس على الأقدام واعتذر اليه بالكلام، وقال ان هؤلاء الشعراء من اوباش العربان لأنهم تكلموا بحضرتك بما لايليق من الكلام، فان اردت انشدك ابياتا ما سمعها قط انسان الا استحسنها، فقال بارك الله فيك انشد وخذ مني ما يرضيك، فان صدري ضاق وقلبي يحدثني بالفراق فاتشد يونس شعرا اسوا من شعر يحيى. فلما فرغ يونس من شعره ونظامه وفهم سعيد فحوى كلامه، عظم عليه الامر وتوقد قلبه بلهيب الجمر وقال لهم لهم احضرناكم يا لئام. حتى تطربونا بالشعر والنظام وتاخذون الجوائز والانعام، ولكنكم اساتم الادب وخرجتم عن سنة العرب، وتكلمتم بما لا يليق امامس ولا اعتبرتم قدري ومقامي، فلا بد من قتلكم على كلام الزور والنفاق، فلما انتهى من هذا المقال التقاه ابو زيد مثل سبع الآجام وضربه على رأسه بالحسام فقتله في الحال وأورثه الخبال ثم هجم على باقي العبيد وتيعه مرعي ويحيى ويونس الفرسان الصناديد، ولم تكن إلاّ لحظة من الزمان حتى انزلوا بهم الهوان، ومسحوهم بالسيف الهندوان، وبعد ذلك جمع أبو زيد سادات القبيلة والوجوه الكبار، وقال لهم: ها قد قتلت هذا العبد الغدار وجماعته الأشرار، لأنهم قد طغوا وتجبروا فلا رحم الله العبد اللئيم والوغد الذميم، لأن مرادي استخلاص المملكة من مغامس اليتيم، وأخذ ابنه عمه شاة الريم، فمرادي الآن أن أقيمه أميرا مقام أبيه فما هو رأيكم وماذا تقولون فيه: قالوا هو ابن مولانا وقد رضيناه علينا أميرا ونح عبيده وطوع يديه ولا نبخل بأرواحنا عليه، فعند ذلك ركب أبو زيد الحصان وركبت معه الأبطال والفرسان والسادات والأعيان، وقصدوا الأمير مغامس ومعهم الطبول والزمور، حتى وصلوا اليه فسلموا عليه وتمثلوا بين يديه، وأعلمه أبو زيد بواقعة الحال وكيف أنه قتل ذلك العبد المحتال، ففرح مغامس بهذا الخبر وزال عنه القلق والضجر، ثم أحضره الى الحلة مع أمه بموكب عظيم وزفوا عليه ابنة عمه شاة الريم، واجلسه على الكرسي مكان أبيه وصارت العرب تمدحه وتهاديه، لأنه تخلص من أيدي اولئك العبيد الأوباش، فشكروا أبو زيد ومرعي ويونس على ذلك الصنيع واراد ان يمنعهم عن السفر الى تونس، وان يبقوا عنده فيزيد فرحه ويستانس بهم. فقال أبو زيد ثلاثة ايام في فرح وسرور وغبطة وحبور، وبعد ذلك ودع الأمير مغامس وسار مرعي ويحيى ويونس، قاصدين مدينة تونس وهم يجدون في قطع الروابي والتلال، فوصلوا الى مكة المشرفة وقلوبهم على زيارة المصطفى متلهفة، وبعد ان زاروا المقام وادوا واجبات الوقار والاحترام، اجتمعوا في بيت شكر الشريف بن هاشم وهو زوج الجازية اخت الأمير حسن، واعلموهم بخروجهم من الوطن فترحب بهم وأكرمهم بمشاهدة أبو زيد ومرعي ويحيى ويونس، ثم أنهم ركبوا وساروا يقطون البراري والآكام حتى اشرفوا الى بلاد العجم، فدخلوا عليها وداروا في اسواقها وبعد ذلك رحلوا من تلك الديار، وواصلوا سير الليل بسير النهار حتى وصلوا الى بلاد التركمان، فدخلوا على ملكها الغضبان ومدحوه بالقصائد الحسان، فاكرمهم غاية الاكرام واجازهم بنفائس الانعام، ثم ركبوا الخيول وجدوا في قطع البراري والسهول الى ان وصلوا الى عند السلام الخفاجي عامر حاكم بلاد العراق، فدخلوا وسلموا عليه فرد السلام عليهم واكرمهم غاية الاكرام ثم ان أبو زيد أخذ يمدح الخفاجي عامر، وطلب ان يمن عليه بانعامه.فلما انتهى أبو زيد من شعره ونظامه وفهم الخفاجي عامر فحوى كلامه، اجازهم بالجوائز الحسان ثم قدم لهم الطعام، فشكروه على هذا الاهتمام واقاموا عنده ثلاثة ايام في عز واكرام ثم ودعوه وجدوا في قطع البراري والآكام الى ان وصلوا الى الشهباء، وكانوا قد تعبوا من السفر، فنزلوا عن خيولهم واستظلوا تحت اغصان الشجر، وكان أمير المدينة رجلا عالي المقام اسمه الأمير بدريس وله وزير عاقل خبير اسمع الخزاعي، وهو صاحب رأي وتدبير فاتفق انه خرج في جماعة من القوم قاصدا الصيد والقنص، فرأى أبو زيد ومن معه فسلم عليه وسالهم عن احوالهم فنهض أبو زيد وحياه، وانشده فاكرمه الأمير واعطاه.فلما انتهى أبو زيد من هذا الشعر والنظام شكره الخزاعي وقال لهم اعلموا يا شعار العرب واصحاب الفضل والادب، اني الخزاعي وزير بدريس أمير حلب فاقصدوني الى المدينة وانا اخلع عليكم الخلع الثمينة، فيزول عنكم العنا وتنالوا القصد والمنى، ثم تركهم وسار فارسل أبو زيد الأمير يونس الى البلد لياتيهم بالماكل والمشرب لأنهم كانوا في غاية الجوع، فسار بالعجل وجعل يدور فيها ويتامل في اسواقها وحسن مبانيها ثم رجع واخذ يشرح لأبي زيد عن حسن المدينة وعما شاهد فيها من القلاع الحصينة، وبعد ذلك ركب مع جماعته مرعي ويحيى ويونس وجدوا في قطع البراري والآكام ومروا بحماة وحمص وطرابلس حتى اشرفوا على مدينة الشام، وكان الحاكم عليها في ذلك الزمان ملك عظيم الشأن إسمه شبيب التبعي ابن مالك حسان، وساروا ولو كان أجنحة لطاروا الى ان وصلوا الى القدس الشريف، فاقاموا بها يومين ومنها ساروا الى غزة ودخلوا على حاكمها الشركسي ابن نازب، فمدحوه بنفائس الأشعار واعتبرهم غاية الإعتبار، واقاموا عنده عشرة ايام، ثم جدوا في السير حتى وصلوا الى مصر العدية وتلك الأراضي البهية، فقصدوا الفرمند بن متوج ودخلوا عليه ومدحوه بنفائس الأشعار فالتقاهم بالترحيب والوقار، واقاموا عنده ثلاثة ايام وساروا قاصدين بلاد الصعيد وبلاد المغارب حتى وصلوا الى عند القاضي بن مقرب، ودخلوا عليه ومدحوه بالأشعار فاعتبرهم غاية الاعتبار وقاموا عنده في اعزاز واكرام، وكان هذا الرجل من اعلى الناس بكرم الضيوفويجود بالالوف وهو الذي ذكره المؤرخ الشهير ابن خلدون في كتابه العبر، ثم تأهب أبو زيد للسفر فودع الماضي وسار مع جماعته.


( قال الراوي ):

واتفق ان جماعة من الشعراء العربان كانوا قصدوا بلاد نجد ومدحوا الأمير حسن بن سرحان بالأشعار الحسان كما جرت

العادة في ذلك الزمان، فاجازهم بالعطايا الجميلة والمواهب الجزيلة، وكانت من جملتها جارية من بنات الحي تسمى مي،

فشكروه على هذا الجميل والاحسان ثم ساروا قاصدين بلاد العرب وتلك الأوطان، حتى وصلوا الى تونس الخضراء ومدحوا

الزناتي خليفة والوزراء، فاحسنوا اليهم وانعموا عليهم ثم باعوا تلك الجارية الظريفة الى سعدة بنت الزناتي خليفة، وكانت

سعدة من اجمل البنات، لطيفة الذات، قد اتصفت بالأنس والمحاسن، وشاع ذكرها في جميع الأماكن، تجالس الأدباء وتنادم

الملوك والأمراء ذات أدب وفضل لها معرفة بضرب الرمل، فاتفق انها سالت تلك الجارية ذات يوم عن سبب وقوعها في

ايدي اولئك القوم، فاخبرتها بالقصة وكيف أن الأمير حسن اوهبها لهم على سبيل الهدية، فقالت وهل يوجد نظيري بين نساء

العرب في الحسن والأدب؟ فقالت لها يا صاحبة الجود والكرم انه يوجد بين الأمم من يشبهك في الظرف والجمال ومكارم

الشيم وحسن الخصال، وهو بطل الأبطال وزينة الرجال الأمير مرعي ابن مولاي حسن أمير بني هلال، فلما سمعت سعداء

هذا الكلام تعلق قلبها بمرعي وهام، لأن الإنسان قد يعشق بسمع الآذان قبل المشاهدة والعيان، فقالت سعدة: اذا كان
كلامك هو حقيق فاوصفيه لي على التحقيق فاشارت مي تقول:

لو تنظري يا ست مرعي بنظرة
فنظرة في مرعي تزيل المصايب
له وجه مثل البدر عند اكتماله
وخدود تشبه ساطعات الكواكب
له خد احمر والعيون نواعس
وكالسيف ماضي قفلة الحواجب
وطوله كعود الزان ان كان مايل
خلى نار قلبي تزيد اللهايب

فقالت لها سعداء قومي بنا الى البستان وانا اضرب هناك الرمل، وانظر احوال الذين ذكرتهم الآن، فان قلبي تعلق بهم غاية

التعليق ومرادي ان اعرف اخبارهم على التحقيق، ثم اخذتها معها الى البستان وكان من احسن النزهات فضربت الرمل

وولدت البنات من الأمهات، فتاكد لها ذلك الخبر وعرفت الأمورالتي سوف تجري، وبينما هما في الحديث اقبل عليهما العلام

ابن الزناتي خليفة ونائبه في معاطاة الأحكام، صاحب معرفة وفضل وعقل من خبر الناس في ضرب الرمل، وكان يتردد

على سعدة في اغلب الأيام لأنه من جملة الأهل و بني الأعمام،فسلم عليها فردت السلام واستقبلته بالترحاب والاكرام، فجلس

بقربها وكان قد عرف ما في قلبها لأنه ضرب الرمل في ذلك النهار وظهرت له الأخبار، فاعلمها بافكاره وكشف لها اسراره

فطلبت منه ان يكتم ذلك الخبر ولا يبيح به لأحد من البشر، خوفا عليها من الضرر وقالت له اريد منك يا ابن عمي ان تعلمني

متى حضر هؤلاء القوم لأني بانتظارهم، فاجابها الى ذلك الطلب ووعدها بالمساعدة على بلوغ الأرب، ودعها وسار طالب

الصيد والقنص.
( قال الراوي ):
هذا ما كان من سعدة وابن عمها العلام، واما ما كان من البطل الهمام والأسد الدرغام أبو زيد فارس الصدام ومن معه من

السادات الكرام، فانهم كانوا قد جدوا في قطع الروابي والآكام، مدة عشرة أيام حتى وصلوا الى تونس وقت الظلام، فباتوا

خارج المدينة وفي اليوم التالي صاروا يتأملون في مبانيها فوجدوها متينة وأبراجها حصينة كثيرة القلاع قوية الدفاع،

وانهارها غزيرة وخيراتها كثيرة، فجعلوا يدورون حواليها يتبصرون كيف يكون الهجوم عليها، ثم دخلوا الى بستان واستمروا

تحت أغصان الشجر وكانوا يقطفون ويأكلون الثمر، فبينما هم على تلك الحال إذا اقبل عليهم جماعة من الأبطال أرسلهم

الزناتي ليقبضوا عليهم



يتبع
 

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,820
مستوى التفاعل
443
النقاط
83
الإقامة
الاردن


ويقيدوهم بالأغلال حيث بلغه خبرهم من بعض الفرسان بأنهم في ذلك البستان، فداروا بهم من اليمين

والشمال فلما نظر أبو زيد تلك الفعال استعد للحرب والقتال، وهجم عليهم كالسبع وضرب بالسيف في ذلك الجمع فقتل منهم

عدة رجال ومددهم على الرمال، ثم تكاثرت العساكر والجنود أحاطوا بهم، وقبضوا على مرعي ويحيى ويونس أوثقوهم

بالقيود والأغلال ولم يقدروا على أبو زيد في الحرب والقتال، فعند ذلك تقدم إليه العلام على انفراد وقال له من تكون من

العباد وما هو سبب مجيئكم الى هذه البلاد. فقال أبو زيد أننا شعراء من بلاد الشرق وعادتنا ان نمدح الأمراء وسمعنا بكرم

الزناتي خليفة وما خصه الله من الشمائل اللطيفة، فقصدناه لأجل هذه الغاية الوحيدة، وكان وصولنا مساء فبتنا في هذا

المكان حيث أننا غرباء لا نعرف احدا، الى ان أشرفتم بجمعكم علينا أوصلتم أذاكم إلينا. وأنا اسمي محمود واسم جماعتي

شداد وحماد ومسعود، فقال العلام لقد كذبت في المقال وتكلمت بكلام المحال، ما أنت الا الأمير أبو زيد صاحب المكر

والكيد، واما رفقاؤك فهم مرعي ويحيى ويونس، وقد أتيتم الى بلادنا لتعرفوا أحوالنا وقواتنا ثم تهجمون علينا وتحتلون بلادنا،

ثم قال امسكوه ولا تؤذوه فانطبقت الفرسان على أبي زيد من اليمين والشمال، حتى قبضوا عليه أخذوه مع باقي أصحابه الى

الزناتي، ولما دخلوا عليه تمثلوا بين يديه، وقالوا اعلم يا مولانا ان هذا العبد حاربنا ودهانا، وقتل منا أبطالا وفرسانا، فاغتاظ

الزناتي وتكدر من هذا الخبر،وقال لأبي زيد من تكون من العربان يا أخس السودان، قال نحن شعراء نقصد الملوك والأمراء

فنمدحهم ونأخذ الأنعام ونحصل على بلوغ المرام، فسمعنا بكرمك فقصدناك من بلاد العرب، طمعا بالفضة والذهب، وحيث

أننا من الأعراب وليس لنا في هذه الناحية أصدقاء ولا أحباب، فدخلنا الى ذلك البستان لنأخذ لأنفسنا راحة يا ملك الزمان، ثم

نقصد جناحك العالي وباقي السادات والموالي، فأحاطت بنا العساكر مع الأهالي وغاروا علينا قاصدين قتلنا واذانا، فاقتضى

الحال أننا دافعنا عن أنفسنا بقدر الإمكان الى ان وقعنا في الأسر والهوان، فأمر بما تشاء وتريد أيها الملك السعيد، فلما سمع

الزناتي هذا الكلام أبدى الضحك والابتسام، وقال لهم يا مناحيس ما أنت الا جواسيس، أتيتم لتردوا البلاد وتعرفوا أحوال

العباد، ثم تذهبون وتأتون بالعساكر والجمع الوفير، فتملكون بلادنا واراضينا، وتتحكمون بجموعكم فينا، هذا هو السبب الذي

قادكم إلينا وحملكم على القدوم والهجوم علينا، فلا بد من قتلكم يا أوغاد على روؤس الأشهاد.

( قال الراوي ):

وكان الزناتي قد وقف على الخبر اليقين من المنجمين، وبعد مفاوضات طويلة مع ارباب المجلس استقر الراي على شنق

أبي زيد ومرعي ويحيى ويونس، فاخذهم العسكر ومروا بهم من تحت قصر الأميرة سعداء فلما سمعت ضجيج العسكر

قامت جاريتها لتعلم ما الخبر فطلت راسها من الشباك وامعنت النظر فيهم فاعتراها الكدر، وقالت لمولاتها اعلمي يا زينة

الدنيا ان هؤلاء الثلاثة هم مرعي ويحيى ويونس واما هذا العبد الرابع فهو ليث الوقائع الأمير أبو زيد فارس المعامع، فلما

سمعت سعداء هذا الكلام، تبدل نهارها بالظلام لأنها كانت تعلقت بحب مرعي دون الأنام، فصاحت على الجلادين والعساكر

والمحافظين وقالت لهم ارجعوا الى ابي بهؤلاء العرب واياكم ان تقتلوهم فيحل بكم العطب، واني ساتبعكم لأقف على حقيقة

الخبر، فلما سمعوا رجعوا في الحال، وذلك لما يعهدون من علو منزلتها ونفوذ كلمتها، ثم ان سعدا لبست افخر الثياب وذهبت

تخبر اباها بما فعلت ونصحته بعدم قتلهم لعدم ثبوت جرمهم واقترحت عليه حبسهم في قصرها، فاجابها الى طلبها.

فاخذت الأربعة انفار وحبستهم عندها في الدار، ثم اخذت من الطعام ما يكفيهم ونزلت اليهم فاجتمعت بمرعي في اول الأمر

وقالت له: كل ولا تخبر احدا بل احفظ ذلك بالسر ثم فعلت هكذا بيحيى ويونس وقالت ليونس ان يرسل لها ابو زيد فلما

حضر قدمت له شيئا من الطعام فشكرها على هذا الاهتمام، ثم انه قسمه على سبعة اقسا فسالته عن سبب ذلك فقال لها

اعلمي يا زينة الممالك وبدر الليل الحالك، انني انا وجماعتي اربعة وانت والجارية اثنان على التمام، والحصة السابعة

ساحزمها بحزام وارسلها الى ابنة عمي عاليا، فقالت له سعدا لماذا لا تتغذى وحدك، فتنهد من فؤاد متبول وانشد يقول:

اذا اكلت انا وجاعت جماعتي
فلا عشت عمري لسكب الصفائح
واذا جعت انا واكلت جماعتي
احمد ربي وهو كريم مسامح
ايا ست زاد اثنين يكفي ثلاثة
ويكفي اربعة يا ست والكل رايح
ويكفي خمسة من اجاويد حينا
ويكفي لستة من هلال السمائح

فضحكت سعدة من كلامه واعجبها فحوى شعره ونظامه، ثم انها اخرجتهم من الحبس واحضرتهم الى عندها وقدمت لهم

الطعام واخذت تحادثهم بالكلام وتسالهم عن احوالهم وعن بلادهم فقال ابو زيد: نحن من جملة الشعراء نقصد الملوك

والأمراء فنمدحهم بنفائس الأشعار ونرجع الى الديار بالدرهم والدينار، فقالت انكم لم تعلموني على التحقيق مع انني عارفة

باحوالكم فاخذت تعلمهم بسفرهم وما جرى لهم في الطريق والسبب في قدومهم الى تلك الديار شعرا.

فلما فرغت سعدة من كلامها شكرها الأمير ابو زيد على اهتمامها، وباتوا تلك الليلة في سرور وانشراح، ولما اصبح الصباح

امر الزناتي باحضارهم، فلما حضروا قال للأبو زيد اذا اطلقناك الى ان تاتي جماعتكم من الأوطان، فكم يوم تغيب عنا وماذا

تجيب لنا، فقال اغيب ثلاثة شهور واجيب لك اربع مية الف مدرع مشهور، فقال وما هو مرادك من المدرع ايها البطل

الصميدع، فاخرج الأمير ابو زيد من جيبه قطعة من الفضة الخاص وقال: هذا هو المدرع، ففرح الزناتي بذلك وقال اذهب

بأمان، فقال اعطني عدة حرب وحصان لأن الطريق مخطرة، فاعطاه ما طلب فودع الزناتي وذهب، وجعل يدور البلاد

ويطوف المدائن، حتى اشرف على وادي الغباين وتلك الأماكن، فوجدها كثيرة المياه والنبات متسعة البراري والفلوات تصلح

للحرب والقتال، ومرعي النوق والحمال، ثم سار من هناك الى فابس ومنها الى عين دورس فوجدها احسن محل لإمتلاك

تونس، وقد تعجب من خيرات البلاد وكثرة ما فيها من الايراد، ثم طاف جميع البلاد وعرف السهول والوهاد ورجه ليرى

احوال البلاد، ولما دخل الى قصر سعدا فرآه مطليا بالرصاص وكان الوقت نصف الليل فارعدت الدنيا وابرقت، حتى قام

الأولاد من نومهم وعادوا يذكرون بلادهم وصار مرعي ينشد الشعر ممزوجا بالبخيبة.

فلما فرغ مرعي من شعره كان ابو زد واقفا تحت القصر يسمع، ثم رآه الطواشي ففتح له ودخل عندهم وسلم عليهم، فقالوا

له اين كنت يا ابا زيد الى الآن، انت في تونس ونحن نقاسي اشد الضيق، فقال انني تهت عن الطريق وقد صممت الآن على

السفر واتيت لوداعكم، ثم تندم وودعهم واوصى سعدا بهم بكى بكاء شديدا وتقدم الأمير مرعي يودعه.

فلما فرغ الأمير من كلامه قال ابو زيد، لا يكون لك ادنى فكر لأنني سابذل الجهد في تخليصكم، ثم ودعهم وسار وعيناه

تذرف بالدموع، وسار يقطع البراري والقفار مدة عشرين يوما حتى اقبل الى ارض الصعيد، فدخل على القاضي بن مقرب

واخبره بما جرى له من الأول الى الآخر، فبكى القاضي بكاء شديدا، ثم انه بقي بضيافته نحو يومين وبعد ذلك ودعهم وسار

يقطع البراري القفار عدة ايام حتى وصل نواحي حلب فجلس في ظل شجرة هناك أخذ راحة، فبينما هو جالس اقبل عليه

تاجر قاصد بلاد المغرب، فقال له هل تعرف الأمير علام؟ فقال له: من اعز اصحابي واعظم احبابي فقال له ابو زيد

ارغب ان اعطيك كتابا توصله اليه فقال اكتب ما بدا لك فعند ذلك اخذ ابو زيد يكتب للعلام يقول:

يقول ابو زيد الهلالي سلامة
فمن كان شقي لاتسعده الأيام
نعم انا ايها الغادي وحامل كتابنا
تجد السرى في واسع الآكام
اذا جيت تونس وقابس وارضها
فسلم على الفتى المسمى العلام
اوصيك في مرعي ويحيى ويونس
اولاد اختي من فروع كرام
فلا بد ما ارجع اعود وانثني
ولا بد ما آني بقوم لزام
باربع تسعينات الوف عدادهم
تشبه جرادا منتشر بغمام
ولابد من لطمة على باب تونس
ويبقى الدما فوق الثرى عوام
ولابد من قتل الهيدي بصارمي
وابقى الزناتي بالقبور ينام
واهلك بلاد الغرب بحد صارمي
واملكك في الغرب يا علام

فلما فرغ ابو زيد من كلامه طوى الكتاب فاخذه التاجر وسار يقطع البراري والقفارحتى اشرف الى تونس وتلك الديار فاخذ

المكتوب وسلمه الى العلام، ففضه وقراه وعرف حقيقة فحواه، واما الأمير ابوزيد فانه ما زاال يجد في المسير مدة خمسين

يوما حتى اقبل الى نجد، وحين دخوله الى نجع بني هلال التقاه الكبار والصغار حتى اقبل الى صيوان الأمير حسن فدخل

وسلم عليه وعلى الذين حواليه فلما رآه الأمير حسن والأمير دياب والقاضي بدير والأمير زيدان تقدموا اليه وقبلوه بين عينيه

واجلسه الأمير حسن بجنبه ودارت البشائر في بلاد نجد بان الأمير ابو زيد حضر من بلاد الغرب، فاجتمعت الفرسان من

كل جانب ومكان حتى احتبك الديوان، وحينئذ سالوه عن مرعي ويحيى ويونس، فعند ذلك بكى الأمير ابو زيد بكاء شديدا

واشار يخبرهم عما جرى له بقصيدة انشدها امامهم.

فلما فرغ ابو زيد من الشعر بكى الأمير حسن ومن حضر من السادات الكرام لاسيما اهل الاولاد، فقد تفطرت منهم الأكباد

وقالوا لأبو زيد اعلم يا فارس الفرسان اننا لانفك عنك ولا نعرف اولادنا الا منك، فقال كونوا براحة بال فاني كما اخذتهم من

الطلال سارجعهم وهم على احسن حال وانعم بال، فالتفت الأمير حسن الى الحاضرين وقال لهم مرادي الرحيل الى بلاد

الغرب واقيم هناك الحرب واخلص الأمراء بالطعن والضرب، فاستحسنوا هذا الخطاب وقال ابو زيد هذا هو الراي

الصواب، ولكن قبل الرحيل من هذه الأطلال بالفرسان والأبطال والنساء والعيال، يجب ان تاتوا بالجازية لتركب امام ظعون

بني هلال مع الست ريما والست عدلا والست ريا وسعد الرجا وبدر النعام وجوهرة العقول ونجمة السحور وزين الدار

والست عليا لأنه اذا اشتعلت نيران الحرب ووقع الطعن والضرب تكون الجازية وباقي السيدات امام الأبطال في العماريات

لأن الجازية من النساء المشاهير ذات راي وتدبير، وهكذا تم الراي بين الأمراء والأعيان وارسلوا اربعة وعشرين فارسا

من الشجعان للرحيل بنساء القبيلة، وتاهبوا للطعن والضرب والسير الى تونس الغرب، وامر الأمير حسن بدق طبل الرجوج

فدق الطبل في الحال واجتمعت الفرسان والابطال، وسارت الرجال ودخلوا على الأمير حسن بن سرحان وهو في الديوان،

فاخبرهم بما جرى وقال لهم استقر راينا ان نرحل من الأوطان ونقصد بلاد الغرب بعد ستة ايام فكونوا في الاستعداد التام لن

ارضنا قد امحلت ووقع بنا الغلا واولادنا في اسر الزناتي خليفة يقاسون العنا.
( قال الراوي ):
وفي اليوم السابع تهجز الابطال للمسير والارتحال فهدت المضارب والخيام وانتشرت الرايات والاعلام ودقت الطبول

وركبت الفرسان ظهور الخيول، واعتقلوا بالسيوف والنصول وركبت الحريم والعيال والاولاد والاطفال ونساء الامراء

والجازية ام محمد وكان الامير ابو زيد في مقدمة الفرسان، وساروا عدة ايام حتى اشرفوا على بلاد حزوة والنير فنزلوا

هناك ونصبوا المضارب والخيام وكان الحاكم عليها الدبيسي بن مزيد وكان من صناديد الابطال.

يليه غداً الجزء (03) من تغريبة بني هلال

 

عطر الزهور

الإدارة العامة
إنضم
11 مايو 2012
المشاركات
8,749
مستوى التفاعل
161
النقاط
63
تسلم يداك
والله يعطيك العافية
 

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,820
مستوى التفاعل
443
النقاط
83
الإقامة
الاردن
اشكركم على هذا الحضووور الرائع
 

اتعبني غلاك

عضو جديد
إنضم
28 يونيو 2012
المشاركات
9,046
مستوى التفاعل
214
النقاط
0
يعطيكي الف عافيه ع القصه الرائعه

تحياتي لكي
 

فرحة الاردن

الادارة العامة
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
20,820
مستوى التفاعل
443
النقاط
83
الإقامة
الاردن
كل الشكر لمروركمـ الرآآقي
لكمـ مني اجمل وارق الامنيات
 
أعلى