فرحة الاردن
الادارة العامة
قصة أبوزيد الهلالي وتغريبة بني هلال كامله
قصة أبوزيد الهلالي كامله
نبداء بالجزء الآول وننتهي بالجزء الرابع والعشرون
قصة أبوزيد الهلالي كامله
نبداء بالجزء الآول وننتهي بالجزء الرابع والعشرون
قصة أبوزيد الهلالي كامله (24 جزء)
الجزء الأول
قصة مغامس مع شاه الريم
كانت بلاد نجد من اخصب بلاد العرب،كثيرة المياه والغدران و السهول و الوديان حتى كانت تذكرها شعراء الزمان بالاشعار الحسان وتفضلها على غيرها نظرا لحسن هواها.وما زالت على رونقها حتى تغير قطرها واضمحل وعمت البلاد المجاعة من جميع الجهات وشتدت على بني هلال،فأجتمعت المشايخ والشباب وقصدوا مضارب الامير حسن بن سرحان فدخلوا وسلموا عليه وقالوا له اعلم يا ملك الزمان بأن الجوع قد اشتد وانقطعت الماكولات من نجد،فان لم نتدارك الامر في الحال انقرضت جميع بني هلال وفقدت المواشي و الاموال.
فلما سمع حسن هذا الخطاب استعضم المصاب،وكان عنده جماعة من السادات الامجاد،والفرسان الصناديد، منهم البطل الهمام ابو زيد فارس الصدام، و الامير دياب ابن غانم البطل المقام،و القاضي بدر بن فايد السيد الماجد،فاخدوا يتذاكرون في هذا الشان نحو ساعة من الزمان فاستقر رايهم على الرحيل من تلك الديار قبل حلول الدمار،ثم قال الامير حسن لاكابر القوم نقوما بنا نتخفي ونتفقد احوال القبيلة في هذا اليوم،فتنكروا في الحال حتى لا يعرفهم احد وركبوا ظهور الجمال وطافوا في المضارب والخيام مدة ثلاثة ايام حتي دارو على القبيلة ولم يجدوا من يدعوهم الى ضيافته لانه لم يكن عند احد عشا ليلة، واتفق انهم في اليوم الرابع اشرفا على سهل وفيه مضارب وخيام وحواشي وخدام كبير شهير اسمه مفرج بن نصير، وكان وافقا عند الابواب وهو في حالة الذل و الاضظراب وعيناه تذرفان الدموع من شدة الجوع، فحيوه بالسلام ووقروه بالكلام،وقالوا له يا ايها السيد اتقبل ضيوفا قد قصدوك من ابع اقليم من اكبر سادات العشيرة وافضالك بين الناس معروفة شهيرة،فخجل من حديثهم وكلامهم ولم يجد بدا من اكرامهم، فقال اهلا وسهلا بالضيوف فشرفوا محلكم فنزلوا عن ظهور الجمال ودخلوا الى خيامه وكان لمفرج زوجة يقال لها مي، فقال لها اذهبي الان واقصدي بيت ابيك شيبان،لعلك تجدين شيئا من انواع الطعام تاتين به الى ضيوفنا الكرام، لانهم قصدونا دون باقي العربان من ابعد مكان.
فلما سارت الى بيت ابيها وطلبت منه شيئا من الطعام، قال و الله يا ابنتي ما دخل بيتنا طعام من ثلاثة شهور،واني خجلان من منك فاعذريني بالقصور، فلما سمعت كلامه رجعت في الحال واعمت زوجها بذلك المقال وانشدت شعرا اعلمت فيه الى زوجها ان يبع ابنتهما ليعتري الضيوف.
فلما فرغت من شعرها قال لها زوجها نعم الراي و التدبير، فقومي الان اصلحي من شانها والبسيها ثياب الحرير،حتى ادور في الفبيلة جميعها وادلل عليها وابيعها، فقامت والبستتها احسن ثياب وعطرتها بافخر الاطاياب،فتعجب الامير حسن وابو زيد ودياب وقالوا هذا الامر غريب وحادث عجيب، ولكنهم صبروا حتى ينظروا ماذا يجري. واما الامير مفرج فانه نهض في الحال وطاف بابنته انحاء بني هلال وهو ينادي ويقول: يا اهل الفضل والمعروف من يشتري ابنتي الثريا بعشاء اريعة ضيوف وكان كل من ينضر اليها ويتامل فيها يتحسر على جمالها وحسن معانيها ويقول،اذا اشتريناها ماذا نطعمها ونسقيها،ولما لم يجد ابوها من يشتريها ارجعها الى المضارب،فقالت زوجته علامك ما بعنها يا امير،فقال لم اجد من يشترريها مني لا بقليل ولا بكثير نفقالت له اذهب بها الى الامير حسن امير القبيلة فانه يشتريها منك ولو بعشاء ليلة،فاخذها وسار فعند ذلك خرج الامير حسن من المضارب وسبقه وسار الى صيوانه بدون ان يراه احد من اهل الامير مفرج،واما الامير مفرج وابنته لما دخل سلم عليه وقبل يديه وانشد يقول:
يقول الفتي المدعـو امير مفرج
ولي قلب موجوع وزاد افكار
ايامير اتانا ضيةف جازوا محلـنا
وداروا هلال كبارها مع صغار
وما عـندنا بالبـيت شي نقـيهم
ولا مرتـع للدود و الاطـيار
اخذت الى ابنتي ودرت نجوعهـم
ودرت ميامينها ودرت يســار
فلم اجـد مـنهم مـن يشتريـها
واضيافي قد تـركتهـم بالـدار
يا امير ساعدني واجبر بخاطري
يجيرك الهي من عـذاب النـار
وخـذ بنتـي واكسـب الـثنـا
وجد لـي بمال يزيل عنا العـار
فلما فرغ الامير مفرج من الشعر و النظام، طيب الامير حسن خاطره واحترمه غاية الاحترام ثم امر له بقنطار من الطحين وان يرجع بابنته الى خيمته فشكره على ذلك الاحسان ورجع بالصبية وهو فرحان، ولما ابتعد وغاب عن المضارب والقباب،نهض الامير حسن بالعجل وتزيا بزيه الاول وركب مطيه وسار الاى بيت مفرج فوصل قبله، واعلم الامير ابو زيد بما فعله، ولما وصل مفرج اعلم زوجته بما ناله من الانعام وبلوغ القصد و المرام،ثم قال لها قومي الان وضعي العشاء حتى تأكل ضيوفنا وتتعشى،فبادرت في الحال وعجنت وخبزت وقدم مفرج خلزا الى الضيوف بدون ادام. وقال لفضلوا وكلوا ولا تواخذونا بالقصور فاني والله معذور، فقال ابو زيد: لو جلست معنا، كنا في غنا من هذا التعب والعناء، لانه يوجد معي من الزاد ما يسد به رمق الفواد. ثم مد يده الى الخرج وافرغه على سفرت الطعام، فشكره مفلرج على ذلك الاهتمام وجلس معهم يباسطهم بالكلام ثم تركهم ورجع الى فراشه ونام، وهم ناموا الى طلوع النهار فركبوا مطايهم وقصدوا جوانب الفقار.
ولما اقتربوا من وادي سلامة سمعوا صياحا وضجيجا مثل يوم القيامة فتقدموا على الاثر ليكشفوا حقيقة الخبر ولما ساروا في ذلك المكان وجدوا جمهورا من الرجال والشبان والنساء والصبيان يصيحون من قلب وجوع من شدة الجوع فتقدم الامير حسن اليهم وقد اشفق عليهم فطيب خاطرهم بالكلام وفرق عليهم جوائز الانعام ثم سارو الى المضاب والخيام واستدعي اليه سادات القبيلة و اكابر الجماعة وجعلوا يتفاوضون في امر المجاعة، فاتفق رايهم بوجه الاجمال على ان يرحلوا من تلك الاطلال بالاهل و العيال،وان يذهب ابو زيد الى بلاد الغرب وتلك الديار فيجس الاحوال، ويأتيهم بحقيقة الاخبار، ثم يرحلون بأولادهم واثقالهم الى تلك الاقطارفقال ابو زيد للأمير حسن، لا يخفاك أطال الله عمرك وأبقاك، أن المسافة، بعيدة طويلة فيلزم أاان يكون معي جماعة من ساادات القبيلة، فقال دياب هذا الامر من اسهل الامور فخذ معك من تريد من الجمهور فقال ابو زيد متى طلع النهار يوفق الله من يشاء ويختار ثم عاد الى الخيام في قلق و اهتمام فقامت له زوجته على الاقدام وقالت له بكلام الدلال مالي اراك منقبض الوجه يا ابا الابطال،فاعلمها بوافعة الحال وكيف اتفق رايهم على ارساله لتونس ولا يوجد من يعتمد عليه لياخذه على سبيل المعاونة و المؤانسة، واني قد رهنت لساني مع القوم على ان اذهب ثاني يوم فقالت له ارشدك على حيلة تتخلص بها من هذه السفرة الطويلة، وهو انك عند الصباح تدخل على الامير حسن وسادات القبيلة وتقول بانك مستعد ان تذهب الى تونس بشرط ان يرسلوا معك مرعي ويحيي ويونس، فأنهم من ابناء الاعيان ولا تسمح بهم اهلهم ان يتغربوا عن الاوطان، وبهذه الوسيلة يكون عذرك واضحا عند سادات القبيلة، فاستصوب منها هذا الكلام وفي ثاني الايام ذهب الى عند الامير حسن فالتقاه بالاكرام وقال، هل استعديت على الرحيل فقال انني في غاية الاستعداد للذهاب الى تلك البلاد ن غير اني اريد ان يكون معي رفقاء و اصحاب من سادات الاعراب لان المسافة بعيدة ومشقات الطريق شديدة، فقال الامير حسن خذ معك من تريد من الفرسان الصناديد فقال، اريد ان اخذ معي يونس و يحيي و مرعي لانهم يعاونونني في الطريق عند كل شدة وضيق، وبهم يحصل النجاح و التوفيق واعود اليكم سريعا بلا تعويق ن فاستعضم الامير حسن هذا الطلب خوفا عليهم من العطب، وكان يظن بان ابا زيد يطلب غيرهم من فرسان العرب، و لكنه سمح له اخيرا بعد ان حدثهم بذلك الخبر، و في اليوم الثالث تجهزوا للسفر و ركب الامير حسن بن سرحان في سادات القبيلة و اكابر الاعيان وساروا لوداعهم مدة ثلاثة ايام على التمام، ولما عزموا على الرجوع الى الاطلال و الربوع بكوا من فؤاد متبول و اشار ابو زيد يقول:
يقول ابو زيد الهلالي سلامة
ونيران قلبي زايدت اللهايب
وعيني من كثر البكا قل شوفها
جري دمعها فوق خدي سكايب
اسمع كلامي يا امير ابو على
وكن لقولي فاهما ثم حاسب
غدونا بعون الله جل جلاله
نرود دروب الغرب يم المغارب
وفي صحبيتي مرعي ويحيي ويونس
من اجلهم ذا النجع باكي وناحيب
وعليا عيوني يا عرب في حيكم
و صبرا وريا طويلات الذوايب
يا ابو على بالك عليهم من العدا
اذا هاجت الفرسان بين المضارب
اودعتكم لله ربي وخالقي
ومن يلتجي لله ما راح خايب
فلما فرغ ابو زيد من شعره ونظامه، وفهم الامير حسن وباقي الامراء معاني كلامه، تقدم حسن امام قواده وجعل يوصي ابو زيد بالاولاد ثم بكي وقال:
يقول الفتي حسن الهلالي ابو على
دمعي جري فقوق خدي سكايب
ونيران قلبي كلما اقول تنطفي
يزبد لها بين الضلوع لهايب
لفرقة مرعي صار قلبي ذائبا
اصبحت كالسكران للخمر شارب
ويحيي ويونس نور عيني وضوها
على بعدهم دمعات عيني سكايب
فارقتهم ما كان قصدي فراقهم
ولكن احوجتني لذاك مطالب
ايا هل تري مرعي اراه بناظري
وتزول ايام العنا والمتاعب
ايا دهر يا غدار ما لك غدرتني
ففارقت خلاني وكل الحبايب
اودعتكم لله ربي وخالقي
ومن اودع الرحمن ما راح خايب
اوصيكم المزح لا تمزحونه
فانه باكثر الاوقات غير صائب
واذا اردتم تدخلون مدينه
فيونس تراه يشتري ويحاسب
واذا جادلتم عالما بطريقكم
فمرعي على ذاك الجدال يجاوب
وابقوا ليحيي حارسا لجمالكم
فانه سيحميها من الاغارب
ومن يم عليا منور عيني ومهجتي
وصبرا وريا اعز كل الحبايب
هذي وصايا احفظوها جميعا
فان كلامي كله قول صائب
وهذه مقالات الامير ابو على
فقلبي ذاب من هول المصائب
يتبع
الجزء الأول
قصة مغامس مع شاه الريم
كانت بلاد نجد من اخصب بلاد العرب،كثيرة المياه والغدران و السهول و الوديان حتى كانت تذكرها شعراء الزمان بالاشعار الحسان وتفضلها على غيرها نظرا لحسن هواها.وما زالت على رونقها حتى تغير قطرها واضمحل وعمت البلاد المجاعة من جميع الجهات وشتدت على بني هلال،فأجتمعت المشايخ والشباب وقصدوا مضارب الامير حسن بن سرحان فدخلوا وسلموا عليه وقالوا له اعلم يا ملك الزمان بأن الجوع قد اشتد وانقطعت الماكولات من نجد،فان لم نتدارك الامر في الحال انقرضت جميع بني هلال وفقدت المواشي و الاموال.
فلما سمع حسن هذا الخطاب استعضم المصاب،وكان عنده جماعة من السادات الامجاد،والفرسان الصناديد، منهم البطل الهمام ابو زيد فارس الصدام، و الامير دياب ابن غانم البطل المقام،و القاضي بدر بن فايد السيد الماجد،فاخدوا يتذاكرون في هذا الشان نحو ساعة من الزمان فاستقر رايهم على الرحيل من تلك الديار قبل حلول الدمار،ثم قال الامير حسن لاكابر القوم نقوما بنا نتخفي ونتفقد احوال القبيلة في هذا اليوم،فتنكروا في الحال حتى لا يعرفهم احد وركبوا ظهور الجمال وطافوا في المضارب والخيام مدة ثلاثة ايام حتي دارو على القبيلة ولم يجدوا من يدعوهم الى ضيافته لانه لم يكن عند احد عشا ليلة، واتفق انهم في اليوم الرابع اشرفا على سهل وفيه مضارب وخيام وحواشي وخدام كبير شهير اسمه مفرج بن نصير، وكان وافقا عند الابواب وهو في حالة الذل و الاضظراب وعيناه تذرفان الدموع من شدة الجوع، فحيوه بالسلام ووقروه بالكلام،وقالوا له يا ايها السيد اتقبل ضيوفا قد قصدوك من ابع اقليم من اكبر سادات العشيرة وافضالك بين الناس معروفة شهيرة،فخجل من حديثهم وكلامهم ولم يجد بدا من اكرامهم، فقال اهلا وسهلا بالضيوف فشرفوا محلكم فنزلوا عن ظهور الجمال ودخلوا الى خيامه وكان لمفرج زوجة يقال لها مي، فقال لها اذهبي الان واقصدي بيت ابيك شيبان،لعلك تجدين شيئا من انواع الطعام تاتين به الى ضيوفنا الكرام، لانهم قصدونا دون باقي العربان من ابعد مكان.
فلما سارت الى بيت ابيها وطلبت منه شيئا من الطعام، قال و الله يا ابنتي ما دخل بيتنا طعام من ثلاثة شهور،واني خجلان من منك فاعذريني بالقصور، فلما سمعت كلامه رجعت في الحال واعمت زوجها بذلك المقال وانشدت شعرا اعلمت فيه الى زوجها ان يبع ابنتهما ليعتري الضيوف.
فلما فرغت من شعرها قال لها زوجها نعم الراي و التدبير، فقومي الان اصلحي من شانها والبسيها ثياب الحرير،حتى ادور في الفبيلة جميعها وادلل عليها وابيعها، فقامت والبستتها احسن ثياب وعطرتها بافخر الاطاياب،فتعجب الامير حسن وابو زيد ودياب وقالوا هذا الامر غريب وحادث عجيب، ولكنهم صبروا حتى ينظروا ماذا يجري. واما الامير مفرج فانه نهض في الحال وطاف بابنته انحاء بني هلال وهو ينادي ويقول: يا اهل الفضل والمعروف من يشتري ابنتي الثريا بعشاء اريعة ضيوف وكان كل من ينضر اليها ويتامل فيها يتحسر على جمالها وحسن معانيها ويقول،اذا اشتريناها ماذا نطعمها ونسقيها،ولما لم يجد ابوها من يشتريها ارجعها الى المضارب،فقالت زوجته علامك ما بعنها يا امير،فقال لم اجد من يشترريها مني لا بقليل ولا بكثير نفقالت له اذهب بها الى الامير حسن امير القبيلة فانه يشتريها منك ولو بعشاء ليلة،فاخذها وسار فعند ذلك خرج الامير حسن من المضارب وسبقه وسار الى صيوانه بدون ان يراه احد من اهل الامير مفرج،واما الامير مفرج وابنته لما دخل سلم عليه وقبل يديه وانشد يقول:
يقول الفتي المدعـو امير مفرج
ولي قلب موجوع وزاد افكار
ايامير اتانا ضيةف جازوا محلـنا
وداروا هلال كبارها مع صغار
وما عـندنا بالبـيت شي نقـيهم
ولا مرتـع للدود و الاطـيار
اخذت الى ابنتي ودرت نجوعهـم
ودرت ميامينها ودرت يســار
فلم اجـد مـنهم مـن يشتريـها
واضيافي قد تـركتهـم بالـدار
يا امير ساعدني واجبر بخاطري
يجيرك الهي من عـذاب النـار
وخـذ بنتـي واكسـب الـثنـا
وجد لـي بمال يزيل عنا العـار
فلما فرغ الامير مفرج من الشعر و النظام، طيب الامير حسن خاطره واحترمه غاية الاحترام ثم امر له بقنطار من الطحين وان يرجع بابنته الى خيمته فشكره على ذلك الاحسان ورجع بالصبية وهو فرحان، ولما ابتعد وغاب عن المضارب والقباب،نهض الامير حسن بالعجل وتزيا بزيه الاول وركب مطيه وسار الاى بيت مفرج فوصل قبله، واعلم الامير ابو زيد بما فعله، ولما وصل مفرج اعلم زوجته بما ناله من الانعام وبلوغ القصد و المرام،ثم قال لها قومي الان وضعي العشاء حتى تأكل ضيوفنا وتتعشى،فبادرت في الحال وعجنت وخبزت وقدم مفرج خلزا الى الضيوف بدون ادام. وقال لفضلوا وكلوا ولا تواخذونا بالقصور فاني والله معذور، فقال ابو زيد: لو جلست معنا، كنا في غنا من هذا التعب والعناء، لانه يوجد معي من الزاد ما يسد به رمق الفواد. ثم مد يده الى الخرج وافرغه على سفرت الطعام، فشكره مفلرج على ذلك الاهتمام وجلس معهم يباسطهم بالكلام ثم تركهم ورجع الى فراشه ونام، وهم ناموا الى طلوع النهار فركبوا مطايهم وقصدوا جوانب الفقار.
ولما اقتربوا من وادي سلامة سمعوا صياحا وضجيجا مثل يوم القيامة فتقدموا على الاثر ليكشفوا حقيقة الخبر ولما ساروا في ذلك المكان وجدوا جمهورا من الرجال والشبان والنساء والصبيان يصيحون من قلب وجوع من شدة الجوع فتقدم الامير حسن اليهم وقد اشفق عليهم فطيب خاطرهم بالكلام وفرق عليهم جوائز الانعام ثم سارو الى المضاب والخيام واستدعي اليه سادات القبيلة و اكابر الجماعة وجعلوا يتفاوضون في امر المجاعة، فاتفق رايهم بوجه الاجمال على ان يرحلوا من تلك الاطلال بالاهل و العيال،وان يذهب ابو زيد الى بلاد الغرب وتلك الديار فيجس الاحوال، ويأتيهم بحقيقة الاخبار، ثم يرحلون بأولادهم واثقالهم الى تلك الاقطارفقال ابو زيد للأمير حسن، لا يخفاك أطال الله عمرك وأبقاك، أن المسافة، بعيدة طويلة فيلزم أاان يكون معي جماعة من ساادات القبيلة، فقال دياب هذا الامر من اسهل الامور فخذ معك من تريد من الجمهور فقال ابو زيد متى طلع النهار يوفق الله من يشاء ويختار ثم عاد الى الخيام في قلق و اهتمام فقامت له زوجته على الاقدام وقالت له بكلام الدلال مالي اراك منقبض الوجه يا ابا الابطال،فاعلمها بوافعة الحال وكيف اتفق رايهم على ارساله لتونس ولا يوجد من يعتمد عليه لياخذه على سبيل المعاونة و المؤانسة، واني قد رهنت لساني مع القوم على ان اذهب ثاني يوم فقالت له ارشدك على حيلة تتخلص بها من هذه السفرة الطويلة، وهو انك عند الصباح تدخل على الامير حسن وسادات القبيلة وتقول بانك مستعد ان تذهب الى تونس بشرط ان يرسلوا معك مرعي ويحيي ويونس، فأنهم من ابناء الاعيان ولا تسمح بهم اهلهم ان يتغربوا عن الاوطان، وبهذه الوسيلة يكون عذرك واضحا عند سادات القبيلة، فاستصوب منها هذا الكلام وفي ثاني الايام ذهب الى عند الامير حسن فالتقاه بالاكرام وقال، هل استعديت على الرحيل فقال انني في غاية الاستعداد للذهاب الى تلك البلاد ن غير اني اريد ان يكون معي رفقاء و اصحاب من سادات الاعراب لان المسافة بعيدة ومشقات الطريق شديدة، فقال الامير حسن خذ معك من تريد من الفرسان الصناديد فقال، اريد ان اخذ معي يونس و يحيي و مرعي لانهم يعاونونني في الطريق عند كل شدة وضيق، وبهم يحصل النجاح و التوفيق واعود اليكم سريعا بلا تعويق ن فاستعضم الامير حسن هذا الطلب خوفا عليهم من العطب، وكان يظن بان ابا زيد يطلب غيرهم من فرسان العرب، و لكنه سمح له اخيرا بعد ان حدثهم بذلك الخبر، و في اليوم الثالث تجهزوا للسفر و ركب الامير حسن بن سرحان في سادات القبيلة و اكابر الاعيان وساروا لوداعهم مدة ثلاثة ايام على التمام، ولما عزموا على الرجوع الى الاطلال و الربوع بكوا من فؤاد متبول و اشار ابو زيد يقول:
يقول ابو زيد الهلالي سلامة
ونيران قلبي زايدت اللهايب
وعيني من كثر البكا قل شوفها
جري دمعها فوق خدي سكايب
اسمع كلامي يا امير ابو على
وكن لقولي فاهما ثم حاسب
غدونا بعون الله جل جلاله
نرود دروب الغرب يم المغارب
وفي صحبيتي مرعي ويحيي ويونس
من اجلهم ذا النجع باكي وناحيب
وعليا عيوني يا عرب في حيكم
و صبرا وريا طويلات الذوايب
يا ابو على بالك عليهم من العدا
اذا هاجت الفرسان بين المضارب
اودعتكم لله ربي وخالقي
ومن يلتجي لله ما راح خايب
فلما فرغ ابو زيد من شعره ونظامه، وفهم الامير حسن وباقي الامراء معاني كلامه، تقدم حسن امام قواده وجعل يوصي ابو زيد بالاولاد ثم بكي وقال:
يقول الفتي حسن الهلالي ابو على
دمعي جري فقوق خدي سكايب
ونيران قلبي كلما اقول تنطفي
يزبد لها بين الضلوع لهايب
لفرقة مرعي صار قلبي ذائبا
اصبحت كالسكران للخمر شارب
ويحيي ويونس نور عيني وضوها
على بعدهم دمعات عيني سكايب
فارقتهم ما كان قصدي فراقهم
ولكن احوجتني لذاك مطالب
ايا هل تري مرعي اراه بناظري
وتزول ايام العنا والمتاعب
ايا دهر يا غدار ما لك غدرتني
ففارقت خلاني وكل الحبايب
اودعتكم لله ربي وخالقي
ومن اودع الرحمن ما راح خايب
اوصيكم المزح لا تمزحونه
فانه باكثر الاوقات غير صائب
واذا اردتم تدخلون مدينه
فيونس تراه يشتري ويحاسب
واذا جادلتم عالما بطريقكم
فمرعي على ذاك الجدال يجاوب
وابقوا ليحيي حارسا لجمالكم
فانه سيحميها من الاغارب
ومن يم عليا منور عيني ومهجتي
وصبرا وريا اعز كل الحبايب
هذي وصايا احفظوها جميعا
فان كلامي كله قول صائب
وهذه مقالات الامير ابو على
فقلبي ذاب من هول المصائب
يتبع