أبو همام
عضو مميز
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام : (( أتأذن أن أعطي هؤلاء ؟ )) قال الغلام : والله يارسول الله لا أؤثر بنصيبي فيك أحداً . قال : فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده .
فالرسول صلى الله عليه وسلم احتفظ بحق الغلام حيث قدم له الشراب لإنه كان على يمينه فهذه صورة تربوية تجعل الغلام كأنه في مصاف الرجال ... )) . وفي قوله صلى الله عليه وسلم للغلام : (( أتأذن لي أن أسقي الشيخين ؟ )) صورة عظيمة من صور فتح الحوار والمناقشة الأخوية ، ثم إحترامه صلى الله عليه وسلم لرأي الغلام حيث أعطاه الكأس ، وهذا هو العدل الذي ننشده جميعاً .
الثقة بهم وائتمانهم وتوليتهم بعض المسئوليات
ومن ذلك : أمره لأسماء بن حارثة تبليغ قومه صيام عاشوراء . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مُر قومك فليصوموا هذا اليوم )) . قال : أرأيت إن وجدتهم قد طعموا؟ قال : فليتموا بقية يومهم )) .
ومن ذلك : اختياره صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم الذي كان عمره حينها قريباً من العشرين سنة لتكون موطناً لإجتماعه باصحابه ولقائه بهم ليختفوا عن قريش وكيدها وتآمرها .
ومن ذلك : بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام وهو حينئذ شاب حديث السن وانتدب كثير من كبار المهاجرين والانصار في جيشه ؟ كان من أكبرهم عمر بن الخطاب .
ومن ذلك : إعطاؤه الراية لعلي بن أبي طالب في غزوة خيبر ؟ وإرسال مصعب بن عمير إلى المدينة ومعاذ بن جبل إلى اليمن .
إن الثقة فيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعطي أعظم الدليل على أن الشباب في مثل هذه السن يمكن أن يرقوا إلى مثل هذا المستوى ، فهل يعقل شباب الأمه ومن يقوم على تربيتهم هذا الأمر ؟!
التعليم بالتكرار
من الأساليب التربوية الناجحة التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم تكرار الكلمة أكثر من مرة ليفهم السامع ويدرك تلك الكلمة فهماً واستيعاباً ، والتكرار قد يكون في الجُمل ، وقد يكون في الأسماء ، وقد يكون في غيرها ، ومما جاء في تكرار الكلمات ما رواه أنس بن مالك (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاُ حتى تُفهم عنه ، وإذا أتى على قوم فسلّم عليهم سلّم عليهم ثلاثاُ )) ]رواه البخاري [
وعند الترمذي من حديث أنس : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثاً لتُعقل عنه )) .
قال المباركفوري : (( والمراد أنه كان صلى الله عليه وسلم يكرر الكلام ثلاثاً إذا اقتضى المقام ذلك ، لصعوبة المعنى ، أو غرابته ، أو كثرة السامعين ، لا دائماً فإن تكرير الكلام من غير حاجة ليس من البلاغة ))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة )) ]مسلــم [ فالرسول صلى الله عليه وسلم كرر كلمة رغم أنف ثلاث مرات ليجذب الانتباه ويهيئ النفوس للكلمة التي بعدها توكيداً لأهميتها .
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر – ثلاثاً - )) قالوا : بلى يارسول الله . قال : (( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين )) وكان متكئاً فجلس فقال : (( ألا وقول الزور )) قال : فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت )) ]البخاري [.
(( وقد كرر الرسول صلى الله عليه وسلم قول الزور ؛ لأن قول الزور وشهادة الزور يقع ضررها على الفرد نفسه وعلى المجتمع مما قد يسبب ضياع حقوق الناس مما ينتج عنه الحقد والبغضاء ، وبالتالي يؤدي إلى تفكك المجتمع )) .
ومما ورد في تكراره صلى لله عليه وسلم للأسم ما رواه أنس بن مالك من قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وكان رديف النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا معاذ ابن جبل )) قال : لبيك يارسول الله وسعديك – ثلاثاً )) قال : (( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صادقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار .. )) الحديث ..
وقد كرر الرسول صلى الله عليه وسلم نداءه لمعاذ بن جبل تهيئة للخبر العظيم الذي سوف يحمله ، والتكرار من أهم الطرائق التي يجب أن يتبعها المعلم والمربي ، فإن السامع قد يفوته بعض الكلام أو يعجز عن فهمه للمرة الأولى ، وقد يشرد ذهنه أو يسترعي انتباهه بعض ما حوله ، فيصرفه عن إدراك ما يسمع ، فيأتي التكرار إسعافاً له ومعونة ترده إلى المعنى ، وتوصل المعنى إليه .
أسلوب التدرج
استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب التدرج في التربية والتعليم إذا أراد أن يوصل بعض المعلومات إلى أصحابه ، ولم يقفز بهم الرسول صلى الله عليه وسلم قفزة واحدة لتعليم الإسلام جملة واحدة ، فقد كانت تربية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لأصحابه تربية متدرجة .. فعن عائشة قالت : (( إنما أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبداً . ولو نزل لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزنا أبداً )) . ]فتح الباري (9/38) برقم 4993[.
وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب التدرج عندما بعث معاذاً إلى اليمن فقال له : (( ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله أفترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة من أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردُ على فقرائهم )) .]مسلم [
وقد جاء في القرآن الكريم تحريم الخمر بصورة تدريجية ، مرّت بأربع مراحل :
الأولى : لفت نظر الناس إلى أضرار الخمر .
الثانية : ذكر بعض أضراره وأن فيه إثماً كبيراً .
الثالثة : نُهي عنه أثناء الصلاة .
الرابعة : تحريم الخمر وأنه من عمل الشيطان .
ويستطيع المربون استخدام أسلوب التدرج في تربية الناشئة ، بأن يبدأ المربي تعليم الطفل من الشيء المحسوس إلى المجرد ، ومن السهل إلى الصعب .
التعليم بضرب الأمثال
كثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول يضرب الأمثال في أحاديثه وأقواله ؛ لعلمه صلى الله عليه وسلم ما في الأمثال من قدرة على تقريب المعنى وبيان المقصود ومن ذلك :
أ- عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه ، فمرّ بجدي أسكّ ميت ، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال : (( أيكم يحب أنّ هذا له بدرهم ؟ )) فقالوا : ما نحبُّ أنه لنا بشيء ، وما نصنع به ؟ قال : (( أتحبون أنه لكــم ؟ )) قالوا : والله لو كان حيّاً كان عيباً فيه ؛ لأنه أسك فكيف وهو ميت ؟ فقال : (( فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم )) .. في هذا الحديث بيّن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حقارة وهوان الدنيا عندما مثّل الجدي الميت بها .
ب- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة ، إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت )) ]متفق عليه [ في هذا الحديث مثّل النبي صلى الله عليه وسلم الشخص الذي يحفظ القرآن بصاحب الإبل المعقلة المربوطة – إن جعلها مربوطة استطاع أن يمسكها ، وإن أطلق رباطها صعب عليه مسكها .
ج- وعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مرُّ ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مرٌّ )) ]مسلم [
د- وعن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( مثل العائد في صدقته كمثل الكلب يعود في قيئه )) ]مسلم [ ففي هذا الحديث تنفير من الرجوع في الهبة والصدقة .
هـ- وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) ]مسلم [ ففي هذا الحديث حثّ على التراحم والملاطفة والمعاضدة وأن يكونوا كالجسد الواحد .
يتبين مما سبق أهمية أسلوب ضرب الأمثال ، وأنه أحد أساليب التربية الناجحة والمؤثرة في تربية الناشئة .
التعديل الأخير بواسطة المشرف: