فرحة الاردن
الادارة العامة
علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة..
وصف التخلق البشري طورا العظام واللحم
ذكر القرآن الكريم النمو البشري ابتداء من مرحلة (النطفة)، وخلال عملية الحمل كلها بأسلوب سهل واضح رائع قول تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)﴾ [المؤمنون:12-14].
ويتضمن هذا البحث وصفاً لطورين:
1. تكون العظام.
2. تكوين العضلات في الجنين.
بمصطلحات (جنينية) معاصرة، ثم يتضمن مناقشة لطوري تكون العظام واللحم اللذين يصفان حدوث حدوث هاتين العمليتين
أولاً: تكون العظام:
أوردت المؤلفات العلمية المعاصرة وصفاً مفصلاً، لتطور العظام والعضلات البشرية.
فالعظام لا تتطور معاً في آن واحد في الجسم كله، بل هناك برنامج أو جدول زمني لتكونها.
وأول عظام يكتمل تكونها على سبيل المثال: هي عظيمات الأذن الداخلية، (خلال المرحلة الجنينية) بينما لا تكتمل مراكز النمو للعظام الطويلة للأرجل إلا بعد سن العشرين من الولادة أو أكثر. ويمكننا مع ذلك أن نحدد مرحلة مميزة للعظام عندما يدخل الجنين مرحلة انتشار الهيكل العظمي حين يتكون الهيكل الغضروفي(العظم الأولى)في الأسبوع السابع.
وبهذا ينتقل شكل الجنين من مرحلة المضغة التي لا تحمل شكلاً آدمياً إلى مرحلة العظام التي يغلب عليها شكل الهيكل العظمى المميز للإنسان.
وتتضمن عملية تكون العظام، مجموعة طلائع خلايا الأنسجة الوسطى (النسيج الجنيني الضام) لكل من العظام الغشائية والعظام الغضروفية فحين تتكون العظام بين الأغشية (كعظام الفك السفلي والفك العلوي) تتكاثف خلايا النسيج الأوسط مكونة أكداساً من الخلايا، وتتميز على شكل خلية تعظم أو بدائية عظيمة، تفرز بدورها حول نفسها منبتاً عضوياً للعظام، يكون غنياً بالغراء.وعندما يحيط منبت العظام بالخلايا، تسمى خلايا عظمية، ويتمعدن (بترسب الكالسيوم) منبت العظام العضوي مع تعظمه.
وتتكون العظام الغضروفية على نحو مماثل، باستثناء الخلايا المتكثفة في الطبقة المتوسطة فإنها تتميز أولاً، على شكل جذعة غضروفية تكون المنبت العضوي لعظام الغضروف
فيتكون الهيكل العظمي الأولى من الغضروف، ثم يحل العظم محل الغضروف، وتحيط طبقة من الأنسجة الضامة – تسمى غشاء الغضروف- بنموذج الغضروف (أو السمحاق الذي يغلف العظام)، ويكون بمثابة خزان للخلايا الأصول (الجذعات الغضروفية أو الجذعات العظمية) عند نمو هذه الأنسجة.
وبالرغم من أن طلائع خلايا العضلات والعظام قد تتجاور (في الفلقات مثلاً) فإن تاريخها يبدأ بالاختلاف عندام تبدأ الخلايا بالانتقال إلى أماكن مختلفة في الجنين إذ إنها لا تنتشر في الجسم لتكسو العظام إلا بعد تكون الهيكل العظمي الغضروفي.
وتنبثق عظام الجسم الطويلة عن النسيج الأوسط الجنيني.
وتتكاثف خلايا هذا النسيج في الأطراف، فتتجمع في المنطقة التي تتكون فيها العظام.
ومن تلك الكتلة الكثيفة من الخلايا تبدأ عملية تكون الأنسجة التي يتميز فيا النسيج الأوسط على شكل جذعات غضروفية.
وتفرز هذه الجذعات بدورها حول نفسها المنبت العضوي للغضاريف.
وينجم عن عملية التغضرف ظهور نموذج غضروفي يعطي الجنين هيكله العظمي وشكله الإنساني.
وتنفصل الخلايا عن النسيج الضام، وتشكل قلادة عظيمة حول ساق النموذج الغضروفي.
وينفصل النسيج الغضروفي اللاوعائي نتيجة لذلك عن المواد المغذية المنتشرة، ويصبح نخرياً، وتموت الخلايا الغضروفية.
ويعقب ذلك انتشار خلايا الأنسجة الضامة، والعناصر الوعائية من الأنسجة الضامة المجاورة.
وتجتمع بعض هذه الخلايا المنتشرة على شكل جذعة عظيمة وتحيط نفسها بمنبت غضروفي عظمي عضوي حديث الإفراز، وبذلك تتكون الخلايا العظمية للعظم الحديث النمو (الذي كان قبل ذلك نموذجاً غضروفياً).
ومع أنه لا يبدأ تكون العظام على نحو موحد في الجسم كله، وتظهر الأنسجة العظمية بالتعاقب. فإن الأسبوع السابع يشهد مرحلة انتشار الهيكل العظمي في جسم الجنين ويبدأ نمو عظام الأطراف في براعم العظام الجنينية من خلايا النسيج الأوسط، وتظهر مراكز التعظم الابتدائي في الفخذ خلال الأسبوع السابع (انظر الشكل4-3) وفي القص والفك خلال الأسبوعين الثامن والتاسع.
وقد دونت عملية تكون العظام في الجنين البشري تدويناً جيداً في العقود الأخيرة. وقد تمت في علم الأنسجة، دراسة دور كل من النسيج الأوسط والجذعات العظيمة، وكاسرات العظام، والخلايا العظيمة.
ومما سهل معرفة مراحل ترسب الغضاريف والتمعدن في الجنين، تطبيق اجراءات الاصطباغ الخاصة بالغضاريف والعظام.
وبالرغم من وجود طلائع خلايا (جذوع العضلات) بالقرب من العظام النامية فإن التميز على شكل روابط عضلية هيكلية تكسو العظام يحدث بعد بدء عملية التعظم في نهايات العظام والساق
ثانياً: مصطلح العظام:
قال تعالى:﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾.
هذا النص القرآني يبين أن طور العظام يأتي بعد طور المضغة، وأن المضغة قد تطورت لديها عناصر هيكلية.
ووردت في القرآن الكريم مصطلحات محددة لوصف المراحل المختلفة.
ويعتبر شكل الجنين سبباً من أسباب اختيار المصطلح المستخدم لكل مرحلة.
وعلى سبيل المثال:
تصبح النطفة علقة، حينما تفقد مظهرها الذي يشبه النطفة.
وتصبح العلقة بالمثل مضغة، وفقاً للتغير في شكلها.
لذا فالطور الذي يلي المضغة يدعي طور العظام لأن الجنين يأخذ شكل العظام بانتشار الهيكل العظمي في هذا الطور.
ويشير حرف العطف (ف) في الآية الكريمة إلى أن طور العظام ينمو بعد طور المضغة بفترة قصيرة.
وبينما يستمر طور المضغة حتى الأسبوع السادس تقريباً فإن طور العظام يظهر في بداية الأسبوع السابع بتطور الهيكل العظمي الغضروفي.
وحول هذه الأمور روى حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً فصورها خلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها)[38]
ويتخذ الجنين في بدء طور العظام المظهر الإنساني الذي يميزه عن غيره من الأجنة، كما يصف الحديث الشريف ذلك بكلمة "صورها".
ويصعب قبل اليوم الثاني والأربعين تمييز الجنين البشري عن أجنة كثير من الحيوانات، مع أنه يكون مميزاً بوضوح في مظهره
، وتبدأ بعض الخلايا غير المتخصصة للجنين في التخصص، وتتحول إلى أجزاء وظيفية متنوعة.
وينجم عن هذه العملية تكون الأعضاء وتهيئتها اللازمة للحياة. ويصبح سطح الجسم أكثر استواءً في طور العظام، ويتخذ في هذا الطور مظهراً أكثر استقامة كما ورد في القرآن الكريم ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)﴾ [الانفطار:7] .
ثالثاً: تكوين العضلات:
تنشأ معظم خلايا عضلات الهيكل العظمي من الفلقات.
لذا ينمو الجهاز العضلي على شكل فقري (مجزء).
ويشير توزيع الأعصاب الجلدية في جسم الإنسان البالغ إلى هذا التجزء العضلي
كما يشير التجزء العضلي بدوره إلى أصل التجزء الجنيني
وعند نهاية الأسبوع الخامس، وبداية الأسبوع السادس من النمو تنتقل الخلايا الأولية لهيكل الجسم، وخلايا الجلد الأولية بعيداً عن منطقة الفلقات الأصلية.
ثم تنمو هذه الخلايا وتتصل بالخلايا المجاورة، ويكون نموها في اتجاه البطن لتشكل القسيمات العضلية.
وتتجزأ هذه القسيمات العضلية بدورها إلى أجزاء خارجية (epimeric) وأجزاء داخلية (hypomeric) يزود كل منهما بفرع من العصب الشوكي.
وبصفة عامة فإن الجهاز العضلي للظهر ينشأ من طبقة الأجزاء الخارجية (epimeric).
بينما تنشأ عضلات جدران البطن والضلوع من الأجزاء الداخلية (hypomeric).
لقد درست عملية تكون العضلات على مستوى الخلويا دراسة جيدة خلال العقود القليلة الماضية. واتضح من ذلك أن الخلايا الابتدائية للخلايا العضلية تندمج معاً وتكون مركبات متعددة النويات تتخذ شكل أنابيب عضلية (Myotubes)
ويستمر النمو باندماج كل من الخلايا العضلية والأنابيب العضلية، ويحدث بعد الاندماج مباشرة أو خلاله تأليف وتنظيم بشكل تدريجي للخيوط العضلية Myofilaments (الأكتين، الميوسين وغيرهما من البروتينات العضلية) في هذه الخلايا أو (الألياف) العضلية.
ويظهر ترتيب الألياف العضلية غير منتظم في البداية، ولكنها تدريجياً تنتظم في حزم من الألياف العضلية التي يتصف بها التنظيم النسيجي لعضلات الهيكل العظمي، ثم تتصل هذه الخلايا العضلية بغشاء العظام التي تكونت في هذا الموضع مكونة حول هذه العظام النسيج العضلي الذي يكسو تلك العظام. مع نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن، ويمكن ملاحظة تميز واضح لعضلات الجذع والأطراف والرأس، وقد بدت بصورة جلية في هذه الفترة وبهذا يصبح الجنين قادراً على إحداث بعض الحركات
وقبل ألف وأربعمائة عام ذكر القرآن الكريم سبق تكون العظام في جنين الإنسان وما يعقبه من كساء العظام باللحم (العضلات) فقال تعالى:
﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون:14] .
ويتم اتصال الألياف العضلية بالعظام بواسطة أوتار عن طريق تشابك النهايات القصوى للخلايا العضلية بحزم النسيج الضام للوتر المتكون. وهذا النسيج الضام الكثيف يتصل بقوة بالقشرة الخارجية المحيطة بالخلايا العضلية. كما يتصل كذلك بغشاء العظام الذي سبق تكوينه.
ومع نمو العظام فقد تنظمر حزم النسيج الضام داخل العظام على شكل ألياف: (شاربي) Sharpey, Sftbers. .
ويلاحظ أن تحلل الخلايا العضلية، وحلول عناصر النسيج الضام مكانها يمكن أن يقدم لنا تصوراً عن كيفية تكون الأوتار والصفاقات.
إن علم الحياة النمائية يهتم بدراسة تسلسل عمليات النمو التي تحدث في تكوين العظام والعضلات، ويمكننا أن نلخص نموذج التسلسل العام لهذه العمليات بما يلي:
(عندما تتكون عظام الهيكل فإن الطبقة المتوسطة التي تتشكل منها العضلات تبدأ في التجمع على هيئة كتل ظهرية أو بطنية، وتقوم بكساء أجزاء الهيكل العظمي المتكون)[39].
رابعاً: مصطلح الكساء باللحم:
لا تأخذ العظام واللحم (العضلات) شكلها الواضح المعروف في الأربعين يوماً الأولى[40] .
وتظهر في هيئتها المعتادة في الأسبوع السابع، ويشكل الجنين فتتميز لدينا مرحلة محددة مختلفة في مظهرها وتركيبها عن المرحلة السابقة (المضغة).
وتلي مرحلة العظام مرحلة أخرى تتميز عنها بكساء الهيكل العظمي باللحم من جميع جوانبه، فتتعدل الصورة الآدمية للجنين، وتتناسق الأعضاء بصورة أدق، وبذلك يبدأ الجنين بالحركة في نهاية الأسبوع الثامن.
وهذه مرحلة متميزة عن مرحلة العظام في التركيب والتناسق والصورة، وقدرة الجنين على الحركة.
وتبدأ هذه المرحلة من أواخر الأسبوع السابع إلى تمام الأسبوع الثامن. وتأتي عقب مرحلة العظام مباشرة،
وهكذا جاء النص القرآني دالاً على التتابع السريع بين المرحلتين باستعمال حرف العطف (ف) الذي يفيد تعاقب الأحداث التي يربط بينها.
وتشير الآية الكريمة أيضاً إلى أن مرحلة الكساء باللحم تمثل نهاية لمرحلة من مراحل نمو الجنين لتبدأ بعدها مرحلة النشأة بفترة من الزمن يدل عليها استعمال حرف العطف (ثم) الدال على الترتيب والتراخي في الزمن بين الأفعال التي يربط بينها.
وكل ذلك قد دلت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى:
﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)﴾
خامساً: الخلاصة:
إن إستخدام مصطلحي عظام (الهيكل العظمي) ولحم (العضلات) يبين بوضوح السمات الرئيسية للأسبوعين السابع والثامن على التوالي.
وهما يتسمان بفترتي تكوين العظام، وتكوين العضلات، ويصفان هذين الطورين بلغة واضحة بعيدة عن الغموض.
وبالرغم من أن أرسطو وبعض القدماء الذي أحرزوا تقدماً في هذا المضمار قد أشاروا إلى مفهوم النمو المتسلسل، إلا أن كثيراً من ملاحظاتهم قد استندت إلى وصف نمو أجنة الطيور، وهي لا تنطبق على المراحل الإبتدائية الأولى للتخلق البشري. كما أن البشرية لم تعرف أن خلق الإنسان في الرحم يمر بأطوار مختلفة إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر([41]).
ويستطيع المرء أن يبحث في القرآن الكريم ليجد أول وصف تفصيلي للجنين حسب أطوار التخلق وأحداث النمو، وقد سبق بقرون كثيرة تلك المعلومات التي لم نتوصل إليها إلا حديثاً عن طريق جهود الكثيرين من العلماء والباحثين. وبعد أن تيسر للإنسان استخدام أدق الأجهزة والآلات التي لم تتوفر للإنسان إلا في عصرنا الحاضر
وصف التخلق البشري طورا العظام واللحم
ذكر القرآن الكريم النمو البشري ابتداء من مرحلة (النطفة)، وخلال عملية الحمل كلها بأسلوب سهل واضح رائع قول تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)﴾ [المؤمنون:12-14].
ويتضمن هذا البحث وصفاً لطورين:
1. تكون العظام.
2. تكوين العضلات في الجنين.
بمصطلحات (جنينية) معاصرة، ثم يتضمن مناقشة لطوري تكون العظام واللحم اللذين يصفان حدوث حدوث هاتين العمليتين
أولاً: تكون العظام:
أوردت المؤلفات العلمية المعاصرة وصفاً مفصلاً، لتطور العظام والعضلات البشرية.
فالعظام لا تتطور معاً في آن واحد في الجسم كله، بل هناك برنامج أو جدول زمني لتكونها.
وأول عظام يكتمل تكونها على سبيل المثال: هي عظيمات الأذن الداخلية، (خلال المرحلة الجنينية) بينما لا تكتمل مراكز النمو للعظام الطويلة للأرجل إلا بعد سن العشرين من الولادة أو أكثر. ويمكننا مع ذلك أن نحدد مرحلة مميزة للعظام عندما يدخل الجنين مرحلة انتشار الهيكل العظمي حين يتكون الهيكل الغضروفي(العظم الأولى)في الأسبوع السابع.
وبهذا ينتقل شكل الجنين من مرحلة المضغة التي لا تحمل شكلاً آدمياً إلى مرحلة العظام التي يغلب عليها شكل الهيكل العظمى المميز للإنسان.
وتتضمن عملية تكون العظام، مجموعة طلائع خلايا الأنسجة الوسطى (النسيج الجنيني الضام) لكل من العظام الغشائية والعظام الغضروفية فحين تتكون العظام بين الأغشية (كعظام الفك السفلي والفك العلوي) تتكاثف خلايا النسيج الأوسط مكونة أكداساً من الخلايا، وتتميز على شكل خلية تعظم أو بدائية عظيمة، تفرز بدورها حول نفسها منبتاً عضوياً للعظام، يكون غنياً بالغراء.وعندما يحيط منبت العظام بالخلايا، تسمى خلايا عظمية، ويتمعدن (بترسب الكالسيوم) منبت العظام العضوي مع تعظمه.
وتتكون العظام الغضروفية على نحو مماثل، باستثناء الخلايا المتكثفة في الطبقة المتوسطة فإنها تتميز أولاً، على شكل جذعة غضروفية تكون المنبت العضوي لعظام الغضروف
فيتكون الهيكل العظمي الأولى من الغضروف، ثم يحل العظم محل الغضروف، وتحيط طبقة من الأنسجة الضامة – تسمى غشاء الغضروف- بنموذج الغضروف (أو السمحاق الذي يغلف العظام)، ويكون بمثابة خزان للخلايا الأصول (الجذعات الغضروفية أو الجذعات العظمية) عند نمو هذه الأنسجة.
وبالرغم من أن طلائع خلايا العضلات والعظام قد تتجاور (في الفلقات مثلاً) فإن تاريخها يبدأ بالاختلاف عندام تبدأ الخلايا بالانتقال إلى أماكن مختلفة في الجنين إذ إنها لا تنتشر في الجسم لتكسو العظام إلا بعد تكون الهيكل العظمي الغضروفي.
وتنبثق عظام الجسم الطويلة عن النسيج الأوسط الجنيني.
وتتكاثف خلايا هذا النسيج في الأطراف، فتتجمع في المنطقة التي تتكون فيها العظام.
ومن تلك الكتلة الكثيفة من الخلايا تبدأ عملية تكون الأنسجة التي يتميز فيا النسيج الأوسط على شكل جذعات غضروفية.
وتفرز هذه الجذعات بدورها حول نفسها المنبت العضوي للغضاريف.
وينجم عن عملية التغضرف ظهور نموذج غضروفي يعطي الجنين هيكله العظمي وشكله الإنساني.
وتنفصل الخلايا عن النسيج الضام، وتشكل قلادة عظيمة حول ساق النموذج الغضروفي.
وينفصل النسيج الغضروفي اللاوعائي نتيجة لذلك عن المواد المغذية المنتشرة، ويصبح نخرياً، وتموت الخلايا الغضروفية.
ويعقب ذلك انتشار خلايا الأنسجة الضامة، والعناصر الوعائية من الأنسجة الضامة المجاورة.
وتجتمع بعض هذه الخلايا المنتشرة على شكل جذعة عظيمة وتحيط نفسها بمنبت غضروفي عظمي عضوي حديث الإفراز، وبذلك تتكون الخلايا العظمية للعظم الحديث النمو (الذي كان قبل ذلك نموذجاً غضروفياً).
ومع أنه لا يبدأ تكون العظام على نحو موحد في الجسم كله، وتظهر الأنسجة العظمية بالتعاقب. فإن الأسبوع السابع يشهد مرحلة انتشار الهيكل العظمي في جسم الجنين ويبدأ نمو عظام الأطراف في براعم العظام الجنينية من خلايا النسيج الأوسط، وتظهر مراكز التعظم الابتدائي في الفخذ خلال الأسبوع السابع (انظر الشكل4-3) وفي القص والفك خلال الأسبوعين الثامن والتاسع.
وقد دونت عملية تكون العظام في الجنين البشري تدويناً جيداً في العقود الأخيرة. وقد تمت في علم الأنسجة، دراسة دور كل من النسيج الأوسط والجذعات العظيمة، وكاسرات العظام، والخلايا العظيمة.
ومما سهل معرفة مراحل ترسب الغضاريف والتمعدن في الجنين، تطبيق اجراءات الاصطباغ الخاصة بالغضاريف والعظام.
وبالرغم من وجود طلائع خلايا (جذوع العضلات) بالقرب من العظام النامية فإن التميز على شكل روابط عضلية هيكلية تكسو العظام يحدث بعد بدء عملية التعظم في نهايات العظام والساق
ثانياً: مصطلح العظام:
قال تعالى:﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾.
هذا النص القرآني يبين أن طور العظام يأتي بعد طور المضغة، وأن المضغة قد تطورت لديها عناصر هيكلية.
ووردت في القرآن الكريم مصطلحات محددة لوصف المراحل المختلفة.
ويعتبر شكل الجنين سبباً من أسباب اختيار المصطلح المستخدم لكل مرحلة.
وعلى سبيل المثال:
تصبح النطفة علقة، حينما تفقد مظهرها الذي يشبه النطفة.
وتصبح العلقة بالمثل مضغة، وفقاً للتغير في شكلها.
لذا فالطور الذي يلي المضغة يدعي طور العظام لأن الجنين يأخذ شكل العظام بانتشار الهيكل العظمي في هذا الطور.
ويشير حرف العطف (ف) في الآية الكريمة إلى أن طور العظام ينمو بعد طور المضغة بفترة قصيرة.
وبينما يستمر طور المضغة حتى الأسبوع السادس تقريباً فإن طور العظام يظهر في بداية الأسبوع السابع بتطور الهيكل العظمي الغضروفي.
وحول هذه الأمور روى حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً فصورها خلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها)[38]
ويتخذ الجنين في بدء طور العظام المظهر الإنساني الذي يميزه عن غيره من الأجنة، كما يصف الحديث الشريف ذلك بكلمة "صورها".
ويصعب قبل اليوم الثاني والأربعين تمييز الجنين البشري عن أجنة كثير من الحيوانات، مع أنه يكون مميزاً بوضوح في مظهره
، وتبدأ بعض الخلايا غير المتخصصة للجنين في التخصص، وتتحول إلى أجزاء وظيفية متنوعة.
وينجم عن هذه العملية تكون الأعضاء وتهيئتها اللازمة للحياة. ويصبح سطح الجسم أكثر استواءً في طور العظام، ويتخذ في هذا الطور مظهراً أكثر استقامة كما ورد في القرآن الكريم ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)﴾ [الانفطار:7] .
ثالثاً: تكوين العضلات:
تنشأ معظم خلايا عضلات الهيكل العظمي من الفلقات.
لذا ينمو الجهاز العضلي على شكل فقري (مجزء).
ويشير توزيع الأعصاب الجلدية في جسم الإنسان البالغ إلى هذا التجزء العضلي
كما يشير التجزء العضلي بدوره إلى أصل التجزء الجنيني
وعند نهاية الأسبوع الخامس، وبداية الأسبوع السادس من النمو تنتقل الخلايا الأولية لهيكل الجسم، وخلايا الجلد الأولية بعيداً عن منطقة الفلقات الأصلية.
ثم تنمو هذه الخلايا وتتصل بالخلايا المجاورة، ويكون نموها في اتجاه البطن لتشكل القسيمات العضلية.
وتتجزأ هذه القسيمات العضلية بدورها إلى أجزاء خارجية (epimeric) وأجزاء داخلية (hypomeric) يزود كل منهما بفرع من العصب الشوكي.
وبصفة عامة فإن الجهاز العضلي للظهر ينشأ من طبقة الأجزاء الخارجية (epimeric).
بينما تنشأ عضلات جدران البطن والضلوع من الأجزاء الداخلية (hypomeric).
لقد درست عملية تكون العضلات على مستوى الخلويا دراسة جيدة خلال العقود القليلة الماضية. واتضح من ذلك أن الخلايا الابتدائية للخلايا العضلية تندمج معاً وتكون مركبات متعددة النويات تتخذ شكل أنابيب عضلية (Myotubes)
ويستمر النمو باندماج كل من الخلايا العضلية والأنابيب العضلية، ويحدث بعد الاندماج مباشرة أو خلاله تأليف وتنظيم بشكل تدريجي للخيوط العضلية Myofilaments (الأكتين، الميوسين وغيرهما من البروتينات العضلية) في هذه الخلايا أو (الألياف) العضلية.
ويظهر ترتيب الألياف العضلية غير منتظم في البداية، ولكنها تدريجياً تنتظم في حزم من الألياف العضلية التي يتصف بها التنظيم النسيجي لعضلات الهيكل العظمي، ثم تتصل هذه الخلايا العضلية بغشاء العظام التي تكونت في هذا الموضع مكونة حول هذه العظام النسيج العضلي الذي يكسو تلك العظام. مع نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن، ويمكن ملاحظة تميز واضح لعضلات الجذع والأطراف والرأس، وقد بدت بصورة جلية في هذه الفترة وبهذا يصبح الجنين قادراً على إحداث بعض الحركات
وقبل ألف وأربعمائة عام ذكر القرآن الكريم سبق تكون العظام في جنين الإنسان وما يعقبه من كساء العظام باللحم (العضلات) فقال تعالى:
﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون:14] .
ويتم اتصال الألياف العضلية بالعظام بواسطة أوتار عن طريق تشابك النهايات القصوى للخلايا العضلية بحزم النسيج الضام للوتر المتكون. وهذا النسيج الضام الكثيف يتصل بقوة بالقشرة الخارجية المحيطة بالخلايا العضلية. كما يتصل كذلك بغشاء العظام الذي سبق تكوينه.
ومع نمو العظام فقد تنظمر حزم النسيج الضام داخل العظام على شكل ألياف: (شاربي) Sharpey, Sftbers. .
ويلاحظ أن تحلل الخلايا العضلية، وحلول عناصر النسيج الضام مكانها يمكن أن يقدم لنا تصوراً عن كيفية تكون الأوتار والصفاقات.
إن علم الحياة النمائية يهتم بدراسة تسلسل عمليات النمو التي تحدث في تكوين العظام والعضلات، ويمكننا أن نلخص نموذج التسلسل العام لهذه العمليات بما يلي:
(عندما تتكون عظام الهيكل فإن الطبقة المتوسطة التي تتشكل منها العضلات تبدأ في التجمع على هيئة كتل ظهرية أو بطنية، وتقوم بكساء أجزاء الهيكل العظمي المتكون)[39].
رابعاً: مصطلح الكساء باللحم:
لا تأخذ العظام واللحم (العضلات) شكلها الواضح المعروف في الأربعين يوماً الأولى[40] .
وتظهر في هيئتها المعتادة في الأسبوع السابع، ويشكل الجنين فتتميز لدينا مرحلة محددة مختلفة في مظهرها وتركيبها عن المرحلة السابقة (المضغة).
وتلي مرحلة العظام مرحلة أخرى تتميز عنها بكساء الهيكل العظمي باللحم من جميع جوانبه، فتتعدل الصورة الآدمية للجنين، وتتناسق الأعضاء بصورة أدق، وبذلك يبدأ الجنين بالحركة في نهاية الأسبوع الثامن.
وهذه مرحلة متميزة عن مرحلة العظام في التركيب والتناسق والصورة، وقدرة الجنين على الحركة.
وتبدأ هذه المرحلة من أواخر الأسبوع السابع إلى تمام الأسبوع الثامن. وتأتي عقب مرحلة العظام مباشرة،
وهكذا جاء النص القرآني دالاً على التتابع السريع بين المرحلتين باستعمال حرف العطف (ف) الذي يفيد تعاقب الأحداث التي يربط بينها.
وتشير الآية الكريمة أيضاً إلى أن مرحلة الكساء باللحم تمثل نهاية لمرحلة من مراحل نمو الجنين لتبدأ بعدها مرحلة النشأة بفترة من الزمن يدل عليها استعمال حرف العطف (ثم) الدال على الترتيب والتراخي في الزمن بين الأفعال التي يربط بينها.
وكل ذلك قد دلت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى:
﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)﴾
خامساً: الخلاصة:
إن إستخدام مصطلحي عظام (الهيكل العظمي) ولحم (العضلات) يبين بوضوح السمات الرئيسية للأسبوعين السابع والثامن على التوالي.
وهما يتسمان بفترتي تكوين العظام، وتكوين العضلات، ويصفان هذين الطورين بلغة واضحة بعيدة عن الغموض.
وبالرغم من أن أرسطو وبعض القدماء الذي أحرزوا تقدماً في هذا المضمار قد أشاروا إلى مفهوم النمو المتسلسل، إلا أن كثيراً من ملاحظاتهم قد استندت إلى وصف نمو أجنة الطيور، وهي لا تنطبق على المراحل الإبتدائية الأولى للتخلق البشري. كما أن البشرية لم تعرف أن خلق الإنسان في الرحم يمر بأطوار مختلفة إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر([41]).
ويستطيع المرء أن يبحث في القرآن الكريم ليجد أول وصف تفصيلي للجنين حسب أطوار التخلق وأحداث النمو، وقد سبق بقرون كثيرة تلك المعلومات التي لم نتوصل إليها إلا حديثاً عن طريق جهود الكثيرين من العلماء والباحثين. وبعد أن تيسر للإنسان استخدام أدق الأجهزة والآلات التي لم تتوفر للإنسان إلا في عصرنا الحاضر