القلم الأصيل
عضو جديد
اللغة العربية في قفص الاتهام
كانت فاطمة تجلس على الأريكة، تقرأ الجريدة التي اعتادت قراءتها و هي " المنار"، و لكن أثار تفكيرها المشكلة أو القضية التي حدثت قبل أسبوع، حيث أثار المسشرقون حملة جائرة ضد اللغة العربية، و جعلوا لغة الجرائد المصرية "اللغة المرقعة – العامية"، مما أدى إلى ظهور ضعف في اللغة العربية الفصيحة. قالت فاطمة لنفسها : لا أدري لِمَ أجازوا هذا القرار..؟ ، هذه لغتنا العربية، يجب ان نحبها كحب الأم لطفلها.. كحب الفلاح لأرضه.. كحب الجندي لوطنه.. ألا يكفيهم أنها لغة القرآن، و لغة أهل الجنة".
و بينما كانت تُقلب صفحات الجريدة، لفت نظرها شِعرٌ كتبه الشاعر "حافظ ابراهيم" عن اللغة العربية، فأخذت تقرأه باهتمام، و قالت : ياه ما أجملَ كلماته.. و لكن، حصل شيء غريب .. بدأت الأحرف تخرج من الجرائد و الكتب،
تقفز و تركض مسرعةً ، نحو الأبواب و النوافذ التي فُتحت فجأة .. كان المشهد مخيفاً، جرت فاطمة تركض خلف الأحرف.. تركض بأسرع ما عندها، تُطلق ساقيها للريح، حتى وصلت إلى الغابة، في البداية ترددت فاطمة للحظة في الجري وراء الأحرف، لكن قديمها كانتا أسرع من تفكيرها، و ظلت الحروف تجري حتى وصلت إلى شجرة كبيرة عظيمة، و صارت تتراقص حولها، حتى شكلت لوحة فنية. أخذ لحاء الشجرة يدور و يدور حتى ظهر منه باب ذهبي، دخلت من خلاله أحرف من اللغات و من ورائهم دخلت فاطمة دون تفكير بالعواقب التي ستحدث.
عندما دخلت فاطمة، نظرت حولها فرأت محكمة لم يسبق لها مثيل، جلست الأحرف المتشابهة في اللغة على صف واحد، بينما جلس مقابلها و على كرسي من ذهب عالي القمة القاضي. كانت المحكمة هادئة جداً، تسمع فيها صوت الإبرة تسقط
على الأرض. و فجأة ظهر حرف (ض) يصرخ و ينادي : سيدي القاضي هل أستدعيها ؟ القاضي : نعم، أدخلو اللغة العربية، فغذا الباب ينشق عن امرأة ذات وجه صبيحٍ و جمال لا يوصف، تردي من أجمل الثياب، تمشي على استحياء
و بتواضع .. كانت تبكي .. و كانت حزينة، مشت حتى جلست على كرسي زُيِّن بالياقوت، قالت : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، حياكم الله جميعاً، ثم جلست. قال القاضي : فليدخل المحامي، و نظرت فاطمة إلى الباب، لترى من هو المحامي، لقد كان ..... الشاعر الكبير : حافظ ابراهيم. دخل واثقاً رافعاً الرأسَ نحو كرسيه و جلس. قال القاضي : من يريد الكلام، فليتحدث الآن أو ليصمت. فوقفت اللغة الإنجليزية و قالت بتكبر : أرى سيدي القاضي أن نُنهيَ هذه القضيةَ الآن، فالكل يوافق أنه لم تعد هناك أهمية للغة العربية، فقد استُبدلت الآن باللغة المرقعة(العامية)، كما أنها لم تعد كسابق عهدها، فقد أصبحت قديمةً جداً، و لم يعد يستخدمها أحد كلغة علمية في الجامعات.. و أحب أ ن أضيف ..... قاطعها هنا الشاعر قائلاً: صحيحٌ أنه لم يعد أحد يستخدمها و لكن دعيني أذكركم بأنها ترفع من يتكلم بها .. أي نحن العرب.. قومها، هنا كانت نقطة تغـير لأن فاطمة جاءتها عطسة، حاولت أن تتمالكها و لكن هيهات .. ( هاااااااتشووووو ) نظر الجميع إلى الخلف ليروا من صاحب هذه العطسة ( من هذه الفتاة) قال القاضي.. أنا فاطمة ياسيدي، جئتُ وراء هذه الأحرفِ فضولاً، لأعلم سبب هروبها، و قد فهمت الآن أنه يتم محاكمة اللغة العربية، سكت القاضي قليلاً، ثم قال : يا ابنتي تبدو عليكِ ملامحُ الذكـاءِ
و الفصاحة، أعطيكِ خمس دقائق تقولين فيها رأيكِ، إذا أقنعتني تعود للغة العربية مكانتها، و إذا فشلتِ فسوف أمنعُ التخاطب باللغة العربية تماماً. وقفت فاطمة ثم قالت بجرأةٍ و شجاعة : أنا لا أقول بأنني كنتُ أحب لغتي كما أحبها الآن، أشعر بالخجل لأنني مقصرةٌ في حقها.. ياقومنا .. أتتهمونَ لغتنا بأنها عقيمٌ، قد أصبحت قديمةً و بالية. أو لأنها الآن لا تستطيع تنسيق أسماءَ مخترعاتٍ و آلات.!! قالوا عن العربية لا ترفع أصحابها، و أن لرجال الغرب عزاً و شهرة .. من منا لا يعرف ا لمتنبي ، الجاحظ، و شعراء المعلقات و منهم العنترة و حسان بن ثابت شاعر رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم، ألا يكفيكم أنها لغة كتاب رب العزة.. لغة القرآن الكريم، فقد قال تعالى " إنا أنزلناه قرآناً عربياً " ، أتستبدلون اللغة العربية ذات كتاب و شعراء إلى لغة -سامحكم الله – حديثة ، لا بل في بعض كلماتها اشتقاقاتٌ كثيرة من جذور عربية أصيلة. سيدي .. لُغتنا هي من نكون، غن سُلبت منا فكأنما سُلب جزءٌ منا.
هنا وقف القاضي و قال : بارك الله فيكِ يا ابنتي، من علمك الكلام بصدق و فصاحة ؟ تقدمت فاطمة من اللغة العربية
و قالت : إنما هي أم اللغات.. اللغة العربية، ابتسمت اللغة العربية ثم قالت: سلام الله عليكِ فأنت خيرُ الابنة، ثم نظرت اللغة العربية إلى الشاعر حافظ إبراهيم و أومأت له برأسها، فتقدم من الجميع و قال متحمساً مدافعاً عن لغته و أصله العربي:
وسعتُ كتاب الله لفظاً و غايةً و ما ضقتُ عن آيٍ به و عظاتَ
فكيف أضيق اليومَ عن وصفِ آلةً و تنسيق أسماءٍ لمخترعات
أنا البحر فثي أحشائه الدرُ كامنٌ فهل سألوا الغواصَ عن صدفاتي.