أبو همام
عضو مميز
هي ضانا مغطاة بالاشجار المعمرة كالسرو والبلوط والبطم والعرعر والصنوبر والارز النادر والتي يقدر عمر بعضها بحوالي 3000 سنة علاوة على وجود اعداد كبيرة من الحيوانات كالبدن والغزلان الجبلية والنمر المرقط والذئب والثعلب وكذلك انواع من طيور الحجل والشنار.
من يقف على مرتفعاتها تسحره الطبيعة الفاتنة البكر التي تعبر عنها سلسلة جبال وردية غاية في الجمال والتكوين وهي نفس نوعية الجبال التي نحتت منها البتراء العجيبة واعلى قمم هذه الجبال هو الجبل المسمى «العِلَّمة»، والذي يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 1635م.
اكتسبت ضانا اسمها من القرية الواقعة على حدودها التي كانت تسمى بترينا او ثانا التي تقع على مرتفع صخري يعلو 1210م عن سطح البحر، وتعتبر النموذج الامثل للطراز المعماري القديم للقرية الاردنية، فقد شيدت بسواعد اهلها القوية من الحجارة والطين وخشب السنديان والبطم والبلوط ومن القصيب الموجود على ضفاف اوديتها السحيقة المغطاة بالاشجار المعمرة التي ورد ذكرها سابقا.
ويسجل التنوع الحيوي النباتي الهائل في جبال وسهول وصحراء واودية ضانا 648 نوعا من الاشجار والنباتات المختلفة تشكل ما نسبته 30% من مجمل الانواع المسجلة في الاردن.
اما من الناحية التاريخية فقد كان لهذه المنطقة من الاردن حضورها حينما خرج ابو طالب في تجارته الى بلاد الشام و يرافقه فتى لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره وكان هذا الفتى هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وعندما بلغت القافلة بُصرى في جنوب الشام، وكما تروي كتب السيرة انه التقى بالراهب بحيرة حيث رأى الراهب علامات النبوة على ذلك الفتى اليافع فأوصى ابا طالب بضرورة الحذر والانتباه لئلا يتعرض له اليهود بالاذى حيث انه وردت اخباره في التوراة والانجيل.
وقد دلت الآثار على وجود تجمعات كنسية تزيد على عشرين كنيسة وتسمى الى هذه الايام «النصرانية» وهي التي تقع على مشارف ضانا فيما يسمى الآن بصيرا «بصرى». ففي الرشادية على طريق ضانا بمائها العذب «مياه عين لحظة» حيث يوجد في ساحتها شجرة سنديان يقال إن النبي عليه السلام قد جلس تحتها مع الراهب بحيرة، وذكرت الذاكرة الشعبية بان بُصرى ما هي الا بصيرا، والتي مر الرسول من شرقيها في سفح جبل غربي غرندل التي كانت في القرن الخامس الميلادي مركزا للاسقفية.
وكما ورد في كتب السيرة بان الصحابي الجليل الحارث بن عمير الازدي الذي أُرسل من قبل الرسول عليه السلام فيما بعد ارسل الى مدينة بُصرى، التي هي بصيرا الان داعيا الى الاسلام شرحبيل بن عمرو الغساني الذي قام بقتله والذي ما زال مقامه الى هذه الايام في بصيرا.
و الاثار والدراسات اكدت بان جعفر الطيار قد مر على المنطقة في طريقه الى مؤتة مع الجيش الذي اخترق الجبال حيث توقف بالجيش عند آبار المساء وجلس يستريح تحت شجرة في المنطقة والتي تسمى شجرة الطيار والتي تقع على مشارف ضانا.
بعد ان انتهت معركة مؤتة وقتل واستشهد فيها قادتها الثلاثة عاد خالد بن الوليد على رأس الجيش المتعب حذرا فابتعد عن خطر التجمعات المتربصة به في الجبال ذات الحصون والقلاع فاختار طريق عودته بدراية وخبرة عالية حيث مروا بمدينة ذات حصن، وكان اهل هذا الحصن قد قتلوا رجلا من المسلمين اثناء مرورهم الى مؤتة فحاصرهم وفتح حصنهم وقتل خالد بن الوليد عددا كبيرا منهم في المكان الذي يسمى الآن «نقيع الدم» وتابع خالد مسيره في الصيف اللاهب محاولا تأمين الجيش بالمساء وقد سمعت القبائل خبر انسحابه بجيشه المتعب، فما ان وصل غرندل حتى انتحى غربا بمسار بين بصيرا وضانا فهبط وادي عربة وهو الذي يسمى الى الان «وادي خالد» وبهذا فقد انقذ خالد بن الوليد بعبقريته الفذة جيش المسلمين من هجمات الرومان ,ووأمن للمسلمين انسحاباً منظماً آمناً.
والمتتبع للاثار الموجودة الى غاية الان في منطقة ضانا وما حولها يستطيع ان يشاهد بام عينه ما كانت عليه هذه المنطقة من عمران وتعدين وقلاع وحصون ومصادر مياه عذبة. فان الدراسات دلت على وجود النحاس واستغلاله من قبل سكان تلك المناطق حيث استغل الرومان المسيحيون المتدينون في استخراج النحاس من مناطق «فينان، وادي خالد، خربة النحاس، ابو خشيبة، الجارية، ام العمد، وغيرها من تلك المناطق وهو من الاسباب الرئيسية التي شجعت هؤلاء السكان للعيش في هذه المناطق، فما زالت المناجم والافران وبقايا شوائب الصهر مثل الخشب او فتات المنغنيز المتناثر بركامه الاسود هنا وهناك.
وما عليك الا ان تشد الرحال الى الجنوب قاصدا ضانا ففي أي وقت وصلت فلا بد ان تشاهد اما شروقها الساحر او غروبها الهادىء الفتان ويا له من سحر اذا شاء لك القدر ورأيت الاثنين، وتمتعت باصوات عصافيرها تغرد وتعزف اجمل موسيقى الطبيعة.
ولضانا قمر يطل عليك ساحرا هادئا يبعث في النفس الطمأنينة والوجد فاجلس هادئا ودع البصر يتعبد في محرابها ويتأمل شجرها و مياهها، وصخورها ورائحة التاريخ، ودع النفس تسبّح لمبدع ضانا الذي خلق فابدع، فكانت لوحة نادرة في الطبيعة كما يصفها الاستاذ سليمان القوابعة في كتابه «ضانا ساعة الضحى « ومنه استوحينا التفاصيل السابقة.(الرأي)
مما تصفحت وراق لي