أبو همام
عضو مميز
عم إنَّ الرجال قوَّامون على النساء كما يقول الله تعالى في كتابه العزيز، ولكن المرأة عماد الرجل، وملاك أمره، وسر حياته؛ من صرخة الوضع إلى أنَّة النزع.
لا يستطيع الأب أن يحمل بين جانحتيه لطفله الصغير عواطف الأم، فهي التي تحوطه بعنايتها ورعايتها، وتبسط عليه جناح رحمتها ورأفتها، وتسكب قلبها في قلبه حتى يستحيلا إلى قلب واحد، يخفق خفوقاً واحداً ويشعر بشعور واحد، وهي التي تسهر عليه ليلها، وتكلؤه نهارها، وتحتمل جميع آلام الحياة وأرزائها في سبيله، غير شاكية ولا متبرمة، بل تزداد شغفاً به، وإيثاراً له، وضناً بحياته، بمقدار ما تبذل من الجهود في سبيل تربيته، ولو شئت أن أقول لقلت إنَّ سر الحياة الإنسانية وينبوعها وكوكبها الأعلى الذي تنبعث منه جميع أشعتها ينحصر في كلمة واحدة هي "قلب الأم".
لا يستطيع الرجل أن يكون رجلاً حتى يجد إلى جانبه زوجة تبعث في نفسه روح الشجاعة والهمَّة، وتغرس في قلبه كبرياء التبعة وعظمتها، وحسب المرء أن يعلم أنَّه سيد وأنَّ رعيَّةً كبيرة أو صغيرة تضع ثقتها فيه، وتستظل بظلّ حمايته ورعايته، وتعتمد في شؤون حياتها عليه، حتى يشعر بحاجته إلى استكمال جميع صفات السيد ومزاياه في نفسه، فلا يزال يعالج ذلك من نفسه ويأخذها به أخذاً حتى يتم له ما يريد، وما نصح الرجل بالجد في عمله والاستقامة في شؤون حياته، وسلوك الجادة في سيره، ولا هداه إلى التدبير ومزاياه، والاقتصاد وفوائده، والسعي وثمراته، ولا دفع به في طريق المغامرة والمخاطرة، والدأب والمثابرة، مثل دموع الزوجة المنهلة، ويدها الضارعة المبسوطة.
ولا يستطيع الشيخ الفاني أن يجد في أخريات أيامه في قلب ولده الفتى من الحنان والعطف، والحب والإيثار، ما يجد في قلب ابنته الفتاة، فهي التي تمنحه يدها عكازاً لشيخوخته، وقلبها مستودعاً لأسراره، وهواجس نفسه، وهي التي تسهر بجانب سرير مرضه ليلها كله تتسمَّع أنفاسه، وتصغى إلى أنَّاته، وتحرص الحرص كله على أن تفهم من حركات يديه، ونظرات عينيه، حاجاته وأغراضه، فإذا نزل به قضاء الله كانت هي من دون ورثته جميعاً الوارثة الوحيدة التي تعدّ موته نكبة عظمى لا يهونها عليها، ولا يخفف من لوعتها في نفسها، أنَّه قد ترك من بعده ميراثاً عظيماً. وكثيراً ما سمع السامعون في بيت الميت قبل أن يجف تراب قبره أصوات أولاده يتجادلون، ويشتجرون في الساعة التي يجتمع فيها بناته ونساؤه في حجراتهن نائحات باكيات.
وجملة القول: إنَّ الحياة مسرَّات وأحزان، أمَّا مسرَّاتها فنحن مدينون بها للمرأة؛ لأنَّها مصدرها وينبوعها الذي تتدفَّق منه، وأما أحزانها فالمرأة هي التي تتولى تحويلها إلى مسرات أو ترويحها عن نفوس أصحابها على الأقل، فكأننا مدينون للمرأة بحياتنا كلها.
وأستطيع أن أقول وأنا على ثقة ممَّا أقول: إنَّ الأطفال الذين استطاعوا في هذا العالم أن يعيشوا سعداء معنياً بهم وبتربيتهم وتخريجهم على أيدي أمهاتهم بعد موت آبائهم هم أضعاف الذين نالوا هذا الحظ على أيدي آبائهم بعد فقد أمهاتهم، وللرحمة الأموية الفضل العظيم في ذلك.
فليت شعري.. هل شكرنا للمرأة تلك النعمة التي أسدتها إلينا وجازيناها بها خيراً؟!
لا.. لا؛ لأننا إنْ منحناها شيئاً من عواطف قلوبنا وخوالج نفوسنا فإننا لا نمنحها أكثر من عواطف الحبّ والود، ونضنُّ عليها كل الضنّ بعاطفة الاحترام والإجلال، وهي إلى نهلة واحدة من نهلات الإجلال والاعظام أحوج منها إلى شؤبوب متدفق من الحب والغرام.
قد نحنو عليها ونرحمها، ولكنها رحمة السيد بالعبد، لا رحمة الصديق بالصديق، وقد نصفها بالعفَّة والطهارة، ومعنى ذلك عندنا أنَّها عفة الخدر والخباء، لا عفة النفس والضمير، وقد نهتم بتعليمها وتخريجها، ولكن لا باعتبار أنَّها إنسان كامل لها الحق في الوصول إلى ذروة الإنسان التي تريدها، والتمتع بجميع صفاتها وخصائصها؛ بل لنعهد إليها بوظيفة المربية أو الخادم أو الممرضة، أو لنتخذ منها ملهاة لأنفسنا، ونديماً لسمرنا ومؤنساً لوحشتنا، أي أننا ننظر إليها بالعين التي ننظر بها إلى حيواناتنا المنزلية المستأنسة لا نسدي إليها من النعم، ولا نخلع عليها من الحلل، إلا ما ينعكس منظره على مرآة نفوسنا فيملؤها غبطة وسروراً!
إنَّها لا تريد شيئاً من ذلك، إنَّها لا تريد أن تكون سرية الرجل ولا حظيته، ولا أداة لهوه ولعبه، بل صديقته وشريكة حياته.
إنَّها تفهم معنى الحياة كما يفهمها الرجل، فيجب أن يكون حظَّها منها مثل حظه.
إنَّها لم تخلق من أجل الرجل، بل من أجل نفسها، فيجب أن يحترمها الرجل لذاتها لا لنفسه.
يجب أن ينفس عنها قليلاً من ضائقة سجنها لتفهم أنَّ لها كياناً مستقلاً، وحياة ذاتية، وأنَّها مسؤولة عن ذنوبها وآثامها أمام نفسها وضميرها، لا أمام الرجل.
يجب أن تعيش في جو من الحرية الفسيح، وتستروح رائحته الأريجة، ليستيقظ ضميرها الذي أخمده السجن والاعتقال من رقدته ويتولى بنفسه محاسبتها على جميع أعمالها، ومراقبة حركاتها وسكناتها، فهو أعظم سلطاناً، وأقوى يداً من جميع الوازعين المسيطرين.
يجب أن نحترمها لتتعوَّد احترام نفسها، ومن احترم نفسه كان أبعد الناس عن الزلات والسقطات.
لا يمكن أن تكون العبودية مصدراً للفضيلة، ولا مدرسة لتربية النفوس على الأخلاق الفاضلة، والصفات الكريمة، إلا إذا صحَّ أن يكون الظلام مصدراً للنور، والموت علَّة للحياة، والعدم سلماً إلى الوجود.
كما لا أريد أن تتخلَّع المرأة وتستهتر، وتهيم على وجهها في مجتمعات الرجال وأنديتهم، وتمزق حجاب الصيانة والعفة المسبل عليها، كذلك لا أحبّ أن تكون جارية مستعبدة للرجل، يملك عليها كل مادة من مواد حياتها، ويأخذ عليها كل طريق حتى طريق النظر والتفكير.
وبعد:
فإمَّا أن تكون المرأة مساوية للرجل في عقله وإدراكه أو أقل منه. فإن كانت الأولى فليعاشرها معاشرة الصديق للصديق، والنظير للنظير. وإن كانت الأخرى فليكن شأنه شأن المعلم مع تلميذه والوالد مع ولده، أي أنَّه يعلمها ويدربها، ويأخذ بيدها حتى يرفعها إلى مستواه الذي هو فيه؛ ليستطيع أن يجد منها الصديق الوفي والعشير الكريم. والمعلم لا يستعبد تلميذه، والأب لا يحتقر ابنه ولا يزدريه!
\
\\
\
مما تصفحت واعجبني
محمد الســوالقه
لا يستطيع الأب أن يحمل بين جانحتيه لطفله الصغير عواطف الأم، فهي التي تحوطه بعنايتها ورعايتها، وتبسط عليه جناح رحمتها ورأفتها، وتسكب قلبها في قلبه حتى يستحيلا إلى قلب واحد، يخفق خفوقاً واحداً ويشعر بشعور واحد، وهي التي تسهر عليه ليلها، وتكلؤه نهارها، وتحتمل جميع آلام الحياة وأرزائها في سبيله، غير شاكية ولا متبرمة، بل تزداد شغفاً به، وإيثاراً له، وضناً بحياته، بمقدار ما تبذل من الجهود في سبيل تربيته، ولو شئت أن أقول لقلت إنَّ سر الحياة الإنسانية وينبوعها وكوكبها الأعلى الذي تنبعث منه جميع أشعتها ينحصر في كلمة واحدة هي "قلب الأم".
لا يستطيع الرجل أن يكون رجلاً حتى يجد إلى جانبه زوجة تبعث في نفسه روح الشجاعة والهمَّة، وتغرس في قلبه كبرياء التبعة وعظمتها، وحسب المرء أن يعلم أنَّه سيد وأنَّ رعيَّةً كبيرة أو صغيرة تضع ثقتها فيه، وتستظل بظلّ حمايته ورعايته، وتعتمد في شؤون حياتها عليه، حتى يشعر بحاجته إلى استكمال جميع صفات السيد ومزاياه في نفسه، فلا يزال يعالج ذلك من نفسه ويأخذها به أخذاً حتى يتم له ما يريد، وما نصح الرجل بالجد في عمله والاستقامة في شؤون حياته، وسلوك الجادة في سيره، ولا هداه إلى التدبير ومزاياه، والاقتصاد وفوائده، والسعي وثمراته، ولا دفع به في طريق المغامرة والمخاطرة، والدأب والمثابرة، مثل دموع الزوجة المنهلة، ويدها الضارعة المبسوطة.
ولا يستطيع الشيخ الفاني أن يجد في أخريات أيامه في قلب ولده الفتى من الحنان والعطف، والحب والإيثار، ما يجد في قلب ابنته الفتاة، فهي التي تمنحه يدها عكازاً لشيخوخته، وقلبها مستودعاً لأسراره، وهواجس نفسه، وهي التي تسهر بجانب سرير مرضه ليلها كله تتسمَّع أنفاسه، وتصغى إلى أنَّاته، وتحرص الحرص كله على أن تفهم من حركات يديه، ونظرات عينيه، حاجاته وأغراضه، فإذا نزل به قضاء الله كانت هي من دون ورثته جميعاً الوارثة الوحيدة التي تعدّ موته نكبة عظمى لا يهونها عليها، ولا يخفف من لوعتها في نفسها، أنَّه قد ترك من بعده ميراثاً عظيماً. وكثيراً ما سمع السامعون في بيت الميت قبل أن يجف تراب قبره أصوات أولاده يتجادلون، ويشتجرون في الساعة التي يجتمع فيها بناته ونساؤه في حجراتهن نائحات باكيات.
وجملة القول: إنَّ الحياة مسرَّات وأحزان، أمَّا مسرَّاتها فنحن مدينون بها للمرأة؛ لأنَّها مصدرها وينبوعها الذي تتدفَّق منه، وأما أحزانها فالمرأة هي التي تتولى تحويلها إلى مسرات أو ترويحها عن نفوس أصحابها على الأقل، فكأننا مدينون للمرأة بحياتنا كلها.
وأستطيع أن أقول وأنا على ثقة ممَّا أقول: إنَّ الأطفال الذين استطاعوا في هذا العالم أن يعيشوا سعداء معنياً بهم وبتربيتهم وتخريجهم على أيدي أمهاتهم بعد موت آبائهم هم أضعاف الذين نالوا هذا الحظ على أيدي آبائهم بعد فقد أمهاتهم، وللرحمة الأموية الفضل العظيم في ذلك.
فليت شعري.. هل شكرنا للمرأة تلك النعمة التي أسدتها إلينا وجازيناها بها خيراً؟!
لا.. لا؛ لأننا إنْ منحناها شيئاً من عواطف قلوبنا وخوالج نفوسنا فإننا لا نمنحها أكثر من عواطف الحبّ والود، ونضنُّ عليها كل الضنّ بعاطفة الاحترام والإجلال، وهي إلى نهلة واحدة من نهلات الإجلال والاعظام أحوج منها إلى شؤبوب متدفق من الحب والغرام.
قد نحنو عليها ونرحمها، ولكنها رحمة السيد بالعبد، لا رحمة الصديق بالصديق، وقد نصفها بالعفَّة والطهارة، ومعنى ذلك عندنا أنَّها عفة الخدر والخباء، لا عفة النفس والضمير، وقد نهتم بتعليمها وتخريجها، ولكن لا باعتبار أنَّها إنسان كامل لها الحق في الوصول إلى ذروة الإنسان التي تريدها، والتمتع بجميع صفاتها وخصائصها؛ بل لنعهد إليها بوظيفة المربية أو الخادم أو الممرضة، أو لنتخذ منها ملهاة لأنفسنا، ونديماً لسمرنا ومؤنساً لوحشتنا، أي أننا ننظر إليها بالعين التي ننظر بها إلى حيواناتنا المنزلية المستأنسة لا نسدي إليها من النعم، ولا نخلع عليها من الحلل، إلا ما ينعكس منظره على مرآة نفوسنا فيملؤها غبطة وسروراً!
إنَّها لا تريد شيئاً من ذلك، إنَّها لا تريد أن تكون سرية الرجل ولا حظيته، ولا أداة لهوه ولعبه، بل صديقته وشريكة حياته.
إنَّها تفهم معنى الحياة كما يفهمها الرجل، فيجب أن يكون حظَّها منها مثل حظه.
إنَّها لم تخلق من أجل الرجل، بل من أجل نفسها، فيجب أن يحترمها الرجل لذاتها لا لنفسه.
يجب أن ينفس عنها قليلاً من ضائقة سجنها لتفهم أنَّ لها كياناً مستقلاً، وحياة ذاتية، وأنَّها مسؤولة عن ذنوبها وآثامها أمام نفسها وضميرها، لا أمام الرجل.
يجب أن تعيش في جو من الحرية الفسيح، وتستروح رائحته الأريجة، ليستيقظ ضميرها الذي أخمده السجن والاعتقال من رقدته ويتولى بنفسه محاسبتها على جميع أعمالها، ومراقبة حركاتها وسكناتها، فهو أعظم سلطاناً، وأقوى يداً من جميع الوازعين المسيطرين.
يجب أن نحترمها لتتعوَّد احترام نفسها، ومن احترم نفسه كان أبعد الناس عن الزلات والسقطات.
لا يمكن أن تكون العبودية مصدراً للفضيلة، ولا مدرسة لتربية النفوس على الأخلاق الفاضلة، والصفات الكريمة، إلا إذا صحَّ أن يكون الظلام مصدراً للنور، والموت علَّة للحياة، والعدم سلماً إلى الوجود.
كما لا أريد أن تتخلَّع المرأة وتستهتر، وتهيم على وجهها في مجتمعات الرجال وأنديتهم، وتمزق حجاب الصيانة والعفة المسبل عليها، كذلك لا أحبّ أن تكون جارية مستعبدة للرجل، يملك عليها كل مادة من مواد حياتها، ويأخذ عليها كل طريق حتى طريق النظر والتفكير.
وبعد:
فإمَّا أن تكون المرأة مساوية للرجل في عقله وإدراكه أو أقل منه. فإن كانت الأولى فليعاشرها معاشرة الصديق للصديق، والنظير للنظير. وإن كانت الأخرى فليكن شأنه شأن المعلم مع تلميذه والوالد مع ولده، أي أنَّه يعلمها ويدربها، ويأخذ بيدها حتى يرفعها إلى مستواه الذي هو فيه؛ ليستطيع أن يجد منها الصديق الوفي والعشير الكريم. والمعلم لا يستعبد تلميذه، والأب لا يحتقر ابنه ولا يزدريه!
\
\\
\
مما تصفحت واعجبني
محمد الســوالقه