الورده النقية
عضو مميز
من المعروف أن الارتباط بين أهداف بعض المستشرقين الدارسين لتراث فلسطين المادي والروحي وبين أهداف الصهيونية كارتباط الخادم بسيده في عصور الرق والعبودية. ولو كان الاستعباد يتعدد بأشكاله فإن أهمها ذلك الاستعباد العقلي والنفسي، ولو تحرر الخادم لما وجد أي سبيل للعيش. لأن التخلص من العبودية التي جعلوها عادة منذ مئات السنين تحتاج لحرية نفسية كاملة تصبح فيها الروح منعتقة من أي ضغط خارجي وتصبح فيها النفسية حرة إرادية بكل معنى الكلمة ولذلك سيبقى العبد محباً للعبودية التي يخطط لها الاسياد دوما كي تبلقى الفوارق المصطنعة دائمة الوجود ومعنى هذا أيضا أن المستشرقين المنحازين يخضعون لتلك القويم العقلية والنفسية التي فرضها عليهم حسهم التعصبي وتعاطفهم الشديد مع الصهيونية.
غسل الادمغة الذي قام ويقوم به اليهود تناول خبايا العقل الأوروبي ودخل ثناياه وتغلغل في تصوراته تغلغل السرطان في الدم، تارة يجعلها عمياء لا تبصر الحقائق وتارة يدفعها للدفاع عن تاريخ مزعوم وتراث متوهم. وثالثة يرميها في مستنقعات التعصب المغطى ببعوض الحقد اللاسع ودود العلق الذي لا يشبع مهما امتص من دماء.
ما يثير التحفز نحو مثل هذا الحديث هو المطب الذي يقع في كتاب التراثيات العرب الذين راحوا يدرسون تراث فلسطين القديم وغيره من تراثيات الشعوب العربية القديمة معتمدين على نتف كلامية استشراقية وإرهاصات غربية بدأها علماء الغرب وهي تمتلئ بالسم والزيف وقلب الحقائق.
إن البحث الاسشراقي منذ عدة قرون وحتى الآن يضع الخطوط العامة والتفصيلية والتي من خلالها يبحث ، وعلى ضوء فكرته المنحازة يدرس ،وإذا تساءلنا عن غايات حركة الاستشراق هذه وجدنا أن خليطاً من الإجابات والتصورات تكتنف آراءنا.
إن ما وصلنا من النصبة الكبيرة من كتبهم وآرائهم يقوم على أساس واحد يقول : البحث في تراثيات فلسطين وآثارها هو من أجل تثبيت ما جاء في الكتاب المقدس (التوراة) . وبالتالي من أجل تدعيم وجهة النظر القائلة بأن فلسطين حق مشروع لأصحاب هذه التوراة.
ومن هنا يمكن دراسة وجهة النظر هذه التي تشكل إحدى مشاكل هذه البحوث ونضع تصوراتنا حول دراسة تراث فلسطين وشعبها.
أما المناهج المعتمدة في دراسة التراث حسب رأي المستشرقين . فهي:
الاعتماد على دراسة النصوص الأثرية الكنعانية وغيرها لاثبات أن ما جاء فيها قد ورد في التوراة. وأن التوراة هو ، الأصل التدويني والنصوص الكنعانية وكشوفاتها هي فروع وتابعة.
الاعتماد على دراسة التوراة ومن ثم دراسة النصوص الكنعانية ليقال إننا على ضوء الكتاب المقدس نستطيع حل رموز حضارة فلسطين وتراثها التي هي حق لليهود.
الاعتماد على دراسة مكتشفات الآثار العربية، والآشورية. البابلية ـ إبله. أوغاريت ليقال إننا مع رأي التوراة القائل بأن اليهود يساهمون منذ أقدم العصور في بناء حضارة الشرق لا سيما في سوريا وفلسطين والأردن ولبنان والعراق ومصر. أي المنطقة التي يحددها حاخامات اليهود لتكون دولة إسرائيل الكبرى.
وليقولوا بالتالي إن اليهود لعبوا الدور الأهم في بنائها وتثقيف شعوبها والحفاظ على مدوناتها ومن خلال المناهج الثلاثة تظره غاية حركة الاستشراق المنحازة. إنها غاية واحدة وقائلة: إن التوراة هو أقدم ما دون عن التاريخ التراثي للمنطقة وهو المرجع الاساسي لمعرفة كل ما يتعلق بماضي المنطقة . وأن اليهود هم أقدم المتحضرين والمؤثرين في مجرى أحداث الشرق وماعداهم شعوب متخلفة متوحشة تحتاج دائما لعبقرية اليهود وافكارهم!
ولما كان اليهود يمدون أخطبوطهم إلى كل مكان وإلى كل عقل فإنهم استطاعوا التأثير على المستشرقين المسيحيين والذين أصبحوا بلا أدنى شك يؤمنون أن التوراة هو أساس الديانة المسيحية وهو المصدر الأساسي الوحيد لتدوين التراث التاريخي والديني والأسطوري والاجتماعي في العالم.
ومن خلال يذلك يبدو الخطر واضحاً، أحادية في الرؤية. قدرة في التأثير، ومتابعتهم في دراسة تراث فلسطين كانت من جانب واحد وحسب رأي واحد هو رأي الجانب اليهودي الصهيوني والأستشراقي الذي ينضم إليه. وأمام ذلك فهو يحورها ويزورها حسب هواه ونحن غافلون أيادينا مشلولة عن الكتابة وعقولنا معطلة عن التفكير وحركتنا جامدة عن التفتيش. أمام عيوننا تعبث الأفكار والأيدي بأغلى ما يعزز وجودنا وهو التاريخ التراثي لشعبنا وأمتنا.
ولا شك أننا بحاجة الآن لتفحص العلاقة بين حركة الاستشراق والصهيونية.
نحن لا نتعدى بحثنا خطوط الغاية المقصودة من وراء هذه الغاية المقصودة من وراء هذه الغاية أما تاريخها فمجاله آخر يتصدى له مؤرخو العلاقات الانسانية والسياسية.
إن علامات واضحة تدل على ربط بعضهم بين التوراة والانجيل. وهذا ما سعت إليه الصهيونية أصبحوا يرون في التوراة أساساً للانجيل. فيجمعون الاثنين تحت عنوان الكتاب المقدس وهذا الربط أدى في كثير من محافل الكنائس الأمريكية إلى القول إن اليهود هم أصل المسيحيين روحاً وديناً فيجب الدفاع عن هذا الرباط المقدس.
غير ان بعض المسيحيين المنصفين فصلوا بين ذا وذاك حتى أنهم عرفوا الحقيقة القائلة إن التوراة واليهودية هما ضد النصرانية والاسلام وكثيرون نادوا بالفصل بين التوراة والانجيل لأن التوراة صنعت صنعاً ولم يبق من صحف موسى شئ. فهي تدعو للقتل والاستعمار وطرد الشعوب واستعبادها بينما الانجيل يدعو إلى التسامح. وعلى ذلك فالدين المسيحي دين عالمي بينما اليهودية دين عنصري تعصبي خاصة على ضوء ما كتب في التوراة من قبل أحبار اليهود.
وعندما راحت أفكار المستشرقين تسيل لعابها لهذه الغايات أسست الجمعيات وأشرف عليها الزعماء والملوك وأخذت تبث أنفاسها المدنسة هنا وهناك.
أ - ففي عام 1865 أسست جمعية اكتشاف فلسطين في لندن Palectene Explonation Found Society والغرض من الجمعية البحث وفق منهج دقيق ووثيق!! في آثار فلسطين وذلك من أجل إيضاح التوراة.
ب- قام العالم البريطاني جلوك بالبحث في تراث فلسطين وتوصل إلى نتيجة قائلة: كلما ذهبت مستكشفا في وادي الأردن أو وادي عربة أو أي جزء من شرقي الأردن كنت استعمل التوراة كدليل!! للآثار وأثق بمعلوماتها وشواهدها.
ج-ومن أهم المستشرقين الذين قاموا برحلات ودراسات تراثية وأثرية في فلسطين وكانت غايتهم تثبيت ما جاء في التوراة ـ الفرنسي لويس فيلسيان دو مولي ـ 1807 ـ 1880 وقد استخدم لدعم نظرته أسولبا ينم عن تحيز واضح للغايات اليهودية لاسيما في كتابة ـ رحلة إلى البحر الميت والأراضي المقدسة عام 1850.
د ـ ومثله أيضاً العالم أرنست رينان الذي كتب تصوراته في كتابه «بعثة في فينيقيا».
هـ ـ وكذلك الأب ماري جوزيف دو جبران.
وـ وتشارلز موريه دون في كتابه Jouanald un Voyage Enorit.
يقول: إن آباءنا الصليبيين تركوا على هذه الأرض ذكرى بطولاتهم وآثار دمائهم التي أريقت في سبيل تحرير الشعوب المسيحية وها نحن نقتفي اليوم أثرهم!!
زـ ومن هؤلاء أيضا الكونت دو باري 1838-1894 والبارون لودفيك دوفو.
وقد قام المستشرقون جون جار ستانج 1876-1956 بفحص الخطوط المتعلقة بدخول الاسرائيليين إلى أرض كنعان وهو الموضوعات التي تجذب اهتمام كثير من علماء التوراة.
وهذا غيض من فيض من أسماء المستشرقين والمنقبين والتراثيين الذين استعبدتهم الدعاية اليهودية والتعصب الديني ليدعموا مقولات الحق المقدس للتوراة ويرفعوا قيمها فوق كل القيم بعد ذلك كله نرى أن دراسة التراث الفلسطيني العربي والتي جاءت على يد المستشرقين هؤلاء ليس إلا كمن يضع السم في الدسم. والذي يخيف أن هؤلاء صدروا كتبهم ودراساتهم لنا وضمن زمن بطيء وبأسلوب يقال عنه (علميا) حتى نصل بالنهاية إلى اقتناع أن لليهود الحق في أرض فلسطين . ولما لم تكن الدراسات الواقعية موجودة أو محاربة في العالم الغربي فإن ما يصلنا عن حقيقة تراث فلسطين يظل مشوشاً في الأذهان لا تدعمه النظرة الموضوعية ولا الوثائق الواقعية التي نستطيع من خلالها ـالصمود ـ تراثياً ـ أمام الاخطبوط الصهيوني.
ومن هنا يأتي الرد الصحيح على كافة هذه الدراسات المستهدفة خلق الاقتناع بالقوة أن فلسطين حق لليهود وليس للعرب.
وهنا أيضا لابد من الاشارة الى الأمور التالية:
التدقيق الواعي بما يكتبه هؤلاء المستشرقون والباحثون عن تراث فلسطين.
الكتابة الجادة والموثقة والمدعمة والداحضة لمزاعم أحقية اليهود في التراث الفلسطيني.
تدعيم وجهات نظر الكتاب المنصفين في أوروبا وغيرها.
تدوين المأثورات وحفظ الآثار والشفاهيات الكنعانية وغيرها والداعمة للبحث العلمي الذي يبرهن على صحة الواقع.
ولعلنا هنا بحاجة لايضاح الموضوعاتالهامة التي يمكن التركيز عليها وهي مجال بحث وتدقيق حتى نصل إلى حقائق البحث في التراث الفلسطيني :
على مستوى التصورات الاسطورية الكنعانية والمعتقدات وبعض العادات.
على مستوى الصلات التاريخية بين الفلسطينيين وغيرهم من شعوب الحضارات القديمة.
دور اليهود التخريبي اللصوصي.
دور التوراة في التشويه والتزوير ومنافاة الواقع والحقائق العلمية التراثية.
على مستوى اللغة والثقافة والفكر.
يرى الباحث صموئيل هنري هوك ، ان الحضارة الكنعانية نظراً لاقتحامها المبكر للبحرين الأبيض والأحمر لعبت دور الوسيط في حمل تراثي بابل ومصر والابحار به ونشره على طول المتوسط وساحله.
ويقول في مجال آخر والكنعانيون هم أول من سكن فلسطين قبل بدء العصر التاريخي أي قبل وجود العبرانيين بمئات السنين.
ولعل أهم ما يكشف عن الأسطورة الفلسطينية ومعتقدات الكنعانيين اكتشافات رأس شمرا (أوغاريت). فهي التي توضح أساطير الخلق التي تدور حول الاله إيل والاله بعل وبقية الآلهة الكنعانية. وتوضح الصراع الذي دار على مدى زمن طويل بين آلهة الخير وقى الشر المتمثلة بالتنين ليوثان. ولسنا هنا بصدد إيراد الأسطورة الفلسطينية وحيثياتها فالأمر يحتاج لبحث آخر. أما ونحن نرد على هؤلاء المزيفين نورد بعض ما أكده الباحثون المنصفون حول تراث فلسطين وآثارها.
إن كافة الاثريات والحفريات والكشوفات في البحر الميت وحوله وفي القدس والكرمل تدل دلالة قاطعة على الصلة الوثيقة بين الشعب العربي الكنعاني وبين الأرض وليس للعبريين أي دور في تاريخ هذه الأرض سوى دور الغزو والتخريب وتخلف الحضارة.
ويرى هوك في كتابه منعطف المخيلة البشرية أن الكشوف السومرية اللاسامية في العراق توضح أصل التوراة ومنشأها إن تراث العبرانيين هو تراث السومريين وصل اليهود عن طريق الوساطة الكنعانية.
إضافة إلى ذلك كله فإن العبرانيين أخذوا عن الكنعانيين أساطير الخلق ودونوها في التوراة حسب مقتضيات مصلحتهم. وحين نعلم أن تدوين التوراة قد تم قبل الميلاد بأقل من 600 سنة لعرفنا كم هو الزمن الفاصل بين وجود شعب كنعان وبين وجود العبرانيين.
وتتوسع الاسطورة الكنعانيين وتراثها لتصل حدودها من جنوب فلسطين إلى رأس شمرا في اللاذقية ويبدو التأثر والتأثير في العلاقة الميثولوجية بين تصوراتهم وتصورات البابليين والمصريين. فقتل التنين ـ لوثان من قبل الاله الكنعاني بعل اسطورة وجدت في الاساطير الأكادية.
حيث التنين تعاملت والبطل الاله مردوخ قتله وخلص البشرية من شره . كل ذلك سرقه العبرانيون لكنهم لم يحسنوا السرقة!! حيث تتخبط نصوص التوراة في الحديث عن الوحش الذي قتله ـ ياهوه.
وتشابه أسطورة الطوفان عند الكنعانيين مع أسطورة الطوفان عند البابليين. غير أن التوراة سرقت كل ذلك ودونته وأكد ذلك ما كشفه الباحثون أثناء تصديهم لدراسة التراث البابلي والكنعاني. ويعلق هوك حول ذلك بقوله: إن أسفار التكوين الأحد عشر الأولى تنتمي بكاملها إلى الميثولوجيا الكنعانية.
لقد أخذ اليهود فكرة التوحيد الالهي عن الكنعانيين الذين اعتبروا الاله إيل هو الخالق المحتجب الذي يملك صفات فريدة فهو خالق المخلوقات ، والأبدي وأبو البشر والآلهة.وهو لطيف وشفوق. إله المحبة والسلام. خالق الأرض وهذه الصفات هي التي وجدت مدونة في نصوص أوغاريت. فما أضفاه العبرانيون من صفات حميدة على دينهم وتصوراتهم الالهية هو للكنعانيين ولا يمتلكون هم لتصوراتهم الدينية سوى الغزو والدمار للأرض واستعباد الناس. فنرى على سبيل المثال تصورهم لياهوه ـ حيث يقول : إذا دخلتم قرية أو مدينة. فاطردوا أهلها أو استعبدوهم واحرثوا أرضها. وهذا ما يفعله اليهود الصهاينة اليوم.
ولو عرجنا على اللغة التي هي وسيلة التدوين لوجدنا أن العبرانيين سرقوا الكثير الكثير من اللغات المتحضرة ودونوا بها ما سرقوه من تراث وكان المطب أكبر مما يتصورون:
يقول هوك : (إنه أصبح ثابتا أن الميثولوجيا الكنعانية تركت علامات ملموسة في الشعر والميثيلوجيا العبريين).
حوّر اليهود في مفاهيم وعبارات كنعانية كثيرة فنرى من ذلك مثلا . إشارة كنعانية في أسطورتها تقول . (لأن الله هذا هو إلهنا إلى الدهر والأبد وهو يهدينا حتى إلى الموت) يسرقها اليهود وتصاغ على النحو التاري: (إلهنا الباقي إلى الأبد دليلنا ضد الموت).
عند اكتشاف المستشرقين الطبيان لحضارة إيبله قام اليهود وقعدوا وقالوا إن لفظة عبيروا وابرايم وغيرها هي من الكلمات العبرية. وهذا يعني أن حضارة إيبله أخذت عن العبرانيين. ورد عليهم علماء الآثار الطليان بقولهم إن الكشوف تثبت دون أدنى شك أن حضارة إيبله وحدت قبل وجود العبرانيين بأكثر من ألف سنة.
ويتضح من خلال كافة الدراسات والأثريات أنه لا علاقة لليهود بالآراميين أو الأموريين الذين جاء منهم ابراهيم ومن المرح أن اليهود الأصليين ينحدرون من بقايا الشعب الحثي بعد سقوط مملكة الحثيين و انتشارهم في البلاد، ويطلق اسم عبرانيينأو يهودكما جاء في لوحات رأس شمرا (أوغاريت) على جماعة موسى.
ويتضح مما تقدم أن لا علاقة لليهود بابراهيم الآرامي وليس لهم صلة بتراث المنطقة وعلاقتهم هي من خلال سرقة شعوب المنطقة وسرقة تراثها والزعم أنه تراثهم ونرى أن الصراع التراثي بيننا وبين الصهاينة لن يدوم طويلا لأن الكشوف والبحوث ستسقط كل ما تبقى من زعمهم حول أحقيتهم ملك تراث فلسطين.
وقد قال الأستاذ كامل زهيري معلقاً: (إن اليهود جنس تراجيدي غريب واصل تطوافه المتصل الدائم من مجتمع لآخر ومن قارة لأرخى على طول تاريخهم القديم والحديث مما أكسبهم لفولكلور ومعتقدات تلك الشعوب التي عاشروها واتصلوا بها منذ نزولهم فلسطين واتصالاتهم وتعاملهم مع الكنعانيين والأموريين وامتصاصهم الدائم لتراث هذه الأقوام).
أخيراً تقول: مهما زعم المستشرقون ومهما حاولوا فإن حقائق الكشوفات والدراسات التراثية تقف صلبة ثابتة إلى جانب الحق العربي الفلسطيني في امتلاك تراثه والدفاع عنه ودحض المزاعم الصهيونية وفضحها أمام العالم.