علمتني الحياة
عضو نشيط
أسرى الحب والجمال.. غرقى الوهم والخيال
تقول القصة إن رجلا أراد أن يبيع بيته لينتقل إلى بيت أفضل فذهب إلى أحد أصدقائه -رجل الأعمال وخبير العقار والتسويق- وطلب منه أن يساعده في كتابة إعلان لبيع المنزل. ولأن صاحبه يعرف البيت جيداً فقد كتب وصفاً مفصلاً أشاد فيه بالموقع الجميل والمساحة الكبيرة والتصميم الهندسي المميز ثم تحدث عن الحديقة وحمام السباحة.. إلخ. وبعد يومين قرأ كلمات الإعلان على صاحب المنزل الذي أصغى إليه في اهتمام شديد وقال: أرجوك أعد قراءة الإعلان! وحين أعاد الكاتب القراءة بادره الرجل: يا له من بيت رائع.. لقد ظللت طويلا أحلم باقتناء مثل هذا البيت. ولم أكن أنتبه لكل تلك المواصفات والمزايا حتى سمعتك تصفه. ثم ابتسم قائلاً: من فضلك لا تنشر الإعلان فبيتي غير معروض للبيع!!.
قصة يتم تداولها كثيرا هذه الأيام عبر الوسائط والرسائل الإلكترونية قد تكون حقيقية وقد لا تكون!! ولكن الواقع يثبت أننا جميعا نكاد نتشارك جانبا من هذه القصة. ونتقاسم بعضا من شخصية هذا الرجل.
قد نقضي أمدا طويلا في السعي لاستيفاء حاجياتنا ورغباتنا واستكمال ما ينقصنا. فتضيع من أيدينا الكثير من لحظات ومعاني الأُنس والاستمتاع بما لدينا.
نبحث بعيدا. عن المزيد من السعادة - الجمال - لذائذ الحياة. فنفوّت على أنفسنا التركيز على محيطنا والنظر القريب السهل لما هو أمامنا مباشرة!
لا يقتصر الجهل وعمى البصيرة هنا على انشغالك بملاحقة المفقود. عن المحافظة والاحتفاء بالموجود. بل قد يزداد الأمر سوءا حين تكون عاجزا عن رؤية ذلك الموجود والاعتراف به.
يرفلُ الواحد منا في حلل العطايا والمنح الإلهية والتي لو قضى العمر كله ساجدا ذاكرا حامدا ما أوفى ربه حق الشكر والثناء عليها. ومع ذلك لا تلقاه إلا ساخطا متبرما يندب حظه العاثر. يقارن ظروفه وأحواله بالغير مقارنات ظالمة باطلة. يطارد الخيال والأوهام والمستحيلات. متجاوزا فضيلة الرضا مع الطموح. إلى رذائل الجشع والطمع وإنكار النعم.
إن الإيمان الراسخ بأن الله لا يظلم أحدا. وأنه المدبّر مقسم الأرزاق والأقدار. لا يقضي لك إلا خيرا يُفضي إلى سرور القلب وطمأنينة النفس والرضا الجميل بما وهب الرب. ثم التسليم والصبر على محن ونوائب الدهر.
كما أن الكفَّ عن التذمّر والشكوى. وتذكير النفس بما هي فيه من نعم ومحاولة التأمل والتفكير فيها يورث الكثير من القناعة وراحة البال. ما يمكّننا من تقبل الواقع والتعايش معه، واستطلاع مكامن الأمل والجمال والإيجابية في حياتنا وفيمن حولنا، وبالتالي استثمار ذلك في التكيف والاستقرار والتمكين للسعادة.
إن كنت ممن لا يرى في عالمه إلا السواد والكدر، ولا يلحظ في شريكه أو قريبه أو جاره أو حتى مجتمعه إلا النقص والتقصير والسوء، فأصلح عيوبك وابدأ بنفسك وثق أن الخلل في شخصيتك قبل أن يكون في غيرك! لأن سنن الله جرت بتعاقب المسرّات والأحزان، والضيق والفرج. وأنه ما من مخلوق خلقه الله إلا ويجمع نوازع الخير والشر، وأن غالبية من تعرفهم يمكن غمر زللهم أو نقائصهم اليسيرة في بحر شمائلهم وفضائلهم الجمّة.
لا تصرف العمر لاهثا وراء أوهام الحب والجمال والمثالية والثراء.. فالسعادة والإحساس بها ينبعان من داخلك. فقط اسمح لعينيك أن ترى ما حولك، ووجّه طاقتك وفكرك وعاطفتك التوجيه الأمثل.
